الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عبدالحفيظ: المرأة «قوة المجتمع» لذلك تسعى الأنظمة المستبدة لتدميرها





الفنان فرغلى عبدالحفيظ، صاحب مشروع فنى واضح، يعزز فيه من قيمة مصر صانعة الحضارات ومن المرأة.. بدراسة تاريخ عبدالحفيظ الفنى نجده دائما ما يطور من أدواته فى التعبير عن مصر محتفيا بملامحها ومكوناتها الحضارية التى تبدأ مع الحضارة المصرية القديمة أو الفرعونية كما عرف عنها مارا على النوبة والصعيد.. بأسلوب تعبيرى وملخص، لم يحاول التمرد على خامة ألوان الزيت أو الأكليريلك وعلى لوحة الحامل ذات البعدين، لأنه يرى أن تغيير الشكل أو التمرد عليه ليس هو الهدف بقدر الحفاظ على الهوية وعلى التواصل المجتمعى من خلال الفن، اليوم عبدالحفيظ بكل حزم يقول فى معرضه الجديد «مصر التى أعشقها لا تموت»! لمن هذه الرسالة وكيف يصيغها فنيا فى معرضه الجديد.. أسئلة يجيب عنها فى السطور التالية.

 
■ لمن ترسل تلغراف «مصر التى أعشقها لا تموت»؟
- هذا المعرض يعبر عن مصر التى أعشقها والتى لن تموت، لأن الحرب القائمة الآن والأحداث تشير إلى أن هناك نزاعات كثيرة جدا تفترض أنها قد تؤثر على جاذبية مصر التى أعشقها، تحديدا منطقة «الإبداع» وهى الخاصة بالجانب الروحانى والإنسانى هو المهدد بالخطر والمهدد بضرب الروح المصرية، وهى روح فنانة، حرة، مبتهجة، طيبة، محبة، ولها صلة قوية بالمستقبل، كل ذلك يصب - فى النهاية هما علامتان ورمزان في كل أنواع الفنون وهذا هو الممثل للحرية، فالناس يتحدثون عن «الحرية» بشكل مجرد! لكن الحرية هى حرية الإبداع وحرية الاختيار وحرية التفكير، إن منحتينى هذه الثلاثية فهذا يكفينى وما عداها افعل فيه ما شئتى.
 
■ حدثنا عن مصر التى تعشقها والمتمثلة فى «مصر النوبة» و«المراكب النيلية».. والمرأة التى تستوحيها دوما من ملامح نفرتيتى.
- سأحدثك عن هذين الجانبين تحديدًا، هناك جانب فى أعمالى يرصد المنظر العام أو «Landscape» الذى يعبر عن زرقة النيل وتجاوره تماما صفرة رمال مصر، هذه التركيبة اللونية لها حضور مهم عندى وخصوصية، فالمعرض فيه جزء يخص جغرافيا مصر التى اساسها هو النيل والصحراء، لذا فإن المراكب واللون الأزرق هما علامتان ورمزان تشير إلى مصر، أيضا من ناحية التقنية ستجدين كثير من الرمال والطين مختلط مع اللون فى اللوحات وذلك لأن أرض مصر فى الأصل هى صحراء رائعة وشيقة اخترقها النيل فخلق حولها مساحة زراعية خضراء، هذه التركيبة منحت جغرافيا مصر خصوصية وتميزاً أعشقه.
الجانب الآخر باللوحات هو شخوص معينة عبرت عنها بصورها الشخصية وهى رموز وأعلام مصرية شاركت فى صنع الحضارة المصرية الحديثة فى كل المجالات العلمية والثقافية والسياسية والفنية والاجتماعية، وهدفى من ذلك هو توصيل الرسالة بسرعة بصورتها المباشرة والواضحة، وهى أن هؤلاء عاشوا الحرية لذا خلقوا حضارة، بينما ما يحدث الآن نتيجة غياب الحريات والذى بدوره قتل الإبداع والفن أدت لما يحدث الآن على أرض مصر، لأنه ليس هناك عامل مشترك بين الناس الآن.
 
■ حتشبسوت ونفرتيتى الحاضرتان دوما فى أعمالك ما حكايتهما؟
- هاتان المصريتان أعشقهما جدا.. فحتشبسوت هذه المرأة القوية أول ملكة مصرية.. هذه الشخصية الفذة هى أول امرأة عظيمة فى التاريخ، وفى معرض المرأة المصرية عززتها جدا فى رسمها فى لوحة ضخمة خصصتها لها، أيضاً نفرتيتى هذه المصرية الجميلة اعتز بها جدا ولها حضورها الدائم فى الكثير من اللوحات، فالمرأة هى أساس قوة المجتمعات لذلك الأنظمة المستبدة والمتخلفة أول شىء تفعله هو هدم المرأة والقضاء عليها، انظرى لكل المجتمعات المتقدمة ستجدين المرأة تنعم بحقوقها بينما المجتمعات المتخلفة ستجدين المرأة فيها مقهورة ومسحوقة.
 
