الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بدرالدين عرودكى : على المثقف أن يكون معارضاً ومثيراً للإزعاج







 
 
«الأهمية الاقتصادية لبعض بلدان الحراك الثورى العربى (ليبيا) أو الاستراتيجية (مصر وسورية) ستدفع الغرب وأمريكا إلى التأثير على نحو يكفل لهم استمرار مصالحهم حتى لو كان هذا الاستمرار مضاداً لكل ما طمح الثوار إلى تحقيقه»... بهذه الكلمات لخص السورى بدرالدين عرودكى كاتب ومترجم وناشط فى المجال الثقافى والفكرى رأيه فى موقف أمريكا واوروبا من ثورات الربيع العربي، مؤكدا أن التغيير السريع للأنظمة العربية أدى لمشكلات لا يمكن حلها بنفس السرعة تعيشها الدول العربية الآن، كما يرى عرودكى الذى يعيش فى باريس منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي، وشغل عدة مناصب فى معهد العالم العربى فى باريس كان آخرها المدير العام المساعد، أن هموم ومشكلات المثقف العربى تختلف جذريا عن هموم ومشكلات المثقف الغربى لاختلاف الهموم والتحديات المجتمعية التى يعيشونها... عن هذه الموضوعات وترجماته لميلان كونديرا وما يرى أنه تبقى من طه حسين للثقافة العربية يدور هذا الحوار:
 
 
 
 
■  كيف تتأمل التحولات المتسارعة فى العالم العربى الآن؟
- كان لابدّ من أن تنفجر أخيراً ثورات الشعوب التى لم تعرف من الحرية إلا لفظها ومن الكرامة إلا اسمها ومن الحياة الكريمة إلا المذلة والعبودية طوال ما لا يقل عن نصف قرن، أى منذ سنوات الانتكاسات الكبرى. لن يكون هذا التحول متسارعاً وإن بدا فى ظاهره كذلك. صحيحاً أن أنظمة الحكم قد انقلبت بسرعة كبيرة خصوصاً فى تونس ومصر وليبيا بالمقارنة مع سورية، لكن انقلاب هذه الأنظمة يطرح كما نرى الآن من المشكلات ما كان منتظراً وما لا يمكن حله بالسرعة ذاتها. الزمن هنا عامل شديد الأهمية، والأهم منه هو أن يستمر النَّفَسُ الثورى حاضراً وقوياً للحيلولة دون العودة إلى وراء بفعل القوى المضادة للثورة وما أكثرها.
■ كيف ينظر الغرب لثورات الربيع العربي؟
- فوجئ الغرب بالحراك الثورى بعد أن ظن أن العالم العربى قد غاب فى سهاد طويل دفعه إلى إقامة علاقات وثيقة مع الأنظمة الدكتاتورية أو الاستبدادية أو الفاسدة فى العالم العربى متجاهلاً كل ما ينادى به من ضرورة احترام حقوق الإنسان والديمقراطية. لكنه بعد الصدمة حاول أن يستوعب ما يحدث وأن يعمل على التأثير فى مجراه بصورة أو بأخرى.. ولا يزال. من المؤكد أن الأهمية الاقتصادية لبعض بلدان الحراك الثورى العربى (ليبيا) أو الاستراتيجية (مصر وسورية) ستدفعه إلى التأثير على نحو يكفل له استمرار مصالحه حتى لو كان هذا الاستمرار مضاداً لكل ما طمح الثوار إلى تحقيقه .. ومن هنا جانب من الكوارث التى نعيشها الآن فى بلدان الحراك الثورى العربى كافة.
■ ما رؤيتك للولادة العسيرة للثورة السورية والوضع المتأزم هناك؟
- ليست ولادة عسيرة، الثورة السورية ولدت كاملة وواعية. وهى الآن قائمة ومنذ سنتين بلا كلل. العسر موجود فى تحقيق أهدافها بالسرعة التى تم فيها ذلك فى البلدان العربية الأخرى، لقد قمع النظام سلمية الثورة باختياره الحل الأمنى ودفعها إلى أن تكون ثورة مسلحة، كما أنه احتمى بكل القوى ذات المصلحة فى سورية ولا سيما إيران، لكن المهم الآن هو أنه لن تكون ثمة عودة إلى الوراء، فالناس الذين واجهوا أعتى سلطة عرفتها المنطقة فى تاريخها لن يرضوا بأقل من كسر النظام وتفكيكه بكل أدواته الأمنية والقمعية وتقديم رجاله ونسائه إلى المحكمة احتراماً للشهداء والمشردين والمفقودين، ولمن عانوا استبداد هذه الطغمة واستئثارها بخيرات هذا البلد العريق.
