الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إبداع




فى حضرة.. محمود درويش
 
شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبروننا بما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع للاحتفال بمولد شاعر من طراز خاص هو الشاعر الفلسطينى محمود درويش أحد أبرز من ساهم بتطوير الشعر العربى الحديث الذى ولد فى 13 مارس 1941 والملقب بـ «شاعر فلسطين» وقام العديد من المطربين العرب بغناء أشعاره، كما عرفت فى أشعاره البعد القومى العربى والتغنى لأرض بلده المسلوب وكانت وفاته فى 9 أغسطس 2008.
 


أمل
 
ما زال فى صحونكم بقية من العسل
 
ردوا الذباب عن صحونكم
 
لتحفظوا العسل ! 
 
***
 
ما زال فى كرومكم عناقد من العنب
 
ردوا بنات آوى
 
يا حارسى الكروم
 
لينضج العنب ..
 
 ***
 
ما زال فى بيوتكم حصيرة .. وباب
 
سدوا طريق الريح عن صغاركم
 
ليرقد الأطفال
 
الريح بردقارس .. فلتغلقوا الأبواب
 
 ..
 ***
 
ما زال فى قلوبكم دماء
 
لا تسفحوها أيّها الآباء ..
 
فإن فى أحشائكم جنين ..
 
 ***
 
مازال فى موقدكم حطب
 
وقهوة .. وحزمة من اللهب ..
 
عن إنسان
 
وضعوا على فمه السلاسل
 
ربطوا يديه بصخرة الموتى ،
 
وقالوا : أنت قاتل !
 
 ***
 
أخذوا طعامه والملابس والبيارق
 
ورموه فى زنزانة الموتى ،
 
وقالوا : أنت سارق !
 
طردوه من كل المرافئ
 
أخذوا حبيبته الصغيرة ،
 
ثم قالوا : أنت لاجئ !
 
 ***
 
يا دامى العينين والكفين !
 
إن الليل زائل
 
لا غرفة التوقيف باقية
 
ولا زرد السلاسل !
 
نيرون مات ، ولم تمت روما ...
 
بعينيها تقاتل !
 
وحبوب سنبلة تجف
 
ستملأ الوادى سنابل ..!
 
لماذا تركت الحصان وحيداً؟
 
إلى أين تأخذنى يا أبي؟
 
إلى جهة الريح يا ولدى …
 
… وهما يخرجان من السهل ، حيث
 
أقام جنود بونابرت تلاً لرصد
 
الظلال على سور عكا القديم ـ
 
يقول أبٌ لابنه: لا تخف. لا
 
تخفْ من أزيز الرصاص ! التصقْ
 
بالتراب لتنجو! سننجو ونعلو على
 
جبل فى الشمال ، ونرجع حينَ
 
يعود الجنود إلى أهلهم فى البعيدِ
 
ـ ومن يسكن البيت من بعدنا
 
يا أبى ؟
 
ـ سيبقى على حاله مثلما كان
 
يا ولدى !
 
تحسس مفتاحه مثلما يتحسس
 
أعضاءه ، واطمأن. وقال لهُ
 
وهما يعبران سياجاً من الشوك :
 
يا ابنى تذكّرْ! هنا صلب الإنجليزُ
 
أباك على شوك صبارة ليلتين،
 
ولم يعترف أبداً. سوف تكبر يا
 
ابني، وتروى لمن يرثون بنادقهم
 
سيرة الدم فوق الحديدِ …
 
ـ لماذا تركت الحصان وحيداً؟
 
ـ لكى يؤنس البيت ، يا ولدى ،
 
فالبيوت تموت إذا غاب سكانها …
 
تفتح الأبدية أبوابها من بعيدٍ ،
 
لسيارة الليل. تعوى ذئاب
 
البرارى على قمر خائف. ويقول
 
أب لابنه: كن قوياً كجدّك!
 
واصعد معى تلة السنديان الأخيرة
 
يا ابني، تذكّر: هنا وقع الانكشاريّ
 
عن بغلة الحرب ، فاصمد معي
 
لنعودَ
 
ـ متى يا أبى ؟
 
ـ غداً. ربما بعد يومين يا ابني!
 
وكان غدٌطائشٌ يمضغ الريح
 
خلفهما فى ليالى الشتاء الطويلة
 
وكان جنود يهوشع بن نون يبنون
 
قلعتهم من حجارة بيتهما. وهما
 
يلهثان على درب (قانا): هنا
 
مر سيدنا ذات يوم. هنا
 
جعل الماء خمراً. وقال كلاماً
 
كثيراً عن الحب، يا ابنى تذكّر
 
غداً. وتذكر قلاعاً صليبية
 
قضمتها حشائش نيسان بعد
 
رحيل الجنود …
 
قطار الساعة الواحدة
 
رجل وامرأة يفترقان
 
ينفضان الورد عن قلبيهما ،
 
ينكسران .
 
يخرج الظلّ من الظلّ
 
يصيران ثلاثة :
 
رجلا
 
وامرأة
 
والوقت ...
 
لا يأتى القطار
 
فيعودان إلى المقهى
 
يقولان كلاما آخرا ،
 
 ينسجمان
 
ويحبّان بزوغ الفجر من أوتار جيتار
 
ولا يفترقان ...
 
.. وتلفت أجيل الطرف فى ساحات هذا القلب نادانى زقاق ورفاق يدخلون القبو والنسيان فى مدريد .
 
لا أنسى من المرأة إلّا وجهها أو فرحى ...
 
أنساك أنساك وأنساك كثيرا
 
 لو تأخّرنا قليلا
 
عن قطار الواحدة .
 
