الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الناقد والروائي عبدالفتاح صبري : نعيش فى زمن الغربان فى كل المجالات .. والناقد ليس أديبًا فاشلاً





 
عبد الفتاح صبرى ناقد وروائى وقاص ، من مواليد المنصورة ، يتعاطى مع قضايا الواقع المصرى والعربى، وهو صاحب منهج نقدى يقوم على استقراء النصوص الابداعية، وهو يرى ان ثورات الربيع العربى كشفت عجز المثقف العربى وتخاذله، وهو متفائل بالمستقبل رغم الغيوم التى تظللنا فى زمن الغربان.
 
 
■ أنت ناقد وقاصٍ وروائي.. كيف توفق بين هذه الاهتمامات؟
 
 أنا لا أدعى أنى كل ذلك.. فقط لى اهتمامات، وأحاول أن أقدم قدر الإمكان ما لدى دون تقصير مهنى أو مسميات تُشكّل جنس ما أكتب.
وأى مثقف مشتغل بعوالم الكتابة والرصد له مشغل كذلك يؤطّر مشروعه الفكرى أو الرؤوى باتجاه الفن والإبداع وأثرهما على المحيط الإنسانى والاجتماعي.. وبالتالى من يمتلك خطّاً أو هدفاً أو رؤية، فإنه ينحاز إلى العمل وإلى التواصل وإلى البحث وإلى الانشغال بفك شفراته ومحاولة إبرازها وإظهارها وتقديمها، ومن يعمل فى مجال الإبداع طالما أنه هاو ومحب فإنه لا يحده إلا الوقت وانشغالات العمل والإداريات التى تأخذ من المبدع وقته وتسرق فنه، ولكن المثابر هو من يحاول أن يحاور بعض الوقت لصالحه أو يخلق فرصته للبحث والدراسة والكتابة والفن؟
 
■  هل هذا التعدد يمثل ثراء فى الهوية أم تشظّياً؟
 
* هناك اليوم ظاهرة فى الساحة الأدبية العربية لافتة وحاضرة، وهى أن هناك كُثُراً يقدمون إبداعاً شعرياً ومسرحياً وقصصياً وروائياً فى آن، وأعتقد أنها ظاهرة صحية تعيد إلى الأذهان فكرة الأوائل الموسوعيين الذين كانوا يكتبون فى الدين والفقه والأدب وفنون السرد والعلوم.. ولكنها ظاهرة صحية تعنى اتساع المعرفة وإدراك مدامك الفن على مجالاته وتخصصاته، ولكن يظل معيار الجودة والارتباط بإطار وقيود الفن والوعى به مهماً وأساسياً، وأنه يجب على كل كاتب أو أديب أن يهتم فيما يبدع فيه أو يجد فيه ذاته المتحققة بشروط الإبداع لتكون الجودة والاتقان والتمكن هى الأساس بدلاً من التشظى بين أنواع ربما تتصادم أو تتآكل أو يطغى بعضها على بعض. وفى كل الحالات هى ثراء وتمدد معرفى ووجدانى طالما هناك تيقن بالفن وإمساكٌ بتلابيبه.
 
■ لكن تغلب عليك صفة الناقد!
 
* أنا لست ناقداً.. فقط أعيد قراءة الأعمال وفقاً لأى منهج استقرائي، وأبحث فيه عن مدامكه وفنياته، وكذلك رؤاه الفكرية والمضمونية، وأقدمها إلى المتلقي، خاصة أنى فى مساحة تفتقر أو تعانى للمتتبع لهذه التراكمات التى بدت الآن فى العقدين الآخرين تتكاثر فى جميع أنواع الإبداع والفنون، وهذا التعالق نابع من تمكنى من المشهد الأدبى  المصرى والعربى..
 
■  ما رأيك فى المقولة الشهيرة: الناقد أديب فاشل؟
 
* هى ليست صحيحة تماماً.. فالناقد نفسه هو أديب، والنقد له سحره أيضاً وله رؤاه... لا أقصد النظريات والمناهج؛ ولكن لغة الناقد وطريقة تناوله وتداوله هى كذلك فن يقرّب أو ينفّر، يفتح للتلقى أو يغلق.. وكثير من النقاد سرقهم النقد من الإبداع؛ لأن الإبداع يحتاج إلى لحظة خاصة لاتأتى إلا فى حينها.. بينما النقد يحتاج إلى العقل للبحث والفحص والتمحيص، وبذلك فإنه يقتل اللحظة المجتباة أو المشتهاة، أو يسرق لحظة الفعل الإبداعى التى تحتاج إلى شفافية ما أو صفاء ما أو شروط ما نفسية وروحية، وهذا ما يفضله النقد أو الدراسة. ومن زاوية أخرى سترى أن الباحث أو الناقد حينما يكون على وعى تجريبى بالإبداع يكون ناقداً أيضاً جيداً.. وهناك عمالقة تعاطوا الإبداع والنقد ولا مجال هنا لحصرهم أو الإشارة إليهم منهم كتاب رواية أو شعراء.. إلخ.
 
