الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

اللبنانى سلمان زين الدين: الشاعر الذى لا يبشّر بـ«الربيع» يضع مصداقيّته على المحك




 
وجد الشاعر والناقد اللبنانى سلمان زين الدين حلا لإشكالية المبدع والناقد، وذلك كونه يمارس العمل، فهو لا يسمح للناقد أن يتسلط على الشاعر ويقتله بأوامره ونواهيه، ويقول: لا أحد يستطيع أن يبدع ومسدّس النقد مصوّب إلى رأسه، وفى المقابل، الإبداع فى ظل الحرية الفنية المطلقة والتحرر من المعايير الجمالية المتواضع عليها قد يؤدى إلى القطيعة مع التاريخ الشعري، والانقطاع عن الجغرافيا البشرية الشعرية».
 
صاحب «أقواس قزح» يرى أن ما أصدره نجيب محفوظ على سبيل المثال فى أواخر عهده بالكتابة لا يستوى مع ما أصدره فى أوائل عهده وأواسطه، ويقول: «على المبدع أن يعرف متى يتوقف عن الكتابة، وأن لا يتكىء على اسمه الكبير الذى حققه فى مراحل سابقة»..حول ديوانه والربيع العربى كان لنا معه هذا الحوار.
 
 
■ هل ترى الوجود مزدحماً بالألوان كما تدل مجموعتك الشعرية الأخيرة «أقواس قزح»؟
  - الوجود مزدحم بالألوان منذ فجر التاريخ، وهو لم يكن يوماً أحادى اللون، ولعل هذا الازدحام هو ما يمنح الوجود سحره وجماله، فهل تستطيع تخيّل وجود دون سماء زرقاء، ونجوم صفراء، وشمس ذهبية، وقمر فضي، وبحر أزرق، وسهول وغابات خضراء، وصحارى رملية، ودرب تبّانة بيضاء؟، أمّا بالنسبة للوجود البشرى فى هذه اللحظة التاريخية الذى يجتاحها السواد فى مناطق معيّنة، فأنا أعتقد أن هذا الاجتياح عارض ومؤقّت، مع العلم أن اللون الأسود قد يكون ممرّاً إلزاميّاً إلى الفجر، وسيطرة لون واحد على ما عداه فى مراحل معيّنة هى الاستثناء، بينما القاعدة هى تعدّد الألوان، نعم الوجود ملوّن، وليس بالأبيض والأسود، وأنا أصر على رؤية هذا التعدد اللونى حتى من خلف اللون الواحد الذى يطغى فى بعض الأحيان.
 
■ يتناول الديوان قضية التقدم فى العمر، فهل كلّما تقدم الإنسان فى العمر نضجت موهبته أم يصيبها العطب؟
- الجواب يتوقف على درجة التقدم فى العمر، فجرياً على القانون الطبيعى يُفترض أن تبلغ الموهبة الشعرية أوجها فى ربيع العمر، أى فى مرحلة الشباب، حيث تكون الحواس التى نباشر بها العالم فى ذروة تفتّحها وتفاعلها معه، وانفعالها به، وفعلها فيه أحياناً، وبهذا المعنى، لابد من الوصول إلى مرحلة عمرية، تضعف فيها درجة الدهشة بالعالم، وبالتالى تضعف درجة التعبير والإبداع، فالإبداع يتوقف إلى حد كبير على درجة قدرتنا على الاندهاش والتفاعل مع العالم الخارجي، وبهذا المعنى أيضاً على المبدع أن يعرف متى يتوقف عن الكتابة، وأن لا يتكىء على اسمه الكبير الذى حققه فى مراحل سابقة، فلا يكفى توقيع النص باسم كبير ليمنحه قيمته الإبداعية، وهنا أنا لا أعتقد أن ما أصدره الأديب الكبير نجيب محفوظ على سبيل المثال، فى أواخر عهده بالكتابة، يستوى مع ما أصدره فى أوائل عهده وأواسطه. ومع هذا، لكل قاعدة استثناء؛ فأبو القاسم الشابى كتب رائعته « إرادة الحياة» فى مرحلة مبكرة من العمر، وهو توفى فى ريعان الشباب، على أية حال. والشاعر الجاهلى زهير بن أبى سلمى كتب معلّقته وقد بلغ من العمر عتيّاً، وعاش ثمانين حولاً، وسئم تكاليف الحياة.
 
