الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هدى النعيمى : «التزام» المجتمع الخليجى لا يعنى غض الطرف عن مشاكله




بين تخصصها فى «الفيزياء النووية» وحياتها كامرأة مبدعة فى مجتمع عربى ذى خصوصية ثقافية واجتماعية مميزة، تدور أفكار وكتابات الكاتبة القطرية هدى النعيمى التى تعكسها كتاباتها، رفض تفضيل شكل أدبى على آخر، فالقصة القصيرة، التى تكتبها، لا تقل عن الرواية، وليس لشكل أدبى فضل على آخر، تسرد لنا فى هذا الحوار أسباب تصدر الرواية للمشهد الأدبى العربي، متحدثة عن رؤيتها لحال المرأة العربية الفعلى وما تحلم به لها، مؤكدة أن المجتمعات مثل نواة الذرة تماما تشهد تفاعلات قد ينتج عنها انفجارات لا يعلم مداها احد ولا يمكن تقييمها إلا بعد فترة، وهى الصورة التى صورت بها ما عرفناه بـ«ثورات الربيع العربي» ... عن أدب المرأة فى مجتمع ذكورى محافظ، وثمن الحرية الذى تدفعه المجتمعات الباحثة عن الحرية يدور هذا الحوار :
■ لماذا الإصرار على كتابة القصة القصيرة ونحن فى زمن الرواية؟
دعنى أتقاطع معك فى مقولة «أننا فى زمن الرواية»، إنه الإبداع أولا وفى أى قالب كان، والكتابة الابداعية لها قوالبها وصورها ومنها الرواية، وانتشار الرواية يعود إلى تركيز النقاد والصفحات الثقافية على إبرازها، إضافة إلى السينما والدراما التليفزيونية التى حولت العديد من الروايات إلى أعمال سينمائية وتليفزيونية مما يعطى الكاتب انتشارا واسعا من خلال الشاشة لا الكتاب، ونعلم انه عندنا فى المجتمع العربى يبتعد المتلقى عن الكتاب فى حين يتزاحم الملايين امام شاشة التلفاز أو السينما وهنا تزداد شهرة الكاتب ومكسبه المادى أيضا، ولا ننسى الجوائز الأدبية الكثيرة التى خصصت للرواية دون القصة القصيرة، ومع الاحترام للدكتور جابر عصفور صاحب كتاب «زمن الرواية»، وبالطبع لا أقلل من شأن الرواية كعمل إبداعى على العكس أنا من قراء الرواية النهمين، وكان لى شرف تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر» فى العام الماضى 2012، وبالفعل كتابة الرواية أمل يراودنى وأظن أنه لا بد وأن يصير يوما حقيقة، حتى ذلك اليوم أعتبر نفسى كاتبة قصة قصيرة.
 ■ لماذا الأنثى فى قصصك قليلة الحيلة ومكسورة؟
- نموذج المرأة العربية مكسورة الجناح هو ما أرفضه لنساء العرب، من خليجه الى محيطه، وإذا كنت قدمت هذا النموذج فى كتاباتى فهذا لإعلان الرفض والدعوة إلى الرفض العام، فما أريده لنساء العروبة هو أن تعرف النساء مقدرتهن على التغير فى المجتمعات، فى رفقة الرجل فى مشوار الحياة وهى الأم التى تزرع فى نفس هذا الرجل الصغير بذور الحب أو بذور الكراهية للآخرين وهى الأخت وهى الصديقة، إذا وثقت المرأة فى نفسها وفى إمكاناتها فلن تكون ضعيفة أو مستضعفة، لكنها عقود من التهميش للمرأة جعل نساء كثر يستسلمن لمثل هذا الدور كقدر لا مجال للفرار منه، أو أنه الدور الذى رسمه التاريخ لها، وليس لها أن تهرب منه، كتاباتى وكتابات كثيرات غيرى تعزز رفض هذا الدور وتحاول بث الثقه فى روح المرأة العربية فى كل مكان.
 ■ تكشفين المسكوت عنه فى كتاباتك وأنت فى مجتمع محافظ .. كيف استقبل القراء هذه الجرأة؟
- لا شك بأن مجتمع الخليج مجتمع محافظ وملتزم ومجتمع متدين، لكن هذا لا يعنى غض الطرف عن ممارسات لا تتفق مع كرامة الانسان على هذه الارض بل على كل ارض، كل المشاهد التى تهدر كرامة البشر مرفرضة بالمنطق الإنسانى والكاتب الملتزم بقضاياه هو ضمير المجتمع، بالطبع تعرف أن لا قوة فى العالم تستطيع إسكات الضمير الذى لا يتوقف عن الحراك والارتعاش عندما يصادف ما ينتهك كرامة الآخر، هذا التوصيف للكتابة وللتعرض للمسكوت عنه لا يتعارض مع مجتمع محافظ ولم أجد فى المتلقى الخليجى من يرفض هذا التعرض ما دام أسلوب الطرح لا يتعالى على القارئ ولا يتخذ من صفة «المحافظ» ذريعة للتعالى أو ذريعة لإلصاق التهم للمجتمع، فهذه ليست وسيلتي، فأنا انتمى لهذا المجتمع المحافظ وأفتخر بأننى كونت ثقافتى من هنا مع الانفتاح مع ثقافة الآخر العربى والغربى أيضا، هذا لاننا نأمل دوما بغد أفضل لأجيال قادمة نجهز لها المناخ الذى ستأتى إليه.
 ■ هل الكتابة وسيلة لحل تناقضات الكاتبة مع الرجل فى المجتمع الذكوري؟
