الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مبارك منح المخابرات الأمريكية حصانة في مصر.. رفضها السادات






روزاليوسف اليومية : 31 - 10 - 2011


ربما لم يمنع كتاب من دخول مصر أو النشر أو الترجمة مثلما منع كتاب المؤرخ والمؤلف الأمريكي الشهير "بوب وودوورد" صاحب كتاب "الحجاب .. الحرب السرية للمخابرات المركزية الأمريكية" المثير للجدل والذي أرخ فيه عن عمليات "السي آي ايه" السرية من عام 1981 وحتي عام 1987 وكشف منها عدداً من المعلومات المحظورة عن نهاية عصر السادات وبداية عصر محمد حسني مبارك وهي حقائق نكشفها هنا لأول مرة بعد أن حصلنا علي نسخة رسمية من الكتاب.
المعروف أن المؤلف قد شغل يومها منصب نائب مدير إدارة التحقيقات الصحفية في صحيفة الواشنطن بوست وهو أحد مؤلفي سلسلة "كل رجال الرئيس" الشهيرة مع المؤلف "كارل بيرنستاين" والكتاب طبعة "كولينز" ببريطانيا عام 1987 وقد صدر برقم "إيسبن" 0747289964 في بداية الكتاب يشير المؤلف إلي أنه تم جمعه من معلومات كلها حقيقية وحوارات مع أكثر من 250 شخصية و15 مصدراً حياً من مصادر المخابرات المركزية الأمريكية وكلهم وقعوا علي اتفاقيات مع المؤلف علي عدم تناول أسمائهم أو ذكر أية بيانات عنهم لحساسية مناصبهم الأمنية.
ويذكر المؤلف أنه تناول بالكتاب آلاف المستندات الأرشيفية حصل عليها من الأرشيف الرسمي الأمريكي ومعها العديد من القضايا التي صورها من المحاكم الأمريكية المختلفة وملفات العمليات الخاصة.
وقد أشار بوب وودوورد في البداية إلي أن أهم مصدر حي وافق علي ذكر اسمه في الكتاب كان "وليام جي كيسي" رئيس المخابرات المركزية الأمريكية من 28 يناير 1981 حتي 29 يناير 1987 وذكر أنه منذ إنشاء السي آي ايه عقب صدور قانون الأمن الوطني العام في أمريكا عام 1947 لم يكن هناك كتاب توثيق لعمليات المخابرات المركزية الأمريكية مثلما فعل كتاب «الحجاب». في البداية من صفحة 26 نجد أن المخابرات الأمريكية المركزية كانت تعتمد علي تكوين مجموعات من الرجال النافذين بكل منطقة من العالم كي يساعدوها في السيطرة الإقليمية وبين هؤلاء كان لابد أن يكون هناك من يقوم بالعمليات القذرة نيابة عنها وهؤلاء شكلوا سر قوة أي إدارة إمريكية وعدم تواجدهم كان يشكل دائما سر ضعف أي إدارة أمريكية.
تلك المجموعة كانوا يطلقون عليها لقب "الكاوي بويز" أو رعاة البقر وفي توصيفات أخري حصلوا علي لقب "الإخوة" من السي آي ايه ، وهؤلاء كانوا يحصلون علي الحماية الكاملة من الرئاسة الأمريكية طالما ظلوا حامين للأسرار غير أنهم إذا هددوا سمعة الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتحول نهاياتهم لنهايات مأساوية.
رعاة البقر كانوا دائما يتبعون قسم "دي دي أو" في السي آي ايه أو تحديدا فرع إدارة فروع الجهاز بالعالم ومنذ قدوم وليام جيه كيسي رئيسا للسي آي ايه كان هناك لأمريكا ثلاث مشاكل حائرة تركزت في "معمر القذافي" في ليبيا و"فيدل كاسترو" في كوبا و"آية الله الخميني" في إيران.
هؤلاء وقع الرئيس الأمريكي ال38 "جيرالد فورد" - من 1974 إلي 1977 - علي قرار سري بضرورة التخلص منهم وقد عاد الرئيس الأمريكي ال39 "جيمس إيرل كارتر" الشهير بجيمي كارتر - من 1977 إلي 1981 - لتجديد القرار حيث وقع عليه في أول أيام له بالإدارة ومع ذلك لم ينجح أي من الرؤساء الأمريكيين في تلك الفترة في التخلص من الثلاثة.
