الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
ضرب إيران.. لصالح مصر أم ضدها
كتب

ضرب إيران.. لصالح مصر أم ضدها




 


 كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 13 - 02 - 2010


جيش مصر للدفاع عن ترابها الوطنى ولايحارب لحساب الآخرين


5,3 مليون مصرى فى دول الخليج.. ماذا نفعل إذا عادوا؟


المقارنة ظالمة بين «عبدالناصر» و«نجاد» وإن كانت «المصيدة» واحدة !


الحرب لصالح إسرائيل.. ودول الخليج سوف تدفع الفاتورة مرتين


غارات «تكسيح» إيران لن تعقبها معارك برية كما حدث فى العراق


القضية الفلسطينية تدخل الثلاجة وأنياب حماس سيتم نزعها


السؤال الذى يجب أن نفكر فيه هو: إلى أى مدى يمكن أن تتأثر مصر إذا قامت أمريكا أو إسرائيل بضرب إيران؟ هل هو فى صالحنا أم ضدنا؟ هل ينتهى الشغب الإيرانى فى منطقة الخليج، أم تكون بداية لعراق جديد؟


أولاً: بمصر 5,3 مليون مواطن يعملون فى منطقة الخليج، سوف يواجهون موقفا أقرب إلى ما حدث بعد الغزو العراقى للكويت، وتزداد احتمالات عودة أعداد كبيرة منهم إذا تعرضت دول الخليج لأية مخاطر من جراء التهديدات الإيرانية بضربها بالصواريخ أو بتدمير آبار النفط.. ماذا نفعل بالعائدين.. وهل تستوعبهم السوق المحلية مع تزايد شبح الأزمة الاقتصادية العالمية وتراجع نسبة النمو إلى 5% وزيادة أعداد العاطلين؟
ثانياً: مصر تدعم المواد البترولية فى الوقت الراهن بنحو 60 مليار جنيه سنويا، وإذا وقعت الحرب فمن المرجح أن يرتفع سعر برميل البترول لفترة ما إلى نحو 250 دولاراً، وهذا معناه أن مبلغ الدعم قد يرتفع عدة مرات، مما يزيد عبء الموازنة العامة للدولة، بجانب إيجاد صعوبة بالغة فى توفير بعض المنتجات البترولية.
ثالثا: سوف تدخل القضية الفلسطينية الثلاجة لسنوات قادمة، مع تثبيت الأوضاع وميلها إلى الهدوء فى قطاع غزة، وتراجع قوة حماس بعد انقطاع الدعم الإيرانى المادى والمعنوى، ونزع أنيابها ومخالبها، وفى نفس الوقت تزداد قوة إسرائيل ونفوذها فى المنطقة.
تهور «نجاد» وورطة «أوباما»
أمريكا والغرب ليسا فى حاجة إلى مفتشين تابعين لهيئة الطاقة الذرية، للبحث عن أنشطة إيران النووية، لإيجاد مبررات وذرائع للعمل العسكرى، فالرئيس الإيرانى أحمدى نجاد يقوم بهذه المهمة بنفسه، وتصريحاته المتهورة تقدم لهم رأس طهران على طبق من فضة.
إنها الورطة الكبرى التى تواجه الغرب بسبب ظهور قوة إسلامية تستحوذ على المنطقة وتفرض قوتها وسطوتها، ولديها القدرة على امتلاك قنبلة ذرية، ولكنها فى نفس الوقت معادية لإسرائيل، وهذا هو جوهر المشكلة، لأن باكستان - مثلا - قوة إسلامية لديها قنبلة ذرية، ولكنها غير معادية لإسرائيل، وبالتالى لا تشكل خطرا تتحتم مواجهته.
الغرب لا يثق فى إيران حتى لو تم التوصل معها إلى اتفاق لخضوع منشآتها النووية للتفتيش، والدولة التى لديها الآن 100 جهاز طرد وتستمر فى طموحها النووى يمكن أن تمتلك فى المستقبل 50 ألف جهاز، وهذا ما يجعل المواجهة ضرورية قبل أن يستفحل الخطر الإيرانى وتصعب مواجهته.
هذه هى الأسباب التى ترجح التفكير فى القيام بعمل عسكرى ضد إيران، وإسرائيل تبذل قصارى جهدها للتعجيل بالمواجهة، وربما تلجأ إلى أى هجوم مدبر يعقبه رد فعل إيرانى سريع، يؤدى فى النهاية إلى تدخل الولايات المتحدة، ودخولها المصيدة الإسرائيلية رغما عنها.
حسابات «أوباما» المعقدة
تراهن إيران على الأزمات الكبيرة التى تواجه إدارة الرئيس أوباما، وتمنعه من مجرد التفكير فى القيام بعمل عسكرى ضدها، مثلما كان صدام حسين يراهن على إرسال نعوش القتلى الأمريكيين؛ فيهتز عرش البيت الأبيض وتتوقف الحرب.
أمريكا لديها 130 ألف جندى فى العراق ومثلهم فى أفغانستان، أى ربع مليون رهينة، وسوف يزداد الموقف تعقيدا إذا فتحت جبهة ثالثة فى إيران، وبالتالى تكون الحرب على ثلاث جبهات غير مضمونة العواقب والنتائج، وتؤثر بشكل كبير على شعبية الرئيس الأمريكى التى انخفضت بالفعل بشكل كبير.
