الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عمل المرأة وكيل نيابة إدارية جائز




 
ورد إلى دار الافتاء المصرية سؤال من مواطنة تقول: أنا حاصلة على ليسانس الحقوق، وعُينتُ معيدةً بكلية الحقوق، ثم عينت وكيلًا للنيابة الإدارية، وطبيعة عملى أنى أحقق مع الموظفين العموميين رجالًا ونساءً ومعى سكرتير أو سكرتيرة تحقيق، وأحيانًا أقوم بعرض القضايا على رؤسائى فى العمل، وأحيانًا يكون الرئيس من الرجال وتكون المناقشة فى موضوع القضية فقط؛ حيث إننى ألتزم بالحدود الشرعية، ويكون باب الحجرة فى بعض الأحيان مغلقًا مع السماح بالدخول لأى أحد فى أى وقت، فما حكم الشرع فيما يأتي:
 
أولًا: طبيعة عملى كوكيل للنيابة الإدارية. ثانيًا: فى طريقة العمل على النحو سالف البيان. ثالثًا: رشحت لتولى منصب القضاء فرفضت ذلك؟
 
وتجيب الافتاء المصرية قائلة : «لقد ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات إلا ما تقتضيه الطبيعة الخاصة لكل منهما؛ فهو أعطى المرأة حقوقها كاملة، وأعلى قدرها ورفع شأنها، وجعل لها ذمة مالية مستقلة، واعتبر تصرفاتها نافذة فى حقوقها المشروعة، ومنحها الحق فى مباشرة جميع الحقوق المدنية ما دامت تتناسب مع طبيعتها التى خلقها الله عليها.
 
وإذا كانت الحقوق السياسية بمفهومها الشائع تعنى حق الانتخاب والترشيح وتولى الوظائف العامة، فإن مبادئ الشريعة لا تمانع فى أن تتولى المرأة هذه الأمور ما عدا وظيفة رئيس الدولة فإنه لا يجوز للمرأة أن تكون رئيسًا للدولة؛ لأن من سلطاته إمامة المسلمين فى الصلاة شرعًا وهى لا تكون إلا للرجال.
 
وعلى ذلك فيجوز للمرأة أن تعمل وكيلًا للنيابة الإدارية ما دامت أهلًا لذلك طالما أنها تستطيع التوفيق بين العمل فى هذه الوظيفة وبين حق زوجها وأولادها وأصحاب الحقوق عليها إن وُجِدُوا، وطالما كان ذلك فى إطار أحكام الإسلام الأخلاقية بعيدًا عن السفور والتبرج والخلوة غير الشرعية؛ فعملها هذا يكون من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والسعى فى إقرار النظام العام، والأخذ على يد الفساد والمفسدين.
 
وبالنسبة لتوليها منصب القضاء فجمهور الفقهاء يشترط فى القاضى الذكورة لقوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: 34]. ويرى أبو حنيفة رضى الله عنه جواز تولى المرأة القضاء فى غير الحدود؛ لأنه تصح شهادة المرأة فى غير الحدود، والقضاء مبنى على الشهادة وشروطه شروطها. وحُكِى عن ابن جرير الطبرى أنه لا يشترط الذكورة فى ولاية القضاء؛ لأن المرأة يجوز أن تكون مفتية فيجوز أن تكون قاضية، وبه نفتي.
وأما عن الأعمال التى قد تقتضى طبيعتُها وجود الرجل مع المرأة فى مكان واحد فإنه لا مانع منها إذا أُمِنَت الريبة وانتفت الخلوة، وأما مجرد وجود الرجال مع النساء فى مكان واحد فليس حرامًا فى نفسه، بل المحرم هو أن ينفرد الرجل مع المرأة فى مكان بحيث لا يمكن الدخول عليهما، قال الإمام ابن دقيق العيد فى «إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام» فى شرح قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»: «مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ المَحَارِم وَعَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلى غَيْرِهِنّ، ولا بد مِن اعتبارِ أمرٍ آخَرَ، وهو أن يَكُونَ الدُّخُولُ مُقْتَضِيًا لِلْخَلْوَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ فَلا يُمْتَنَعُ» اهـ.
 
ثم إنه ليس كل انفرادٍ واختلاءٍ يُعَدُّ خلوةً محرمةً؛ فقد روى البخارى ومسلم وغيرهما عن أنَس بن مالك رضى الله عنه قال: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَخَلَا بِهَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكُنَّ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ»، وفى بعض الروايات: «فَخَلا بِهَا فِى بَعْض الطُّرُق أَوْ فِى بَعْض السِّكَك»، وبوَّب الإمام البخارى على ذلك بقوله: (باب مَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالمَرْأَةِ عِنْدَ النَّاسِ)، قال الحافظ ابن حجر فى «فتح الباري»: «وفيه أن مفاوضة المرأة الأجنبية سرًّا لا يقدح فى الدين عند أمن الفتنة».