الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

حسن فتحى.. فيلسوف عمارة الفقراء




نمر بذكرى ميلاد المعمارى العالمى حسن فتحى 113 عاما فهو من مواليد 1900 وتوفى عام 1989 بعد حياة حافلة بالإنجازات المعمارية والفكر المعمارى السابق لعصره وأصبح يدرس الآن فى كل جامعات العالم، ايضا عددا كبيرا من الكتب المهمة فى العمارة مثل "قصة مشربية" وقصة " Le Pays d`Utopie "فى مجلة"La Revue du Caire " وكتاب "عمارة الفقراء" وكتاب "العمارة والبيئة" وكتاب "الطاقة الطبيعية والعمارة التقليدية: مبادئ وأمثلة من المناخ الجاف الحار" إضافة للكثير من الأبحاث فى مجال العمارة والإسكان والتخطيط العمرانى وتاريخ العمارة بالإنجليزية والفرنسية والعربية.
 
قيمة حسن فتحى تجلت نتيجة اختلافه عن مجايليه من المعماريين الذين تأثروا بالفكر الغربى فى البناء والعمارة بشكل مبالغ فيه فكان أول من حلل هذه النزعة الغربية لدى مجايليه قائلا: "الحداثة لا تعنى بالضرورة الحيوية، والتغير لا يكون دائما للأفضل، ومن محاربى الثقافة الغربية الدخيلة فى العمارة العربية ليسبق عصره ويعمل على تأكيد التكامل ما بين الإنسان وبيئته ليؤسس بذلك منهج عمارة الفقراء، الذين يبنون بيوتهم بأقل تكلفة وبخامات بيئية، فاختطف الأثرياء الفكرة، فهو صاحب مقولة: "هناك 800 مليون نسمة من فقراء العالم الثالث محكوم عليهم بالموت المبكر بسبب سوء السكن، هؤلاء هم زبائنى".. كذلك صرح من قبل قائلا: "كمهندس، طالما أملك القدرة والوسيلة لإراحة الناس فإن الله لن يغفر لى مطلقاً أن أرفع الحرارة داخل البيت 17 درجة مئوية متعمدا".
 

 
المسيرة العلمية لشيخ المعماريين يقسمها الباحثون إلى خمس مراحل، الأولى كانت بعد تخرجه مباشرة عام 1926 من جامعة فؤاد الأول وهى التى اتبع فيها النموذج العربى، التى امتدت إلى عام ١٩٣٧، أما المرحلة الثانية والواقعة ما بين عامى١٩٣٧و١٩٥٦م فهى التى بدأ فيها اكتشاف المسلح المعمارى المحلى، وعكف على دراستها وإجراء تطبيقات عليها وكان من أبرز مشاريع هذه المرحلة قرية القرنة التى بناها عام 1946 وهى من أشهر أعماله التى روى قصة بنائها فى كتابه "عمارة الفقراء" مما شد الانتباه العالمى إلى فكره وفلسفته المعمارية، وقد تم بناء بعض المبانى الخدمية و130 منزل من أصل 900 منزلاً كان من المخطط بناؤها، أما المرحلة الثالثة فهى مرحلة اليونان، التى كان يعمل بها وأنجز فيها العديد من المشاريع وشارك فى مشروع مدينة المستقبل، إلى أن جاءت أكثر مراحله إنتاجا وإبداعا وتنظيرا وهى المرحلة الرابعة التى شهدت ميلاد مشروعه الشهير "قرية باريس" التى استطاع فيها الوصول إلى خفض هائل لدرجة الحرارة يصل إلى 15 درجة مئوية ما بين داخل الفراغ وخارجه، باستخدام أساليب التهوية الطبيعية لمبنى السوق وتم بناؤها بالطوب الرملى، هذه المرحلة هى الواقعة بين عامى ١٩٦٣ و١٩٨٠م وبالطبع بعد ذلك كان قد تقدم العمر به وقلت مشاريعه فى هذه المرحلة الأخيرة والخامسة، غير أنها تمخضت عن مشروع دار السلام فى نيومكسيكو الأمريكية، عبر هذه المراحل خلف فتحى تراثا معماريا مليئًا بالأيقونات المعمارية مثل فيلا جرافيس وهى أول منزل يستخدم فيه عناصر جديدة مثل الفناء المركزى والفصل بين المساحات العامة والخاصة والمقعد والمشربية وذلك خلافا لأعماله السابقة التى كان يغلب عليها النمط المعمارى العالمي، ومنزل الجمعية الزراعية فى بهتيم 1941 منزل للجمعية الزراعية الملكية فى بهتيم، وهو أول مشروع يستخدم الطين فى بنائه وبسببه اتجه إلى اكتشاف تقنيات البناء النوبية لإنشاء القبة والقبو، وفيلا عزيزة هانم حسنين، وهى أول مشروع يستخدم فى بنائه الحجر، ومسجد فى البنجاب بالهند واستخدم فيه لأول مرة بلاطات مطوية خفيفة الوزن Baratsi truss لتغطية السقف.
 