- الاشكالات والتناقضات التى تعانى منها المرأة فى مثل هذه المجتمعات كثيرة جدا تأخذها الى معاناة تختلف مستوياتها من منطقة الى اخرى ومن زمن الى آخر، الكتابة التى تسلط الضوء على هذه المعاناة وهذه الاشكالات هى محاولة للصراخ بصوت عال لرفض الوصاية على الأنثى فى عالم اتضحت فيه الصورة وتعلمت المرأة أنها الجزء المكمل للمجتمع ليس شكليا ولكن فعليا، وعند مواجهة تناقضات المجتمع الذكورى فلا بد أن يتعاظم الغضب داخل الكيان الانثوى مما يدعو الى التعبير عنه ابداعيا بصور عدة منها الكتابة، ليس لحل التناقضات ولكن للتعبير عنها ورفضها علانية مما لا شك سيثمر فى رفض النساء الانهزامية وتتعلم المرأة عندها فن الشراكة فى الحياة وهو الحق الذى ضمنته لها الشرائع السماوية ولكن عقود من التجنى على حقوق المرأة رسخت لما يمكن تسميته بالاستلام لضعف المرأه امام الرجل الوصى عليه سواء كان ابًا او اخًا وزوجًا اوحتى ابنًا، ان مثل هذه الاوضاع اذا لم يتصدى لها المبدع فلا معنى لدور المبدع ولا معنى لكتابة تترفع عن مشاكل المجتمع اينما كانت.
 ■ ماذا بشأن النصوص التى يكتبها الرجال والتى تنتصر للمرأة وتتحدث عن عذاباتها فى الواقع القائم؟
- الابداع لا يعرف امرأة او رجل والانتصار لحق المرأه كان قضية لكثير من الكتاب العرب، هؤلاء نظروا الى واقعهم الاجتماعى فاذا بالمرأة مصنفة مرتبة ادنى من الرجال لا لسبب إلا أنها «انثي» هؤلاء تدين لهم المرأه بالكثير وللحقيقة فان كثيرون ممن خرجوا من عباءة قاسم أمين لينتصروا لحقوق سلبت من النساء فكان لا بد من محاولة استعادتها أو محاولة تأكيدها، واحقاقا للحق فإن الإعلام ساهم إيجابيا جدا فى هذا المجال على الأقل بتسليط الضوء لتلك الكتابات –سواء التى كتبها الرجال أو كتبتها النساء– كما أن تحويل بعض تلك الأعمال المتميزة التى تعلى شأن المرأة، وتحويلها لأعمال سينمائية ودرامية تصل بشكل مباشر الى المتلقي، للحق أيضا نقول أن أغلب من قام بتوصيل الكتابات المنتصرة للمرأة إلى شاشات السينما والشاشة الفضية، هم من الرجال وهنا نرسل لهم تحية من القلب على ذلك الموقف النبيل
■ انت متخصصة فى الفيزياء النووية .. لماذا لم تفكرى فى كتابة أدب الخيال العلمي؟ وما العلاقة بين الفيزياء والادب؟
- تحتاج الفيزياء والفيزياء النووية بشكل خاص الى خيال واسع وفضاء افتراضى واسع لاستيعاب حقائق غير مرئية وغير ملموسة مثل الجسيمات الدقيقه داخل الذره والنواة والعلاقات بين تلك الجسيمات (منها السالب ومنها الموجب ومنها المتعادل)، تلك الجسيمات تولد علاقات حرجة جدا من التجاذب والتنافر لكنها فى النهايه لا تخرج من هذا الحيز، وهذا الحيز أطلق عليه اسم المجتمع، وتلك العناصر هى عناصر المجتمع من رجال ونساء تتجاذب وتتنافر وقد تتحد وقد تندمج وقد تكون وحدات جديده نتيجه العلاقات الاجتماعية بلغة المجتمع أو التفاعلات النووية، وتشابك العلاقات الاجتماعية قد يؤدى أحيانا وفى حالة خاصة جدا إلى انفجار مروع غير محسوبة النتائج، وهنا يمكننى أن أشبه ما حدث فى بعض المجتماعات العربية من ثورات أسميناها بربيع عربي، بالانفجار النووى نتيجه احتكاكات غير محسوبة وبالتالى فالنتائج غير معلومة بشكل كامل وتحتاج إلى زمن لتسجيلها، تماما كما حدث عند سقوط القنابل النووية على نكازاكى وهيروشيما واحتاج الأمر لسنوات لدراسة النتائج والآثار، أما كتابة أدب الخيال فليس مجالي.
 ■ كيف تنظرين إلى ثورات الربيع العربى وتأثيرها على مستقبل الإبداع؟
- المراقب لواقع الأمر فى العالم العربى يجد أن هذا الانفجار الثورى كان لا بد منه فى كل الدول الذى حدث فيها، والمطلب الأساسى (العدالة الاجتماعية) الذى رفعته ثورات الربيع العربى حق لا بد من الوصول إليه بخطى واثقة واننى اؤكد هنا على أن نتائج الثورات لا تجنى فى يوم وليلة، هكذا يقول التاريخ، وليس من العدل الحكم على الربيع العربى اليوم أو غدا، لكن غدا هذا لناظره قريب، وسوف يثمر الربيع ازهارا لم يعتد عليها المجتمع، من تلك الازهار المنتظرة حرية مسئولة للإبداع فى كل مجالاته، هذه الأزهار والثمار سوف يجنيها الجيل القادم بعدما يقدم هذا الجيل ثمنها الغالى من الدم ومن المعاناة، إنها الحرية والحرية غالية الثمن، وإذا كان هذا مطلب الربيع العربى فلا بد من دفع الثمن وهذا ما يكون اليوم وتنقله لنا الفضائيات بشكل مباشر .. لكن الغد الذى أسس له الربيع فى طريقة ربما إلينا وللأجيال الآتية على وجه التأكيد.
 
 

 
أحد أغلفة كتبها