السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

د. محمد شاهين: أتمنى تجاوز الأزمنة وضم الشعر المعاصر لـ«أبوللو»





أبدى الدكتور محمد شاهين، أحد أعضاء لجنة تحكيم ملتقى القاهرة الدولى الثالث للشعر العربي، وأحد أهم النقاد المعاصرين وأستاذ الأدب الإنجليزى والأدب المقارن فى الجامعة الأردنية، أسفه لقلة عدد الحضور لجلسات الملتقى، رغم أنه يرى أن الأمر له بعد آخر إيجابى تمثل فى تلك الحميمية التى ميزت الجلسات، وسمحت بالمناقشات الهادئة المثمرة. تحدث لنا الدكتور محمد شاهين عن موضوع هذه الدورة من الملتقى الشعري، وأهمية إقامته فى القاهرة بهذا التوقيت تحديدا، موضحا أهمية تناول جماعة أبوللو وما أسفر عنه الملتقى من ورقات بحثية لفتت إلى جوانب جديدة فى أشعار الجماعة، وأخرى أضاءت مناطق ظلت مهملة غير مكتملة فى أشعارهم، عن المؤتمر وجائزته التى فاز بها الشاعر اليمنى عبد العزيز المقالح، وعلاقته بالشاعر الراحل محمود درويش، ورأيه فى مصطح الشعر الثورى ... وغيرها من الأمور فى هذا الحوار:
 
 
■ ما تقييمك لملتقى القاهرة الدولى الثالث للشعر العربى باعتبارك أحد أعضاء لجنة التحكيم؟
- انتابنى شعور بالألم من قلة عدد الحاضرين من الشعراء المصريين والنقاد فى جلسات الملتقى، تقريبا الحضور اقتصر على من قدم ورقة بحثية وقليل جدا من المهتمين بحال المشهد الشعرى العربي، الحضور يعد قليلا مقارنة بالملتقى السابق، وأن هذه الدورة لها أهميتها بالنسبة للشعر العربى وللشعراء، بالإضافة للبرنامج الذى تضمن شعراء من مختلف تصنيفات الشعر، وربما هذا الحضور المحدود مناسب لهذه الفترة الحرجة التى تمر بها مصر، ومع ذلك فإن لقلة العدد جانبًا إيجابيًا فى إضفاء حميمية الجدل والنقاش بهدوء، وبشكل عام الملتقى ناجح لأسباب كثيرة منها أنه تم فى هذا التوقيت وفى مصر التى تمثل بالنسبة لنا جميعا الهرم الثقافى ومنبع ومصدر وإلهام شعراء العالم العربي، وأيضا الملتقى خفف من حدة التوتر التى تعانى منها الشعوب العربية، التى مازالت تعيش أحداث ثورات الربيع مستمرة، وليس أعظم من لقاءات الشعر تثرى كيان الشاعر وتعيد إليه كيانه وذاته.
 
■ ما رأيك فى اختيار «جماعة أبوللو» لمتلقى الشعر هذه الدورة؟
- «جماعة أبوللو» هى حركة شعرية انبثقت من الصراع الدائم بين أنصار المدرسة التقليدية وحركة الديوان والنزعة الرومانسية، وجاءت متأثرة  بالثقافة الأجنبية، وإحياء ذكرى «جماعه أبوللو» فى هذه الدورة يعد إضافة رئيسة لأن هذه الجماعة لم تأخذ حقها من البحث والدراسة، فهى جماعة ثرية ولها ما لها وعليها ما عليها، وهدفت لتخليص الشعر من قيود الصنعة والمحاكاة، وتحرير القصيدة من وحدة القافية، عن طريق تعدد القوافى فى القصيدة الواحدة، وتقسيم القصيدة إلى مقاطع متأثرين فى ذلك بشعر الموشحات الأندلسية، غيرها من الأهداف، وكنت أتمنى ألا نفصل بين الأزمنة ونتحدث عن الشعر المعاصر وعن شعر الشباب بجانب شعراء أبوللو وتوصفهم ونوصفهم  كمشهد شعرى متواصل.
 
