الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
إلا المساجد والكنائس!
كتب

إلا المساجد والكنائس!




 


 كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 03 - 04 - 2010


- الدعاية السياسية مكانها الأحزاب والصحف والفضائيات وليس دور العبادة
- البرادعي لم يفكر طيلة 40 عاما أن يزور مسجدا أو كنيسة.. فلماذا الآن؟
- السفير الأمريكي السابق لم يترك مولدا إلا وذهب إليه، فهل يتبرك به؟
- تصوروا المشهد إذا ذهب مرشحو الرئاسة لصلاة الجمعة وقداس الأحد
-البرامج الانتخابية تنتجها الرؤي والأفكار وليس الشعارات والمزايدات
- «المواطنة» هدف نبيل يجب حمايته من مقصلة المداهنة
- إذا دعونا الناس للنزول إلي الشارع، أين يذهبون وماذا يفعلون؟
- التوكيلات والتوقيعات تخريب للديمقراطية والتفاف حول الدستور
- هل ندعو الناس إلي «فضيلة العمل» أم «رذيلة الاحتجاج»؟
الذهاب إلي الكنيسة نفاق مفضوح
الذي أفسد نقابة الصحفيين حتي الآن، هو أن المرشحين لمنصب النقيب كانوا يبدأون جولتهم الانتخابية بزيارة الكنيسة والجماعة المحظورة، للحصول علي دعمهم وتأييدهم، ورغم أن هؤلاء النقباء الذين أقروا هذه العادة السيئة ذهبوا غير مأسوف عليهم، ولكن مازالت آثارها المدمرة تنمو تحت الجلد.
البرادعي وغيره من المرشحين يتشبهون بهم، وهو نوع من النفاق المفضوح، لأنه لم يفكر طيلة 40 سنة في الذهاب للكنيسة مرة واحدة في حياته، إلا عندما أصبحت له مصلحة في كسب ود الأقباط، وينادي في نفس الوقت بتأسيس حزب للإخوان المسلمين الذين لا يعترفون حتي الآن بالحقوق الكاملة للأقباط.. يعني المسألة ببساطة هي نوع من «الغزل السياسي» مهما كانت آثاره مدمرة.
قد يقول قائل إن رجال الحزب الوطني وكبار رجال الدولة يفعلون ذلك، فلماذا هو حلال عليهم وحرام علي البرادعي ؟ والإجابة هي أن هؤلاء يذهبون إليهم للتهنئة وليس من أجل الترشيح أو الانتخابات .. ويذهبون إليهم بصفاتهم الرسمية والحزبية، وليس للتأليب والغزل غير العفيف ودس السم في العسل.
--
ابعدوا المساجد عن العبث
زيارة البرادعي لمسجد مولانا الإمام الحسين أيضاً نوع من العبث السياسي، فما علاقة المساجد بالدعاية السياسية، وهل من المفترض أن يذهب المرشحون إلي الأحزاب والمؤتمرات السياسية أم للمساجد والكنائس، وإذا كان ينادي بقيام دولة مدنية، فهل يكون الوصول إليها بتعزيز ثقافة الدولة المدنية، أم بتسول التعاطف الديني من المساجد والكنائس وتكريس ثقافة الدولة الدينية؟
هل تكون الخطوة القادمة هي وضع برنامج زمني للمرور علي السيد البدوي وسيدي عبد الرحيم القناوي والإمام الشافعي والمرسي أبوالعباس وغيرهم من أولياء الله الصالحين حتي لايغضبوا؟ وهل يفعل ذلك تبركاً أم فانتازيا كما كان يفعل «ريتشارد دوني» السفير الأمريكي السابق بالقاهرة، الذي لم يترك ولياً إلا وذهب إليه ؟ ولم يترك حلاوة مولد ولا فول ولاطعمية ولا ملوخية إلا وأكل منها ؟
--
«وقع يا مؤمن».. «وكِّل يا قبطي»
التوقيعات والتوكيلات هي بوابة جهنم، لأنها تسن قانوناً غير القوانين السارية في البلاد، فإذا أردت أن تأخذ شيئا عنوة، اجمع مائة توقيع، وإذا عقدت العزم علي أن تعزل رئيسك اجمع خمسين توقيعا، وإذا تمنيت أن تصبح محافظاً «150 توقيعا + 200 توكيل»، والمزاد لمن يجمع أكثر، وتوقيعات علي كل صنف ولون.
