الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أمريكا تعتمد على المحور «الإسرائيلى- التركى» وخروج مصر







 
 
نشر معهد أبحاث الأمن القومى دراسة أعدتها الباحثة جاليا لندنشراوس تطرقت إلى تأثير تحسن العلاقات الإسرائيلية التركية على الربيع العربى.
وأشارت إلى أن الاعتذار الإسرائيلى لتركيا حول أخطاء ارتكبت أثناء السيطرة على الباخرة مرمرة فى مايو 2010 واتفاق الطرفين فى البدء بعملية التطبيع فى العلاقات بينما هو تطور رئيس كان فى انتظاره الكثير من الأوساط فى الجانبين الإسرائيلى والتركى ومنذ فترة طويلة.
وبينما يوجد هناك الكثير ممن يشككون فيما إذا كان هذا الاعتذار يكفى من أجل ترميم العلاقات فإنه على ضوء المحادثات التى جرت بين الطرفين منذ أحداث «مرمرة» أصبح واضحًا وإلى حد كبير أنه بدون اعتذار من هذا القبيل لم تكن لتتوافر فرصة إعادة ترميم هذه العلاقات.
 
 
 
 
 
 
 
وتؤكد الدراسة أن الخطوة الإسرائيلية كانت صحيحة حتى وإن حدثت أزمات أخرى بين إسرائيل وتركيا فى المستقبل على الأقل، هذا الجرح المفتوح الذى كان بين الشعبين هو الآن فى مرحلة العلاج.
فى تحليل العوامل البعيدة المدى التى قادت إلى تقديم الاعتذار الإسرائيلى تشير الباحثة إلى أن الصحوة العربية هى التى أدت إلى التقارب بين مواقف الطرفين اللذين يواجهان فى الوقت الحاضر تهديد تفكك سوريا وتداعياتها على أمنهما، وهو ما حسم الأمر لدى الطرفين لاتخاذ هذا الموقف، مؤكدة وجود استعداد فى الجانب الإسرائيلى منذ فترة طويلة للتوصل إلى اتفاق مع تركيا لكن لاعتبارات مختلفة لكن مثل هذا الاستعداد لم يترجم إلى تحقيق المصالحة.
الاتفاقات التى تم التوصل إليها الآن لا تختلف بشكل جوهرى عن صيغ عرضت أثناء إصدار تقرير بالمر فى سبتمبر 2011، مع ذلك وفى نفس الوقت كانت هناك مخاوف من إسرائيل من تسونامى سياسى فى سياق الطلب الفلسطينى والذى كان معدا فى ذلك الوقت ليقدم إلى الأمم المتحدة، وكانت هناك مخاوف من أنه على الرغم من اعتذار إسرائيل فإن أى أمر ايجابى لن يتحقق عبر ذلك.. وتمضى الدراسة مشددة على أن التطورات الحالية مهمة ليس فقط بالنسبة لإسرائيل التى اعتذرت وإنما لتركيا التى قبلت اعتذارها.
وفى تحليل العوامل القصيرة المدى للتطور الحالى تنبغى الاشارة إلى الأهمية المركزية بالنسبة للولايات المتحدة فى تحقيق المصالحة بين الطرفين وعلى الأخص زيارة الرئيس باراك أوباما إلى إسرائيل، فخطورة تقديم الاعتذار - غير البسيطة - من جانب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كانت استجابة لطلب رئاسى أمريكى، وقد ساعد ذلك على قبول هذه الخطوة من قبل الجمهور الإسرائيلى وكذلك أبدى الأتراك المرونة المطلوبة لإنهاء الأزمة.
أكثر من ذلك كانت عملية عمود السحاب التى دللت للأتراك على مدى ما افتقدوه من قدرة تأثيرهم كعامل وسيط فى النزاع الإسرائيلى - الفلسطينى، كذلك فإن التسهيلات التى منحت فى أعقاب وقف إطلاق النار ساعدت الأتراك على إبداء مرونة فيما يتعلق بالشرط الثالث الذى عرضوه فى الماضى على إسرائيل فيما يتعلق برفع الحصار على غزة.