■ هل الأبحاث المطروحة فى الملتقى تعد إضافة نقدية جديدة لشعراء جماعه أبوللو؟
- ما طرح من أبحاث يؤكد جهدًا مبذولاً من النقاد وتعد أبحاثًا جادة، والمتحدثون قدموا نقاطًا بحثية مهمة بعضها لم يطرح من قبل، وبعضها يحتاج للمزيد من التأمل والتدقيق، منها أبحاث عن  التناص والاقتباس فيما بين الشعراء، وعن المرأة وعن الشعر فى الأندلس، الذى أراه يحتاج لدراسات جديدة، الملتقى كان تنويريًا ولم يكن فيه تكرار لموضوعات، وأيضا أعجبنى تواضع الشعراء الجدد الذين حضروا، وفى الجلسات جاءت الصياغة فى الجدل تسير بشكل حضاري، وإن غلبت على  الحوار الدخول من الشعر إلى السياسة.
 
■ ملتقى القاهرة الدولى الثالث للشعر العربى جاء تحت عنوان «ربيع الشعر - ربيع الثورة» كيف ترى هذا العنوان؟
يوم الافتتاح جاء بالصدفة الاحتفال بالربيع فلكيا، وأصبح احتفالنا بربيع الشعر وثورات الربيع العربي، لعلها مصادفة قدرية يصعب التخطيط لها مسبقا، ولكن ربما هذا هو اللقاء الوجدانى بين الشعراء والطبيعة، الشعر هو حالة ربيع دائم، والربيع حالة أمل، كما قال لى صديقى محمود درويش: «أن تصنع الأمل حتى لو تعثر الربيع».
ولو بحثنا من أين جاء ارتباط الثورات بعبارة الربيع نجد إن ميخائيل نعيمة 1952 هو أول من كتب مقالة تحت عنوان «الشباب ثورة وثروة وهم الربيع»، وهذا يؤكد أن لفظ ربيع يأتى بعده شباب أصحاب طاقة وانفعالات تؤدى الى ثورة وفورة، وبالتالى الشعراء باعتبارهم فى حالة ثورة وجدانية مستمرة، ويعترض الربيع معوقات ولكن لن نعود للوراء، ولكنه يكمل ويستمر، أما الكاتب آمز وليم ففى عام 1957 كتب كتابًا بعنوان «الثورة مستمرة» وهذا يشير إلى أن الثورات موجودة فى وجدان الإنسان، وتختفى فى عقود وتعود مرة أخرى وتطفو على السطح.
 الشعر يرى وهو إطلالة على المستقبل، والفن دائما يبشر بالربيع القادم قبل أوانه، الشعر العربى لم يفصل نفسه عن الشعب، وعلى سبيل المثال الشاعر أبو القاسم الشابى موجود ضمن جماعه «أبوللو» الذى تعد أشعاره ثورية وربيعية قبل وجود المصطلحات، فقد اتخذت ثورة تونس التى تعد شرارة ثورات الربيع العربى قوله: «إذا الشعب يوماً أراد الحياة  فلابد أن يستجيب القدر، ولابد لليل أن ينجلى ولابد للقيد أن ينكسر»... شعارا لها.
 
■ كان يطلق الشاعر محمود درويش يوصف بأنه شاعر ثوري، فهل هذا يؤكد أن مصطلح شاعر الثورة ليس بجديد؟
- كان محمود درويش يكره أن يقال عنه  شاعر ثوري، لأنه يعتبر هذا المصطلح محاولة تقريب الشعر من السياسة، ودائما ما يقول فى لقاءاته: «أنا شاعر فقط ولست مقاتلا، والشعر عندى خط أحمر، لم تكن لدى طريقة مقاومة للحصار إلا أن أكتب الشعر»، وكان درويش يردد أنه لا يستطيع التوقف عن الكتابة، ولو توقف مدة طويلة لشعر بعدم وجوده، وأن الشاعر لا مهنة له إلا الشعر، والشعر يجب أن يكون جماليا وبعيداً عن السياسة، إنما الشعر الذى يحث على الثورة ويرصد قهر الشعوب من الرؤساء ويعبر عن هذا القهر هو شعر حقيقى وصادق لا ينتهى زمنه، لأنه ربما لن ينتهى القهر من العالم، إنما الشعر الذى يكتب بعد قيام الثورات هو شعر احتفالى بحدث الثورة وقد لا يستمر لعصوره .
 
