الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
النزول إلي الشارع!
كتب

النزول إلي الشارع!




 


كرم جبر روزاليوسف اليومية : 21 - 03 - 2010



هل "يطلع" الناس إذا "نزلوا" أم ينزلون بلا طلوع؟


1


لعل أكثر ما يثير الحزن والأسف والأسي، هو الدعوة التي تتبناها بعض الصحف الخاصة والمعارضين السياسيين، بنزول الناس إلي الشارع للضغط علي الدولة، لتنفيذ مطالبهم.


المبررات التي تقال كثيرة، أهمها أن النظام لن يستجيب لهم إلا بثورة الجماهير، وأنه لا ينفع معهم أي النظام أي حوار سلمي وأن وقت استخدام سلاح الجماهير قد حان الآن.
السؤال المطروح هو: ماذا يفعل الناس إذا نزلوا إلي الشارع؟ وكيف تتم تعبئتهم للضغط علي النظام؟ ومن هم الناس بالضبط الذين سوف ينزلون؟ وهل يمكن السيطرة علي الموقف إذا نزل الناس؟
2
إنها دعوة ترتقي إلي درجة ارتكاب جريمة في حق البلد والناس والنظام السياسي والمعارضة.. جريمة تهدد الجميع.. لأن الناس إذا نزلوا في فوضي وعشوائية، فسوف يحل الخراب.
المأزوم سوف يحطم واجهات المحال التجارية وينهب ما بها.. والعاطل سوف يحرق السيارات بمن فيها، والمشبوه سوف يعتدي علي الآمنين وينتهك حرمات البيوت والنساء.. ولا تراجع.
هل نسينا ما حدث يوم 18 يناير وفي أحداث الأمن المركزي؟ حرق الأتوبيسات والمحال العامة وتحطيم أعمدة الإنارة وتخريب المدارس والمصانع وكل شيء يصادفهم في طريقهم.
3
من هم الناس الذين تتم دعوتهم إلي النزول إلي الشارع؟ ومن هو الذي يتحكم في حركتهم.. وماذا يفعل "أدعياء النزول" إذا ارتفعت شعارات التطرف وتم الاحتكام إلي المساجد والمصاحف؟
هل نعود إلي ذكريات عام 1981 عندما حاول طيور الظلام أن ينالوا من هذا الوطن، وكانت عناية الله لهم بالمرصاد، وأنقذ مصر وشعبها من شرورهم ومكائدهم؟
ما هو المقصود بالشارع بالضبط، هل هو ميدان التحرير أم العتبة أم أمام نقابة الصحفيين، أو الشوارع في القري والمدن؟ أم شارع قصر العيني المكتظ بالوزارات والبرلمان؟
4
هل هذه هي الديمقراطية وحرية الصحافة التي تعتمد علي النضال الطويل بالكلمة ونشر ثقافة الوعي والحوار واحترام الرأي والرأي الآخر وترسيخ معالم الاستقرار؟
هل توجد دولة واحدة في العالم تخرج بعض صحافتها لتدعو الناس إلي النزول للشارع وتتباهي بذلك وتفتخر به وتجعله خطابا معتاداً لا تمله ولا تتراجع عنه؟
ما فائدة الإعلام والبرلمان والأحزاب والجمعيات الأهلية، والهيئات الأخري والمجتمع المدني، وجميعها يجتهد لاستشراف المستقبل ويقدم ما لديه من أطروحات سلمية؟
5
إذا نزل الناس إلي الشارع، فكيف يضغطون علي الحكومة والنظام، ويجبرون الدولة للاستجابة لمطالبهم؟ ثم ما هي مطالبهم بالضبط، ومن الذي يتولي تحديدها وتقديمها؟
ما هي مطالب الأقباط إذا نزلوا؟ والأساتذة إذا اعتصموا؟ وعمال عمر أفندي وشركة الكتان وضحايا العلاج علي نفقة الدولة، وأعداء الضريبة العقارية وأحباء التأمينات الاجتماعية وغيرهم؟
تصوروا معي عبثا المشهد الذي يحدث إذا نزل كل هؤلاء وغيرهم الشارع.. هذا يصرخ "كنائس" وهذا يرد "لا للخصخصة" والثالث "حقوق الصم والبكم" والرابع "الموت لإسرائيل".. وهلم جرا.
6
ماشي.. ينزل الناس إلي الشارع فكيف يعودون؟.. وإذا عادوا، فهل ينزلون في صباح اليوم التالي، أم "كفاية" عليهم كده؟ وهل هو نزول يعقبه طلوع ونزول أم نزول لمرة واحدة؟
بمناسبة "كفاية".. فمنذ أربع سنوات وهي تنزل وتنزل ثم تنزل، ولم تطلع ولو مرة واحدة، تطلع إلي الناس "تلمِّس" معهم ويشعرون بها، بدلاً من "أذانها" المستمر في "مالطة".
طيب نزلنا.. حنروح علي فين؟ نزلاء إمبابة يلتقون مع أهالي ساقية مكي في منطقة محايدة، أم أمام نوادي النقابات علي النيل، أم عند أول كوبري المنيل؟
7
شر البلية ما يضحك، والبلية بعينها هي مثل الدعاوي الكيدية، التي ستظل وهماً وخيالاً في أذهان أصحابها، الذين يتصورون أننا في دولة "سكسونيا" ومن يستيقظ بدري يأخذ الحكم، فاستيقظ معظم سكانها بدري.
والكارثة الكبري أنهم يعتبرون ذلك نضالاً وحرية وديمقراطية من أجل مصر وشعبها ومواطنيها.. وهذا الشعب البريء من أدعياء الشعب في واد آخر بعيد تماماً عن النزول الكوميدي.
يتصور "أدعياء النزول" أنهم سيكونون بمأمن أو أن الغوغاء والمتسللين سيقولون "سيبوه.. دا الريس بتاع النزول".. بل سيقولون "نزلوه.. ملعون..."!


E-Mail : [email protected]