الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أحمد الخميسى: أخشى أن تنجح الفتنة الطائفية فى تقسيم مصر





تميزت كتابات الدكتور أحمد الخميسى بالتنوع وممارسته لعدة أشكال من الكتابة كالقصة القصيرة والمسرح والنقد والمقال الصحفى والترجمة، فى الفترة الأخيرة أصدر كتابه «عيون التحرير فى الأدب والسياسة» الذى يناقش فيه عددا من القضايا السياسية والأدبية المطروحة حاليا ويربطها بالماضى السابق عليها، كما افتتح وعدد من أصدقائه من المثقفين مؤسسة «بيت الوادي» الثقافية التى تتبنى مشروعاً ثقافياً خاصاً ... نتعرف على نشاط وتفاصيل هذا المشروع وعن كتابه الجديد فى هذا الحوار:
 
 
 ■ افتتحت مؤخرا ومجموعة من الأصدقاء مؤسسة «بيت الوادي» الثقافية ما حكايتها؟
- «بيت الوادي» هو مجموعة من الأصدقاء متقاربين فكريا وهم الشاعر زين العابدين فؤاد والكاتب شوقى عقل والمحامية صفاء مراد بيننا اهتمامات مشتركة وكنا نحلم بأن نكون شيئاً ما، إلى أن توصلنا من خلال شعورنا بسرقة ثورة يناير، أنه لابد أن توثق بكل صورها وأحداثها وهى الفكرة الرئيسية، أيضا ندوات تهتم بالتعريف بالثورة والمفاهيم السياسية المختلفة المختلطة تعريفاتها لدى الكثيرين إضافة لنشر الكتب، وأخذنا مقراً بوسط البلد وافتتحنا فى يوم 21 فبراير المتزامن مع يوم الطالب العالمي، إنما يبقى نجاح المشروع مرهونا بدعم وحماس الأصدقاء.


■ لماذا يوم الطالب العالمى تحديدا؟
- كان لابد من تحديد موعد للافتتاح فجاءت فكرة زين العابدين فؤاد فى اختيار يوم الطالب العالمى كمناسبة وطنية خاصة أن له العديد من القصائد بخصوص هذا اليوم.
 
■ كيف ترى أداء المؤسسات الثقافية المستقلة وتأثيرها فى الثقافة؟
- لدى معيار مهم جدا للأسف غير مطروح، وهو أن عدد غير قليل من هذه المؤسسات يتعامل مع التمويل الأجنبي، وعن نفسى لا أثق فى هذا التعامل – قد تكون رؤيتى خاطئة أو صحيحة- إنما يبقى رأيى هذا حاسماً ومنتهياً بلا جدال، فإذا أردنا عمل شىء مستقل فعلينا بالاعتماد على أنفسنا وجهودنا وجهود الأصدقاء وليس غير ذلك، فالملاحظة العامة على هذه المؤسسات أنها تشبه معظم دور النشر التى تذكرنى بمحلات الألف صنف! ... فهذه الدور تنشر كتبا أدبية وكتبا ضد الأدب! وكتباً مثيرة أو تجارية، بالتالى فالملاحظة العامة على أداء هذه المؤسسات أنه ليس لها مشروع فكرى واضح أو أنها تخدم توجهاً واضحاً، أعتقد أن المشروع الوحيد لهم هو الربح فقط ... أيضا هذه المؤسسات رسخت لمفاهيم بعيدة عن الأدب مثل المفهوم الخطير «الأكثر مبيعا» أو Best seller فبهاء طاهر، الذى اعتبره أجمل الأدباء عمره ما كان «الأكثر مبيعا»، حتى فى الستينيات مع كوكبة محفوظ والشرقاوى وغيرهم لم يكونوا أكثر مبيعا مثل عزيز أرمنى الأديب غير المشهور! فكان يكتب روايات مثل «خذنى بعاري» و«إنى ذائبة فى عينيك» هذا هو نمطه وكان مطلوبا جدا! فالأكثر مبيعا ليس مفهوم أو تقييم للعمل الأدبى الذى يقيم بالأكثر جمالا ... مثلا... كما أنه ساعد على إبراز أسماء علاقتها ضعيفة جدا بالأدب، إضافة لإفساد جزء كبير من الشباب، وإن كنت أرى أن الفول المدمس هو الأكثر مبيعا فى مقابل اللحمة!!
 
■ ماذا عن المؤسسات الثقافية الرسمية؟
هذه هى المشكلة الحقيقية والأساسية لأنها لم تمثل بوصلة أو معياراً لنظيرتها المستقلة، فهى مؤسسات مترهلة جدا، فلقد كتبت عشرات المرات وناديت بإعادة طبع أعمال سلامة موسى هذا القيمة الفكرية الكبيرة الذى يقف على قدم المساواة مع طه حسين والعقاد وربما الأفضل، لكن دون جدوى! ... بالتالى لا نملك أى إدانة لأى من المؤسسات المستقلة، يحضرنى هنا أيضا فى الستينيات حين كنا 30 مليون مصرى كان لدينا خمس عشرة مجلة ثقافية، اليوم ونحن تقريبا 90 مليون مصرى أى لابد أن يكون لدينا 45 مجلة ثقافية إنما الحقيقى أنه ليس لدينا سوى جريدة واحدة ومجلة واحدة ثقافية! .. فالأداء الثقافى العام هابط أساسا.
 
