الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تداول السلطة يبدأ من هنا !
كتب

تداول السلطة يبدأ من هنا !




 


كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 06 - 03 - 2010



- تعديل المادة 77 هو الأفضل وإلغاء المادة 76 لا يخدم المستقلين


- المادة 88 أنقذت هيبة القضاء وأبطلت فتنة نزول الجيش


- مصر دولة قوية ومستقرة ولا ينفع معها رئيس ضعيف


- بعد أدعياء النبوة هل تجتاح البلاد ظاهرة أدعياء الرئاسة؟


- حكومة بلا أغلبية مثل حارس بلا بندقية ويلعب بها الجميع


- المحظورة تتربص بالديمقراطية وتحاول اختراق الدستور ولو من خرم إبرة


- متي يحق للأحزاب أن تطالب بقصر مدة الرئاسة علي فترتين؟


- الطعون الانتخابية لم يقل عددها عندما جلس قاض فوق كل صندوق


- التغيير الحقيقي لا يتم بإطلاق الشعارات المطاطة والوعود المرسلة


الدعوة إلي تغيير الدستور ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، لأنها تخلط الأوراق ببعضها. وترفع شعارات وردية وخطابات سياسية غير واقعية، تلعب بمشاعر الناس، وتبتعد بهم كثيراً عن أرض الواقع، وعن جوهر المشاكل الحقيقية التي تمر بها البلاد.


