الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

طلعت شاهين: المستفيدون من نظام مبارك لا يزالون على قمة الحياة الثقافية




ما بين إقامتين فى إسبانيا ... يتحدث المترجم والناشر طلعت شاهين عن حال الترجمة، خاصة من الإسبانية، وما تمر به الحالة الثقافية والاجتماعية والسياسية فى مصر بعد الثورة، التى يرى أنها لم تحقق ما كان يحلم به الشعب، متفقا مع وصف خوان جويتسولو لـ «الربيع العربي» بـ«الصقيع العربي» مؤكدا أن لا شيء تغير فى الحياة الثقافية عن نظام مبارك ... عن رأيه فى الأحوال الثقافية ما بعد الثورة وسبب سفره إلى إسبانيا دار هذا الحوار:


■ لماذا تركت القاهرة وهاجرت إلى إسبانيا مرة أخرى؟
 
- إنها هجرة قسرية لم أخطط لها ولم تكن فى حسبانى على الإطلاق، فأنا عدت إلى مصر منذ عام 1997، وعملت على توسيع عمل دار سنابل للنشر، وبمشاركة دارى «العروبة» و«الأمل» كونا معا دار «سنابل للكتاب» وافتتحنا مكتبة بوسط القاهرة، ولكن حدث أننى تعرضت لأزمة صحية كادت أن تودى بحياتى، بسبب فشل الأطباء فى التشخيص، فقررت استغلال التأمين الصحى الذى أتمتع به فى إسبانيا نتيجة إقامتى وعملى هناك لفترة تزيد على العشرين عاما، وهناك اكتشفوا وجود ورم حميد فى الجمجمة، وتم إجراء جراحة دقيقة لإزالة الورم، والآن مطلوب أن أظل تحت رعاية الطبيب المعالج لفترة.
 
■ هل أصبح المناخ فى مصر طاردا للعقول المبدعة؟
 
- الثورة التى كان الناس يتوقعون منها نتائج أفضل بإنهاء نظام فاسد أصابت الكثير من الناس بالإحباط، ولكن الاحباط الأكبر أن الحياة الثقافية ظلت على حالها، والذين كانوا أكثر المستفيدين من نظام مبارك لا يزالون يتربعون على قمة الحياة الثقافية، بل إن بعضهم باسم الثورة يرتكب الآن ما هو أسوأ من ما كان يحدث فى زمن مبارك، وقبل يومين نشر الزميل سعد القرش صورة لاجتماع بالمجلس الأعلى للثقافة كان يتصدرها على الدين هلال ومصطفى الفقى وغيرهما من أركان نظام مبارك، ماذا تغير إذن، لا شيء.
 
■ ما أشبه الليلة بالبارحة .. لقد هاجر عدد كبير من المثقفين المصريين عقب اتفاقية كامب ديفيد .. فهل يعيد التاريخ نفسه؟
 
بالأمس هاجر مثقفون، وأنا واحد منهم، بسبب التضييق علينا لرفضنا لكامب ديفيد، وأتوقع أن تكون الأوضاع الجديدة طاردة أكثر للعقول المبدعة فى ظل ظروف تضييق على المبدعين الذين يتطلعون إلى التغيير دائما إلى ما هو أفضل.
 
بالطبع هناك من يفكر فى الهجرة هربا من التضييق على الفكر والابداع ولكن لا أتوقع أن تكون كهجرة الماضي، لأن وسائل الاتصال الاجتماعى جعلت هناك متنفسا لإبداء الرأى لا يمكن لأحد أن يضيق على أحد فيها، ولكن المشكلة هى أن تصل إلى العامة وهو أمر صعب نظرا للأمية فى مجال التقنيات الجديدة رغم ما يقال عن انتشار النت إلا أن الحقيقة أنه انتشار محدود، وأنا شخصيا لم ولن أهاجر ولكن ظروفى الصحية تجبرنى على البقاء خارج مصر، ومؤكدًا سوف أعود فى أقرب فرصة، لأن ارتباطى بدار سنابل قائم.
 
■ ما الأسس التى تختار بها ترجماتك عن الإسبانية؟
 
- الصالح للترجمة من الآداب المكتوبة باللغة الإسبانية كثير جدا، وبشكل خاص فى أمريكا اللاتينية، فلا تنسى أننا نتحدث عن إبداع متمايز يمتد بطول وعرض قارة بأكملها، كل بلد فيه تأثيرات لحضارات قديمة ومعاصرة تختلف عن الأخرى، والتمايز فى هذا الابداع يفوق التمايز فى الابداع العربى رغم تعدد الأصوات فيه، ونظرا لمعرفة أتمتع بها نتيجة الإقامة الطويلة والتنقل ومعايشة لثقافات تلك الدول فأنا اختار ما أرى أنه مفيد للمبدعين الاطلاع عليه أكثر من بحثى عن ترجمة أدبية تحقق عائدا ماديا ومبيعات أكثر، من هنا تنوعت ترجماتى من الأدب إلى الدراسات إلى السياسة والاقتصاد وغيرها من نواحى المعرفة فى الثقافات المكتوبة باللغة الإسبانية.
 