حصل حسن فتحى على عدد ضخم من الجوائز المحلية والعربية والدولية منها الجائزة التشجيعية عام ١٩٥٩ وكان أول معمارى يحصل عليها عند تأسيسها كما حصل فى العام نفسه على ميدالية وزارة التربية والتعليم، وفى عام ١٩٦٠ حصل على ميدالية الآثار المصرية، وفى ١٩٦٧م حصل على جائزة الدولة التقديرية للفنون الجميلة، وبعد ذلك بعام حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
 

 
وفى عام ١٩٨٠م حصل حسن فتحى على جائزة الرئيس من منظمة أغاخان للعمارة، كما كان أول فائز بجائزة نوبل البديلة وهى جائزة يقدمها البرلمان السويدى فى اليوم السابق على توزيع جوائز نوبل، وفى العام نفسه حصل على جائزة بالزان العالمية من إيطاليا وفى عام ١٩٨٤م حصل على الميدالية الذهبية الأولى من الاتحاد الدولى للمعماريين فى باريس والذى يضم ممثلين من ٩٨ دولة وفى عام ١٩٨٧ حصل على جائزة لويس سوليفان للعمارة من الاتحاد الدولى للبناء والحرف التقليدية وبعد ذلك بعام حصل على الجائزة التذكارية لكلية الفنون الجميلة بالمنيا وكان هذا أول تكريم من محفل أكاديمى مصرى يحصل عليه فى حياته وكان ذلك قبل وفاته بعام واحد، وفى العام الذى توفى فيه ١٩٨٩ حصل على جائزة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية.
 
شغل حسن فتحى عددا من الوظائف والمناصب خلال حياته التى شارفت على قرن من الزمان، فبعد تخرجه فى جامعة فؤاد الأول عام ١٩٢٦ من قسم العمارة، عمل بالمجالس البلدية ثم مدرسا بكلية الفنون الجميلة، ثم رئيسا لإدارة المبانى المدرسية، ثم خبيرا بمنظمة الأمم المتحدة لإعانة اللاجئين، ثم أستاذا بكلية الفنون الجميلة قسم العمارة حتى عام ١٩٥٧م.
 
ثم خبيرا فى مؤسسة "دوكسياريس" للتصميم والإنشاء فى أثينا، وخبيرا فى الأمم المتحدة فى مشروع التنمية بالسعودية عام 1966، وأستاذا زائرا فى قسم تخطيط المدن والعمارة بجامعة الأزهر من ١٩٦٦م إلى ١٩٦٧، ثم عمل خبيرا بمعهد أولاى استفسون فى جامعة شيكاغو، وأستاذا زائرا للإسكان الريفى فى كلية الزراعة بجامعة القاهرة منذ ١٩٧٥ إلى ١٩٧٧.
 
شغل حسن فتحى عدة مناصب شرفية، منها عضو فى المجلس الأعلى للثقافة ومركز الأبحاث الأمريكية وعمل رئيساً لمجمع الدائرة المستديرة الدولية لتخطيط عمارة القاهرة وعضواً بالمعهد الأمريكى للعمارة ورئيساً شرفياً للمؤتمر الدائم للمعماريين المصريين الأول من ١٩٨٥ إلى ١٩٨٦ والثالث عام ١٩٨٧ والرابع عام ١٩٨٨ وفوق هذا كان عضواً فى لجنة تحكيم جائزة الأغاخان فى العمارة من ١٩٧٦م إلى ١٩٨٠م.
 