الإسلاميون سيرفعون شعار «وقع يامؤمن» والأقباط «وكّل يا قبطي» .. أما غير هذا وذاك فسوف تكون له تسعيرة من خمسين جنيها لمائة، نصف الورقة النقدية قبل توقيع التوكيل ونصفها الآخر بعده، كما كان يحدث في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
لا توجد دولة في العالم تعتمد «ديمقراطية التوكيلات»، لأن المفترض أن تكون أصوات الناخبين في الصناديق هي السند الشرعي الوحيد للديمقراطية، وليس بأساليب كان يتم اللجوء إليها أيام الاحتلال والاستعمار، وسعد زغلول باشا صاحب المقولة الظالمة «مفيش فايدة».
--
المواطنة علي مقصلة المداهنة
كنا نتصور أن البرادعي سيعظم نصا موجودا في الدستور يقر حقوق المواطنة، ويفصل الدين عن السياسة والسياسة عن الدين، وأن يؤيد ذلك لذر الرماد في العيون، ويثبت - حتي بالكلام - أنه رجل «سياسة» ولا يتصيد الأخطاء ولايترصد للدولة والدستور والقانون.
لكنه لم يفعل ذلك، ولم ير شيئاً واحداً مضيئاً في الدستور المصري، رغم أنه يحوي نصوصا إيجابية تسمو عشرات المرات علي ما يرفعه من شعارات حنجورية صاخبة استخدمناها في عهود سابقة، وكانت سبباً في جر البلاد من أزمة إلي أزمة، ومن نكسة إلي نكسة، ومن هزيمة إلي هزيمة.
هل نحن نتقدم إلي الأمام أم نعود إلي الوراء ؟ هل الديمقراطية لخدمة الوطن والشعب، أم يتم توظيفها لأهداف شخصية وأغراض أنانية، سوف يؤدي الاستسلام لها إلي كوارث وأزمات، لأنها في النهاية شعارات استخدمنا مثلها في عهود سابقة فزادت من حدة الأزمات.
هل تنتحر المواطنة علي مقصلة المداهنة السياسية والنفاق الديني والسعي لجذب رواد المساجد والكنائس إلي معترك سياسي، ينبغي أن تكون دور عبادة بعيدة كل البعد عنه، حماية للدستور وصيانة للوحدة الوطنية.
--
ديمقراطية الكنائس والمساجد خطر داهم
فهي أماكن للتعبد والصلاة وليس للتظاهر والدعاية السياسية، وكان آلاف المواطنين سوف يرحبون بالبرادعي إذا ذهب إليهم في أي مناسبة أخري وليس بسبب الترشيح والتغيير والانتخابات الرئاسية، وغير ذلك من الأفكار التي يطرحها.. وأماكن العبادة ليست أبداً البيئة الصالحة للتنافس والصراع والاختلاف السياسي.
تصوروا المشهد إذا ذهب «مرشحو الرئاسة» إلي المساجد والكنائس في صلاة الجمعة وقداس الأحد، وتحولت إلي ساحات للعراك والهتافات والشعارات والتظاهر، وعلقت علي جدرانها لافتات للمرشحين .. وانشغل كل مرشح في البحث عن إمام أو شيخ أو قسيس ليقود دعايته الانتخابية، وارتفع الهلال والصليب فوق الشعارات الانتخابية، واختلطت الدعاية السياسية بالشعارات الدينية؟ «الإسلام هو الحل» .. «الصليب هو الحل» .. كيف ستكون أحوالنا ؟
--
عندنا من الازدحام ما يكفي
لعل أكثر مايثير الحزن والأسي - أيضاً - الدعوة للنزول إلي الشارع، والسؤال هنا: هل ينقص الشارع المصري الازدحام والفوضي لننزل إليه ونزيد مشاكله وأزماته، وهل تحتمل شوارع القاهرة وعواصم المحافظات التظاهر والهتافات؟! .. من أجل ماذا ولماذا؟!
