السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بشير مفتى: الإسلاميون لا يصلحون لقيادة فترة انتقال آمنة




بشير مفتى قاص وروائى جزائرى، يتميز بقدرته الفائقة على السرد المتدفق، المفعم بالحيوية والحركة، وهو كاتب متمرد على الواقع بكل ما يحيط به من عناصر التشويه والأسى أصدر العديد من الأعمال القصصية والروائية.
 ■ عناوين رواياتك لافتة وإشكالية وتحمل معنى التناقض أحيانا .. كيف تختار العنوان ؟
 
عادة العنوان يعبر عن ماهية النص الكلية، بمعنى أنه يفرض عليك على الاقل أن يكون مشحونا بالدلالات التى سيكتشفها القارئ فى نصك الروائى..شخصيا لا أفكر فى العنوان كثيرا فالرواية هى التى تأخذ وقتها الطويل فى النضج قبل أن اشرع فى كتابتها وعادة ما يأتى العنوان من داخل النص، النص نفسه كفقرة تجد أنها تعبر عنه ، هى عناوين سوداوية بعض الشىء مثل «المراسيم والجنائز» أو بخور السراب ، أو أشجار القيامة إلى آخر رواية اصدرتها «أشباح المدينة المقتولة» هى تعكس على العموم أجواء الرواية وتسمح للقارئ أن يأخذ من العنوان فكرة عن المناخ الذى سيبحر فيه والعالم الذى سيقرأه.
 
■ روح السوداوية والإحباط تسيطر على أجواء رواياتك .. ما مصدر ذلك؟
 
يتعلق الأمر بمحاولة فهم واقع أعيشه كما يعيشه غيرى أو عشناه فى فترة زمنية محددة تاريخ الجزائر المعاصر الذى يبدأ منذ الاستقلال 1962  وطرح علينا هذا الواقع آلامه وحزنه كذلك. لقد ورثنا عنفا تاريخيا أثر بشكل سلبى على تطور مجتمعنا وتقدمه حتى أن البعض راح يتساءل لماذا لم يستطع الاستقلال ان يحل مشاكلنا ويدفعنا إلى الأمام؟ مع أنه تقريبا هو الفترة الوحيدة التى استطاع الجزائر أن يحكم نفسه بنفسه.. الجزائر قارة كبيرة، متنوعة وغنية وكل هذا يسبب لها عطبا حقيقيا بدل أن يكون أرضية للنهوض والتقدم، رواياتى واقعية وجودية وهى تتحدث عن افراد يجدون أنفسهم فى مواجهة «الجماعة» بكل ما تعنيه الجماعة من سلطة وقهر وعنف هم يتصارعون معها وفى الغالب المعركة خاسرة مسبقا لأن الفرد لا يستطيع أن يحقق الكثير أمام مجتمعات لا تقبل بحريته الفردية ورؤيته للحياة والوجود والإنسان.. انه صراع أبدى طبعا لن تحله الرواية التى أكتبها، ولكننى أقترب من هذه الحيّوات البشرية التى تحلم وتناهض الظلم بمعانيه المختلفة ظلم المرأة، ظلم الحرية، ظلم الإنسان بشكل عام.
 
■ رواياتك مضمخة بالشاعرية .. فهل تؤمن بتقنيات النص المفتوح؟
 
لا أخفيك كانت الرغبة فى البداية أن أكتب رواية مضادة مختلفة أى تذهب نحو مناطق جديدة ويصبح الشعر أو الشاعرية محورى فى تشكيل السرد وبناء الرواية، أنا لا أحب الإفراط فى الشاعرية على حساب الحكاية  وبناء الشخصيات أميل أكثر إلى روايات مالك حداد «سأهبك غزالة» أو «رصيف الأزهار لا يجيب» حيث تجد الشعر حاضرا وذا دلالة على توترات الراوى مع العالم الذى يتحدث عنه.
 
لا أعتبر الشاعرية ميزة كذلك وهى قد تكون عجزا عن السرد لكن هنالك مواقع يصبح فيها الشعر بمعنى الكلام الذى يقوم على الاستعارة أكثر وانفلات اللغة ضرورى جدا مثل المونولوغ أو عندما يدخل شخص حانة ويبدأ فى الشرب ثم يتحدث هنا تدخل الهلوسات وحالات نفى العقل إلى فضاء الرواية. وطبعا كل روائى حلمه أن يكتب رواية كاملة ومكتملة ومفتوحة على كل شيء ..نص مفتوح أو «الكتاب» كما قد يسميه البعض الآخر «الآثر المفتوح» كما سماه غيكو وهو يتحدث عن رواية جويس المشهورة «عوليس».


 

■ إلى أين وصلت رحلتك مع التجريب؟

 

لا أدرى، لست مهوسا بالتجريب أنا أحاول فى كل رواية أن أكتب على نمط سردى مختلف هذا لا يعنى أننى أنجح دائما والشكل الكلاسيكى لا يزعجنى بتاتا فى روايتى «خرائط لشهوة الليل» أو حتى «دمية النار» اعتبرنى تعاملت مع الشكل الكلاسيكى أكثر من الشكل التجريبى، ربما التمويه الذى قمت به كان على مستوى تقنية الرواية داخل الرواية لا غير..التجريب وسيلة فقط للوصول إلى الكتابة التى تستقر عليها، وحين تصل ربما ستودعه لكن يبقى أيضا الهاجس أن تقدم الجديد والجديد يرتبط بالاختلاف عن الغير وليس بالضرورة تجاوزهم.