في الواقع تناول بووب وودوورد مصر في أيام عصر السادات الأخيرة من زاوية خطيرة ففي الصفحة 31 نجده قد أكد أنه منذ توقيع معاهدة السلام بالأحرف الأولي بين مصر وإسرائيل في كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978 عملت الولايات المتحدة الأمريكية علي تقوية علاقاتها المدفوعة الأجر لعدد محدد من رجال نظام السادات دون ذكر هؤلاء بالاسم وذلك كما ذكر لتقوية مصادر معلومات الإدارة الأمريكية داخل النظام المصري حتي لا تتكرر مأساة إيران.
المثير أن الكتاب يكشف عن معلومات جديدة تؤكد أن الرئيس أنور السادات كان علي علم بكل خطوة قامت بها السي آي ايه في مصر في إطار خطة رسمية كبري هدفت لحمايته بشكل شخصي من أية مخاطر داخلية أو خارجية كان من شأنها تهديد حياته أولا وأركان نظامه ثانيا فقد كانت أمريكا تريده رئيسا مدي الحياة.
تلك العملية كانت تجري وتدار من داخل السفارة الأمريكية بالقاهرة كما نجد بداية من الصفحة 31 وكان فيها السادات يحصل علي الحراسة الشخصية والحماية وهو الرئيس الأجنبي الوحيد الذي حمته السي آي ايه بشكل شخصي كما كانوا يمدونه بتقارير يومية كان يتلقاها من قائد الحراسة الأمريكي الجنسية الذي كان يحرسه مع فريق زاد علي العشرة أفراد.
السي آي ايه دربت أيضا كل رجال الحراسات الخاصة المصريين المكلفين بحراسة السادات في الولايات المتحدة الأمريكية كما كانت فرقة تأمين السادات الأمريكية تحصل علي كل الدعم المعلوماتي من أمريكا مباشرة.
ويذكر الكتاب أن تلك الفترة كانت المخابرات الأمريكية نافذة بكل مكان في مصر وكان لها داخل الحكومة المصرية آنذاك أكبر شبكة عملاء حكوميين في تاريخ السي آي ايه بالشرق الأوسط علي حد تعبير صفحات الكتاب.
ومع ذلك طبقا لمعلومات الكتاب الموثقة لم تكتف السي آي ايه بل قامت بزرع الميكروفونات المتطورة في كل ركن من أركان القصر الجمهوري خاصة بعد أن رفض السادات توقيع اتفاقية أمنية خاصة تمنح المخابرات الأمريكية الحصانة في مصر علما بأن حسني مبارك قد وقع علي بروتوكول تلك الاتفاقية في أول أيام له بالرئاسة وهو القرار الشهير رقم 166 لسنة 1981 والذي منح رجال المهمات الخاصة الأمريكية في مصر الحصانة من جميع الأخطار خلال عملهم في مصر أو بمعني آخر أنه لا يمكن إلقاء القبض علي أي جاسوس أمريكي.
في صفحة 40 ربما نجد السبب في حرص المخابرات الأمريكية علي التصنت علي النظام المصري فهم يذكرون أن السادات جعلهم يتخبطون في الفترة من 1973 وحتي 1975 وكانت خطواته لا يمكن التنبؤ بها.
ويعود المؤلف ليوثق لحراسات السادات الأمريكية ويقول: "كانت حراسة السادات الأمريكية تنصحه حتي بنوع الملابس الواقية وخلافه وكانوا حوله لحراسته يوم 6 أكتوبر 1981" وهو نفس ما ذكر في الكتاب في الصفحة 169 حين ذكر أنهم كانوا يقدمون للسادات تقريراً عن القوي الداخلية في مصر وأسماء من يهدد حكمه من شخصيات مفاتيح النظام المحيطين به وأيضا تقريرا يوميا عن القوي المتراصة أمامه خاصة المؤامرات القادمة من سوريا وإيران وليبيا وإثيوبيا حتي يتصرف سريعا ، ومع ذلك سقط السادات وهو تساؤل لايزال دون إجابة حتي يومنا هذا.
ومن ذات الصفحة نجدهم يقولون: "كي تتعرف علي ما يحدث في جهنم يجب عليك التحدث مع من كان هناك" في إشارة إلي أنهم أقاموا حوارات مع شخصيات نافذة في النظام المصري منهم حسني مبارك ويذكرون أن السادات أفسد لهم حوارات مهمة عندما وضع نصيحة: "لا تثق بأحد من السي آي ايه" حتي ولو كان صديقا لك.
