الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

"روز اليوسف" اخل المعهد القومى للاورام: مرضى السرطان يفترشون الأرض تحت شعار «منها وإليها»





القاهرة تحترق.. اشتباكات..عصيان مدنى.. معارضة هدفها الرئيسى مكاسب سياسية.. الاسلاميون يعرضون انفسهم بديلا لفرض الأمن ،كل هؤلاء لا يسمع أيا منهم صرخات أولئك «الموتى الأحياء» يتركونهم «يداوون آلامهم بصبرهم المرير» داخل مستشفيات تحتضر بعد اغلاق مبانيها.. تحاول ان تمنحهم الامل فى الحياة فى حين انها تحتاج للامل نفسه كى تحيا هى الاخرى .. انهم مرضي معهد الأورام القومى . . بعضهم ينتظر محطته الاخيرة ليفارق هذه الحياة، والاخر يمنى نفسه بالأمل،حتى  أصبحوا  تائهين بين مصر التي ذهبت.. ومصر التى ننتظرها..لذلك حاولنا الخروج من النفق السياسى، ولو لبرهة كى لا ننسى الآلاف من الحالات المأساوية داخل المعهد القومى للأورام التابع لجامعة القاهرة الذى بدأت فكرة إنشائه فى الخمسينيات من القرن الماضى، وتحولت إلى واقع فى عهد الدكتور لطفى أبو النصر مؤسس المهعد وأول عميد له، وخلفه فى العمادة الدكتور اسماعيل السباعى الذى ادخل الجراحات الجذرية للأورام فى المعهد وقام بتدريب العديد من الجراحين، لتثمر جهوده فى اعتراف جامعة القاهرة بطب الأورام كتخصص مستقل بين القومى للأورام فى الستينيات بتكلفة مليون جنيه وبدأ عمله عام 69 بسعة 270 سريراً وكانت نفقات تشغيله فى السنة التى افتتح فيها 83 ألف جنيه يتردد عليه حالياً 20 ألف حالة سنويا، و200 الف حالة بصورة دائمة.فى كل زاوية بكل ممر بالمعهد تجدهم مستلقين بأجسادهم الهزيلة على الأرض رافعين شعار «منها وإليها» يرجون أن تمر ساعات الانتظار داخل هذا المستشفى الذى ضاق بمرضاه.
 
يوسف: يارب اشفينى
ووالده: بعت شقتى علشان علاجه

 
«يا عمو انا تعبان اوى.. قولهم انا عايز اخف بقى « هذا هو يوسف محمد فوزى الطفل صاحب الخمسة أعوام ونصف، قال لنا هذه الكلمات وهو ينظر للكاميرا وكأنه يحدثها ، بينما يشرح والده حالة صغيره قائلا: منذ عام تقريبا وجدت عيناه تغيرت «اتقبلت»، ثم بدأ يفقد التركيز رويدا رويدا، فلم اجد امامى سوى الذهاب لمستشفى اسيوط العام ، الذى قال لى طبيبه «روح اعمل لنا أشعة صبغة، قلتله فى اى مبنى، رد: اكيد بره المستشفى (اصل الجهاز بايظ)»، وبعد أن احضرتها له أكد لى ان يوسف مصاب بورم على المخ، ذهبت لمستشفى  57357 وكشف الطبيب على طفلى، وقال لى:لازم يعمل عملية خلال اسبوع بس للأسف «مالوش مكان هنا، قلت له: «طب اعمل فيه ايه، أقولك حاجه خده اعمله قطع غيار»، وحولنى على معهد الأورام، الذى حدد لى موعدا بعد شهرين (اى بعد وفاة يوسف).
احد جيرانى وصف لى مركزا لعلاج السرطان ، وطلبوا منى 150 الف جنيه ، «استلفت وبعت شقتى وسكنت بالإيجار، وعملتله العملية، والآن اتابع فى القومى للأورام لاستكمال العلاج الكيميائى، وعن المعاملة بداخله: انها جيدة ولكن المشكلة فى قائمة الانتظار الطويلة، وفى نهاية كلامه معنا تمنى ان يكون بالمحافظات مراكز حكومية لعلاج السرطان على كفاءة عالية.
 
4 سنوات علاج دون فائدة
 

 
منذ أربع سنوات شعرت بعدم القدرة على الوقوف، بخلاف آلام فى عظام القدم، فتوجهنا بها الى معهد الاورام، والآن أصبحت لا تستطيع الحركة من الاساس، فلماذا لا تتحسن حالتها وحالة الكثير من المرضى بل تسوء، هكذا يتساءل رضوان ابراهيم زوج نوال عبدالفتاح 55 عاما المقيمان بقرية ابشواى بالفيوم، والذى تمنى فى نهاية حديثه معنا ان يكون هناك عدة فروع لعلاج الاورام فى المحافظات لأنهم فقراء ولا يستطيعون الذهاب والعودة اسبوعيا من وإلى القاهرة.
 
المواصلات بتكلفنا 65 جنيها.. ومحتاجين مركز فى الفيوم!
 

