الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إبداع




رسوم : مأمون
 
شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبروننا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع للاحتفال بشاعرين مهمين فى الثقافة العربية، الأول هو الشاعر المصرى الراحل عبد الرحمن الخميسى (13نوفمبر 1920 – 3 أبريل 1987) وهو شاعر رومانسى تقلب بين مختلف ألوان الفن من الشعر والقصة والمسرح والتمثيل والصحافة وتأليف الموسيقى والأغانى كتابة ولحنا وغيرها من صنوف الإبداع.
 
وشاعرنا الثانى هو الشاعر والأديب السورى محمد الماغوط (1934- 3 أبريل 2006) الذى عمل فى الصحافة، احترف الفن السياسى وألف العديد من المسرحيات الناقدة التى لعبت دوراً كبيراً فى تطوير المسرح السياسى فى الوطن العربى، كما كتب الرواية والشعر وامتاز فى القصيدة النثرية وله العديد من الدواوين المهمة.
 
 
خريف درع
 
اشتقت لحقدى النهم القديم
 
وزفيرى الذى يخرج من سويداء القلب
 
لشهيقى الذى يعود مع غبار الشارع وأطفاله ومشرّديه
 
*
 
فى الشتاء لا أشرب أيّة زهور أو أعشاب برية فى درجة الغليان
 
بل أنفثها بعيداً إلى ربيع القلب
 
*
 
واشتقت لذلك الحنين الفتيّ المشرّد وقد ضاقت به السبل
 
فيبكى كسيف عجز ولم يشهره أحد ولو للتنظيف منذ آخر معركة
 
أو استعراض
 
*
 
ولتلك الأيام التى كانت الموجة فيها تقترب من البحارة الأغراب
 
ملثمة كالبدوية المهدور دمها.
 
*
 
ولو كان الأمر بيدى لقدمت وسام الأسرة
 
للصخور، والمشانق، والمقاصل، وساحات الرجم وسياط التعذيب
 
لاعتقادى بأنها من عائلة واحدة فرّقتها الأيام
 
*
 
والدموع الغريبة لا أصدّها
 
بل أفتح لها عينيّ على اتساعهما
 
لتأخذ المكان الذى تريد حتى الصباح
 
وبعد ذلك تمضى فى حال سبيلها
 
 فربما كانت لشاعر آخر!.
 
شعر : محمد الماغوط
 
 

 
جفاف النهر
صاخبٌ أنا أيها الرجلُ الحريرى
 
أسير بلا نجوم ولا زوارق
 
وحيد وذو عينين بليدتين
 
ولكننى حزين لأن قصائدى غدت متشابهة
 
وذات لحن جريح لا يتبدَّل
 
أريد أن أرفرفَ ، أن أتسامى
 
كأميرٍ أشقر الحاجبين
 
يطأ الحقول والبشرية ..
 
وطنى .. أيها الجرسُ المعلَّقُ فى فمى
 
أيها البدويُّ المُشْعثُ الشعر
 
هذا الفمُ الذى يصنع الشعر واللذة
 
يجب أن يأكلَ يا وطنى
 
هذه الأصابعُ النحيلة البيضاء
 
يجب أن ترتعش
 
أن تنسج حبالاً من الخبز والمطر .
 
لا نجومَ أمامى
 
الكلمةُ الحمراء الشريدة هى مخدعى وحقولى .
 
كنتُ أودُّ أن أكتب شيئاً
 
عن الاستعمارِ والتسكع
 
عن بلادى التى تسير كالريح نحو الوراء
 
ومن عيونها الزرق
 
تتساقط الذكرياتُ والثيابُ المهلهة
 
 
ولكننى لا أستطيع
 
قلبى باردٌ كنسمةٍ شمالية أمام المقهى
 
إن شبحَ تولستوى القميء ،
 
ينتصبُ أمامى كأنشوطةٍ مدلاة
 
ذلك العجوز المطوى كورقةِ النقد
 
فى أعماق الروسيا .
 
لا أستطيع الكتابةَ ، ودمشقُ الشهية
 
تضطجعُ فى دفترى كفخذين عاريين .
 
يا صحراءَ الأغنية التى تجمع لهيب المدن
 
ونواحَ البواخر
 
لقد أقبلَ والليلُ طويلاً كسفينة من الحبر
 
وأنا أرتطمُ فى قاع المدينة
 
كأننى من وطنٍ آخر
 
وفى غرفتى الممتلئة بصور الممثلين وأعقابِ السجائر
 
أحلمُ بالبطولة ، والدم ، وهتاف الجماهير
 
وأبكى بحرارة كما لم تبكِ امرأة من قبل
 
فاهبطْ يا قلبى
 
على سطح سفينةٍ تتأهب للرحيل
 
إن يدى تتلمس قبضة الخنجر
 
وعيناى تحلقان كطائرٍ جميلٍ فوق البحر .
 