لو جلسنا ساعة فى المطعم الصينى،
 
لو مرّت طيور عائدة.
 
لو قرأنا صحف الليل
 
لكنّا
 
 رجل وامرأة يلتقيان ...
 
 

 
على هذه الأرض
 
 
 
على هذه الأرض ما يستحق الحياة: تردد إبريل، رائحة الخبزِ
 
فى الفجر، آراء امرأة فى الرجال، كتابات أسخيليوس ، أول
 
الحب، عشب على حجرٍ، أمهاتٌ تقفن على خيط ناي، وخوف
 
الغزاة من الذكرياتْ.
 
على هذه الأرض ما يستحق الحياةْ: نهايةُ أيلولَ، سيّدةٌ تترُكُ
 
الأربعين بكامل مشمشها، ساعة الشمس فى السجن، غيمٌ يُقلّدُ
 
سِرباً من الكائنات، هتافاتُ شعب لمن يصعدون إلى حتفهم
 
باسمين، وخوفُ الطغاة من الأغنياتْ.
 
على هذه الأرض ما يستحقّ الحياةْ: على هذه الأرض سيدةُ
 
الأرض، أم البدايات أم النهايات. كانت تسمى فلسطين. صارتْ
 
 تسمى فلسطين. سيدتي: أستحق، لأنك سيدتي، أستحق الحياة
 
 
لا تتركينى
 
وطنى جبينك، فاسمعينى
 
لا تتركينى
 
خلف السياج
 
كعشبة برية ،
 
كيمامة مهجورة
 
لا تتركينى
 
قمرا تعيسا
 
كوكبا متسولا بين الغصون
 
لا تتركينى
 
حرا بحزنى
 
واحبسينى
 
بيد تصبّ الشمس
 
فوق كوى سجونى ،
 
وتعوّدى أن تحرقيني،
 
إن كنت لى
 
شغفا بأحجارى بزيتونى
 
بشبّاكي.. بطينى
 
وطنى جبينك، فاسمعينى
 
لا تتركيني!
 
إلى القارئ
 
الزنبقات السود فى قلبى
 
وفى شفتى ... اللهب
 
 من أى غاب جئتى
 
يا كل صلبان الغضب ؟
 
بايعت أحزانى ..
 
وصافحت التشرد والسغب
 
غضب يدى ..
 
غضب فمى ..
 
ودماء أوردتى عصير من غضب !
 
يا قارئى!
 
لا ترج منى الهمس!
 
لا ترج الطرب
 
هذا عذابى ..
 
ضربة فى الرمل طائشة
 
وأخرى فى السحب!
 
حسبى بأنى غاضب
 
والنار أولها غضب!
 
اعتذار
 
حلمت بعرس الطفولة
 
بعينين واسعتين حلمت
 
حلمت بذات الجديلة
 
حلمت بزيتونة لا تباع
 
ببعض قروش قليلة
 
حلمت بأسوار تاريخك المستحيلة
 
حلمت برائحة اللوز
 
تشعل حزن الليالي الطويلة
 
بأهلي حلمت..
 
بساعد أختي
 
سيلتفّ حولي وشاح بطولة
 
حلمتبليلة صيف
 
بسلّة تين
 
حلمت كثيرا
 
كثيرا حلمت ..
 
إذن سامحيني!!
 

 
 
بطاقة هوية
 
سجل
 
أنا عربى
 
ورقم بطاقتى خمسون ألف
 
وأطفالى ثمانية
 
وتاسعهم سيأتى بعد صيف
 
فهل تغضب
 
سجل
 
أنا عربى
 
وأعمل مع رفاق الكدح فى محجر
 
وأطفالى ثمانية
 
أسل لهم رغيف الخبز
 
والأثواب والدفتر
 
من الصخر
 
ولا أتوسل الصدقات من بابك
 
ولا أصغر
 
أمام بلاط أعتابك
 
فهل تغضب
 
سجل
 
أنا عربى
 
أنا اسم بلا لقب
 
صبور فى بلاد كل ما فيها
 
يعيش بفورة الغضب
 
جذورى
 
قبل ميلاد الزمان رست
 
وقبل تفتح الحقب
 
وقبل السرو والزيتون
 
وقبل ترعرع العشب
 
أبى من أسرة المحراث
 
لا من سادة نجب
 
 وجدى كان فلاحا
 
بلا حسب ولا نسب
 
يعلمنى شموخ الشمس قبل قراءة الكتب
 
وبيتى كوخ ناطور
 
من الأعواد والقصب
 
فهل ترضيك منزلتى
 
أنا اسم بلا لقب
 
سجل
 
أنا عربى
 
ولون الشعر فحمى
 
ولون العين بنى
 
وميزاتى
 
على رأسى عقال فوق كوفية
 
 وكفى صلبة كالصخر
 
تخمش من يلامسها
 
وعنوانى
 
أنا من قرية عزلاء منسية
 
شوارعها بلا أسماء
 
وكل رجالها فى الحقل والمحجر
 
يحبون الشيوعية
 
فهل تغضب
 
سجل
 
أنا عربى
 
سلبت كروم أجدادى
 
وأرضا كنت أفلحها
 
أنا وجميع أولادى
 
ولم تترك لنا ولكل أحفادى
 
سوى هذى الصخور
 
فهل ستأخذها
 
حكومتكم كما قيلا
 
إذن
 
سجل برأس الصفحة الأولى
 
أنا لا أكره الناس
 
ولا أسطو على أحد
 
ولكنى إذا ما جعت
 
آكل لحم مغتصبى
 
حذار حذار من جوعى
 
ومن غضبي