■ بدأت الاهتمام بألوان ودرجات لونية جديدة مثل اللون الفيروزى والأصفر الفوسفورى والروز الفاقع التى تجرأت بها فى لوحة كبيرة كاملة.. لماذا تمردت لونيا؟
- هذا صحيح فعلا.. السبب فى تقويتى للألوان وإنها «عليت» لتكون أكثر عنفا، حتى تكون رسالتى عن مصر التى أعشقها أكثر وضوحا وحزما وقوة، فالأصفر أضفت إليه جرعة فسفورية ليكون أصفر مضيئاً، أيضا لون التركواز أو الفيروزى وهو من الألوان المصرية القديمة.
 
■ لماذا تهتم دوما باستخدام الأقلام الزيتية لتحديد عناصر العمل ؟
- غالبا ما تكون هذه الأقلام مثل الباستيل الطباشيرى بمعنى أنها تعطى ملمس أكثر نعومة وأخف، لأنها مع إضافة زيت الرسم لتخفيفها تصبح حدودها فيها اهتزازات وهذا هو ما أريده فى تخطيطاتى.
 
■ فى معرضك «مصر التى أعشقها لا تموت» أكثرت من عجائن اللون المخلوطة مع الرمال وممكن الطين أيضا وفردها على مساحات كبيرة من لوحاتك؟
- ألوان الأكليريلك عجنتها برمال مرسى مطروح البيضاء التى لا تغير الألوان لكنها خلقت سمكا وملمسا مختلفاً على سطح اللوحة، الهدف من ذلك هو مزيد من التعبير وتعميق الإحساس بالعنصر، لأن هذه العجينة اللونية بالرمال «حرشة» وتخلق ملمساً خشناً به بروزات ونتوءات، حين سقوط الضوء عليها تخلق ظلالا وأضواء مثيرة بصريا.


■ ماذا تعنى لك دهشور ولماذا اختيارك لها كمرسم خاص لك؟
- دهشور هذه أجمل المناطق وأكثرها مصرية، فهى تلخص مصر التى أعشقها لأن فيها زرقة النيل والخضرة حولها والرمال الصفراء... أول ما أصل دهشور أهدأ تماما وأصبح صافى الذهن، وأنسى كل كراكيب القاهرة.
 
■ كم استغرق تحضيرك للمعرض؟
- حوالى سنة ونصف...
يعنى قرأت ما سيحدث من لخبطة فى مصر منذ عام ونصف!
لا أبدا اللخبطة حدثت منذ سنتين !.. فأحسست أننى لابد من أن أدافع عن مصر التى أحبها... فمن هى مصر التى أحبها؟ والتى يجب ألا تموت؟.. لذا فاردت أن أنبه كل الشباب الذين لم يروا مصر الحقيقية سوى بالصور والأفلام القديمة... إلى أن مصر لايجب ولن يحدث أن تموت، لأن مشكلة هؤلاء الشباب ان علاقتهم بالفن صفر! وهنا أنا اشير إلى الجميع وإلى كل القوى ليس فصيلاً بعينه، أيضا رؤية البعض إلى أن الفن حرام قدمت لهم أبوالهول والأهرامات وملامح الفن المصرى القديم الذى هو شرف الإنسانية كلها، وتعزيز لمقدرة الله الذى يخلق بشرا لديهم هذه القدرة الإبداعية التى بنت الإنسانية كلها، لأن المصريين هم أول من رسم وكتب على جدران معابده، فانظرى لكل الحضارات رسموا ونحتوا فقط، لكن المصريين رسموا ونحتوا وبنوا وزرعوا وكتبوا.
 
■ لماذا اخترت كوبرى قصر النيل ضمن لوحاتك؟
- لأنه مكان رومانسى جدا وباعتقد فيه جدا... لماذا ؟ لأن النيل فى هذه المنطقة وبهذه الكيفية فى غاية الرقة!... لذلك اهتم به موسيقار الأجيال عبدالوهاب وشوقى كتب فيه أشعاراً... فهذه المنطقة فيها اعلى درجات الرومانسية... فكل شعوب العالم حين تصل لهذا المكان يعيشون حالة من الصفاء والهدوء النفسى ومن الممكن أن تتعايش كل الإنسانية فى هذا المكان، فهؤلاء الشباب الذين يكسرون فى هذا المكان ويدمروه ليس لهم أي علاقة بمصر ولا يعرفون قيمتها ولا قوتها.. أحسب أن النيل غاضب جدا علينا الآن.
 
