الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«مفترق الطرق» يجمع أجيالاً فنية مختلفة فى «بيكاسو»




ستة من الفنانين التشكيليين المصريين من أجيال متلاحقة تضم مختلف المدارس الفنية، ما بين الكلاسيكى والتعبيرى والتجريدى والتأثيرى والحداثى والمعاصر، اجتمعوا معا وتناقشوا حول الفن ومدارسه ومذاهبه التشكيلية المختلفة وتقنياته، ورغم مشوارهم الفنى الثرى اعتبروا أنفسهم مازالوا فى مفترق الطرق، مؤمنين بأن بحر الفن عميق وليس له نهاية، وطريق الإبداع والتجريب لا يتوقف طالما الفنان مازال ينتج فناً ويخلص لموهبته ويقدر ويحترم رسالته، وقرروا أن يقدموا نماذج من تجاربهم الفنية والجمالية للوحة التصويرية، واختاروا أن يكون لقاؤهم فى معرض جماعى تحت عنوان «فى مفترق الطرق» الذى أقيم فى قاعة بيكاسو بالزمالك ضم أكثر من ثلاثين عملا تصويرياً لكل من الفنان على الدسوقي، وعبد الرحيم شاهين، وعفت حسنى، وعبد العزيز الجندى، ومحمود حامد، ونرمين الحكيم.
 

 
 هذا النوع من المعارض الجماعية التى تطرحها قاعة بيكاسو تسهم فى تنشيط الحركة الفنية التشكيلية وتوقفنا على مستوى الحركة الفنية المصرية، وتطرح تساؤلات إلى أين وصل الفن التشكيلى المصرى وإلى أين نحن ذاهبون؟
 
الفنان على دسوقى فنان الباتيك تلك التقنية الذى قدم بها إبداعاته منذ السبيعنيات وحتى يومنا هذا، حيث يعتمد فن الباتيك على النقش وتغطية مساحات محددة بمادة الشمع الساخن تعزل الصبغة، كما اعتمد على التكنيك والحرفة مع الصدفة التى تحدث علاقات فنية وجمالية، عرض مجموعة من لوحاته التى تعكس البيئة المصرية الأصيلة مثل أحياء القاهرة القديمة والحارة المصرية التى تعيش فى وجدانه باعتباره من أبناء حى الأزهر وعاش روح الأسطورة والحواديت الشعبية والطقوس والألعاب الجماعية لأطفال الحارة وبائع البطاطا والترمس والفول، وتظهر فى لوحاته أجواء الحسين والسيدة زينب وتحت الربع، كما تظهر العمارة الإسلامية والزخارف الإسلامية بمختلف دلاتها الفلسفية والفكرية بالإضافة للعديد من الموتيفات الشعبية مثل العين والنجمة والهلال والسمكة والكف، وتأثر الفنان بالفن المصرى القديم والرسوم الجدارية للمعابد الفرعونية بالأيقونات القبطية، إلا استفادته الاولى كانت من الحلول التجريدية للفن الإسلامى.
 
الفنان عبد الرحيم شاهين صاحب تجربة فنية جمالية عالية الحس عرض خمس لوحات تصويرية زيتية، ترجعنا الأعمال إلى أجواء الدراما الكلاسيكية التى بقدر ما هى تحاكى الخيال وأسطورية الفكرة فإنها تعد واقعية المضمون، ومن هذا وجد شاهين فى الرمز والعناصر مدخلاً ليحدثنا عن الحياة وفلسفتها إلى أن أصبح عالمه الخاص الذى يقول عنه: إن الرمز ثراء فكرى وفلسفى، وهو بمثابة بحث فنى تجريبى لا يتوقف ويعطيك فكراً كلما كشفت عنه سر تجد سرا آخر».
 

 
استخدم الفنان عناصر مثل المرأة والإنسان والطائر والقطط والبومة والسمك وغيرها من العناصر التى استلهمها من التراث القديم من مختلف الحضارات الفرعونية والاسلامية والقبطية، التى تحمل دلالة وجدل ورؤيا، وقد دمج بين التراث برؤية معاصرة وبين القديم الذى استدعاه لوناً وشكلاً ومضموناً، وهذا الدمج جعل من تداخل وتعانق الرموز توحد وحميمية وكأنهم عالم واحد رغم أن الرموز كلا من عالم مختلف وتراث وحضارة بعيدة، ففى أحد الأعمال المعروضة لوحة لامرأة صامتة تبوح كلاماً بنظرة عتاب لكل من ينظر إليها بتركيز، تحتض فى يديها كرة صغرة ترمز للكون الذى تحاول أن تعرفه ويعرفها، ومن خلفها مكان وزمان يحكى قصتها فى أجواء ضبابية وشفافة معبرة عن معنى ربما يكون لمرحلة انتهت من حياتها لتعيد تشكيل الحياة، وربما لمرحلة سوف تذهب إليها، وهذا هو الحال فى أعمال شاهين، لا تعرف أن تصل إلى الأسطورة الكاملة ولا يبوح بها واضحة، بل جعل المتلقى يصفها بوجدانه وكيانه من خلال واقعه وأحلامه، جمع بين كلاسيكية التقنية وتعبيرية المعنى، الألوان فى الأعمال محسوبة وحذره تكمل قصدية الفنان.
 