■  لديك رواية بعنوان (الغربان لا تختفى أبداً) فهل نحن فى زمن الغربان؟
 
* سيدى، لكل زمن غربانه.. واللافت أنه فى كل مراحل الازدهار أو النكوص فى حضارة الأمم، سترى هذه الغربان المتلونة والموجودة ولكن فى زمن الازدهار تقل، تتوارى، تقتل.. وفى زمن الانحطاط تزداد شراسة وتكثر.. نحن الآن فى زمن كل الغربان من كل الألوان - لأنه لا ضوابط ولا كيان.. الأمر أننا فى مرحلة هلامية لم تتشكل بعد أركان ما يجب أو لم تتأسس بعد 25 يناير العظيمة ما نطمح إليه أو ما قامت من أجله ثورة الشعب.. وبالتالى فإنه صراع الغربان الآن، كل الغربان من كل الأشكال تتقاتل من أجل فرض لونها وزمانها وشكلها - ولكن رغم هذا الاضطراب وهذا الدمار الفكرى والاجتماعي، فإنه لابد أن يسود زمن النور والعدل والمساواة.. نحن فى مرحلة المخاض وستنتصر إدارة الشعب حتماً وستسافر كل الغربان إلى أودية النسيان.
 
■  حدثنا عن ملامح منهجك النقدي؟
* إننى دائماً أغلّب وأومن بجدوى المنهج النصى الذى ألتزم به تقريباً، والذى أعنى به اتخاذ النص منطلقاً أساسياً وأولياً للقراءة والتحليل والاستنطاق، ثم أبحث عن المنهج الذى يفرضه النص أو يقترحه النص دون قصدية مسبقة عن منهج ما لتطبيقه مباشرة على النص.
وبالتالى فإننى أبحث أولاً فى تحليل النص وتفكيكه، ومحاولة الوقوف على معناه المضمونى والفكرى والفني، ثم أقترب فى محاولتى الخلوص إلى ماهيته العميقة.
■  كيف يمكن مواجهة ثقافة العنف فى المجتمع المصري؟
الأمر يا سيدى فى غاية اليسر والسهولة.. لماذا أساساً قامت ثورة 25 يناير؟ أليست للبحث عن الحرية والعدالة ولقمة العيش. فإذا لم يتحقق ذلك أو بعض تلك المطالب فإن حالة الاحتقان ستظل قائمة.
أيّاً كانت النتيجة الآن... هذا المأزق الخطير الذى وضعنا فيه رغم أكذوبة الصندوق لأنه كان هناك تدليس وهندسة لهذا الخيار القاتل.
المشكلة الآن أن الإخوان فى السلطة يتعاملون بنفس المنهج والفكر السابق، كما أنهم يتعاملون مع الحوادث الجسام من خلال تنظيم لا يتقن سوى فكر السر والتقية وكأنه تحت الأرض ما زال..
 
المشكلة أنه على السلطة الاقتناع بمطالب الناس والعودة إلى حكمة العقل وليست حكمة الجماعة... مصر فى هذه اللحظة تحتاج إلى مكاشفة منهم لأنفسهم، ولابد من الالتقاء على منهج من كل الفرقاء الآن.. نقاط محددة للحفاظ على الأمن والاستقرار والبناء. وحتى نقطع الطريق على كل الدخلاء هناك قوى كثيرة فى الشارع خارجية وداخلية، وشعبٌ مُصرٌّ على تحقيق مطالبه..
 
على السلطة الحاكمة الآن أن تشرع فى التسليم بمطالب الناس، كى ينتظم الاقتصاد وتوقف كل مؤامرات الخارج والتى باتت مكشوفة.. ولكن إذا استمر منهج التمكين فقط دون الركون إلى مصر والاهتمام بمصر، أعتقد أن المسألة ستكون أكثر إيلاماً.
■  ما تأثير الربيع العربى على النقد العربي!
 
* الربيع العربى امتدت تأثيراته إلى كل مدامك وملامح الحياة الاجتماعية والسياسية والأدبية. ولا شك أنه زعزع الثوابت وأعاد إلينا يقيناً كنا افتقدناه.. وأعاد إلى وعينا الإدراك بقيمة وحيوية الشعب.. الشعب المعلم العظيم كما وصفه عبد الناصر الزعيم الاستثنائى الذى كان يعود إلى الشعب فى كثير من قضاياه، خالقاً حالة من التلاحم الأسطورى بين القيادة والشعب.
 
هذا الربيع الذى أثبت أن المثقف فى آخر القائمة، وأن دوره المزعوم كان تهويماً، وكشف الربيع عن عجز المثقف وعن وعيه والتزامه.. وبالتالى فإن هناك حالة من الاندهاش وحالة من التدبر، والكل يعيد ترتيب أفكاره ورؤاه - وأعتقد أن هذه الحالة المأزومة رغم أنها فتحت كل الأبواب والشبابيك للإطلال والإمعان، فإنه بعد الهدوء والتأمل وإمعان النظر لاحقاً، ستتغير قضايا مهمة حسبها البعض أنها ماتت فى زمن الخواء والانحطاط المباركي؛ ألا وهى قضية الالتزام وقضية المثقف وعلاقته بنفسه والناس والنظام.. وكذلك ستعود مرة أخرى مناهج النقد الاجتماعية وتلك المدارس النقدية التى ترتكن إلى أهمية الجماعة والناس، ومصلحة الوطن العميقة والمهمشة.