الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المخابرات المصرية جندت الضابط الإسرائيلي «إفري إلعاد» مسئول عملية «لافون»






روزاليوسف اليومية : 28 - 10 - 2011


التاريخ لا يكذب والوقائع والحقائق والمستندات الرسمية تثبت في مصر وإسرائيل أن الضابط "إفري إلعاد" مدير شبكة جواسيس عملية فضيحة لافون التي سقطت في مصر في 23 يوليو 1954 صاحب اللقب التاريخي "جون دارلنج" كان عميلا لجهاز المخابرات المصرية وكان السبب الرئيسي وراء تسليم رءوس الشبكة الإسرائيلية للمخابرات المصرية التي نجحت في عملية غير مسبوقة ننفرد بتفاصيلها في "روز اليوسف" لأول مرة بزرع "إفري إلعاد" ضابط المخابرات الحربية الإسرائيلية المعروفة باسم "أمان" داخل الجهاز الإسرائيلي في أول عام عقب إنشاء الجهاز المصري بتكليف الرئيس الراحل "جمال عبدالناصر" للواء "زكريا محيي الدين" الأب الشرعي للجهاز الذي شغل المنصب من 1954 إلي 1956 .
كانت الأيام جميلة والانتصارات المصرية لا تتوقف، يتسابق علي تحقيقها ضباط مصر الأحرار كان منهم اللواء "زكريا عبد المجيد محيي الدين" الذي أسند الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إليه رئاسة الجمهورية المصرية لمدة ساعة واحدة عقب خطابه الشهير ليلة 9 يونيو 1967 الذي أعلن فيه عن تنحيه.
في عام 1954 كلف اللواء زكريا عبدالمجيد محيي الدين أول مدير لجهاز المخابرات المصرية الملحق العسكري المصري في برلين الغربية بألمانيا والذي سيصبح بعدها بشهور قليلة أحد المحققين المصريين الذين تولوا التحقيقات مع أعضاء شبكة فضيحة لافون بمصر بتجنيد ضابط المخابرات الإسرائيلي "إفري إلعاد" للعمل لحساب المخابرات المصرية.
البداية كانت في 1 إبريل عام 1951 حيث قررت الوحدة 131 عمليات حربية خاصة إرسال الضابط "إبراهام دار" لمصر من أجل انتقاء أعضاء شبكة عملاء تخريبية من بين اليهود المصريين للعمل لحساب الوحدة 131 - (التي سبقت إنشاء المخابرات الحربية الإسرائيلية التي ولدت بعدها بشكل رسمي في 28 ديسمبر 1953) وذلك بهدف إسقاط نظام الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان عقابا له علي مغامرة حرب 1948 ولإحلال حكمه بنظام يكون متعاونا مع تل أبيب والدولة الإسرائيلية الوليدة في 14 مايو 1948 .
بين القاهرة والإسكندرية نجح إبراهام دار خلال 4 شهور فقط في تجنيد 10 أفراد من اليهود المصريين ممن كانوا منتمين لمنظمة يهودية صهيونية مصرية تعمل في الخفاء ولكنه لم يستمر في مصر حيث عاد إلي تل أبيب في أغسطس 1951 وسلم قيادة الشبكة اليهودية المصرية للعميد "مردخاي بن تسور" قائد الوحدة 131 وانقطعت صلته بالشبكة تماما عكس ما تم تدوينه في عدد من المصادر والكتب التي اتخذت مرجعا للعملية.
أما مردخاي بن تسور فقد فوجئ أثناء التدريبات الأولية لأعضاء الشبكة أن النظام الملكي المصري سقط علي أيدي حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952 فأمر بن تسور الشبكة بتجميد نشاطهم لحين إرسال تعليمات جديدة وضابط تشغيل جديد.
في مايو 1954 دعت المخابرات الحربية الإسرائيلية الجديدة أعضاء الشبكة اليهودية المصرية إلي إسرائيل سرا لتدريبهم علي عمليات التجسس والتخريب، وفي إسرائيل تعرفت الشبكة علي قائدها الجديد الضابط "إفري إلعاد" الذي تولي قيادة العملية منذ 1 سبتمبر 1952.
وأرسل إلي ألمانيا لبناء غطاء مخابراتي علي أساس أنه ألماني باسم "باول فرانك" كي يمكنه من دخول مصر كرجل أعمال ووكيل شركة ألمانية تجارية لها فرع بالقاهرة.
المهم إفري إلعاد المولود بالنمسا عام 1925 وصل إلي ألمانيا بعد 23 مارس 1953 وهناك أكثر الخروج مع العاهرات والسكر في البارات وأنفق أموال العملية علي البذخ وشراء الملابس والسيارات الحديثة حتي توصل إليه في إحدي الليالي الملحق العسكري المصري فأغواه بالأموال كي يعمل لحساب المخابرات المصرية فوافق إلعاد علي الفور وبدأت عملية المخابرات المصرية للتجسس علي قلب وعقل جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية.