 

■ هل ترى كتابة العرب بلغات أجنبية ازدواجا فى الهوية؟

 

منذ بدأت أن أكتب بالعربية وهو اختيار ثقافى ووجدانى اشعر بأن العربية هى الاقرب إليّ فى التعبير عن مكنوناتى وافكارى ومجتمعى هذا لا يعنى أننى ضد الكتابة بالفرنسية أو أى لغة أخرى..انه واقع جزائرى له تركيبته المختلفة عن تركيبة المجتمعات العربية الأخرى ولهذا أنا اقبل به كما هو خارج الصراع والتناحر الذى لم يفضى إلى تحقيق هوية صافية بل تركنا نغرق فى صراعات لغوية ايديولوجية كان وراءها مصالح فئات لا رؤية للهوية الجزائرية بمعناها المتنوع والمتعدد.

 

■  انت تقدر منجز المفكر الفلسطينى الراحل ادوارد سعيد وتتحفظ على إبداع الطاهر وطار .. لماذا؟

 

وطار رحمه الله كمبدع ليس عندى أى مشكلة معه فهو رائد من رواد الرواية الجزائرية باللغة العربية ومكانته محفوظة حتى وإن لم تستهونى بعض رواياته أو لا أميل شخصيا إلى نمط الرواية التى يكتبها لكننى اختلف مع وطار السياسى أو الحزبى الذى كان قياديا فى الحزب الواحد فترة السبعينيات وهى الفترة التى كتبت عنها «دمية النار» وبينت مساوئها الديكتاتورية .وقتها كان يرفع شعار لا إكراه فى الرأى لكنه كان يفكر بمنطق الأب دائما وهذا واحد من عيوبه ولكن الرجل قام بدور ثقافى لا ينسى وبأشياء كثيرة ستخلده لا محالة.

 

بالنسبة لإدوارد سعيد يعجبنى فكره النقدى ومتأثر بكتاباته التى قرأتها فلم اقرأ له الكثير لان أغلب اعماله لم تنقل إلى العربية ولا إلى الفرنسية وأعتبر رحيله خسارة فادحة لنا كمثقفين وكتاب عرب كنا نهتدى بفكره النقدى الحر.

 

 

■ لماذا لم ينتقل الربيع العربى للجزائر لا سيما انها الجارة الأولى لتونس صاحبة المبادرة الأولى فى الربيع العربي؟

 

أعتقد أن للجزائر خصوصية تختلف عن باقى بلدان العالم العربى ولهذا حركتنا كانت داخلية فنحن استعمرنا لأطول فترة 130 سنة وحاربنا ودفعنا ثمنا غاليا من أجل استقلالنا وهذا يعنى أن لنا مساراً مختلفاً.. واذكر أن انتفاضة الشباب فى اكتوبر 1988 تشبه ما شاهدته فى انتفاضات او ثورات الشارع العربى والتى قادت إلى سقوط الانظمة ..نحن لم يسقط النظام حينها ولكنه فتح المجال السياسى وحرية التعبير وظهرت الحركات الاسلامية وكانت ستحكم لولا تدخل الجيش وما انجر عن ذلك من أهوال القيامة التى عشناها على مدار عشرية بأكملها أظن آثارها لا تزال مستقرة فى ذاكرة الشعب الجزائرى وأى قفزة مجهولة العواقب اليوم نحو أى شيء تخيف الجميع وتهدد أمن الجميع. هنالك مخاوف، هذا لم يمنع الكثير من الشباب من النزول للشارع والمطالبة بحقوق الديمقراطية والحرية ...طبعا يبقى السؤال مطروحا كذلك هل نحن مستعدون كشعوب بعد تحقيق الحرية أن نحقق دولة العدالة والديمقراطية والمدنية التى نريدها ونكافح من أجلها أم سيخلف الفاسد فساداً أعظم وأسوأ .. لنترك التاريخ يجيبنا على ذلك.

 

■ هل أنت راض عن ردود أفعال المثقفين العرب تجاه الربيع العربي؟

 

المثقف العربى فاجأته الأحداث التى وقعت كما فاجأت العالم بأكمله لقد استكان المثقف إلى الاحساس بأن وضعنا لن يتغير مادام الاستبداد تجذر وتقادم وصار من الصعب قلعه أو محوه وعندما انفجر الشارع العربى وانفجر معه المثقفون كذلك بالفرح والسعادة ثم ظهرت أوضاع جديدة جعلتنا نشعر بالخوف من جديد..كان أجمل ما فى الربيع ثورة تونس ومصر السلمية التى كانت ستكون نبراسا هاديا لبقية الشعوب ثم وقع ما وقع فى ليبيا وما يحدث فى سوريا وأثار كل ذلك مخاوفاً فالانتقال عن طريق العنف يؤدى الى اختلالات وتشويهات كثيرة ويعطى للعنف شرعية كبرى ورغم أن فوز الاسلاميين كان متوقعا من طرف الجميع إلا أننا حلمنا أن لا يحدث ذلك ليس لأننى ضدهم أو نرفض وجودهم بل لأننى شخصيا لا أتصور أنهم يستطيعون أن يعبروا بنا فترة انتقالية آمنة بديمقراطية حقيقة يجب أن تبنى بوعى نقدى وحر ولا يقوم على اليقينيات والغيبيات.