السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مختار عيسى:مصر تعيش «إرهاصات» تغيير جذرى.. وعين الشعب أذكى من التحقيق





مختار عيسى شاعر وناقد وروائى من مواليد مدينة طنطا وهو عضو اتحاد كتاب مصر يعمل بالصحافة الثقافية منذ فترة طويلة، من أعماله السردية: الإبحار فى العيون، خارطة للجرح، يحط اليمام على ضفتيك.أصفق للملائكة دون تحفظ، كأنه يومض ولا يكاد ينطفى، العابر وفى الشعر: أوراق الهزيمة، رسائل من الميدان، وفى النقد: ما تيسر من حديث الناقد.
 
■ كيف ترصد بعين الكاتب ما يحدث فى مصر الآن؟
من المؤكد أن كل الأعين ترى المشهد الذى لم يعد بإمكان جهة أو مؤسسة أو فرد مهما بلغت قدرات أى منها على الإخفاء والتعمية، لكن لكل عين زاويتها الخاصة التى قد تتحكم فيها أيديولوجية صاحبها أو عقيدته أو حتى ادعاءاته وتزاييفه، لكن هناك مشتركا عاما  يؤكد أن مصر الآن تعيش ليس محنة كما يصر البعض على تسميتها  ولكن ما يجرى هو إرهاصات تغيير جذرى لم يعد بإمكان كائن من كان أن يحول بينه وبين توقيع حضوره على صفحة الوطن، وعين الكاتب التى تسألنى رصد مايحدث بها  وإن اختلفت نوعيا فى قدرتها على الحذف من المشهد والإضافة إليه إلا أنها تأكدت أن الكل باطل وأن المتحدثين  نيابة عن الشعب صاحب المصلحة الحقيقية كثير منهم إن لم يكن جلهم لايدركون أن الشعب لايعرف تصانيفهم ولا نظرياتهم ولاحساباتهم السياسية أو الأيديولوجية ومن ثم فلا قيمة حقيقية لما يقدمون ماداموا قد وقعوا فى الخطيئة التاريخية التى تتكرر والتى أشار إليها الأبنودى  عندما تحدث عن (الطليعة والجماهير)، وأرى بشكل شخصى أن علينا  الاستراحة قليلا ليسمع الحاكم والمعارضة صوت الشعب ومطالبه  دون أى تزاويق إعلامية أو هندسات فضائية عبر برامج التوك شو ..أكرر أن عين الكاتب فوق أنها عين مثقفة حاذفة مضيفة إلا أنها ليست أبصر من عين الشعب  خصوصا عندما لم يعد بإمكان أى طرف إخفاء أى شيء فى القرية  أو الكبسولة الالكترونية المسماة بالعالم المعاصر.
 
■ أنت شاعر وناقد وروائى.. كيف توفق بين هذه الاهتمامات؟
مسألة  التجنيس الأدبى أو التساييج المعرفية كما أشرت إلى ذلك عدة مرات فى كتبى أو لقاءاتى التلفازية أو مقالاتى فى المجلات المتخصصة  فوق أنها ضرورة أحيانا لتنقية المشهد من الشوائب والدخلاء  وما أكثرهم خصوصا فى ظل غياب  مرجعية معيارية، لا تمثل هذه التساييج أو التصنيفات النوعية علاقات تضاد أو مجابهة فيما أرى بقدر ما هى علامات للتجاور وشعوب فنية  للتعرف والتكامل والتداخل، فليس من الوعى الأدبى الصحيح أن نرى الانفصال بين الأجناس الأدبية لازمة لنفى بعضها البعض ولكن الشاعر يكمل الروائى بقدرته على التصوير والخيال والمفارقة والرواية فى الأصل ـ فيما أرى ـ رؤية شعرية للعالم حتى إن كانت مرتكزاتها واقعية وشخصياتها حقيقية فمفهوما الشعرية والشعر لا يناقضان السردية الروائية، والحكى والرصد والتحليل النفسى أو الاجتماعى  وإدراك علاقات الشخصيات والأحداث لاتناقض بالضرورة الموقف الشعرى من العالم والذى أراه هو الموقف الأساسى من الحياة التى لم يعد من المناسب أن ننظر إليها فى تشابكاتها وتعقيداتها من شباك ضيق كما كان القدماء ينظرون إليها، فالرؤية الشعرية التى أراها جديرة بالوجود فى حياتنا المعاصرة أكثر تعقيدا وتشابكا  ومن ثم فهى أقرب للتداخل والتشابك والصراع الروائى، وعلى هذا فأنا يتداخل فى رواياتى الشعرى كما يتداخل فى أشعارى السردى وبناء الشخصيات وتعدد الأصوات بما يحقق درامية القصيدة  ومن ثم تكون الأشكال والأنواع والتصانيف الأدبية مجرد أوعية متجاورة على مائدة واحدة، ومن ثم فإن الناقد الذى لا أرى له قدرة على الغياب عن أى لحظة من لحظات الحياة فى الكتابة أو غيرها لايمكنه ـ بالقطع أن يغيب عند كتابة الرواية أو القصيدة أو المسرحية، ويبقى أن تتم (غربلة) ما يراه فى أثناء ممارسة الكتابة بعين الناقد الحاذفة المضيفة أيضا ليخرج بقراءات خاصة للمنتوج الأدبى بصرف النظر عن تحكم ذائقته الخاصة.
 