من أجل السماح للبرادعي والآخرين بالترشيح لانتخابات الرئاسة؟ فما الذي يمنعهم والدستور يتيح الفرصة كاملة لمن يريد أن يكون مرشحاً «حقيقياً» وليس «مفترضاً»، يصل إلي غايته بأصوات المؤيدين وليس بالقفز علي المقام الرفيع بالبراشوت، أو ببعض الأفكار والنظريات المستوردة التي لا تصلح مع تربتنا أو بيئتنا .
لو كان الحل بالكلام، لزرعنا الأرض خطباً وشعارات بدلاً من القمح والخضروات، ولرويناها قصائد حب متعطشة للحماسة والهتافات بدلاً من مياه النيل .. والسؤال الذي نطرحه علي البرادعي: هل جئت إلي مصر لتستفيد البلاد بعد غربتك الطويلة بعلمك وخبراتك أم بدعوتك إلي الناس بالنزول إلي الشارع للتمرد والعصيان، عدت عوناً أم عبئاً ؟
هل تدعوهم إلي «فضيلة العمل» مثل الدول التي عشت فيها أم إلي «رذيلة العصيان» والفوضي والإضراب، في وقت تحتاج فيه البلاد لكل دقيقة وحبة عرق لتزرع وتصنع، وتوفر لقمة عيش وفرصة عمل لآلاف المواطنين ؟
--
«6» أبريل .. الفشل المزدوج
مثل الكائن المتحفز للانقضاض علي أي شيء، يفكر البرادعي وأنصاره في إشعال الإضراب الكاذب «6 أبريل»، الذي فشل طوال السنوات الماضية وأثبتت الجماهير وعيها وتحضرها، ولم تُلق بالاً لتلك الدعوات الوهمية .. ولكن هؤلاء يريدون الصيد في الماء العكر. سوف يخسر البرادعي كثيراً إذا أعلن أنه يتبني هذا الإضراب .. وسوف يجني فشلاً مزدوجاً، من الدعوة إلي النزول التحريضي إلي الشارع، للمشاركة في الإضراب الوهمي، لأنها رسالة سلبية، تفترض في الناس أنهم أشرار وينساقون وراء كل من يلعب بمشاكلهم وأزماتهم، وسوف يفاجأ بأن الناس في وادٍ آخر تماماً.
ما فائدة البرلمان والصحافة والإعلام والأحزاب والمجتمع المدني والمؤسسات، إذا حاول البعض القفز فوق كل هذه القنوات السلمية الشرعية للتعبير عن الرأي وأخذ الحقوق.. إلي الشارع والفوضي والهيجان والعصيان .
--
ماذا يفعل الناس إذا نزلوا ؟
سيحرقون ويدمرون ويقتلعون أي شيء في طريقهم، وأمامنا أكثر من مثال، آخرها ما حدث في المحلة الكبري، حيث حرقوا المدارس واقتلعوا أعمدة الإنارة وحطموا سيارات المواطنين الآمنين، ونهبوا المحلات العامة .. فحين تسود شريعة الغاب، لا تُبقي علي أخضر ولا يابس ولا تفرق بين «أتوبيس» و«مرسيدس».
هل يتصور سيادته أن الناس إذا خرجوا إلي الشارع سيكونون في وداعة وتحضر وثقافة مثل الشعوب الأوروبية التي تعلمت الانضباط والنظام ودفعت ثمناً فادحاً لهما، ألا يذكر أنه في مظاهرات 18 و19 يناير 1977 سرق الناس الطيبون الويسكي من كازينوهات شارع الهرم وحرقوا الأوتوبيسات العامة ومحطات القطارات ومترو مصر الجديدة.