تكاد الدعوة تنحصر في ثلاث مواد فقط هي 76 و77 و88، وهي المواد التي تتعلق بشروط ترشيح المستقلين لانتخابات الرئاسة، ومدة الرئاسة، والإشراف القضائي علي الانتخابات.. وقد أخذت وقتا طويلا من النقاش والجدل قبل إقرارها منذ أقل من ثلاثة أعوام.
غير ذلك، فالذين يطالبون بتغيير الدستور يقولون كلاما مرسلا ومبهما حول شعارات كثيرة.. حول الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والفقر والتعليم والدولة الرشيدة وغيرها.. والدستور الحالي فيه نصوص أفضل من الشعارات المرفوعة عشرات المرات.
--
لماذا الهجوم علي المادة 88؟
لأن هذه المادة هي التي أعادت الهيبة والاحترام للقضاة، بعد سلسلة الاعتداءات والإهانات التي تعرضوا لها في انتخابات 2005، والتي كادت أن تهز عرش العدالة وتهوي به إلي القاع.
في ظل قاعدة قاضٍ علي كل صندوق تعرض القضاة لاعتداءات سافرة في اللجان.. وحتي لا ننسي فقد وصل الأمر إلي اتهامهم بالرشوة ومحاصرتهم في مقارهم عن طريق البلطجية والفتوات، والطعن في قراراتهم والتشكيك في نزاهتهم.. وتحول القضاة من حماة العدالة إلي موظفين وكتبة في اللجان.
المادة 88 هي التي تقصر الإشراف القضائي في اللجان العامة لتعيد تصحيح الأوضاع، وتضمنت في نفس الوقت شروطا وضمانات مشددة لنزاهة العملية الانتخابية، وطورت مفهوم الإشراف القضائي علي الانتخابات، بما يحقق الشفافية والنزاهة، ويحفظ هيبة واستقلال القضاة.
--
لماذا طالبت المحظورة بنزول الجيش؟
لعل من أخطر النتائج التي ترتبت علي الإشراف القضائي علي كل صندوق هو الدعوة التي روجت لها المحظورة في انتخابات 2005، بنزول الجيش لتأمين اللجان، ليس حبا في الجيش، ولكن سعيا وراء الفوضي، ولضرب الشرطة والتشكيك في قدرتها علي حماية الانتخابات.
كانت دعوة شريرة لتشويه صورة الانتخابات وتلطيخ الديمقراطية والإيحاء بأن الأوضاع في البلاد غير مستقرة، ولكن لم تلق هذه الدعوة الساذجة أدني اهتمام ، لأنها كانت مفضوحة ومكشوفة، وأكدت الحاجة إلي ضرورة ترسيخ معالم الاستقرار، وصيانة سلطات الدولة، وفي مقدمتها السلطة القضائية من التآمر والعبث.
أثبتت التجربة أن الطعون الانتخابية لم يقل عددها في ظل الإشراف القضائي علي كل صندوق، بل أوجدت إشكالية كبيرة حول كيفية أن يكون القاضي خصما وحكما في نفس الوقت؟.. يتم الطعن في قراراته وهو فوق الصندوق، ثم يقضي في الطعون وهو فوق المنصة.
--
ولماذا الهجوم علي 76؟
لأن هذه المادة تغلق الطريق أمام فوضي مرشحي الرئاسة، والمحظورة هي المستفيد الوحيد من ذلك، حيث تريد اختراق الشرعية والقانون، وتدس بين الصفوف عناصرها، فتخلط الدين بالسياسة والسياسة بالدين، وتجعل تلك الانتخابات مسرحا للصراع والفتن وضرب الثوابت الدستورية.
المحظورة تريد اختراق الدستور ولو من خُرْم إِبْرَة.. ولم تفعل المادة 76 أكثر من أنها ضيقت - عن عمد - فرص المستقلين في الترشح للرئاسة لأكثر من سبب:
أولاً: للضغط علي المستقلين للانضواء تحت راية الأحزاب السياسية الشرعية، التي هي أساس النظام السياسي المصري وفقا للمادة الخامسة من الدستور.
ثانياً: التأكد من شعبية المرشح للرئاسة وقدرته في الحصول علي النصاب 250 توقيعا من مجلسي الشعب والشوري والمحليات، وهو شرط لن يحول دون ترشيح من له فرصة حقيقية في خوض الانتخابات.. لكنه يسد الطريق علي العابثين والجماعات غير الشرعية.
--
سيناريو انتخابات الرئاسة لو تم إلغاء 76
أولاً: سوف يتقدم للترشح 500 شخص علي الأقل، طمعا في مبلغ نصف المليون جنيه الذي يحصل عليه كل مرشح، والدستور في هذه الحالة لن يمنع أحدا ولن يقوم بعمل فلتر علي المرشحين.
ثانياً: ستقدم المحظورة قائمتين من المرشحين، الأولي علنية بالأسماء المعروفة والعناصر المسجلة، والثانية بأسماء مجهولة لا يعلمها أحد، ثم تفاجئ بها الجميع.
ثالثاً: سوف تحجم الشخصيات المحترمة عن الترشح ترفعا عن هذا السيرك الهزلي، الذي سيجعل المسألة أقرب إلي المسخرة والسخرية .. ويسفه كثيرا من المنصب الرفيع.
رابعاً: كما كان للمجانين عنبر اسمه أدعياء النبوة سيكون لهم عنبر أكبر بكثير اسمه أدعياء الرئاسة وهم أخطر بكثير.
خامساً: الفضائيات.. وما أدراك ما الفضائيات حين تسود الفوضي وتشتعل الفلاشات.. ويقع السباق الرهيب بين المذيعين والمذيعات والمقدمين والمقدمات.
سادساً: يوم الانتخابات لن يذهب الناس.. إلا نفر قليل إما أن يرفعوا الكوفيات البرتقالية أو الرايات السوداء.. فقد نجحت العملية ومات المريض.
--
ماذا يحدث لو حكم البلاد رئيس مستقل؟
لو حكم البلاد مرشح مستقل فسوف يجلس الدكتور فتحي سرور علي المنصة شاكيا وباكيا ومترحما علي أيام الحزب الوطني الكبير الذي كان يعطي للبرلمان قوة وأغلبية وهيبة، بينما هو يشاهد الآن برلمان التفتيت الذي تعبث به الأحزاب الهزيلة والتيارات السياسية الضعيفة، التي تسحب الثقة كل يوم من الوزارات والوزراء، فلا أغلبية تحميهم أو تحقق لهم الاستقرار في أداء مهامهم الثقيلة.