■ بعد إعلان فوز الشاعر اليمنى عبد العزيز المقالح بجائزة هذه الدورة اعترض البعض.. فهل كنت موافقا على هذا الاختيار؟
- أى شخص تختاره لجنة التحكيم كان سوف يواجه اعتراضًا وهذا أمر طبيعى فى كل المسابقات، ونحن فى لجان التحكيم بعد انتهائنا من اختياراتنا نفكر كيف سيستقبل الجمهور هذا الفائز، هل سوف يعترضون عيه؟ أم سيقبلونه؟ بالتالى الملامح الإنسانية وما يعرفه الجمهور يدخل ضمن معيار التقييم، أنا موافق عليه جدا الشاعر والناقد اليمنى د. عبد العزيز المقالح أهم ما يميزه العروبة ومواقفه الثابتة من القضايا العامة والخاصة والإنسانيات والأخلاقيات التى اتضحت فى كل كتاباته، مارس إبداع الشعر على مدى خمسة عقود، هو أحد أهم شعراء جيل الحداثة الشعرية، صار نقاش فى اللجنة نقاش ديمقراطية، الأغلبية تقبل الجائزة والأقلية اعترضت، وكانوا يفضلون شخصًا آخر، ولم نعد التصويت، تم التصويت بشفافية، إن الشاعر حجازى شخص مرن ومتفهم ومتقبل الرأى والرأى الآخر، ولم يتضايق أو ينزعج من الاختلاف فى الرأى.
 
■ ما سبب عدم حضور الشاعر عبد العزيز المقالح لاستلام الجائزة؟
- نعلم عنه انه يخشى ركوب الطائرات لذلك أرسل نيابة عنه الصديق الشاعر الدكتور همدان زيد مطيع، هكذا الحال فى الشعر يصل إلينا قبل أن يصل أصحابه، فهذا تكريم لقيمة الشعر.
 
■ الشاعر محمود درويش كان يرفض ترجمة أشعاره إلى لغات أجنبية، كيف قمت بترجمتها؟
- الترجمة عمل أدبى فكرى ثقافى لنقل المعارف والثقافات، الشاعر محمود درويش صديق حميم لعقود وليس مجرد سنوات، وعلاقتنا لم تنقطع يوما، لم يرفض الترجمة بشكل قاطع، ولكنه كان يقول أفضّل أن يقرأ الناس الشعر باللغة العربية، لغته الأصلية، فحين قررت أن أترجم  ديوانه «كزهر اللوز أو أبعد» وكنت أعرض عليه الترجمة من خلال لقاءات دورية كنا نعقدها، وكان يفضل أن تعرض عليه الترجمة قبل النشر، ولم يفرض عليّ تصحيح كلمة واحدة إلا بعد أن يناقشنى فيها، وحين قرأ الترجمة كان مسرورا بالترجمة.
 
■ حدثنا عن العلاقة التى تربطك بالروائى الراحل الطيب صالح؟
- تعرفت عليه عندما كان موجوداً فى عمان، كان يعمل فى مكتب اليونسكو وحين رشح الطيب صالح لجائزة الإبداع الروائي، وكنت  أنا عضو لجنة التحكيم وتمنيت له أن يفوز بالجائزة، كانت هناك أسماء كثيرة مدرجة على القائمة احتد النقاش بين أعضاء اللجنة على مدى ثلاثة أيام إلى إن تم اختيار روايته «موسم الهجرة إلى الشمال»، وفى الحفل جلس بجانبى وسألنى قبيل إعلان النتيجة: برأيك من سيكون الفائز؟، أجبته: إنه شخص ظريف، وروائى محبوب، له رواية ملأ صيتها الآفاق لدرجة أن دور النشر العالمية نشرتها، فضحك الطيب صالح وبعد دقيقة واحدة تم إعلان اسمه فائزاً بالجائزة، وصرنا أصدقاء بعدها وقمت بترجمة روايته.