وفي صفحة 87 يكشف المؤلف لأول مرة أن المخابرات المركزية الأمريكية تجسست علي مصر دائما بعدة طرق منها الدخول علي مناطق معينة في الكابلات البحرية الأرضية بين مصر والعالم وعن طريق فلاتر تجسس خاصة نقلوا كل المحادثات الهاتفية بين مصر والعالم إلي سنترال خاص في السي آي ايه حتي الشفرات والأكواد كلها كان يمكن كسرها لأن أمريكا هي من تمد مصر بها أصلا والكابلات منتج أمريكي أما ما يتبقي من أحاديث تتم عبر الأقمار الصناعية فهناك برنامج خاص ضمن إطار برامج حروب الفضاء الأمريكية كانت ولاتزال تلتقط جميع المحادثات اللاسلكية الصادرة والواردة من مصر وبذلك كان لا يمكن للنظام المصري إخفاء أي معلومة عن الإدارة الأمريكية. في هذا الشأن نجد من صفحة 414 مثلا القصة الكاملة لكيفية تصنت السي آي ايه علي محادثات مبارك الهاتفية مع السفينة الإيطالية "أكيلي لاورو" التي خطفها 4 فلسطينيين تابعين لجبهة التحرير الفلسطينية في قناة السويس المصرية في صباح 7 أكتوبر 1985 والتي قتل فيها المواطن الأمريكي اليهودي "أليكس ليون كلينجوفر".
الغريب أن المؤلف يؤكد أن مبارك كان ثرثارا يحب الحديث طويلا وكان يحب أن يقاطع الطرف الآخر ولذلك رفض استخدام نظام الحوار المشفر الذي يعمل بنظام "ديكتافون" حيث يتكلم طرف بينما الآخر لا يمكنه وهكذا تدار المكالمة لكن مبارك ترك النظام واستخدم وسائل اتصال كان يعتقد أنها مؤمنة في صباح الخميس 10 أكتوبر 1985 فالتقطتها الأقمار الأمريكية وسجلت أن مبارك في حديثه مع وزير خارجيته يومها ونائب رئيس وزرائه "أحمد عصمت عبد المجيد" قد كشف أنه لن يسلم القتلة وجهز لهم طائرة كانت تتواجد في مطار ألماظة الجوي، حتي إن مبارك كشف خلال حواره الثاني مع عصمت عبد المجيد والذي سجلته السي آي ايه أيضا عن رقم الطائرة فقامت القوات الجوية الأمريكية باعتراض الطائرة وأجبرتها علي الهبوط في جزيرة سيشل وألقت القبض علي خاطفي أكيلي لاورو.
في الصفحة 94 نجد سر ابتعاد مبارك عن لعب أي دور قيادي حقيقي في العالم العربي طيلة فترة حكمه فيقول المؤلف: "كانت خطورة القادة العرب تكمن في عدد الدول التي يمكنهم التأثير عليها والسيطرة عليها وكلما زادت تلك الدول وجب علي أمريكا إيجاد طريقة للتخلص من ذلك الحاكم العربي" فعلم مبارك ذلك السر وعلي هذا رفض مبارك لعب أي دور من شأنه تهديد مصالحه أو إثارة أمريكا من أجل البقاء لأطول فترة في الحكم بعيدا عن دوائر النفوذ الأمريكية.
ويكشف الكتاب عن وجود أقوي تجمع للمخابرات المركزية الأمريكية وفروع لها في كل من مصر والسعودية وإسرائيل مما يشكل المثلث الأقوي بالعالم لمحطات تجسس السي آي ايه.
في صفحة 169 من الكتاب نجد تأكيدات أن مقتل السادات وسط حراسه من مجموعة محطة السي آي ايه في مصر جعلت المخابرات الأمريكية المركزية تطور من عملياتها في داخل النظام المصري فراحت تبني لها عيوناً جديدة تكون قريبة من الشارع المصري في شكل منظمات مدنية تعمل علي نقل البيانات علي مدار الساعة كما أعادت بناء وتشكيل شبكة جواسيس للسي آي ايه كانوا في أماكن عدة من نظام مبارك وكانوا الأخطر في مصر والعالم العربي لكن دون أن يكشف أيا منهم بالاسم.
ومن ذات الصفحة يطل علينا اسم مبارك ثانية في إطار قصة الصراع الدامي بينه وبين القذافي وهو الصراع الذي تحول لتعايش وصداقة فيما بعد فالقذافي كما يذكر الكتاب كان يكره مصر بشدة حتي إنه في 19 أغسطس 1981 وعد حلفاءه بدفع 855 مليون دولار مساعدات لهم لا ترد من أجل العمل علي عزل مصر عن العالم كما تحالف مع إثيوبيا لضرب النيل وتحالف مع جنوب اليمن لضرب المملكة العربية السعودية حتي يخلو له العالم العربي وعندما فشل توجه لإفريقيا.