الفنان التشكيلى عفت حسنى هو حالة أخرى من عالم الرمز تجاوز كل ما هو تقليدى ومعتاد يقترب عالمه التشكيلى من عالم الأساطير وعالم ألف ليلة وليلة وعالم الأحلام المبهجة متفرد فى استخدامه للألوان لا تخلو لوحاته من التوافق والانسجام اللونى والإيقاعات اللونية الصارخة، يبعث من خلال أعماله حالة من التفاؤل بصرف النظر عن الموضوع الذى يطرحه، عمل فى عالم الصحافة فترة طولة استطاع أن يخاطب الطفل وله عدد من الكتب والإصدارت، ومخاطبة الطفل بالألوان هى أصعب رسالة يخطها الفنان، ولكنه بعد أن ترك بصمة مميزة حتى تفرغ إلى العالم التشكيلى، يمكن أن نطلق على عالمه فانتازيا اللون والملحمة التشكيلية، المرأة أحد أهم العناصر الأساسية فى أعماله المعروضة، متجدد الفكر يعيش عصره بكل ما يحمل العصر من حداثة ومعاصرة فى التوجهات الفنية، لكنه لا ينجرف إليه ليحافظ على عالمه الخاص.
 
فى الأعمال المعروضة نجد الاستفادة من الحضارات القديمة التراث المصرى الفرعونى القديم ـ والشعبى والأسطوري‏ فى توليفة مصرية خالصة وسريالية كمذهب فنى، وجمالياته العناصر وهنا تكمن قدراته الفنية وإبداعاته فى توظيف الرمز والعنصر وصاغة فى زمن آخر ومكان آخر، وتتمثل هذه الجماليات فى البناء الفنى والفكرى وبالتة لونية خاصة به تشع إضاءة وظل وأبعاد، شفافية الرموز وكأنه حملها من صفحات التاريخ الإنسانى لحضارات المصرية لتشهد على واقعه وأحلامه، معبراً عن روح الواقع ونبض الحياة يداعب أوتار ومشاعر المتلقى وخلق مساحة من الحوار بينه وبين العمل الفنى لذلك جاءت سرياليته منطقية الأرض.
 

 
الفنان عبدالعزيز الجندى يمسك بأسرار الألوان المائية رغم صعوبة إصلاحها، لأنه كشف الكثير من أسرارها وطوعها إلى أن أصبحت مرنة وطيعة، مما جعله تميز بلغة تشكيلية تأثيرية وانطباعية مصدرها علاقات الألوان وتتداخلها وانسجامها ونسجها داخل المشهد باستخدام الوسط المائى، اختار موضوعات الحياة اليومية من الشارع المصرى بكل مفرداته البائعين الحارات القديمة الأبواب الأزقة وبلكونات وسطوح بيوت القديمة ومقاهى ومن يجلسون عليها، بيوت شعبية فى حارة ضيقة لها طراز معمارى وإسلامى تنطق بالروح المصرية.
 
يشارك الفنان بست لوحات ما بين الأكريلك والزيت والاكورل، يعتمد الفنان فى الأسلوب الفنى والتقنية على حركة الفرشاة السريعة وما نطلق علية الانطباع الاول للمشهد والمكان وهى أقرب لحالة الاسكتش، ولكنها لا تخلو من التفاصيل التى يرغب الفنان فى بقائها، وقد يختزل بعض التفاصيل لصالح الحركة الانطباعية للون.
الفنان محمود حامد يمثل فى هذا المعرض لقاء الفن المعاصر والحداثى بما قدمه، عرض الفنان مجموعة من اللوحات تجادل المتلقى بها وجوه تعبيرية بها استطالة وهى نوع من المبالغة فى التشخيص لتعبر عن مضمون فلسفى للإنسان، استخدم الفنان الألوان الفرعونية التى اعتاد أن يستخدمها طوال مشوارة الفنى وهى اللون الذهبى والأزرق الفيروزى وهى مسحة فرعونية مع استخدام بعض الكتابات والحروف العربية لجمع الحضارات فى عمل فنى واحد، استخدم خامة مختلفة الرسم وحفر على الحرير الشفاف، وترك الشفافية تظهر خلف اللوحة وهى معلقة على الحائط، لم ينته العمل على رؤية فى اللوحة بل نجد له نورًا وامتداد على حائط، وأن حفر شخصيات اللوحة أضفى عليها صفة أنها قادمة من عالم آخر.
 
 الفنانة نرمين حكيم هى الفنانة الوحيدة التى اشتركت معهم وقدمت حالة فنية تعبيرية تجريدية مختزلة التفاصيل، وحولتها برؤية معاصرة إلى مجموعة لونية متوافقة متتابعة، وهذه الحالة الفنية لها طابع خاص وتعتمد على قدرة الفنانة على التبسط البليغ للعناصر وعلى رؤيتها اللونية، عرضت الفنانه لوحات زيتية عبرت بها عن البحر والطبيعية، كما عبرت عن الثورة المصرية وما حدث فيها، فجاءت أحد المشاهد عن الشباب على كوبرى قصر النيل وهم فى حالة تتدافع أكدتها الفنانة بمجموعات من الألوان هى تبسيط للتشخيص، كما عبرت عن المرأة وهى تجمع حولها عالم من المساحات اللونية لكل لون دلالة وتعبير وقيمة ومعنى بدأتها من اللون الأزرق الروحانى وصولا إلى اللون الأحمر والبرتقالى، وهذا يؤكد أن الفنانه أخذت عالم التجريد عالمها ومنه تستطع أن تعبر عن كل الموضوعات والقضايا.