■ لماذا أهديت الديوان إلى الثائر التونسى محمد  البو عزيزى؟
- أهديت الديوان إلى الشباب العربى الذى أثبت أن الخريف ليس قدراً وأن الربيع ليس مستحيلاً. أمّا الثائر التونسى محمد البو عزيزى فقد أهديته قصيدة  «نجمة النار»، وهى الأخيرة فى الديوان. ومطلعها: «حين جرّدتَ حسام الروحِ/ من غمد الجسد/ وصببتَ النار فوق الغمدِ/ كى تطفىء ظلماً مزمناً/ هل كنتَ تدرى يا محمد/ أن فجراً سوف يُولد/ وربيعاً سوف يجتاح الصحارى/ وعروشاً سوف تهوي/ عن منصّات الأبد؟».
 
أمّا لماذا أهديته هذه القصيدة فذلك لأنه شكّل فاتحة تاريخ جديد فى منطقتنا العربية، صنعه الشباب العربى بطاقاته الخلاقة التى جرى قمعها لعقودٍ طويلة، على أمل أن يبلغ هذا التاريخ خواتيمه المنشودة، وألا تطول مرحله المخاض التى يعيشها الربيع العربى المنتظر، وفى النهاية مهما ادلهمّت عواصف الشتاء، الربيع هو القدر الحتمى الذى يستحقه هذا الشباب بعد عقود طويلة من التصحّر والصقيع.
 
■ هل تعتقد أن لبنان على أبواب ربيع عربى جديد؟
- يقول رئيس وزراء لبنان الأسبق الدكتور سليم الحص فى أحد كتبه أن فى لبنان كثيراً من الحرية وقليلاً من الديمقراطية، وبهذا المعنى الربيع العربى بما هو حرية متحقق فى لبنان فعليّاً إلى حد أننا نشكو من كثرة الحرية أحيانا، أمّا الربيع العربى بما هو ديمقراطية، فهو غير متحقق حتى الآن، ولعل ما يحول دون ذلك هو النظام الطائفى الذى يحول دون تحقيق المواطنة فى العلاقة بين الفرد والدولة، بحيث يشكل الانتماء الطائفى ممرّاً إلزاميّاً لهذه العلاقة. على أن أصواتاً تصدر حاليّاً من قبل مراجع كبيرة من جهة، ومن قبل المجتمع المدنى اللبنانى من جهة ثانية، لتشريع الزواج المدني، وإلغاء الطائفية السياسية، لابد أن تسهم فى السير قدماً على طريق الربيع، وفى هذا السياق، شهد لبنان بعد العام 2005 حركة شبابية عارمة احتجاجاً على اغتيال الرئيس رفيق الحريرى أدت إلى تحرّر لبنان من الوصاية السورية، ولعل هذه الحركة شكّلت إحدى التظاهرات المبكرة للربيع العربي، ولابد أنها ألهمت حركات أخرى بشكل أو بآخر.
 
■ لماذا نرى مفردات الطبيعة حاضرة بقوة فى الديوان؟
- الطبيعة أحد مصادرى الشعرية، والعلاقة الجدلية بين الطبيعة والإنسان تيمة أساسية فى الديوان، ولعل مرد ذلك هو نشأتى فى قرية لبنانية جميلة تقع على تلة، ويطوق الوادى بعض خصرها، ويتسع عند طرفيه ليغدو سهلاً فسيحاً، وتقوم على حراستها جبال عالية، وهكذا، تستطيع العين أن تجمع فى نظرة واحدة هذه الجغرافيا المتنوعة الجميلة، ناهيك بما يشتمل عليه هذا التنوع من نباتات وأشجار، وما يتعاقب عليها من فصول، لذلك  يكفى أن تكون لديك عين رائية لتغوص فى هذا الجمال، وتستخرج منه أجمل الصور، وبهذا المعنى، يمكنك القول أن شعري، فى أحد أبعاده، هو نباتي/ طبيعى.
 
