الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحمد لطفى السيد..«أبو الليبرالية المصرية» الذى رفض عرض عبد الناصر لرئاسة الجمهورية






خمسون عاما تمر اليوم على وفاة أستاذ الجيل وأبو الليبرالية المصرية أحمد لطفى السيد الذى نشأ فى أسرة مصرية من قرية السنبلاوين محافظة الدقهلية ورفع شعار «مصر للمصريين» وصاحب المقولة الشهيرة «الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية»، الذى آمن بأن المصرى الحقيقى هو الذى لا يعرف وطنا له إلا مصر، فكان يرى أن الوطنية المصرية الخالصة هى الأرضية التى لابد أن يقف عليها الجميع.
 
وصف أحمد لطفى السيد بأنه رائد من رواد حركة النهضة والتنوير فى مصر، كما وصفه تلميذه المفكر والكاتب عباس محمود العقاد قائلا: إنه بحق أفلاطون الأدب العربي‏، تخرج لطفى السيد فى مدرسة الحقوق سنة 1894، تعرف أثناء دراسته على الإمام محمد عبده وتأثر بأفكاره، كما تأثر بملازمة جمال الدين الأفغانى مدة فى إسطنبول، وتأثر أيضا بقراءة كتب أرسطو، ونقل بعضها إلى العربية.
عمل وزيرا للمعارف ثم وزيرا للخارجية ثم نائبا لرئيس الوزراء فى وزارة إسماعيل صدقي، ونائبا فى مجلس الشيوخ المصري، ورئيسا لمجمع اللغة العربية، وحسب كتاب «أعلام مجمع اللغة العربية» لمحمد الحسينى ففى أثناء عمل لطفى السيد كرئيس للمجمع عرض عليه الضباط الأحرار فى ثورة 23 يوليو 1952 أن يصبح رئيسا لمصر لكنه رفض، كما عمل رئيسا لدار الكتب المصرية، ومديرا للجامعة المصرية، أسس عددا من المجامع اللغوية والجمعيات العلمية، كان وراء حملة التبرعات الخاصة بإنشاء أول جامعة أهلية فى مصر العام 1908 «الجامعة المصرية»، والتى تحولت فى 1928 إلى جامعة حكومية تحت اسم جامعة فؤاد الأول - جامعة القاهرة حاليا-.
للطفى السيد عدد من المؤلفات الفكرية منها «صفحات مطوية من تاريخ الحركة الاستقلالية»، «تأملات»، «المنتخبات»، «تأملات فى الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع» كما ترجم عدة مؤلفات لأرسطو منها الأخلاق»، «علم الطبيعة»، و«السياسة»، إضافة إلى مذكراته بعنوان «قصة حياتي».
عن قيمة أحمد لطفى السيد الفكرية فى تاريخ مصر الحديث يقول الدكتور محمد حافظ دياب أستاذ علم الاجتماع والدراسات الأنثروبولوجية فى الجامعات المصرية وخبير تحليل الخطاب المعاصر الذى استعرض تاريخ وبدايات أحمد لطفى السيد كأحد أهم رموز الحركة الليبرالية فى مصر فى الفترة من أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ليؤكد فى حديثه على تزامن ثلاثة تيارات متوازية بمصر، قائلا: هناك تيارات ثلاثة التيار الوطنى بزعامة مصطفى كامل ومحمد فريد والتيار الليبرالى بزعامة أحمد لطفى السيد والتيار الإسلامى بزعامة الشيخ محمد عبده، ورغم هذا كان لديهم من السماحة التى تقبل بالتوفيق بين ما هو غربى وما هو إسلامى فكانوا لا يجدون غضاضة فى قبول الكثير من المنجزات الغربية التى لا تتعارض مع الشريعة الاسلامية مؤمنين بالعلم كطريق بعيدا عن الممارسات الفجة، إلا أن هذا التيار بعد مغادرة الأفغانى وموت الكواكبى اتخذ كذريعة لتوظيف الفكر الاسلامى لمقتضيات السياسية.
أردف دياب: استطاع أحمد لطفى السيد نقل فكرته وهى «البرجوازية» أى الاعتماد على الفلاحين، فالحزب الوطنى لأنه كان مناصرا لتركيا لم تكن له قواعد فى القرية المصرية لرفضها للأتراك، لكن مشكلة أحمد لطفى السيد أنه لم يدرك أنه ليس فلاحا بالمعنى أى لا يعرف كيف يخاطب الفلاحين، السيد هو أستاذ الجيل ومؤسس الجامعة المصرية وقد حرص أن تكون العلوم الاجتماعية والإنسانية واحدة من معالم المنابر التى توجد بالجامعة، لكن هناك خطأ تاريخيًا ارتكبه لطفى السيد وهو ذهابه عام 1923 لحضور الاحتفال بالجامعة العبرية بالقدس وفى ذلك الوقت كانت هناك مجلة «إسرائيل» التى تنشر بمصر وهدفها الرئيسى هو النداء بالعودة لوطنهم بفلسطين!.
هناك بعض المؤرخين الذين يحاولون التستر على هذا الخطأ لأنه فى عام 1923 لم تكن فلسطين مستعمرة لكن أول مستعمرة اسرائيلية كانت فى مدينة نجع حمادى عام 1910، فأول كلمة قالها آرييل للسادات ماذا تريد قال أنه يريد أن تسمح لنا بإدارة مزرعة نجع حمادي!