 
عندما تدخل ممر غرفة الاشعة لن تستطيع تجاهل النظر اليها وهى مستلقية على أحد الاسرة مستسلمة لمرضها فى ساحة انتظار الغرفة، انها الحاجة زمزم محمد احمد، 55 عاما ، تقيم فى مركز سنورس بمحافظة الفيوم، أصيبت بـ«سرطان الثدى» منذ ثلاثة اعوام ونصف العام، ومستمرة فى العلاج الكيميائى، هكذا أكد لنا ابنها أمين ربيع، وأكمل: «انا اعمل بالمقاولون العرب، امى بقالها كده كتير ومش بتخف، بنصرف فى المواصلات 65 جنيها واحنا ناس على اد حالنا، عشان كده نفسى امى تخف ويعملوا لنا مركز فى الفيوم عشان فى عيانين كتير هنا من عندنا».
 
35 جرعة كيماوى.. و20 جلسة إشعاعى.. ولسه!
 

 
جسده النحيل ، السوس ينخر فيه لعامين ونصف ،حتى أصبح هيكلا عظميا لا يرى بالعين المجردة، الطفل محمد رضا أبوالعلا ذو الاربع سنوات، المقيم فى مركز كفر الزيات محافظة الغربية، هكذا قالت لنا والدته ثناء سعيد حماد.
واضافت: محمد جاله ورم فى قدمه منذ كان عمره عاماً ونصف العام، وذهبنا به الى مستشفى كفر الزيات واستأصله له الاطباء، وبعد شهر تقريبا عاد الورم من جديد فى مكان اخر ، الامر الذى نصحنا فيه الاطباء بالذهاب الى معهد الاورام، ومنذ ذلك التاريخ حصل محمد على 35 جرعة علاج كيميائى و 20 جلسة علاج اشعاعى، ولكنهم لم يكونوا كفيلين بالقضاء على الورم، بل اصبح الورم ينتشر فى جسده بصورة اكبر، والسؤال هنا: «هل العلاج بتاع المعهد مبيجبش نتيجة زى مبيقولوا» ؟ .
 
متصوروش ابنى وهو كده!
مروان مرسى، خمسة اعوام ونصف، يقيم فى «القلج» بالقليوبية، هكذا حدثتنا والدته وقالت منذ عام تقريبا شعر باعياء شديد بالمعدة، ذهبنا الى مستوصف خيرى شخص طبيبه الحالة على انها مشاكل بالكلى، واجرى له عملية تجميل فى حوض الكلى مع تركيب دعامه، وبشكل سريع جدا تراجعت حالة مروان، مما جعلنا نتوجه لطبيب آخر والذى أكد انه سرطان بالمعدة، وقام بتحويلنا الى مستشفى سرطان الاطفال 57357، ولكن الامن رفض دخولنا وقال لنا: «لو عندكم واسطة هتدخلوا لو مفيش يبقى خلاص.
فجئنا الى معهد الاورام وبدأو معه العلاج الكيميائى، هنا توقفت أم مروان فجأة لتقول «لو سمحتم متصوروش ابنى وهو كده «وقطعا التزمنا بذلك، وأكملت: ولكن حتى الآن لم تتحسن حالته بل تسوء، والمعاملة داخل المعهد وقالت:المعاملة فى مجملها جيدة ولكن هناك بعض الاطباء والتمريض يعاملوننا بتعال شديد، ولا يعلموننا حالة ابنائنا.
 
 
فلاح المصلوب..ملقى على الأرض
وجدناه نائما على الأرض فى ممر قسم العلاج الكيميائى، سألناه عن اسمه ومرضه ولماذا هو مستلقى هكذا؟ فقال بصوت خافت: اسمى رمضان محمد سعيد، عمرى 54 عاما، لدى خمس بنات ،مقيم فى «زاوية المصلوب» بمركز الواسطى - بنى سويف، منذ ثلاثة اشهر شعرت بوجود ورم فى وجهى فذهبت للمستشفى العام وتم استئصال الغدة الليمفاوية، وبعدها بأيام عاد الورم للظهور، فجئت الى معهد الاورام وحددوا لى العلاج الكيميائى ودى الجلسة التانية «وربنا يسهل».
وحول المعاملة قال : «المعاملة هنا كويسة أوى بس احنا اللى كتير، الله يكون فى عون الدكاترة، ونمت كده على الأرض علشان مفيش سراير».
 
ياسر: اقطعوا رجلى وخلصونى!

 
فى عيادة العظام تجده جالسا، تمتلئ عيناه بمزيج غريب من «الالم والامل» فى الشفاء من المرض كل هذه التناقضات بسهولة تراها داخل ياسر محمد صادق صاحب السبع والعشرين عاما مقيم فى قرية الحواتم بالفيوم ، حكى لنا قصته مع المرض اللعين فقال: منذ سنتين شعرت بوجود ورم فى قدمى ، فذهبت للمستشفى الذى حولنى على المعهد .
فى البداية الطبيب شخص حالتى وأوصى باجراء عملية بتر للقدم اليمنى، وبالفعل تم تحديد موعد لاجراء العملية ، وأثناء مرور الطبيب الاستشارى قرر عدم اجراء العملية، واخضاعى للعلاج الكيميائى، ومنذ ذلك التاريح حالتى من سيئ الى أسوأ والمرض يزداد توحشا وانتشارا» واناشدهم اقطعوا رجلى وخلصونى».
 