عن فلسفة حسن فتحى المعمارية وتطورات الموقف لقريته بالأقصر يقول المعمارى طارق المرى خبير ترميم المبانى الأثرية باليونسكو: هو أول معمارى فى العالم يتحدث عن التعاون فى البناء أو المشاركة الشعبية أيضا هو من تحدث عن العمارة الخضراء والتنمية المستدامة المعمارية فى العالم والتى لم تعرف كعلم ومنهج فى العمارة إلا فى بداية السبعينيات! ثم فى بداية الثمانينيات أصبحت التنمية المستدامة هى الهدف المعمارى الرئيسي...فحسن فتحى معمارى سبق عصره بأربعين عاما على الأقل فى هذا الفكر.
 
وأكمل: كان لحسن فتحى كلمة شهيرة فى ذلك وهى " واحد مايعرفش يبنى بيته إنما العشرة يبنوا عشر بيوت" أى التعاون بين الناس يستطيعون بناء بيوتهم بنفسهم دون الاستعانة بالمقاولين ودون الحاجة لصرف مبالغ طائلة فى بناء البيت، كذلك باستخدام المواد الطبيعية من البيئة المحيطة بهم التى هى الأفضل من مواد أخرى غريبة على البيئة، فعلى سبيل المثال سكان الإسكيمو يبنون بيوتهم من الثلج ! فهم ينحتون بيوتهم فى الثلج ليحميهم من الصقيع، لأن الثلج فى حد ذاته يكون عازلا للبرودة بالتالى يعزلهم عن الجو الخارجين نفس الموضوع بالنسبة لنا نحن سكان المناطق الحارة، نحتاج للمواد الطبيعية ببيئتنا مثل الرمل أو الطين أو الحجر التى تعزل الحرارة وتجعل داخل المكان أقل بحوالى عشرين درجة عن خارجه، بالتالى الإنسان يشعر بالراحة داخل منزله ولا يحتاج إلى أجهزة التبريد، هذا الفكر هو الذى عاش به العالم حتى اكتشاف الكهرباء واختراع المواد الحديثة للبناء فأصبحت اليوم استورد مواد البناء بتكاليف باهظة ولا تتناسب مع بيئتنا وكذلك أجهزة التبريد التى أشتريها لأستهلك كمية كبيرة من الكهرباء!.. فأصبحنا نشترى الداء ونصرف عليه ونشترى الدواء أيضا.
 
وعن نظرية التنمية المستدامة التى أوجدها حسن فتحى قال: فإنها تقوم على التكامل بين الإنسان وبيئته المحيطة به، بحيث يكون المبنى مبنى من مواد طبيعية متصالحة مع البيئة وفى نفس الوقت لو تم هدمه فيكون عاد للبيئة مرة أخرى دون أية خسائر أو إضرار بالمكان، وكذلك صرف أقل القليل من المال.
 
وأردف: قرية حسن فتحى الجديدة أو القرنة بناها عام 1946 لينتقل إليها سكان قرية القرنة التى كانت على الجبل حرصا على الآثار الموجودة هناك، فى هذا الوقت كان فكر حسن فتحى فى بداياته.. فالمبانى الآن تعانى من المياه الجوفية وسوء استخدام الأهالى للمبانى فمثلا يستخدمون مداخل البيوت ذات الأسقف القوسية كجراج لسياراتهم، بالتالى هذه السيارات تحتك بالأعمدة، كذلك رصف الشوارع على منسوب عالى عن المبنى بالتالى أصبح المبنى مكان تجمع المياه بدلا من أن يعزل عن المياه، أيضا عدم وعى الأهالى بترميم المبنى بالتالى يتم هدم البيت وبناء آخر بالخراسانة، فالمسجد تم تدمير عمارته الإسلامية، والمسرح مهمل، والسوق السياحية تحولت إلى مخزن للأسمدة ومأوى للحشرات، والسوق العامة تقاسمها مجلس المدينة وشركة المطاحن لإنشاء جراج ومخزن، كل هذه المشاكل ليست متعمدة إنما هى ناتجة عن عدم وعى الأهالى بطبيعة مبانيهم إضافة إلى غياب الصيانة عن البيوت نتيجة العوامل البيئية المحيطة.