■ إلى أين وصلت فى ترجمة أعمال ميلان كونديرا؟ ومن أقرب الكتاب العرب الى كونديرا؟
- لم أترجم من أعمال كونديرا سوى ثلاثة كتب -من أصل أربعة الآن- خصصها لتقديم تأملاته فى فن الرواية وهي: «فن الرواية»، و«الوصايا المغدورة»، و«الستار»، أما الكتاب الرابع «لقاء» فقد ترجمته ولم أنشره بعدُ لأسباب لا مجال لعرضها هنا، عندما بدأت فى ترجمة العمل الأول منها، فن الرواية، وقد تمّ نشره أولاً فى المغرب، كان يدفعنى إعجاب غير محدود بروائى يحكى جذوره الفنية التى حددها فى ما أطلق عليه الرواية الأوربية، كما تجلت بصورة خاصة فى روايات إرنست بلوخ، وفرانز كافكا. كانت هذه التأملات تعنى لى الشيء الكثير نظراً لأنها تصدر عن روائى يمارس فن الرواية بنجاح قلَّ نظيره فى عصرنا، وفى الوقت نفسه لأن قراءته للرواية الأوربية عموماً تختلف اختلافاً جذرياً عن قراءة النقاد التقليديين أو مؤرخى الرواية الكلاسيكيين.
أما بالنسبة للجزء الثانى من سؤالك، عن الأكثر قرباً إلى كونديرا من الكتاب العرب، فإنى أسألك بدوري: هل من الضرورى أن يكون الروائى العربى قريباً من أو بعيداً عن كونديرا أو أى كاتب آخر سواه؟ لا أرى بصراحة معنى للقرب أو للبعد إلا فى ميدان رؤية العالم. وكلُّ ما عدا ذلك عبث وقبض الريح.
■ ترجمت كتاب «معك» لسوزان طه حسين .. برأيك ما الذى تبقى من طه حسين الآن؟
- فى المقدمة التى كتبتها للطبعة الأخيرة التى صدرت عن المركز القومى للترجمة تحدثت عن قصة الكتاب وترجمته التى كان فى أساسها العالم والمؤرخ الاجتماعى الفرنسى جاك بيرك. فقد خصص فى السبعينيات وبعد وفاة طه حسين درسه الأسبوعى فى الكوليج دوفرانس خلال سنتين ليتحدث عنه وعن دوره الثقافي، وهو من أوحى لسوزان طه حسين أن تكتب عن الجانب الحميمى فى حياة زوجها والذى أدى إلى كتاب «معك». كان جاك بيرك قد اقترح على سوزان طه حسين إن كتبت الكتاب أن يقوم بترجمته مترجم سورى لإعطاء طه حسين بعداً عربياً، وأن يراجع الترجمة كاتب تقدمى لإعطاء طه حسين بعداً مستقبلياً. ووقع اختياره عليّ كمترجم وعلى محمود أمين العالم كمراجع. يلخص هذان البعدان فى رأيى معنى ما أنجزه طه حسين فى حياته. لقد كان حدثاً فى تاريخ الثقافة العربية على الأصعدة كلها: صعيد حرية التعبير، صعيد النقد العميق للتراث وللتاريخ وللمناهج التقليدية، صعيد التزام الكاتب بمشكلات مجتمعه، صعيد الرؤية المستقبلية للثقافة وللتربية فى بلده.. والقائمة لا تنتهي. كان أول من هاجم طه حسين هم أؤلئك الذين يحاولون حتى اليوم إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ولا يزالون يحاربونه حتى وهو فى قبره، شأنه فى ذلك شأن الكثرة من كتاب ومفكرى مصر التنويريين الكبار.. لكن طه حسين سيعود لاحتلال الساحة من جديد، وسيظل علماً من أعلام حرية الفكر والاجتهاد واستقلال الرأى عن كل سلطان، أياً كانت سلطة هذا السلطان..وإنى لأعتبر أن شباب مصر الذين قاموا بثورة 25 يناير هم من حيث لا يدرون أبناء طه حسين بامتياز..