في نهاية يونيو 1954 وصل إفري إلعاد للقاهرة وبدأ في إدارة شبكة فضيحة لافون من داخل عيادة الطبيب اليهودي المصري "موسي مرزوق" بالظاهر والذي كان يعمل وقتها طبيبا بدوام كامل في المستشفي الإسرائيلي بالعباسية، وقد ترأس الشبكة مع شموئيل عازار ومعهما كل من: فيكتور ليفي - روبرت داسا - فيليب نتانزون - مرسيل فيكتورين نينو - مائير زعفران - مائير ميوحاس - إيلي نعيم وتسزار كوهين وهم من شباب المنظمات اليهودية الصهيونية التي كانت تعمل في الخفاء بمصر علي نقل اليهود لإسرائيل الجديدة.
ومن المفترض أن الضابط الإسرائيلي "مائير ماكس بينيت" كان مع الشبكة غير أن أوراق ملف العملية تثبت أنه لم يكن منتمياً للشبكة لكنه كان ضابطا إسرائيليا تجسس منفردا علي مصر خلال هوية مزيفة عمل من خلالها بفرع شركة "فورد" الأمريكية للسيارات بالقاهرة. في الواقع حوكم ماكس بينيت علي أساس أنه زعيم الشبكة وربما كان انتحاره في 21 ديسمبر 1954 بسجن الاستئناف الذي اعتقل فيه أعضاء الشبكة دليلا علي ذلك.
ومن بين أعضاء الشبكة كانت مارسيل نينو الشابة الجميلة التي أغواها إفري إلعاد أو جون دارلنج برتبته العسكرية وشخصيته فوقعت في غرامه فأقام معها علاقة كاملة جعلها تنفذ له كل ما يطلبه منها بالإضافة إلي أنها أصبحت يده اليمني وعينه بداخل الشبكة تنقل أخبار الأعضاء كي يتمكن إلعاد من السيطرة علي الشبكة.
في تلك الأثناء كانت مصر قد أصبحت جمهورية وكانت هناك مفاوضات مصرية مع الاحتلال البريطاني علي اتفاقية للجلاء عن مصر وهي التي وقعت في 19 أكتوبر 1954 وهو الأمر الذي خشيت منه إسرائيل لأنه لو حدث ستتفرغ مصر لإسرائيل وكان لابد للشبكة أن تبدأ في عملياتها التي تدربت عليها للحيلولة دون جلاء القوات البريطانية عن مصر وكذلك لتوريط مصر سياسيا مع كل من بريطانيا وأمريكا عن طريق تفجير مصالح الدولتين في القاهرة والإسكندرية والإعلان عن أن المنفذين شبكة عسكرية مصرية داخل الجيش المصري.
في 2 يوليو 1954 كانت أولي العمليات الإرهابية للشبكة نجحوا فيها بتلغيم مكتب البريد الأمريكي في مدينة الإسكندرية بطرد صغير الحجم في البداية مما أسفر عن حريق المكتب وعدد من الضحايا، وفي 14 يوليو نفذت الشبكة عمليتها الثانية عندما زرعت قنابل حارقة في مقر المكتبة الأمريكية بالقاهرة والإسكندرية في توقيت واحد مما أدي لحرائق وإصابات بين العاملين والمترددين علي المكتبتين.
مع اقتراب التوقيت السنوي لاحتفالات الجمهورية المصرية بأعياد 23 يوليو تقرر في إسرائيل إفساد ذلك اليوم التاريخي في حياة المصريين بواسطة قيام الشبكة بعملية كبيرة في 23 يوليو بسينما "ريو" بالإسكندرية ولخطأ تقني اشتعلت القنبلة الحارقة التي خبأها عضو الشبكة "فيليب نتانزون" في ملابسه فقبض عليه علي الفور وتم اكتشاف الشبكة التي تساقط أعضاؤها أولا في الإسكندرية ثم بقيتهم بالقاهرة حيث كانت اعترافات فيليب نتانزون هي الدليل الذي قاد السلطات المصرية للشبكة عدا موسي مرزوق وشموئيل عازار، ومع ذلك لم تعلن مصر رسميا عن الشبكة سوي في 28 يوليو 1954 بعد أن سقط الجميع.