وأمريكا مازالت تعانى من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية وانهيار الوضع الداخلى، وسوف يزداد الموقف خطورة إذا تعرضت مناطق البترول للدمار، مما يهدد برفع سعر البرميل إلى معدلات فلكية لفترة من الزمن، لن يستطيع الاقتصاد الأمريكى أن يتكبد فاتورتها.
ولكن رغم المخاطر والتحذيرات، فهناك رغبة شديدة فى أمريكا بضرورة وقف القوة الإيرانية الإسلامية المتفجرة، لأن استمرارها يمكن أن يقلب منطقة الشرق الأوسط، ويعرض أمن إسرائيل للخطر، مما يضع النظام الدولى فى مأزق خطير.
«نجاد» فى مصيدة «عبدالناصر»
«عاطفيا» من الصعب قبول المقارنة بين نجاد وجمال عبدالناصر، ولكن «سياسيا» لا يفرق الغرب بين جنوح الزعيمين إلى إحداث تغيير جذرى فى موازين القوى بما يهدد أمن إسرائيل واستقرارها، لهذا أصبحت مسألة ضرب إيران مسألة حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل.. ولكن هل تكون الخيارات هى الغزو على غرار ما حدث فى العراق أم «تكسيح» إيران؟ السيناريوهات التى يتم تسريبها تشير إلى ما يلى:
أولا: من الصعب أن يؤدى نظام العقوبات المفروضة على إيران إلى أية نتائج ملموسة، تمنع طهران من المضى فى طريقها، وكل ما تفعله العقوبات هى أنها تبطئ من سرعة امتلاك إيران للقنبلة الذرية، لكنها لا تمنع ذلك.
ثانيا: تؤمن واشنطن بأن انتزاع أنياب طهران النووية لا يحقق أمن إسرائيل فقط، ولكنه ضرورى لمنطقة الخليج، التى ستظل مستودع البترول العظيم لمدة 50 سنة قادمة.
ثالثاً: تعلم واشنطن جيدا أن طهران تتعمد إحراجها أمام المجتمع الدولى، وإظهار ضعفها وفشلها فى مواجهة العناد الإيرانى وأن دائرة الدول التى تؤيد الموقف الإيرانى تزداد يوما بعد يوم.
سيناريوهات «التوريط» الإسرائيلية
القوات الجوية الإسرائيلية سوف تكون رأس الحربة فى أى عمل عسكرى قادم ضد إيران، بخلاف الحرب ضد العراق، حيث تعمدت واشنطن إبعاد تل أبيب من الصورة تماما، حفاظا على مشاعر الشعوب العربية والإسلامية، ولكن فى حالة الحرب ضد إيران لن يكون لهذه المشاعر وزن أو تأثير.
الطريق الوحيد لضرب إيران هو المرور بالأجواء العراقية، ولما كانت العمليات الجوية الإسرائيلية تتطلب غارات متواصلة، فلابد من الحصول على موافقة أمريكية باعتبارها دولة الاحتلال للعراق، ولكن يجب فى نفس الوقت حل معضلة المعارضة من بعض الدوائر العراقية والعربية.
الاحتمال الأقرب للحدوث فى حالة اعتداء إسرائيل على طهران أن تقوم إيران بالرد بالصواريخ ضد إسرائيل وضد بعض دول الخليج.. وهنا يصبح التدخل الأمريكى حتميا لحماية حلفائها فى المنطقة وتأمين مصادرها البترولية.. وتكون إسرائيل قد نجحت فى تحقيق ما خططت له، وقامت بتوريط أمريكا فى الحرب.
شكل الحرب ضد إيران
الأسلحة الحديثة التى سيتم استخدامها ضد إيران هى الجيل المتقدم من نفس الأسلحة الرهيبة التى تم استخدامها ضد العراق، وأبرزها صواريخ «كروز» الرهيبة، التى تستطيع أن تضرب الأهداف الإيرانية بدقة بالغة، رغم إطلاقها من الحاملات الحربية فى البحر المتوسط والخليج العربى، بجانب قنابل الارتجاج التى تستطيع أن تهدم بناية من الخرسانة المسلحة عمقها 70 مترا تحت الأرض، وهذه الأسلحة وغيرها سيتم تزويد إسرائيل بها.
ستتخذ الحرب شكل «التكسيح»، وتدمير البنية الأساسية والمنشآت النووية، وشل القدرات الصاروخية لإيران، ومنعها من الانطلاق أساسا سواء فى اتجاه إسرائيل أو دول الخليج أو آبار النفط وإحداث خلخلة رهيبة فى النظام من جراء الضرب المبرح.
لن تأخذ الحرب ضد إيران أية صورة من صور الهجوم البرى لعدم تكرار الأخطاء التى حدثت فى العراق، فليس الهدف هو احتلال إيران، ولكن تدمير قدراتها وإمكانياتها النووية، وتركها غارقة فى مشاكل رهيبة يستغرق حلها سنوات طويلة.