■ ما أسباب عزوفك عن العرض بقاعات وزارة الثقافة خاصة وأنك لأكثر من خمسة عشر عاما لم تشارك بالمعرض العام؟
- العزوف كان بسبب سوء إدارة هذه القاعات التى لم تكن قيمة بالشكل الكافى، أيضا الأعمال اللى تعرض ليس لها أى علاقة بمصر لأن الشباب أصحابها لا يعرفون مصر، فليس معنى اننى اشتريت سيارة مرسيدس أننى أصبحت متحضرا!  فلا أفهم ما معنى أن نمسك بالكاميرا وجوب الشوارع ونصور ثم نعرض ما يسمى الفيديو آرت؟! لماذا لا يعرض بقاعات السينما؟!... فأين الفن الحقيقى الموجود بمصر؟ هذه الأساليب المستحدثة خلقت فجوة كبيرة بين الأجيال، لهذه الأسباب وجدت أنه ليست هناك أرض مشتركة بينى وبين القائمين على تنظيم الفعاليات والمعارض، فلا بد أن تكون للمعارض رسالة ولديها القدرة على تحسين علاقات الناس ببعضها.
 

 
■ فى الثمانينيات كونت مع الراحل النشار والدكتور أحمد نوار والدكتور مصطفى الرزاز جماعة «المحور».. لماذا لا نرى مثل هذه الجماعات الفنية الآن؟
- الفن هو القادر على توحيد الناس وهو ما غاب الآن، جماعة المحور نشأت ما بين عامى 1980 و1981 لكنها سرعان ما تفرقت، لأن الرابط الفنى بين أعضائها ضعف، وهذا بالضبط ما حدث مع الجماعة المصرية، لذا حين أتينا للإطاحة بمبارك كنا مجتمعين على هدف بعد أن تحقق أصبحنا «نعض» فى بعض، لأن الفن ضعف كثيرا فى السنوات السابقة، فالمسرح هبط والسينما والفن التشكيلى والغناء وكل شىء بشكل عام... فصالون الشباب حين تدخليه تشعرين بأنك موجودة فى أى مكان آخر من العالم، فمصر ليست موجودة وليست هناك شخصية للفن المعروض.
 
* ما السبب فى ذلك؟
- هذا التفتت أهم أسبابه هو الإغراق فى الذاتية والهموم الشخصية وأن أجعل من ذاتى محور الكون.
 
■ كيف تستطيع توصيل أفكارك هذه لتلاميذك بالتربية الفنية؟
- من خلال مناقشاتى المتنوعة معهم فى الجوانب الفلسفية والاجتماعية والعاطفية، لأننى لا أدرس فقط تكنيك رسم إنما أسلوب حياة كامل، لأنها تخلق مخزوناً حقيقياً وتنمى العقل.


■ أفهم من ذلك أنك لا تعترض على الأساليب الجديدة فى الفن التشكيلى؟
- بالتأكيد لا أعترض، إنما ما أقوله هو أن تكون لدى شخصية وهوية واضحة تميزني، وليس مجرد اللهاث خلف الجديد من أجله، لا بد أن يخدم مشروعى الفنى الذى لا ينفصل عن مصر، فما نراه هو تحريض خارجى للبعد عن هويتنا وشوشرة من أمريكا التى ابتكرت كل هذه الأساليب التى تبعدنا عن الفن الحقيقى وعن مصريتنا، ولقد حذرت من ذلك منذ نحو ثمانى سنوات بنقابة التشكيليين.. حذرت من أن نتحول لماكينات آلية!
 
■ ما الموسيقى التى تصاحبك أثناء تحضيرك لمعرضك ؟
- فى العموم أنا أعشق موسيقى الجاز جدا، لكن فى هذا المعرض تحديدا كنت أسمع طوال الوقت عبدالحليم حافظ! لأستحضر مصر الجميلة التى أعشقها والفترة الفخمة من تاريخها الحديث.
 
■ هل خططت لمعرضك المقبل؟
- معرضى المقبل سيكون اسكتشات عن المدن التى زرتها مثل البتراء وفلورنسا وباريس وطبعا مصر... والحقيقة أريد أن أعزز من قيمة الاسكتش التى تناساها الكثيرون.