■ كيف تتأمل الدور الثقافى لمعهد العالم العربى فى باريس بعد الربيع العربي؟ وما العقبات التى تحول دون ممارسة دوره؟
- معهد العالم العربى مؤسسة فريدة من نوعها فى العالم. وهو أيضاً فريد فى قيامه دليلاً على إهمال الأنظمة العربية لشئون الثقافة الحقيقية، أعنى الإبداعية، المستقلة، الحرّة، المسئولة ولكن غير الخاضعة لأيِّ قيد من القيود التى يفرضها الاستبداد فى وجوهه المختلفة. ذلك أنَّ بعضها فهم رسالة المعهد على أنه مركز دعائى له. فحاول طوال عقدين كبح الاستفادة من تواجد المعهد فى بلد ينعم بالحرية كفرنسا والحيلولة دون تقديم صورة حقيقية عن العالم العربي. لكن المعهد، مع ذلك، استطاع أن يبتكر هامش حريته فقدم ما استطاع حتى احتلّ موقعاً مميزاً فى المشهد الثقافى الباريسى خصوصاً والفرنسى عموماً بل والأوربي. لكن الربيع العربى جاء ليكسر القيود التى كانت تكبل المعهد وأمكن منذ بدايات عام 2011 سماع خطابات وفكر وأداء، حتى فى طبيعة المعارض المنظمة، تختلف اختلافاً جذرياً عما سبق. 
لكن العقبات لا تزال هى نفسها، وتتجسّد خصوصاً فى مشكلة التمويل. لا تزال فرنسا هى المموّل الأكبر للمعهد ولنشاطاته. والحل الذى اقترحته على الدول العربية بتخصيص وقف يتألف من ديون الدول العربية الواجبة للمعهد بدلاً من الإسهامات السنوية لم يكن حلاً موفقاً ولا ناجعاً أصلاً.. وكان توقف الدول العربية عن الإسهام المالى السنوى سبباً فى لجوء المعهد إلى التخفيف من نشاطاته بل وإلى تسريح عدد كبير من موظفيه. الدولة العربية الوحيدة التى اهتمت بحل مشكلات المعهد المالية كانت دولة الكويت التى تبرعت بأربعة ملايين يورو وقامت بتسديدها لإعادة تأهيل متحف المعهد وكذلك مكتبته العامة من دون أيّ مقابل.
■  برأيك .. هل تتطابق هموم المثقفين العرب مع المثقفين فى أوربا أم تختلف؟
لا، بالتأكيد لا، المشكلات التى يواجهها المثقف العربى فى مجتمعه تختلف جذرياً عن تلك التى يواجهها المثقف الغربى لسبب بسيط، بالطبع يتجلى فى اختلاف هموم المجتمعات الغربية عن هموم المجتمعات العربية، لا يواجه المثقف الغربى الاستبداد، أو انعدام الحريات بما فيها حرية الفكر، أو القمع اليومى والممنهج؛ فى حين يواجه المثقف العربى الاستبداد وانعدام الحريات والقمع اليومى باسم المقدسات أو ما يُزعمُ أنه المقدسات تارة وضرورات الأمن تارة أخرى...أنتَ ترى أن الهموم ليست نفسها. يستطيع المثقف الغربى أن ينتقد السلطة الحاكمة من قمتها إلى قاعدتها نقداً لاذعاً وقاسياً ويعود إلى إلى بيته دون أن يقلق على حياته أو أمنه (قد يصادف بعض الإزعاج فى أمور معيشته إن كان يعمل فى إطار مؤسسات عامة مثلاً)، لكنه يظل آمناً على حياته وحياة أهله. وليس ذلك على الإطلاق حالَ المثقف العربي. من الطبيعى أن المعنيَّ هنا هو المثقف العربى المستقل لا ذلك الذى دجنته السلطات على اختلافها.