تفجير الأوضاع الداخلية
يعتمد السيناريو الأمريكى - الإسرائيلى على احتمالات كثيرة قد تتحقق وقد لا تتحقق، وأهمها حدوث ثورة جماهيرية داخل إيران، تؤدى إلى سقوط النظام الحالى، واستبداله بنظام جديد يكون أكثر مرونة فى التجاوب مع المطالب الأمريكية الإسرائيلية، بعد القضاء تماما على الشبح النووى الإيرانى.
ليس بالضرورة أن يتحقق ذلك، فقد تؤدى الحرب إلى زيادة قوة النظام الإيرانى، والتفاف الجماهير حوله وعدم السماح بسقوطه.. وقد يكون الاحتمال الرهيب الذى لم يعملوا له أى حساب هو انفجار أعمال العنف والإرهاب ضد المصالح الأمريكية خصوصا فى منطقة الخليج، التى هى الأقرب لبوابة جهنم.
ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» منذ عدة أيام أن واشنطن سترسل مجموعات من السفن حاملات الصواريخ المضادة للصواريخ للدفاع عن المجال الجوى لأربع دول من بينها السعودية وإسرائيل.. هو مجرد محاولة لطمأنة دول الخليج بالذات ضد المخاطر الرهيبة التى يمكن أن تنجم عن إطلاق الصواريخ الإيرانية.. وتزامن مع ذلك البدء فى استخدام الكمامات الواقية من الأسلحة الكيماوية فى إسرائيل، بجانب زيادة حركة عبور البحرية الإسرائيلية فى قناة السويس وفقا للمعاهدات الدولية.
تخويف سوريا وتهديدها بالحرب
فى ظل هذه الأجواء الملبدة باحتمالات ضرب إيران، تجىء التهديدات الإسرائيلية بالقيام بعمل عسكرى ضد سوريا وإسقاط نظام حكم الرئيس بشار، تجىء فى سياق تهيئة مسرح العمليات للحرب، وكسر شوكة دمشق وفض التحالف بينها وبين طهران، وتهديدها بأن الضربة القادمة يمكن أن تأخذ سوريا فى طريقها.
السؤال هنا: هل تؤدى الضغوط على سوريا إلى إجبارها على فض تحالفها مع إيران، مع التلويح لها باستئناف عملية السلام وإعادة إحياء ملف الجولان من جديد على طريقة «الجزرة والعصا»؟
فى نفس السياق: هل تستشعر طهران الخطر وتلجأ إلى تسوية مشكلة الملف النووى، وتحصل على الثمن، سواء فى صورة السماح لها بامتلاك الخيار النووى للأغراض السلمية، بجانب مساعدة اقتصادية ضخمة تحقق طفرة غير مسبوقة فى تاريخ الاقتصاد الإيرانى وتجنب طهران فى نفس الوقت مخاطر الحرب؟
كل الاحتمالات واردة، ولكن إذا تمت التسوية وقبضت إيران الثمن فسوف يكون ذلك على حساب دول الخليج بالدرجة الأولى، حيث تطالب إيران بأن يكون لها دور ونفوذ فى المنطقة فى إطار التسوية السلمية، وستكون التسوية أيضا على حساب تركيا التى تعمل جاهدة على مد نفوذها، سواء عن طريق علاقات التعاون التجارية المتزايدة، أو بتقديم نفسها كصديق لدول المنطقة، ودولة داعمة للحقوق العربية.
ضرب إيران.. لصالح من؟
الشواهد تؤكد أن الحرب ضد إيران لن تكون قريبة، ولكنها مؤكدة إذا لم يتم تهذيب الخطر الإيرانى وإدخاله الحظيرة، لصالح إسرائيل أولا وقبل أى شىء.. إنه نفس الفخ التاريخى الذى نصبوه للرئيس عبدالناصر، عندما بدأ نفوذه فى التمدد والانتشار وتغيير موازين القوى وتهديد وجود إسرائيل.
لكن عبدالناصر كان صاحب مشروع قومى، يستهدف تقوية شوكة القومية العربية، ولكن إيران لها مشروع توسعى لا يقف عند حد، بدأ بتصدير الثورة، ثم تطور الأمر لتصدير الخوف والنفوذ والسعى إلى السيطرة، بجانب نشر النفوذ الشيعى بين دول وشعوب المنطقة.
ضرب إيران لن يكون إلا فى صالح إسرائيل، وسوف يُجْهزٍ الغرب عليها بكل قسوته وشراسته وعنفوانه، أما أول من يلحق به الضرر فهو دول الخليج التى ستدفع الثمن مرتين، الأولى بوقوعها فى مرمى النيران، والثانية بتحملها فاتورة الضربة سواء كانت إسرائيلية أو أمريكية.
مصر بعيدة عن مسرح العمليات، لكنها فى قلب الأحداث، لا تتورط فى حروب ليس لها فيها ناقة ولا جمل، وجيشها لايحارب لحساب الآخرين بل للدفاع عن ترابها الوطنى.. وغير ذلك لا دخل لنا فيه.


كرم جبر


Email:[email protected]