الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هدية الأيوبي: المنفى أفقدنى الشعور بالإنتماء للمكان وجعلنى أكثر حميمية مع الكتابة




هدية الأيوبى شاعرة ومترجمة وكاتبة لبنانية اختارت المنفى فى باريس بعيدا عن أجواء الحروب والصراعات، تشرف على أطروحات الأدب العربى بجامعة فان هولاند بهولندا، وهى حاليا مدير تحرير «دار الكشكول» للترجمة والنشر فى لندن تعبيراً عن نشاطها الثقافى المتعدد والحياة بالمنفى الاختيارى بعيدا عن وطنها، وما ترك بها من أثر، وديوانها الجديد «امرأة هزت عرش الماء» كان حوارنا وإلى نصه.


■ تتنوع اهتماماتك الثقافية بين الشعر والترجمة والنشر والصحافة كيف توفقين بينهم؟
 
الزمن دوماً عدو المبدع، لهذا أجدنى فى سباق معه، دوماً ونادراً ما أنام، ولو نمت أهجس بما أريد تحقيقه، أجد لذة كبرى فى هذا التعب، المسألة أيضاً مزاجية، ككل مبدع، يحفزنى الحب فهو مشجعى الأول، لولاه لما تمكنت من تحقيق أى شيء، حين أشعر أن الحب يفلت منى أدخل فى مرحلة الجليد، وأفقد كل رغبة بأى شيء حتى بالحياة قد يكون هذا غير منطقياً لكن المبدع لا يمكن أن يعيش على حافة القلب لولا هذا اللهب الذى يحرقنا لا يمكننا أن نضيء الظلام ونضيء الطريق للآخرين.
 
■ ألا يمثل ذلك تشظيا فى الهوية؟
 
- لا أبحث عن هويةٍ ما، إلا أننى أجد أن هذه الاهتمامات متكاملة، لست مبعثرة بينها بل هى تخلق تنوعاً فى الإبداع، الترجمة رياضتى اللغوية تنقلنى بين العربية والفرنسية لأتلمس جماليات اللغتين وتجارب شعرية مختلفة، والصحافة هى تواصل مع الآخر، منها أطل على التجارب الأدبية والفنية، يبقى الشعر النبع المسحور الذى شربت منه منذ طفولتي، لا أستغنى عن مائة لأبقى أتنفس وأسير نحو المغامرة مسكونة بسؤال أبدي.
 
■ صدر لك مؤخرا ديوان «امرأة تهز عرش الماء» .. ما التجربة الشعرية التى يطرحها الديوان؟
 
- لا أزعم أننى أطرح تجربة شعرية جديدة من ناحية المضمون، هو ديوان مكتوب للحب وبالحب، كل كتاباتى مصدرها الوحيد هو الحب، لا أكتب شعراً سياسياً بل أفضل ممارسة السياسة فى الواقع، ربما فى ديوانى «عودة للبراءة الأولى»، للحب الرومانسى الذى نفتقده فى هذه الغابة، قصائده تمثل اللحظات الأولى للبرق حين يخطف أنظارنا، فهو نتاج مرحلة زمنية معينة، لذا قد لا تصعق نصوص القارئ لكنها تشد انتباهه وربما لامست مشاعره، فى دواوين آتية أرجح أن تكون الدهشة أكثر استفزازاً وجمالاً، لأن التجربة نضجت على نار مشاعرى وآلامى وتطلعاتي، كما أن اللغة تتطور مع الوقت.
 
لم أنشر ديوانى طمعاً بإثارة الضجة بل لأنى لم أرد أن يبقى رهينة الكمبيوتر، أحببت أن أشارك القارئ تجربتي، بالطبع هذا الكلام لا يعجب النقاد لكنها الحقيقة، كتبت لأننى أتنفس الكتابة ونشرت لأننى لا أستحى مما أكتبه، أنا لا أتعمد اصطياد القراء، ولا أتجمل بل أكتبني، مثلما يكفى أن يحبنى قلب واحد لأعيش يكفى أيضاً أن يقرأنى قارئ واحد لأستمر بالكتابة، ربما كنت أكتب لقارئ واحد... وأنشر من أجله...من يدري؟
 
 

