الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

جابر عصفور يصف المتزمتين بأنهم الأكثر خطرا على التراث




صدر حديثا عن الدار المصرية اللبنانية كتاب جديد للناقد الدكتور جابر عصفور بعنوان «دفاعًا عن التراث»، جاء فى أربعة أبواب كبرى: «عن القص» و«ناثرون ومفكرون» و«إضاءات وملاحظات» و«محاكمة ألف ليلة وليلة».
 
«دفاعا عن التراث» هو الكتاب الثانى للدكتور جابر عصفور، الذى يخصصه للتراث العربى بعد كتابه السابق «غواية التراث» الذى صدر عن نفس الدار، ويدافع هنا عصفور عن التراث وخصوصا عن التراث الابداعى والأدبى بشكالهم وأساليبهم المتعددة بإبراز القيم المتجددة من هذا التراث الذى لا ينحصر تأثيره فى عصر واحد، انتهى منذ زمن يفصلنا عنه ويباعد بيننا وبينه وإنما يجاوز عصره أو القرون الذى شهدته زمانا ومكانا إلى غيره من العصور والقرون والأمكنة التى تمتد بامتداد الإنسانية كله.
 
ويوضح عصفور أن الجانب الإبداعى الأصيل من التراث كما يرى هو الجانب الذى يغوص فى أعمق أعماق زمنه الخاص فيصل إلى الجذر الإنسانى الذى يجعله قادراً على إثارة كل الأزمنة الإنسانية فى كل مكان يعرف معانى الحق والخير والجمال، ولذلك بقدر ما يتحدث نقاد الغرب عن شكسبير معاصرنا وعن هوميروس الذى تتجدد معانى إلياذته وأوديسته فى كل العصور رغم اختلاف آليات تلقيها فى كل زمن أو بيئة أو لغة فإننا بالقدر نفسه يمكن أن نتحدث عن العام الذى نجده فى الأصيل من الخاص فى التراث الأدبى أو فى القيمة الإنسانية التى نجدها فى الإبداع المحلى لهذا الشاعر الجاهلى أو ذاك أو هذا الناثر العباسى أو غيره ويضيف د. جابر عصفور ولهذا فالأبعاد الوجودية التى نجدها فى شعر طرفة أو الصعاليك فى العصر الجاهلى تتجاوب مع أبعاد مشابهة عند شعراء عصور لاحقة إلى أن نصل إلى أبى العلاء المعرى الذى كتب ضده المتزمتون وضيقوا العقول الذين هاجموه وناصبوه العداء ولم يكفوا عن اتهامه بالكفر فرد عليهم بكتابه زجر النابح  والأمر نفسه ينطبق على  تراثنا الصوفى أو العقلانى الكلامي، أو الفلسفى الخالص، أو غيرها من تيارات التراث التى تختلف وتتعارض أو تتناقض أو حتى تتصارع من منظور رؤى العالم لكنها تتجاوب فيما تحت السطح الخارجى فى جذر القيمة الجمالية التى تنطوى بالضرورة على أبعاد أخلاقية وسياسية واجتماعية.
 
وفى فصل منفرد خصصه عصفور لوصف هؤلاء المتزمتين الذين يشكلون خطرا على التراث بكل أشكاله، ووصف دورهم ووظيفتهم بأنها التضييق على الناس والحجْر عليهم فيما أباحه الله لهم. وكل شىء عند هؤلاء المتزمتين حرام وضلالة وإثم ومعصية، البسمة غير مسموح بها والضحكة قلة قيمة والهزل الذى تستجم به النفس حتى تقوى على الباطل معصية تستوجب التعنيف والتقبيح وإذا خرج كاتب عن موضوعه على سبيل الاستطراد الذى يدفع الملل فقد أثم إثما كبيرا، خصوصا إذا خلط الجد بالهزل أو تنقل بينهما، كأن الحياة جد خالص ووجه عبوس ممتد.
 
وتراثنا العربى الإسلامى مليء بأمثال هؤلاء المتزمتين الذين يفسدون على الناس حياتهم، ولا يزالون إلى اليوم يمارسون ترويع الناس بتعاليمهم التى لا علاقة لها بسماحة الدين بأى حال من الأحوال.
 
ويستشهد د. جابر  فى هجومه على المتزمتين بابن قتيبة حين يقول حتى ابن قتيبة  الذى مال إلى الحنابلة ووقف مدافعا عن مذهب أهل السلف وكتب عن تأويل مشكل القرآن الكريم ومختلف الحديث الشريف لم يجد حرجا فى أن يهزل وفى أن يروى حكايات للجنس وكان فى ذلك كله متبعا عادة السلف الصالح فى إرسال النفس على سجيتها والرغبة بها عن الرياء والتصنع.