من يوليو إلي 11 ديسمبر 1954 كانت التحقيقات قد انتهت وقدم أعضاء الشبكة للمحاكمة العسكرية التي ترأسها اللواء محمد فؤاد الدجوي حيث صدر حكمه علي أعضاء الشبكة في 27 يناير 1955 بالأحكام التالية: الإعدام لكل من الدكتور موسي مرزوق وشموئيل عازار وقد نفذ الحكم فيهما في 31 يناير 1955، الأشغال الشاقة المؤبدة لكل من: فيكتور ليفي وروبرت داسا وفيليب نتانزون والسجن 15 عاما علي مرسيل نينو وقد كان حكمها الأطول من نوعه علي سيدة في مصر حتي ذلك الوقت ومن بعدها بدأت محاكم الجنايات المصرية تغلظ العقوبات علي السيدات وقد حكم علي كل من: مائير زعفران ومائير ميوحاس بالسجن لمدة 7 أعوام وتمت تبرئة كل من إيلي نعيم وتسزار كوهين.
في إسرائيل حظرت الرقابة العسكرية النشر عن القضية نحو 13 عاما حتي عام 1967 وتكونت لجنة تحقيق عرفت باسم لجنة "أولشان - دوري" نسبة لرئيس المحكمة العليا "اسحق أولشان" ورئيس الأركان السابق يومها "يعقوب دوري" ومع أن تلك اللجنة لم تتمكن من التوصل للحقائق غير أن وزير الدفاع يومها "فنحاس لافون" اضطر إلي الاستقالة في 2 فبراير 1955 .
فضيحة لافون في إسرائيل أطلقت علي الضابط "إفري إلعاد" لقب (الرجل الثالث) ومن الملف الذي ننفرد بالنشر منه لأول مرة نجد أنه الوحيد الذي بقي في مصر من الشبكة بعد سقوطها حتي خرج منها علي متن رحلة جوية عادية في 7 أغسطس 1954.
أما المفاجأة فإنه ظل بالقاهرة حتي سلم كل بيانات وأعضاء الشبكة للمخابرات المصرية حيث يتضح أن التوصل إلي رأس الشبكة الدكتور موسي مرزوق وشموئيل عازار لم يكن سهلا، لأن أعضاء الشبكة وحتي فيليب نتانزون لم يكشفوا اسميهما أو أي معلومات عنهما وكانا سينجيان لولا معلومات إفري إلعاد (جون دارلنج) للمخابرات المصرية التي كان يعمل لحسابها.
في 29 أكتوبر 1956 بدأت حرب العدوان الثلاثي علي مصر وكان اللواء محمد فؤاد الدجوي الذي ترأس محكمة أعضاء شبكة لافون بالقاهرة قد عين حاكما عسكريا مصريا علي غزة فسقط في الأسر حيث أجبر علي الإدلاء بمعلومات سرية عن الشبكة.
ولتأكيد معلومات الدجوي أرسل الموساد وراء إفري إلعاد في أوروبا فريقا كاملا كشف "جون دارلنج" بعد أن وثق لقاءاته بالمخابرات المصرية التي قررت حرق إفري إلعاد من أجل إرسال رسالة قوية للموساد الإسرائيلي بأن مصر التي نجحت في الوصول إلي قلب المخابرات الإسرائيلية عن طريق إفري إلعاد يمكنها أن تستمر في ذلك فأصدرت الرقابة العسكرية الإسرائيلية حظرا تاما علي القضية.
في القضية قدم الموساد ملفا ينطوي علي أكثر من ألف صفحة وصورة أكدت للمحكمة السرية أن جون دارلنج أو إفري إلعاد عمل لحساب المخابرات العامة المصرية واكتشفت المحكمة علي غير سير التاريخ وما سجل ليومنا هذا أن المسئول الفعلي عن العملية قد كان "موشي ديان" وليس "فنحاس لافون".
قدم الموساد إفري إلعاد أو (جون دارلنج) للمحاكمة العسكرية السرية في تل أبيب وفي جلسة 20 نوفمبر 1960 حكم عليه بالسجن 12 عاما وفي 2 يناير 1962 تقدم بطعن علي حكمه فرفض الطعن وخفضت المدة إلي السجن الانفرادي 10 أعوام في سجن الرملة الإسرائيلي وفي عام 1976 هاجر جون دارلنج لولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية حيث سلم المخابرات المصرية الجزء الخاص بعملية كشفه والقبض عليه ورفضت مصر عودته للعمل لحسابها ثانية.
لقد عاش جون دارلنج طيلة عمره لغزا محيرا ووصف بأوصاف أسطورية للموساد الإسرائيلي ومات في 18 يوليو 1993 في مدينة لوس انجلوس الأمريكية ويومها أرسل مكتب الموساد في السفارة الإسرائيلية بواشنطن برقية كشفتها المخابرات المصرية في يوم 23 يوليو 1993 جاء فيها بالحرف: "إفري إلعاد العميل الذي سجن بتهمة التجسس لصالح المخابرات المصرية وكشف شبكة عملية فضيحة لافون عام 1954 مات وحيدا في يوم الأحد 18 يوليو 1993 بلوس أنجلوس.. انتهي".