مما يعنى أن مصرية أحمد لطفى السيد كانت منفصلة عن حاضنتها العربية، فكان يرى أن المصرية هى صيغة مستقلة ليس لها عروبة أو ظهر ويمكن أن نبتدع لغة لا هى عربية ولا هى عامية وأيضا يمكن لنا أن نكون على وفاق مع إسرائيل سواء قبل 1948 أو بعدها ورغم ذلك فلقد أرسل له عبدالناصر فى 1952 ليعرض عليه أنه سيكون أول رئيس لمصر وكان وقتها قد بلغ التسعين من عمره كما أن حزب المصريين ينتصر للأقليات.
أضاف دياب : المرحلتان الفكريتان للسيد الأولى التى كانت تسبق ثورة 19 وكانت فلسفية إلى حد بعيد اما بعد الثورة وهى المرحلة الثانية فلقد تحولت اهتماماته لتكون اهتمامات تطبيقية، لكن أفكاره الأساسية هى القومية المصرية أى أن مصر للمصريين والذى بدأه أحمد عرابى منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، أيضا الفكرة الثانية هى ما يسمى الديمقراطية الليبرالية التى استقاها من الثورة الفرنسية والثالثة هى فكرة المنفعة والتى تعود للمدرسة النفعية الإنجليزية وأخيرا فكرة الحرية التى استقاها من جان لوك، لكن هذه الأفكار لا تكون فيلسوفا فأنا ضد أن يقدم أحمد لطفى السيد على أنه فيلسوفا، فخطأ أحمد لطفى السيد بأنه تخيل أنه يمكن اختصار الهوية المصرية فى فكرة واحدة، بينما الهوية فى تعريفها تعنى التعددية وهذا هو نفس الخطأ الذى يرتكبه الآن د.مرسى فى اختصار مصر فى جماعة واحدة!
عن الاختلاف والجدل عن كون أحمد لطفى السيد فيلسوفا أم لا، توجهنا إلى الدكتور أنور مغيث أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بجامعة حلوان بهذا السؤال وعن القيمة الفلسفية لمنهج أحمد لطفى السيد، يقول مغيث: قد لا يكون أحمد لطفى السيد فيلسوفا أو صاحب منهج فلسفى إلا أنه مفكر يعول على الفلسفة فى النهوض بالبلاد، هذه القيمة التى أعطاها للفلسفة نلمسها فى ظاهرتين أنه كرس حياته رغم إشغاله للعديد من المناصب السياسية فى مصر، فى ترجمة أعمال أرسطو الفلسفية والفكرية، كما اعتبر أحمد لطفى السيد أن الفيلسوف الحقيقى هو سقراط الذى يناقش الشباب ولا يكتب كتبا، وهذا هو مسار السيد فى الحياة فكان محاطا بعدد من الشباب كالعقاد وهيكل والرافعى ولم يكتب كتبا فى الفلسفة فالمهم عنده هو الحوار وليس كتابة الكتب.
يكمل مغيث حديثه: أفكار السيد كانت سديدة لأنها ترسم لمصر طريق النهضة ولسوء الحظ أنه لم تتحقق هذه الأفكار بشكل كامل رغم أنها الطريق الوحيد للنهضة، فالنهضة عنده تقوم على مدنية الدولة وأن الدين شأن خاص وليس رابطة قومية تجمع الأفراد، فكان أول من نادى بفصل الدين عن السياسة، أيضا استقلالية الأمة لا تكون إلا برفع حقوق الأمة فوق الدولة وتقديمها عليها، وأن حقوق الفرد لا تنازل عنها أبدا وهى حرية الاعتقاد والفكر والتعبير والإبداع وهذا معناه أن الأمة وصلت إلى سن الرشد وأصبحت ناضجة وكان يكره فكرة الزعيم والتى يراها أن الأمة مازالت فى حالة تخلف أو طفولة.
وأوضح مغيث أن الأسباب وراء تجاهل أفكار أحمد لطفى السيد بل ومنعها أيضا وراءها الدولة المستبدة التى بدأ ظهورها فى الملاك والإقطاع الذين لجأوا للدين!.
كان لأحمد لطفى السيد أفكارا تنويرية فى التعليم الأساسى والتعليم الجامعي، حيث طالب باستقلال الجامعة، وكان قد قدم استقالته حين اقتحمت الشرطة حرم الجامعة عام 1937، كما كان ضد إنشاء المدارس الدينية سواء إسلامية أو إرساليات مسيحية إضافة لرفضه إنشاء المدارس الأجنبية فى مصر، ودعا إلى استعمال العامية المصرية بدلا من العربية الفصحى، وكذلك دعوته إلى دراسة الفلسفات اليونانية، والاقتباس منها، وتشجيع تلامذته على ذلك.
وعن رؤيته لأفكار السيد فى مجال التعليم وكيف يمكن الاستفادة منها يقول د.محمد سكران أستاذ أصول التربية جامعة الفيوم ورئيس رابطة التربية الحديثة: الجامعة عند الرواد وفى القلب منهم استاذ الجيل أحمد لطفى السيد عقل الأمة ورمز حضارتها، وأستاذ الجامعة ليس مجرد موظفا بها وإنما هو الباحث عن المعرفة والنموذج والقدوة والمثال، كما أن استقلال الجامعة كان يعد خطا أحمر لا يمكن الاقتراب منه، وقد استقال أحمد لطفى السيد كمدير لجامعة فؤاد الأول –القاهرة الآن- احتجاجا على فصل الدكتور طه حسين من الجامعة دون أخذ راى الجامعة وكان ذلك يوم 9 مارس 1933 وهو اليوم الذى اتخذه بعض أساتذة الجامعة وعلى رأسهم أستاذنا العظيم الدكتور محمد أبوالغار كيوم لاستقلال الجامعة وعيدا لها.