وفي صفحة 249 نجد جملة واضحة تدل علي علاقة مبارك بالولايات المتحدة الأمريكية حين قال: "حاولت الإدارة الأمريكية تربية جيل جديد من الرؤساء يكون ولاؤهم الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية ولم يكن هناك أفضل من الرئيس المصري الجديد محمد حسني مبارك".
بعدها يشرح المؤلف كيف أنهم في السي آي ايه ساعدوا مبارك طيلة أيام حكمه كي يرسم لنفسه شخصية قائد الأمة العربية وعن طريق نفوذه كانت الولايات المتحدة الأمريكية تستفيد كثيرا وكانت تستغله في التوقيتات المناسبة لحل الكثير من المصالح الأمريكية.
وفي صفحة 249 يحكي الكتاب عن أن الرئيس الأمريكي رونالد ريجان طلب في بداية حكمه من السي آي ايه أن يعدوا له فيلما وثائقيا عن عدد من الشخصيات بالشرق الأوسط كي يصنفهم بالترتيب وليختار أيا منهم يمكنه أن يصبح رجل أمريكا الأول وذراعها اليمني بالشرق الأوسط وكذلك لضمان أن ذلك الشخص سيعمل علي مساعدة إسرائيل علي بناء دولتها القوية.
يذكرالكتاب أن ريجان توقف كثيرا أمام الفيلم الخاص بحسني مبارك والذي جاءت فيه قصة حياة مبارك من القرية للرئاسة وقد أعجب ريجان بالفيلم بسبب أنه أبرز الجوانب الخفية في شخصية مبارك خاصة الجزء الذي أوضح أنه يفضل نفسه ويعمل علي التخلص من أي شخص يقف في طريق أهدافه حتي علي أهله وأبويه وهو ما أعجب به ريجان للغاية وقرر أن الشخص المناسب هو مبارك.
بعد أن تحقق للسي آي ايه الصديق الجديد تكشف الصفحة 269 أن مصر تحولت في عهد مبارك لأكبر محطة للسي آي ايه بالعالم خارج الولايات المتحدة الأمريكية حتي إن السلاح المرسل لأفغانستان كان يصدر من مصر مباشرة.
الكتاب في صفحة 312 يذكر أن السادات كانت له طريقة جعلت الولايات المتحدة تشعر دائما أنها مدينة له لكن بعد قدوم مبارك قرروا أن يجعلوه هو الذي يشعر دائما أنه مدين لأمريكا وترجموا ذلك لخدمات طلبت منه تركزت علي مساندته لإسرائيل وهو ما حدث لدرجة أنهم خافوا من تفانيه في خدمة إسرائيل حيث كان كما ذكر: "إسرائيلي أكثر من الإسرائيليين أنفسهم".
ويعود الكتاب في صفحة 314 يؤكد أن قصر مبارك كان مزروعا بالكامل بأجهزة تصنت عالية القدرة نقلت علي مدار الساعة ما يحدث في قلب النظام المصري وباقي المعلومات كانت السي آي ايه تحصل عليها بمراقبة الهواتف المصرية علي مدار الساعة وفي الصفحة 416 يكشف الكتاب أن مبارك نفسه وجد جهاز تصنت في داخل تليفونه الرئاسي الخاص وأن هناك عمليات تجسس عديدة جرت من هذا النوع وتم التحقيق فيها سرا بالقصر والنظام المصري وقد أدين فيها أشخاص وأدخل آخرون السجون من النظام دون الإعلان عن أي من تلك العمليات والقضايا.
وفي الصفحة 414 نجد مفاجأة من العيار الثقيل إذ يكشف الكتاب أن مبارك قد ساعد أمريكا في قصف ليبيا منفردا لكنه لا يشرح تحديدا كيفية المساعدة وشكلها بل يشير في الصفحة 419 إلي أن السفير الأمريكي بالقاهرة يومها "نيكولاس ايه فيوليتز" قد أطلع المشير أبوغزالة يد مبارك اليمني وقتها علي الخطة لكن المشير اعترض بدعوي أنه لا يثق في أن أمريكا تستطيع حفظ الأسرار خاصة أسرار عملية مثل هذه.