 
شعر: محمد الماغوط
 
 
 
مقطع من قصيدة « فى الليل»
عائما فى مياهك الزرقاء
 
إلى مخدع الحبيب النائى
 
تحتويه فى ضمة رعنـاء ..
 
تطلق الروح من أسى وعناء
 
ثم أزهى على نجوم السماء
 
قيدتنى أرضيتى فى بنائى !
 
طليقا مع السنى والهواء
 
أدعوه لاستماع غنائي
 
بين كفيه راضيا بشقائى
 
قيدتنى أرضيتى فى بنائى!
 
سابح فى حديقة زهراء
 
والرياحين فى مدى أحنائي
 
أسكر البدر مهجتى بالضياء
 
وأفرى حياله أحشائي
 
ولأحظى فى صدره بفنائى !
 
قيدتنى أرضيتى فى بنائى .
 
أيها الليل .. ليتنى كنت نجما
 
أقطع الظلمة الآتية لهفان
 
ثم أضفى عليه منى خيوطا
 
لأروى بقبلة منه نفسى
 
وأحلى بسحر عينيه ذاتى
 
غير أنى يا حسرتا آدمي
 
أيها الليل ليتنى كنت عصفورا
 
كنت نقرت فوق نافذة المحبوب
 
ليغنى معى .. ويحكم قيدى
 
غير أنى يا حسرتا آدمى
 
أيها الليل ليت أنى نسيم
 
أجمع العطر من ثغور الأقاحى
 
ثم أمضى إلى حبيبى عليلا
 
أحمل الطيب فى فؤادى إليه
 
لأكون الأنفاس فى رئتيه
 
غير أنى يا حسرتا آدمى
 
شعر عبدالرحمن الخميس
 
 


 
 
قصيدة « ثورة»
 
ماذا تريد الزعزع النكباء 
 
تتكسرالأحداث تحت يمينه
 
ويمزق الظلمات عن فجر له
 
ويدك بالإيمان كل كريهة
 
ويبيت ينفث قلبه فى شدوه
 
فى كفه قدر كنين ترتمى
 
وعلى يديه من الصراع دماء
 
وبأصغــريه ثــورة هــوجاء
 
الشوك يا كم داسه مستهزئا
 
والنار يعبرها فتسكن روحه
 
والصعب تمحقه خطاه ولا تنى
 
مـاذا تريد الزعزع الـنـكـبــاء
 
سأردها مدحــورة مجنـونـــة
 
وأعيش كالبركان أقذف من فمى
 
إنى خلقت لكى أعيش وينحنى
 
تتجدد الرغبات فى نـفـسى
 
أنا ذلك الجبار لا تعـنــو لـــه
 
الباب تقرعه رياح ملـمــة !
 
من راسخ أكتافه شماء ؟
 
وتميد من صرخاته الغبراء
 
فيه حياة عذبة ورجاء ؟
 
وتمل من أوصاله الأدواء
 
فلذا تهيم بصوغها الشعراء
 
من حوله الأهوال والأرزاء
 
وبناظريه تمــرد وإبــــــاء
 
تنهار فى تيارها الـبـرحــاء
 
ومشى تزمجر فوقه الأنواء
 
لكــنــهـا فى روحـه أنــــداء
 
تجتازه .. مـا مـسـها إعـيــــاء
 
من راسخ أكــتـافــه شــمـاء ؟
 
تعوى فتعول حولها الأجواء
 
حمما .. تموت بنــارها الأعداء
 
من حولى الإصباح والإمساء !
 
كما تتجدد الأكوان والأحياء
 
إلا المصائب والمنى القعساء
 
ماذا تريد الزعزع النكباء ؟
 
من شعر عبدالرحمن الخميس
 
 

 
مقطع من ديوان « أشواق إنسان»
 
قيثارتى كحكايتى نواحة صداحة
 
غنت اساى ومرتاى : ظلامه وصباحه
 
وطفولتى لقما بأفواه الشقاء مباحه
 
وصباى يندب وهو فى ريعانه أفراحه
 
واليأس فجرنى عيونا باللظى سحاحه
 
قيثارتى غنت شبابى حاسيا أتراحه
 
وضياع أيامى الظوامى عشتها لفاحه
 
والليل أشربه بلا كنف يمد جناحه
 
والفجر يهدى الضائعين الساهدين وشاحه
 
فيواصلون على سناه الرحلة المنداحه
 
شعر عبدالرحمن الخميس
 
 
 
 
من الغربة
كسروا ذراعى ولكني
 
حفرت على جدران مصر أناشيدى بأظفاري
 
دمى هنالك مكتوب
 
وإن طمسوا حروفه
 
أج فى الظلماء كالنار
 
وحيث هم صلبونا
 
كلما بزغت شمس
 
رأى الناس فيها لون أشعاري
 
شعر عبدالرحمن الخميس