■ الأسطورة حاضرة بقوة فى الديوان أيضاً.. ما فلسفة ذلك؟ وألم تخش أن تصبح الأسطورة عبئاً على الديوان؟
- الأسطورة مصدر من مصادر الشعرية فى الشعر الحديث، أليس الشعر بمعنى من المعانى هو أسطرة العالم؟ حين ينسف الشاعر العلاقات الطبيعية بين الكلمات والجمل ويخرجها عمّا وُضعت له فى الأصل ليدخلها فى علاقات جديدة، وحين يحررها من السجن المؤبد فى المعاجم، وينفض عنها غبار الاستعمال التراثى لها، ألا يقترب بذلك من منطقة الأسطورة؟، الشاعر الذى لا يعيد خلط الأوراق ولا يحرر المفردات من إرثها الثقيل، ولا يمنحها ظلالاً جديدة من خلال انخراطها فى علاقات جوار غير مسبوقة، دون أن يسقط فى فخ القطيعة مع تاريخ المفردة والتركيب فى الوقت نفسه، لا يستحق أن يُطلق عليه هذا اللقب، العملية الشعرية هى نوع من الموازنة بين الوضعى والإبداعى والأسطوري. أمّا أن تصبح الأسطورة عبئاً على الشعر، فذلك يتوقف على قدرة الشاعر على التصرف بمكوّنات قصيدته وبراعته فى طهو طبخته الشعرية بمقادير محددة. فبعض الملح ضرورى للطعام، لكن الكثير منه يفسد الطبخة. وأنا أزعم أننى أتقن فن الطبخ الشعري، ولست بحاجة فى هذا السياق إلى قناع التواضع.
 
■ أنت شاعر وناقد.. فهل للصفة الثانية سلطة على الأولى؟
 - أنا أرى أن فى كل شاعر ناقداً ما، هو المعايير التى ينتج فى ظلها نصّه، هو تصوّره الجمالى للشعر، أى أن الشاعر لا يستطيع الادعاء أنه متحرر من هذه المعايير وذلك التصور، فلكلٍّ «عالم مثله» الشعري، بالتعبير الأفلاطوني. أمّا هل تكون النتيجة متوافقة مع هذا العالم أم لا؟ فتلك مسألة أخرى. وبرأيي، ثمة شبه استحالة فى أن يتطابق «الواقع الشعرى» القصيدة مع المثال.د
 
بالنسبة لى، وبحكم مزاولتى النقد جنباً إلى جنب مع الشعر، فأنا أتأثر بالناقد الذى يسكننى إلى حدٍّ ما، لكننى لا أسمح لهذا الناقد أن يتسلّط على الشاعر ويقتله بأوامره ونواهيه، لكى نبدع نحن بحاجة إلى الحرية الداخلية أوّلاً، والخارجية ثانياً. لا أحد يستطيع أن يبدع ومسدّس النقد مصوّب إلى رأسه. وفى المقابل، الإبداع فى ظل الحرية الفنية المطلقة والتحرر من المعايير الجمالية المتواضع عليها قد يؤدى إلى القطيعة مع التاريخ الشعري، والانقطاع عن الجغرافيا البشرية الشعرية.
 
■ هل أنت راضٍ عن تفاعل الشعراء العرب مع الربيع العربى؟
- تفاعل الشاعر مع  قضية بحجم الربيع العربى يمكن أن يتم بالمشاركة الميدانية المباشرة والانخراط المادى فى الحدث، أو بالرأي، الموقف، أو بالقصيدة، أى أن التفاعل يمكن أن يكون ميدانيّاً أو نظريّاً أو شعريّاً. ويمكن أن يتم على مستوى واحد أو أكثر من هذه المستويات.
 
على المستوى الميدانى المباشر، لا أستطيع تقييم التفاعل لأننى غير مطّلع على حجم المشاركة، على مستوى الرأي، تراوحت المواقف بين السلبى المشكك فى المنطلقات، كما رأينا مع سعدى يوسف وأدونيس على سبيل المثال، مع العلم أن موقف أدونيس تطوّر من التشكيك إلى إبداء الخشية من انحراف الربيع عن مساره أو مصادرته من قبل جهات معيّنة، وبين الإيجابى المؤيد، والغاضب من قلة الثمار، كما رأينا مع أحمد عبد المعطى حجازي، بين هذين الحدين تتموضع الآراء.
 
أما على مستوى القصيدة فلا أستطيع بدورى إطلاق حكم موضوعى لعدم متابعتى كل ما يصدر تحت هذا العنوان. وإذا كان لى أن أقول شيئاً فى هذا الموضوع  فهو أن الشاعر الذى لا يبشّر بالربيع، ولا ينخرط فيه بشكل أو بآخر إنما يطرح مصداقيّته الشعرية على المحك.