الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى مذكراته عن الحرب والتفرقة العنصرية: اتشيبى ينتقد سياسة إفريقيا بعد الاستقلال




نيجيريا لم تُكسر إلاّ مرة واحدة. هذه هى القصة كما تستدعيها ذاكرة عملاق الأدب الأفريقى تشينو اتشيبى (1930 - 2013). مذكراته كانت آخر ما كتب قبل رحيله يحكى فيها عن تجربته أثناء تلك اللحظة التى كلّفت بلدته الكثير من أجل الانفصال، بعد سنوات من «التوحّد الزائف» الذى صنعه الاستعمار البريطانى حسبما يصف.

 

يسرد اتشيبى فى مذكراته بعنوان «كان هناك بلد: قصة شخصية عن بيافرا» صدرت عن دار نشر «بنجوين بوكس» روايته الشخصية وتعليقاته على الحرب الأهلية النيجيرية - استمرت من 16 يوليو 1967 حتى 13 يناير 1970 - التى حصدت أرواح الملايين، ويُقدّم انتقادا حادا للحياة السياسية لإفريقيا ما بعد الاستقلال ويأسف لحالة الاضطراب والانشطار العرقى والجغرافى لبلاده، باختصار تعتبر تلك المذكرات رواية شخصية تقاوم خطر النسيان. لكنه رحل قبل أن يتحقق حلمه بإقامة دولة بيافرا العظمى.

 

فى نظر صاحب «الأشياء تتداعى» لم تفقد الانقسامات الإثنية والدينية نيجيريا وضعها باعتبارها الدولة الأفريقية الجاذبة أو «المغناطيسية»، فطالما ظلت نيجيريا فى ذاكرة أديبها - رحل عن 83 عاما - «تكساس أفريقيا» وتبدأ مذكراته عندما أضحى كابوسًا أضعف الدولة القومية واقعا فى عام 1967. بعد سبع سنوات من الاستقلال «العام» اختارت قبيلة الإيبو المتمركزة شرق البلاد وجنوب شرقها والتى ظلت هدفا للاضطهاد والمذابح طيلة سنوات الحصول على استقلالها «الخاص» بنفسها بقيادة الزعيم الكاريزمى أوجوكو الذى أطلق على هذه الأمة الوليدة اسم «جمهورية بيافرا ذات السيادة». وفى المذكرات يحن تشينوا أتشيبى إلى «إيبوويّته» إن جاز التعبير، وهو الذى صبغ التعليم الإنجليزى سنوات تكوينه فى مدارس نيجيريا.

 

يكتب أتشيبي: «لأكثر من عامين من الوحشية ظلت حرب بيافرا محاصرة بين إصرار أوجوكو وتدخل لاعبين دوليين. قُتل مئات الآلاف من المدنيين، وحوصر ما يقرب من ستة آلاف بالجوع حتى الموت. إلا أن أوجوكو رفض الاستسلام والتخلى عن حلمه. وما إن تحقق الحلم حتى قُدِر العدد النهائى للضحايا ما بين مليون وثلاثة ملايين شخص».

 

كانت حرب بيافرا الصراع الأول فى أفريقيا الذى يستحوذ على اهتمام وسائل الإعلام الغربية، وأصبحت أيقونات الرسّامين عن أطفال بيافرا الجوعى أصحاب البطون المنتفخة رمزا للمعاناة الأفريقية، وكانت للوحاتهم الأثر فى جهود الإغاثة الدولية. فى تلك المذكرات نقف على لمحات من هذه المأساة الإنسانية الهائلة عبر حكايات سارد أتشيبي.. يقول: «دأب ملايين من المواطنين على الهروب من منطقة الحرب، مستهدفين اللحاق بالطائرات الفيدرالية النيجيرية التى لاذت هى الأخرى بالفرار. الرجال والنساء على شفا الجنون بسبب حرب طاحنة ولا نهائية. كان مألوفا أن ترى كثيرين يمشون فى الطرقات بملابسهم الرثّة بلا هدف. بينما يقبع جنود الفيدرالية «الاتحادية» المتنكرين فى زى شباب الزراعيين بمناجلهم فى كمائن للقتل والتشويه فى أقل من الثانية».

 

يشير الكاتب الذى عاش حياته مقيما فى الولايات المتحدة الأمريكية حتى مات فيها وعمل أستاذا بجامعة براون إلى الحرب: «خلال سنوات الحرب الجميع تفكّك». البعض رأى الحنين إلى الماضى نوعا من أنواع التبرير أو التمجيد. حيث يمكن اعتبار التبرير أحد أفكار السيرة ومعانى ما بين السطور: «المرارة بسبب ما أصبحت نيجيريا عليه بعد الاستقلال عن بريطانيا فى عام 1960» بحسب أحد تصريحات أتشيبى نفسه.

 

كان يقول: «كان هناك ما يكفى من المواهب، التعليم أيضا كان كافيا لجعل النيجيريين قادرين على ترتيب شئونهم بشكل أكثر كفاءة وأكثر دقة وإن لم يكن بشكل مستقل تماما». نيجيريا من وجهة نظره تمتلك كفاءات عظيمة عطّلتها ممارسات الفساد السياسى وانعدام الكفاءة السياسية وويلات الحرب: «كانت خيبة أمل كبيرة ومدمرة حقا لأولئك الذين عاصروا ما حدث مثلي». ويضيف: «الاستقلال كان بمثابة فوز غير مضمون. هذه الهدية التى مُنحت لنيجيريا جلبت للبلاد سوء الحظ».

 

هكذا يرثى أتشيبى بلاده التى أصبحت «أضحوكة» على حد وصفه، وفى نفس الوقت كتب حلمه الأخير. الحكم الذى يُطلقه أتشيبى على نيجيريا المعاصرة مفرطا فى الحزن. فبجانب ما تطرحه المذكرات من مشاهد النفى والسجن.