 
■ تقيمين فى باريس .. ماذا أعطاك المنفى وماذا أخذ منك؟
 
- المنفى كان اختياريا، جئت بحثاً عن أسطورتى الشخصية، عن حلم يراودنى منذ الطفولة، لم أحقق الحلم بعد ولا الأسطورة، لكن المنفى أعطانى الضوء والطريق، أعطانى عينين جديدتين، لغة جديدة، نوافذ كثيرة أطل منها على ما أريد، أعطانى رؤيا جديدة لذاتي، للآخر، للعالم، صارت حياتى مشرعة على احتمالات كثيرة، ما عدت أؤمن بالنهايات، كل لحظة هى بداية، فى المنفى نصبح أكثر حميمية مع ذاتنا فى غياب الحميمية مع الآخرين، نصبح أكثر حميمية مع الكتابة بل نستغرق فيها، لأنها الباب الذى لا يغلق أبداً، وقد تكون الخلاص من العزلة والملاذ فى عالم يغرق أكثر فأكثر فى المادة، والصديق الوفى حيث يعزّ وجود الأصدقاء. بالمقابل، أخذ منى المنفى الشعور بالانتماء إلى المكان، أى مكان، صرتُ أشعر أنى عصفورة لا تطيق السجن ولا الخواتم، صرتُ على قلقِ دائم لأنى أهجس دوماً بحلمى الذى لو تحقق فستكون له أحلام، خلصنى المنفى من الإحساس بالعجز والقدرية، مسح من قاموسى كلمة مستحيل، كما غير الكثير من قناعاتى بما تعلمناه أو لقنونا إياه، ومع الوقت يأخذ منى الإحساس بالحنين والندم، يأخذ منى الإحساس بالقناعة، أنا الآن فى عطش دائم لكل ما هو مختلف ومدهش وبعيد وعالٍ، متعب هذا الطريق لكنه لذيذ، فى المنفى يتغير مفهوم الوطن، لم أعد أحنّ لأى مكان بل أشتاق للإنسان، صار الإنسان هو الجغرافيا وهو الهوية والتاريخ، أشعر أنى زائرة فى هذا العالم وعلى أن أترك عطراً ما، أو أثر ما، دون أن ألتفت إلى الوراء.
 
■ لبنان يعيش على سطح صفيح ساخن .. بالرغم من أنه مهبط الحداثة فى العالم العربي؟
 
- حضن لبنان الحداثة العربية كما حضن كل التيارات السياسية الآتية من الخارج.
 
لا توجد فى لبنان أحزاب سياسية بالمعنى الحقيقى للكلمة، بعد الحرب الأهلية، تجذرت الطائفية فى لبنان أى تشرعنت، إلا أن فرادة لبنان تكمن فى أن فيه من كل شيء طرف، رغم صغر مساحته، نجد الأدب إلى جانب السياسة والتعصب الدينى إلى جانب التحرر الفكرى والاجتماعي، مما يجعلنا غير قلقين كثيراً، هناك مكان للجميع، أعول على جيل الشباب أن يخرج من إرث الماضى ويبنى وطناً لا طائفياً، وأعول كثيرا على المثقفين الذين أتمنى أن ينزلوا من أبراجهم العاجية.
 
■ هل ما يحدث فى لبنان له علاقة بأحداث سوريا أم بثورات الربيع العربي؟
 
- المجتمع اللبنانى مقسوم الآن بين مع وضد الثورة السورية، حتى فى بلاد الاغتراب، ليس مجرد انقسام نظرى بل فعلي، هناك من يساعد النظام وهناك من يساعد النازحين والناشطين وحتى وسائل الإعلام مقسومة، السبب يعود إلى الحقبة التى كان فيها النظام السورى فى لبنان، كثيرون من اللبنانيين عانوا من سيطرته مثل أو ما يماثل معاناة السوريين، ومازال هناك معتقلون لبنانيون فى السجون السورية، أما الذين تتقاطع مصالحهم مع النظام فهم يخشون سقوطه، سيتأثر لبنان حتماً بنتائج الثورة السورية وثمة معادلات كثيرة ستتغير، لا يحتاج اللبنانيون إلى ثورة على الحكم كما فى بلدان الربيع العربي، لأنه لا ديكتاتورية عندنا سوى ملوك الطوائف، إنهم بحاجة ماسة إلى ثورة على الذات للتخلص من الطائفية والعنصرية والنرجسية، إنهم بحاجة للعودة إلى الطبيعة الإنسانية بنسختها الحقيقية.
 
■ كيف ينظر الفرنسيون إلى الربيع العربي؟
 
- غالبية المواطنين الفرنسيين مهتمون بما يجري، خاصة اليساريين الذين يهمهم انتصار الثورات، بالمقابل هم خائفون من صعود التطرف الدينى لأن ذلك سيحرمهم من التواصل مع شعوب المنطقة ثقافياً وسياحياً، لاحظت اهتماما كبيرا بالثورة السورية وتعاطفاً مع الشعب السورى من الناحية الإنسانية، كذلك لاحظت اهتماما بما يجرى مصر لأنها تمثل لديهم قبلة سياحية وأهم حضارة فى الشرق، اللافت أن معظمهم يتابع أخبار الثورات عبر الفضائيات العربية خاصة الطبقة المتعلمة من أطباء وكتاب وناشطين اجتماعيين وسياسيين.
 
■ ما جدوى الشعر فى عالم يتفاقم فيه الظلم وزاخر بالتحولات والثورات؟
 
- يبقى الشعر الناطق الرسمى باسم المظلومين والمقهورين، كثيرون من الشعراء واكبوا الحركات الثورية مثل محمود درويش وبابلو نيرودا ولوركا، لا أزعم أن الشعر يغير العالم لكنه يجعل الحياة أكثر احتمالاً ويحفز الثورات، الدليل أن بيت أبى القاسم الشابي» إذا الشعب».. كان أول ما أنشده ثوار الربيع العربي، سيتأثر الشعر بهذا الربيع سواء من حيث الاستلهام أو اللغة وربما الشكل، الشعر ثورة ولا بد أن يبقى حافلاً بالتحولات تماماً كالحب، كالربيع.