■ أين تجد نفسك أكثر؟
حيثما يجدنى الموضوع أو بالأحرى عندما تصطادنى الفكرة ويستبينى الأرق يكون النص ويكون الشكل أو النوع الأدبي، قصيدة  بالفصحى أو العامية المصرية، أو رواية أو مسرحية أو مقال نقدى تنظيرى أو تطبيقى، فليس هناك دخول مسبق إلى الحالة  الكتابية بتصور أو قالب جاهز ولكن اللحظة والموضوع والحالة النفسية  تفرض وعاءها، فأجد نفسى فى هذا القالب أو ذاك، ويريحنى اللجوء إليه لإفراغ الشحنة الانفعالية أو القضية الفكرية، وسرعان مايحدث بيننا الطلاق لأن هماً جديداً وفكرة أخرى تتبدى على شاشة اللحظة لتقتنصنى كسابقتها.
 
■  ما القضية التى تؤرقك فى كتاباتك؟
الإنسان وحقه فى الوجود المختلف  وحرياته وخياراته، فالكتابة ـ فيما أرى ـ غايتها تحقيق إنسانية الإنسان.
 
■ هل استلهام التاريخ يعد هروبا من الحاضر أم نوعا من الاستسهال فى الكتابة؟
هناك من يستسهلون الكتابة سواء لجأوا إلى التاريخ أو لم يلجأوا، فالاستسهال ليس مرتبطا بفكرة أو برؤية أو بحقبة أو بجماعة لكنه طريقة الأنصاف والأرباع والأخماس والأعشار الذين يعبئون الصحف والفضائيات فى غياب حقيقى  لدور النقد، وحضور باذخ للإعلام السطحى، واللجوء للتاريخ شعرا أو سردا قد يكون متكئا حقا لمناقشة وتقديم نماذج أكثر توصيلا، وقد يكون نوعا من النوستالجيا، أو خوفا من مواجهة  الحاضر، لكن الكاتب الحق يستطيع أن يتخذ من الماضى نسقا رائقا لتحليل  حاضره بل والقراءة الجادة المبنية على أسس موضوعية لمستقبله.
 
■  لماذا اختفى المسرح الشعرى من حياتنا الثقافية؟
هذا سؤال مؤرق، وموضوعى، والإجابة ببساطة شديدة  تكمن فى غياب مسرح الدولة وتلفازها ـ فضلا عن الفضائيات التى تستسهل الاتصال بالجماهير عبر القوالب السطحية، عن هذا اللون الأدبى وخضوعه أحيانا لما يقتضيه المسرح التجارى، فهذا اللون من الكتابة المسرحية أو التقديم على خشبة المسرح يحتاج إلى جدية وأرى أنها توارت خلف ستائر المسرح التجارى والإسفاف  والاستسهال الذى يرى منتجوه أنه الأقدر على اجتذاب جيوب المشاهدين، ولو أرادت الدولة لهيأت لهذا المسرح مناخا يستعيد فيه دوره، ولو أعمل الوسيط الناقد أو الإعلامى عقله قليلا لاستطاع أن يهيئ  الساحة للفن الجاد والاستثمار الجاد أيضا للطاقات الإبداعية والفنية.
 
■  كيف تفاعلت إبداعيا مع ثورة يناير؟
ثورة يناير  ـ فيما أتصور ـ لم تبدأ  لدى أى كاتب حق فى الخامس والعشرين من يناير 2011 ولكنها ـ بالقطع بدأت قبل ذلك بكثير، فالحلم بالتغيير وتحقيق الأفضل للإنسان هو هاجس كل كاتب صادق، وكثيرا مادفعنا أثمان أحلامنا بغد أفضل وحرية حقة للمصريين وكان لأجهزة مبارك دورها فى مطاردتنا وتقييد حرياتنا لكنا بالقطع لم تستطع القضاء لى الأحلام فينا، وكل أشعارى  ـ تقريبا ـ لم تخل من هذا الحلم ، وكذلك روايتاى " غلطة مطبعية" و" استربتيز، وتلك الأخيرة  تحدث عنها الكثير من النقاد فى دراسات منشورة أو ندوات عامة بقدرتها على التنبؤ  بما حدث فى يناير 2011 بصورة تكاد تطابق ماحدث رغم أنها منشورة قبل الثورة بعدة أشهر، وأنا الآن أكمل ثلاثيتى الروائية  بالجزء الثالث الذى يتفاعل إبداعيا مع ماحدث من تغيير ولايزال يحدث وذلك سيكون بعنوان  " البئر السوداء ـ سارتاح بن شاه دار "  وسوف تخرج الرواية إلى النور قريبا إن شاء الله.