هل عاد بعد غيبة طويلة ليدعو الشعب - الذي يلوك اسمه مثل اللبانة - إلي احترام الثقافة والتحضر أم الفوضي والشغب، وما علاقة الديمقراطية والدستور والدولة الرشيدة بنزول الناس إلي الشارع .. ألا يمكن أن تصل الرسالة إلا بهذا الأسلوب المحفوف بالمخاطر والأهوال ؟
--
عدت.. وبأي حال عدت ؟
هل هذه هي الديمقراطية الجديدة التي يبشرنا بها البرادعي، ويبذل قصاري جهده لتعميمها في مصر وعاد من أجلها .. وهل يستخدم أبناء الدول الأخري مناصبهم الدولية في اللعب بأوطانهم؟
هل هذه هي الرسالة التي جاء يبشرنا بها، فلم تستفد البلاد ولا العباد من علمه ولا من أفكاره، وضن علي وطنه بعلم كان أحوج ما يكون إليه، وكان سخياً في تقديم أفكار تحفز في الناس أسوأ ما فيهم.
كله كوم واللعب بالأديان كوم آخر، ومحاولة استقطاب عنصري الأمة في لعبة السياسة والانتخابات، والذهاب إلي المساجد والكنائس هي أشياء تحتاج إلي المراجعة والتصحيح، اتركوا الدين لله وارفعوا شعار «الوطن للجميع».
من حق البرادعي أن يذهب إليها كسائر الناس مهنئاً أو مؤدياً للفرائض، ولكن الضجة الإعلامية التي تصاحبه بعيدة كل البعد عن ذلك، فهو يذهب بحثاً عن الجماهير والشعبية والتأييد والدعم والتحريض، جاء ليغير الناس، دون أن يعلم أن هذا الشعب يُغير ولا يتغير، يستوعِب ولا يُستوعَب، يحتوي ولايمكن احتواؤه.
--
التوكيلات والتوقيعات تخريب للديمقراطية
إذا كان في استطاعة البرادعي أو أيمن نور أو عمرو موسي أو غيرهم من الأسماء المطروحة للترشيح للرئاسة، أن يجمعوا مليون توقيع أو مليونا ونصف مليون توكيل، ففي استطاعة الحزب الوطني أن يجمع خمسة ملايين توقيع وعشرة ملايين توكيل، فالحزب يضم ثلاثة ملايين عضو حقيقي يدفع كل واحد منهم 200 جنيه اشتراكاً سنوياً، وله مقر ووحدات في كل المدن والقري والنجوع .
التوكيلات والتوقيعات هي تخريب متعمد للديمقراطية، والتفاف علي الدستور والقانون الذي يحترم إرادة الناخبين عبر صندوق الانتخابات، وتفتح الطريق أمام القوي غير الشرعية لتجمع توقيعات وتوكيلات وتعتبرها سنداً للعمل السياسي والشرعية.
النظام السياسي في مصر، وفقاً للمادة الخامسة من الدستور، يقوم علي التعددية الحزبية، وليس علي فوضي التوقيعات والتوكيلات، والقانون لا يعرف شيئاً عن الترشيح الرئاسي بهذه الوسائل، ويرسم الطريق لمن يريد ذلك، سواء كان حزبياً أو مستقلاً.
--
شعبية الإنترنت هي أسوأ أنواع التزوير
في إمكان الشخص الواحد أن يدخل عشر مرات ومائة علي الإنترنت ليؤيد فلاناً ويعارض فلاناً، بأسماء مزيفة ومزورة وحركية وغير حقيقية، ورغم ذلك يتباهي البعض بأن جمهور الإنترنت والمنتديات هو مؤشر حقيقي للشعبية .. لكنها خدعة كبري وشعبية كاذبة مثل الحمل الكاذب تماماً .
الإنترنت سلاح ذو حدين وألاعيبه كثيرة، وكما يستخدمه البعض في الدخول علي المواقع الخليعة والمشبوهة، يتم «تسييسه» في استطلاعات مشبوهة ونتائج فاسدة.. وبمرور الوقت سوف يكتشف الجميع أنه سلاح فاسد، وأن أول من يرتد إليه هو صدر من يستخدمه.
سوف يأتي وقت نبكي فيه علي الديمقراطية التي نسيء إليها والحرية التي نمرمطها في الوحل، فباسم الحرية والديمقراطية، تنتهك الحرية والديمقراطية في ممارسات خارج قوانين اللعبة.


كرم جبر


Email:[email protected]