■ هل ترى أن المؤسسات التى تستعين بالتمويل الأجنبى سواء ثقافية أو مجتمع مدنى كان لها دور فى التفكيك الفكرى والاجتماعي؟
- طبعا، فكنت أريد ان أسمى كتابى «عيون التحرير» بـ«تفكيك العقل والثقافة الوطنية» لأنه دورهم الرئيسى هو تفكيك العقل والثقافة من المفهوم الموحد للوطن إلى جملة مفاهيم صغيرة فى حقوق الوطن، فانفصلت حقوق المرأة عن حقوق الرجل عن حقوق الطفل عن حقوق الطفل بلا مأوى ومسميات عديدة، جعلت كل مجموعة تعيش بمعزل عن الأخرى دون أن نرى المشترك بينهم جميعا، وهو أن جميعهم مصريون لهم حقوق واضحة، بالتالى لا نستطيع أن نقوم بثورة واحدة معا، فكل مجموعة مهتمة بمصالحها الشخصية، فالدور الرئيسى لها هو تفكيك المفاهيم الوطنية فى السياسة والأدب أيضا، وهو ما عايشناه فى ثورة يناير التى نسميها انتفاضة يناير أو العكس من اضطراب عقلى فظيع ما بين ناس ظلت لمدة عام تطالب بإنهاء حكم العسكر وناس تطالب بعودة حكم العسكر! وناس تطالب بإسقاط الجنزورى ليأتوا بعصام شرف بدلا منه!
 
■ هل السعى الحالى نحو الديمقراطية يبتعد أو يتخلى عن مفهوم التحرر الوطني؟
- ثورة أو انتفاضة يناير ظلت مطالبها محصورة من البداية فى حدود الإصلاح السياسي، وهى تعديل الدستور والانتخابات النزيهة وشعارات الثورة العدالة الاجتماعية والحرية والعيش ما هى إلا شعارات عامة جدا لا تجسد شيئاً كشعارات المساواة والأخوة التى لا تشير إلى برنامج محدد، بالتالى ظلت ثورة يناير أسيرة مفهوم الديمقراطية المعزول عن المحتوى الاجتماعي، فمثلا الدستور الأمريكى يكفل لكل مواطن الترشح للرئاسة، لكن على أرض الواقع لابد أن يكون ثريا ليستطيع إنفاق ملايين الدولارات على الانتخابات، بالتالى الحق الدستورى المكتوب بالورق مشطوب عليه بالواقع! ... ففهم الديمقراطية لا يمكن تحقيقها بمعزل عن العدالة الاجتماعية والمفهوم الاجتماعي، فهذه المسألة هى إحدى النقاط القاتلة للثورة، بالتالى هذه المساعى كانت ولاتزال بمعزل عن قضية التحرر الوطني، فمثلا منذ عام حين كان هناك إقرار لفرض ضريبة عقارية لم يتنبه أحد إلى أن هذا من شروط صندوق النقد الدولي! فالصندوق يتدخل فى أدق تفاصيل حياة المواطن، وحاليا هناك سعي لرفع الدعم عن الخبز والبنزين بطلب من الصندوق أيضا.
 
■ لماذا اخترت عنوان «عيون التحرير فى السياسة والأدب»؟
- الكتب التى صدرت عن الثورة تجاهلت أبعاد الثورة وهى أن لها جذورا فى الماضى وليست وليدة اللحظة، فالطفل لا يحسب تاريخه بلحظة ميلاده بل بلحظة تخليقه فى الرحم وشهور الحمل، فتاريخ هذه الثورة له سنوات طويلة وليس من 28 يناير فى الأدب والسياسة.
 
■ هل تعتقد أن ما سمى إعلاميا «ثورات الربيع العربي» خطوة فى المشروع الأمريكى «الشرق الأوسط الجديد»؟
- من الصعب أن نجزم أن الجماهير التى اندفعت بالميادين كانت هذه هى خطتها، إنما دعينا نقول أنه من الممكن أن تستغل أمريكا هذه الحالة لصالحها ودفعها فى هذا الاتجاه، فمادة الثورة حقيقية لكن يمكن استخدامها فى أى اتجاه غير المرهون بما تريده أمريكاً، إنما أيضا بقدرة الشعوب على تجاوز ذلك وتوجيه ثوراتهم للاتجاه الذى يريدونه كشعوب وأصحاب وطن.
 