حكومة بلا أغلبية مثل حارس بلا بندقية، ورئيس غير قوي وصاحب نفوذ وسطوة، سيكون لعبة في أيدي القوي المعادية في الداخل والخارج، في إمكانهم إذا لم يخضع لابتزازهم أن يسحبوا منه الثقة وأن يجردوه من منصبه، ومصر بِقَدْرِهَا وقَدَرِهَا.. وهامتها وقامتها ودورها في المنطقة لاينفع معها إلا أن تكون قوية.. وأن يكون رئيسها بنفس قوتها.
رئيس بلا أغلبية حقيقية سوف يتحول إلي كوبس أو زر إنارة يوقدونه ويطفئونه علي مزاجهم، وهذا الوضع لا ينفع أبدا مع دولة عظيمة مثل مصر، لا يصح أبدا أن تقع في يد أقليات عابثة، لا يهمها مصلحة الوطن بقدر مصالحها الخاصة، ويربطها حبل سري غامض بجماعات ودول وعصابات في الخارج.
--
من أجل مصر وليس من أجل الرئيس
الرئيس يعمل بجد واجتهاد في هذا البلد منذ أكثر من ستين عاما، ولن يحكم أكثر مما حكم.. ولا يعنيه إلا أن يسلم المسئولية للأجيال القادمة، ومصر قوية وشامخة ومرفوعة الراية والهامة، والمصريون جميعا هم الذين يعرفون قدره، ويحملون له أسمي آيات التقدير والاحترام، ولن يقبلوا رئيسا غيره مادام قادرا علي الحكم والعطاء.
من أجل مصر وليس من أجل الرئيس يجب أن يظل المنصب الرئاسي محترما وشامخا، من أجل المستقبل الذي يتطلب صيانة أمن واستقرار واستقلال البلاد، وحمايتها من الخطر الذي يحيق بها، وتحصين رئيسها - أياً كان - ضد الفتن والمؤامرات، وإعطاءه الصلاحيات الكاملة لتطبيق الدستور والقانون وإقرار الشرعية، وحماية الدولة المدنية من تطلعات المغامرين والمتطرفين.
الحاكم القوي هو الذي يحافظ علي وحدة عنصري الأمة، ويدرأ عن البلاد مخاطر التفتت، هو درع لبلده قبل أن يكون باحثاً عن سلطات وصلاحيات لنفسه، لأن مرحلة الزعامات التاريخية هي سنوات عابرة في حياة الأمم والشعوب وبعدها يجب البحث عن الرؤساء الأقوياء.
--
مصلحة الوطن قبل بريق الزعامة
أسهل شيء هو إلغاء المادة 76، والاستمتاع بمديح المحتقنين وحملة الشعارات الزائفة ومروجي الأحلام الكاذبة، فسوف يرقصون علي جثة 76 ويدقون الطبول ويعلنون أنهم انتصروا في الجهاد الأصغر، ولكن ماذا بعد؟
إنها الشعبية الزائفة التي تستهدف صناعة الزعامة حتي لو كانت ضد مصلحة الوطن، وإذا سألت هؤلاء: ماذا تستفيد مصر بالضبط إذا امتد طابور المرشحين للرئاسة عدة كيلومترات.. وهل البلاد بالفعل لديها القدرة علي إفراز كوادر من المستقلين، ومن أجل سواد عيونهم، يترك باب الترشيح لكل من هب ودب دون ضوابط؟
لم يحدث منذ أن تولي الرئيس مبارك السلطة أن اتخذ قرارات تضر مصلحة البلاد حتي لو كانت تحقق له شعبية جارفة.. وأخمد في قرارة نفسه بريق الزعامة الزائفة، وضبط بوصلته علي ما يحقق مصالح الناس ويحمي أمن الوطن واستقراره.. لم يعرض البلاد لمقامرة أو مغامرة، وهذا هو المعيار الدقيق الذي جعل البلاد تجتاز الأزمات والمحن التي مرت بها كثير من دول وشعوب المنطقة، فقلبتها رأساً علي عقب.
--
تداول السلطة يبدأ من هنا
من الأحزاب الشرعية، عندما تقوي وتشتد وتصبح لديها القدرة علي تقديم مرشحين تنافسيين لانتخابات الرئاسة.. وتكون وراءها قواعد جماهيرية كبيرة تتيح لها المشاركة الفعالة في المجال النيابي، وتحتكم للتغيير عن طريق أصوات الناخبين.
التداول الحقيقي للسلطة ينبع من قدرة الأحزاب علي المنافسة وكسب أصوات الناخبين، والتغيير الذي لا يبدأ من هذا الطريق هو محاولة للقفز علي الشرعية وضرب الدولة المدنية في مقتل، فإذا كانت الكوادر الحزبية ليست لها القدرة علي الفوز في الانتخابات البرلمانية.. فكيف يمكن الزج بها في معترك الانتخابات الرئاسية؟
أحزاب المعارضة تستطيع أن تختصر الطريق علي نفسها إذا التفتت لأوضاعها في الداخل، وحققت إصلاحات ديمقراطية في هياكلها الحزبية، وأعادت ضخ الشباب في عروقها.. فهم أصحاب القدرة علي العطاء، وهم صناع المستقبل، ومن حقهم أن يحتلوا أماكنهم القيادية في سائر الأحزاب، إذا ما شئنا الإصلاح الحقيقي، وليس التغيير الزائف.
--
هل يمكن تعديل المادة 77؟
هذا مرهون بقدرة أحزاب المعارضة علي إفراز كوادر قادرة علي تحمل المسئولية، ونزول المعترك السياسي بقوة وإصرار، تحت مظلة الشرعية، بعيدا عن أطماع الجماعة المحظورة التي تسعي إلي تحطيم المعبد فوق رءوس الجميع، والعودة إلي أحلام الإمارة والسلطنة والدولة الدينية.
من حق الأحزاب إذا حققت إصلاحات ديمقراطية وأفرزت كوادر مسئولة، أن تطالب بتعديل المادة 77، لمنع احتكار حزب واحد للمنصب الرئاسي، وتحقيق التداول السلمي الحقيقي الذي يصون وحدة البلاد واستقرارها.
--
مصر ليست حقل تجارب سياسية ولن تكون.. وشعبها الذي يتجاوز 80 مليون نسمة لن يكون أبدا لعبة في أيدي المغامرين والمتاجرين بالشعارات الكاذبة ومدمني اصطياد المشاكل واللعب علي مشاكل الناس.
التغيير ليس هو القفز علي كرسي الرئاسة، ولكن بنشر ثقافة الإصلاح الحقيقي، الذي يدعم استقرار البلاد ويحمي استقلالها، ويحفظ زعامتها وقيادتها.. فمصر هي مصر، دولة قوية، وقوتها هي سر استمرارها.


كرم جبر


Email:[email protected]