■ ما الاستراتيجية المثلى لاستخدام اللغة وبالتالى الترجمة لخدمة الحوار بمفهومه الشامل خاصة حوار الحضارات والثقافات؟
 
- اللغات تكون عادة متعددة المستويات، وبعض إبداع المتحدثين بتلك اللغات يستخدمون ذلك التعدد الذى يكون أوضح بشكل خاص فى المسرح والرواية، من هنا تكون المعرفة بتلك المستويات المتعددة للغة مطلوبة لأنها تفتح أمامك طريق المعرفة بثقافات تلك اللغة، ومن هنا تساهم الترجمة بمستويات اللغة المتعددة فى فهم الآخر وتساعد على إقامة حوار حقيقى يساعد على التقارب ويخفف من التنافر، وإن كنت أرى أن مهمة الترجمة أكبر من مجرد فتح قنوات اتصال وحوار بين ثقافات فى الأصل غير متعارضة، ولكن يحاول البعض خلق «صراعات» لأهداف سياسية وتحقيق مصالح خاصة او لخدمة أفكار استعمارية، فالترجمة يجب أن تكون اداة لبناء مستقبل جديد من خلال الاستفادة من تقدم الآخرين فى مجالات نحن متخلفون فيها، ودفع التطور الحضارى يكون بالدرجة الأولى من خلال تلاقح حضاري، والحضارة الغربية المتقدمة الآن بدأت بترجمة الآثار الحضارية التى كانت الأندلس علما لها، وتمت ترجمة كل ما تم العثور عليه من مخطوطات بالعربية فى شتى المجالات حتى مخطوطات عن لعبة «الشطرنج».
 
■ كيف ترى عبق الحضارة العربية فى إسبانيا اليوم؟
 
- هناك مفاهيم خاطئة يروج لها البعض وخاصة من لا يريدون بذل الجهد للتوصل إلى المعرفة العميقة لمختلف الأمم والثقافات المختلفة التى تتكون منها إسبانيا، والإنسان الإسبانى المعاصر يتطلع أكثر إلى المستقبل وفى هذا المستقبل مرتبط بأوروبا أكثر، أما عبق الحضارة العربية الذى تتحدث عنه فهو مجرد إرث من الماضى موجود فى الآثار العربية كقصور الحمراء ومسجد قرطبة، ولكنه لا يتعدى كونه أثرا تماما كالآثار الفرعونية فى مصر، جزء من تاريخ مضى وإرث حضارى قديم لا أكثر.
 
■ وصف خوان جويتسولو «الربيع العربي» بـ«الصقيع العربي» .. ما رأيك؟
 
- من يتأمل «الربيع العربي» من الخارج، لو كان قارئا جيدا مثل جويتسولو، سوف يراه صقيعا باردا، ولنسأل أنفسنا: بماذا جاء الربيع العربي؟ جاء بتيارات تريد أن تأخذنا إلى زمن جهل ما قبل الإسلام، فهناك الإخوان والسلفيون فى تونس ومصر وليبيا وسورية على وشك دخول الدائرة ذاتها، ولن أقول رأيى ولكن فقط أقول لك: «أنظر حولك وقل لى ماذا ترى؟».
 
■ كيف تقيم تجربتك مع النشر؟ وهل المثقف ناشر فاشل؟
 
- أعتقد أن تجربتى فى النشر كانت ايجابية ولولا الظروف المحيطة بالعمل الثقافى والتجارى حاليا فى مصر، نتيجة الفوضى التى خلقها النظام الجديد، إضافة إلى ظروفى الصحية الشخصية، كان يمكن أن تكون أكثر إيجابية.
 
والمثقف ليس ناشرا فاشلا كما يعتقد البعض، ولكن مهنة النشر مهمة ثقافية إلى جانب كونها تجارة، إنها تجارة من نوع خاص، وإن لم يكن إلى جوار الناشر المثقف من يفهم فى لغة الأرقام فإن مآله الفشل، وأعتقد أننى وفقت إلى شركاء لهم رؤية اقتصادية ضمنت وقوف دار سنابل على قدميها فى فترة وجيزة، فأحد الشركاء محاسب قانونى ومدير مطبعة ضخمة والآخر الشاعر محمود الطويل محاسب أيضا وله خبرة فى الإدارة من خلال إدارته لمطبعة العروبة لسنوات طويلة، وحتى بعد أن ابتعدت أنا قليلا بسبب ظروفى الصحية فإن الدار تعمل ولها وجودها لأنها أصبحت شركة مستقلة لها كيانها الخاص، وأعتقد أن دورى فيها بعد أن أصبحت شركة لم يتغير فأنا كنت ولا أزال مستشارا للنشر، أما التوزيع ولغة الأرقام يقوم بها مؤهلون ولهم خبرة فى هذا المجال.