■ لماذا هبط التيار المدنى واليسارى والليبرالي؟
- كل هذه التيارات عندها ضعف تاريخي، لأن حملة هذا الفكر الليبرالى والتنويرى واليسارى لا يمثلون الطبقات الشعبية! بل إلى حد كبير مصالحهم هم كنخبة! فدائما وبصراحة هذه النخبة لديها الاستعداد للتخلى عن مبادئها فى مقابل مصالحها! ... لذا كتبت من قبل عن أن هذه الثورة قد قامت ليس بوجود المثقفين الحاليين إنما رغما عنهم، فطبيعة المثقف تعانى من ضعف تاريخي، فللأسف ليس لدينا نموذج المثقف القوى والقادر على الرفض ومواجهة السلطة، يكفى أننا حتى الآن مازلنا نتذكر باعتزاز ما فعله العقاد عام 1930 حين ضرب بيده فى البرلمان وقال «إننا على استعداد لسحق أكبر رأس فى البلاد إذا مس الدستور».
 

غلاف الكتاب
 
■ هل أنت من أنصار فكرة أن يتناول الأدب القضايا الكبرى أوالقومية؟
- لا يوجد أدب عظيم وخالد فى العالم إلا وتناول القضايا الإنسانية الكبرى، هذه حقيقة من ضمن الحقائق التى حطمتها أو فككتها المؤسسات الممولة، وهى ترسيخ مفهوم انتهاء عصر القضايا الكبرى، وهو أحد مجهودات التخريب الذى فعلته هذه الجهات، دعينا ننظر إلى أديب عالمى كبير مثل فوكنر أو تولستوى أو كافكا كلهم لديهم قضايا كبرى، فالأدب بطبيعته هو قضية كبرى، لأنه وسيلة للتعارف والتواصل الروحى بين الشعوب، فلا أدب عظيم بدون قضية كبرى، فلما يكون فيه أدب عن قصة حب فهو قضية كبرى أو عن إنسان يعيش فى وحدة كلها قضايا كبرى لأنها قاسم مشترك بين الإنسان العالمي.
 
■ أنت تكتب المقال الصحفى والأدب والمسرح والكتب الفكرية وتترجم، إلى أى منهم انحيازك؟
- ليس انحيازا بقدر ما هو الذى كتبت فيه أكثر، فأنا كنت أحب أن أكون أديبا أكثر إنما للأسف حققت أكثر فى الصحافة، فأنا أكتب فى الصحافة بانتظام ودأب لمدة طويلة تزيد على عشرين عاما ربما رغبة منى فى المشاكسة!.
 
■ هل تعتقد وأنت من كتاب «القصة القصيرة» أن هذا الفن آخذ فى التراجع ومهدد بالاندثار؟
- لا يوجد شكل أدبى يندثر، فالأشكال الأدبية نشأت تقريبا مع بدايات اللغة طبعا ليس بشكلها الحالي، إنما فكرة الحدوتة والقصة والنكتة وكل هذه الأشياء ملازمة لتاريخ الإنسان، بالمناسبة القصة القصيرة هى الأقدم من الرواية فى تاريخ الإنسان، ففكرة أن تندثر لن يحدث إنما يمكن أن تتقلص، بالمناسبة أيضا الكاتب محمد المخزنجى أعاد القصة القصيرة ورفع سعرها، أعتقد أن القصة كافية لدى للتعبير عن أفكاري، فى النهاية ليس الموضوع هو طبيعة القالب الذى أكتب فيه إنما ما أكتبه، فهناك روايات ماتت وعاشت أمامها قصص قصيرة والعكس.
 
■ كيف يمكن التجديد فى قالب القصة القصيرة؟
- الناس عادة ما ينظرون للتجديد أنه تجديد فى الشكل، لذا كثير من الشباب يركز على الإبهار، إنما نقطة الانطلاق فى التجديد فى رأيى الخاص هو التجديد فى المضمون، فالواقع حولنا ملىء بالجديد وظواهر عديدة لابد من التقاطها، فنحن لدينا الآن وفرة شديدة فى الروائيين يعنى تقريبا روائى لكل مواطن! إنما ماذا عن منتجهم الروائي؟ فالمهم هو ما يتناوله الكاتب.
 
■ تمت عسكرة المثقف من قبل فهل يمكن أخونته؟
- يستحيل، لأن الأخونة ضد التفكير والتنوير بينما المثقف هو عنوان هذه الأفكار وليس الرجعية والتخلف، فالمثقف هو حالة ضد الإخوان.
 
■ تحدثت فى كتاباتك عن الأزمة الطائفية والباب المغلق بين المسلمين والمسيحيين، فهل لازال هذا الباب مغلقا ولا أمل فى فتحه؟
- الحقيقة أن هذا الباب كان مغلقا والآن تم ردمه بالسبخ! ورموا أمامه مهملات وقمامة، فللأسف الشديد حين أقرأ ما كتب ابن إياس وقت المماليك يشيب له شعر الرأس، حين وصف المجاعات التى مرت بها مصر لدرجة أن الناس كانوا يجلسون على الأسطح لينقضون على المارة ويأكلوهم من شدة الجوع! أيضا الغزوات العديدة لمصر، كل هذه الغزوات والمجاعات لم تستطع أن تشق مصر، فما يقلقنى بشدة أن تشق مصر بالفتنة الطائفية أو الادعاءات السخيفة باستقلال النوبة وحتى بورسعيد اليوم التى ترفع لافتات باستقلالها! فهذا مخطط واضح لتقسيم مصر.