مدير المعهد: أعترف بوجود قصور.. ومساهمة الدولة %10 من التكلفة

توجهنا لمدير المعهد القومى للأورام الدكتور خالد ابوالعينين، واجهناه بكل المشكلات والاسئلة فكانت ردوده كالآتى..
بداية يجب أن أعترف بوجود قصور فى الخدمة العلاجية بكل جوانبها، ولكن علينا ايضا توضيح الاسباب، فالمستشفى يستقبل 20 الف حالة جديدة سنويا، ويبلغ عدد الحالات الكلية 200 الف حالة،80% منهم يعالجوا بالمجان و20% علي نفقة الدولة أوالتأمين الصحي، ونسبة المرضي الذين يعالجون بأموالهم الخاصة لا تكاد تذكر، وأن تبرعات المواطنين تمثل نحو 90% من ميزانية المعهد وبدون هذه التبرعات سنتوقف تماما عن العمل، فالدولة لا تقدم لنا سوى 10% من تكلفة العلاج الكلية.
كما هناك العديد من العقبات التي تواجهنا من أهمها انهيار المبنى الجنوبي للمستشفي وفقد أكثر من 350 سريراً وجميع العيادات الخارجية التى كانت موجودة به، وقمنا بإنشاء عيادات خارجية داخل طرقات المستشفي وداخل عدد من غرف الموظفين، مما تسبب فى احداث ضغط شديد علي الأطباء والتمريض، كما انعكس على المرضى ولذلك نري التكدس أمام المستشفي وفى طرقاتها.
ولكننا نحاول أن نتغلب على هذه المشكلة حيث قامت محافظة القاهرة بتأجير الحديقة المجاورة للمستشفى لنا لاستخدامها كعيادات خارجية، وجار انشائها الآن بتكلفة 10 ملايين جنيه لن يدفع المعهد منهم جنيها واحدا، كما ان الدولة أعطتنا مستشفى بالتجمع الأول جهزناه ليكون اول مركز متخصص فى تشخيص وعلاج سرطان الثدى فى مصر، بخلاف المشروع العملاق لإنشاء المعهد القومى الرئيسى على مساحة 34 فداناً بمدينة الشيخ زايد، ويحمل اسم «500500» ليكون مركزا على مستوى عالمى، يتكلف انشاؤه حوالى مليار جنيه ونصف.
28 جلسة إشعاع و17 كيماوى.. والمرض يتوغل
 

محمد عصام طالب بالصف الأول الاعدادى، مقيم فى امبابة، قالت لنا والدته: فى 2011 اشتكى من ألم فى قدمه اليمنى، وبمستشفى امبابه العام اكتشفنا الصدمة، وتم تحويلنا الى مستشفى السرطان 57357 ولكنه رفض بحجة عدم وجود أماكن، فذهبنا الى المعهد القومى للأورام الذى قرر أطبائه العلاج الكيميائى، واعطوا لمحمد 17 جرعة «كيماوى» بفعالية واوصوا بالعلاج الاشعاعى وبالفعل اجرى له 28 جلسة ولكن بلا جدوى ينتقل السرطان من قدمه الى ذراعه اليمنى، فلم نعد نعلم ماذا نفعل أو الى أين نذهب، والمشكلة الحقيقية هنا أن الاطباء يقررون نوعية العلاج بعشوائية، ناهيك عن انه فى البداية يتم اعطاء المرضى جرعات مخففة وعندما يستشعرون بتوغل المرض، يبدأوا فى الجرعات المكثفة، «بعد خراب مالطة»، والسؤال لماذا لايتم اعطاء المريض جرعات مكثفة منذ البداية، ورغم كل هذا عادت الأم لتثنى على المعاملة داخل المعهد ولكنها اشارت الى ان الزيادة الكبيرة فى اعداد المرضى تظل عائقا امام الحصول على العلاج والخدمة بصورة مستمرة.
 
«العذراء» استأصلت الرحم.. والمرض يعود
 

 
صباح عياد تبلغ من العمر 51 عاماً، تقيم فى حدائق حلوان، بدأت رحلتها مع المرض منذ عام تقريبا، عندما ذهبت لمستشفى النصر العام بحلوان والتى أكدت لها وجود ورم فى الرحم، وحولتها الى معهد الاورام، والذى حدد موعداً للعملية بعد ثلاثة اشهر، الامر الذى جعلها تذهب لمستشفى العذراء مريم «القبطى» بحلمية الزيتون، لتستأصل الورم ، وتواظب الآن على العلاج الكيميائى بالمعهد، ومع ذلك عاد الورم للظهور من جديد.