هناك تداعيات غير سهلة الآن أمام عملية تحسن العلاقات بين إسرائيل وتركيا خصوصا ويمكن أن تكون الزيارة المتوقعة لرئيس الحكومة التركية طيب أردوجان فى أبريل المقبل اشكالية، صحيح أن هذه الزيارة كانت ستنفذ حتى قبل الاعتذار الإسرائيلى، لكن الآن ينبغى الاعداد لهذه الزيارة فى الجانب الإسرائيلى بشكل يفرض وجود تنسيق قدر الإمكان مع الجانب التركى.
فى نهاية الأمر تركيا هى اللاعب الذى يدعم فكرة الدولتين، لذلك هناك عدة نقاط اتفاق يمكن لإسرائيل أن تبدى حسن نية حيال اللاجئين الفلسطينيين وتركيا يمكنها أن تساعد بالنسبة لقضية البرنامج النووى الإيرانى، الأمر الذى يفسر بأنه تهديد لكل من إسرائيل وتركيا، وإن كان هناك اختلاف فى تقييم هذا التهديد.
ولكن رغم هذه التحديات وإذا ما تحققت عملية التطبيع التى تم الاتفاق عليها خلال المحادثات الهاتفية بين نتنياهو وأردوجان فيمكن أن تكون لذلك تأثيرات ايجابية فى عدة مجالات:
من الناحية الأمنية العسكرية ليس عبثا أن يرحب رئيس الأركان العامة الجنرال بينى جانتز بترميم العلاقات إذا ما بقى التعاون العسكرى بين الجيش التركى والإسرائيلى فى الحدود الدنيا وأن يكون خلف الكواليس، فما تزال هناك قيمة كبيرة فى أن تكون قنوات الاتصال بين الطرفين مفتوحة على ضوء التحديات التى تواجهها الدولتان فى الوقت الحاضر، أكثر من ذلك فيما يتعلق بالتعاون بين إسرائيل وحلف الناتو فإن التعاون الذى استفاد منه الطرفان فى الماضى والتحسن فى العلاقات مع تركيا سيسمح باستئناف هذا التعاون وهذا سيعتبر انجازا كبيرًا.
العلاقات الاقتصادية حتى فى ذروة الأزمة شكلت بشكل لا يستهان به كابحا للتدهور الشامل، ويتوقع أن تتطور نحو الأفضل لعدة أسباب: أولها أنه سيكون هناك جو أفضل للشركات من أجل التبادل التجارى بينها وهذا بكل تأكيد سيتجسد فى ارتفاع حجم التجارة.
الثانى: هناك احتمالية كبيرة للتعاون فيما يتعلق باكتشافات الغاز فى السواحل الإسرائيلية حيث أن تركيا يمكنها أن تستفيد من هذا المورد إما كمستهلكة وإما أن تستخدم كخط مرور للصادرات.
الثالث: هناك علامات أولية بأن السياح الإسرائيليين يعتزمون العودة للاستجمام والسياحة فى تركيا، وهناك أمل ومع تنامى الاقتصاد التركى فى أن السياح الأتراك سيأتون إلى إسرائيل، وأخيرا ومن الجائز أن تستأنف الصادرات العسكرية من إسرائيل إلى تركيا.
ومن ناحية المجتمع المدنى يمكن أن تكون هناك مساحة كبيرة للتعاون بين الدولتين فى مجال التحديات مثل العلاقة بين الأغلبية والأقلية الدينية أو الإثنية والعنف ضد المرأة هى مشاكل تقلق المجتمعين لذلك فإن المنظمات المسئولة عن مواجهة هذه التحديات فى الجانبين يمكنها أن تجد أسسا واسعة للاستفادة من تجارب كل طرف.
هناك تعاون لا يستهان به فى المجال الأكاديمى بين الدولتين لكن من الأجدر توسيع نطاق هذا التعاون.
وفى المجال الثقافى تركيا أنفقت مبالغ كبيرة فى ترميم بيت السرايا فى يافا من أجل أن يكون مركزا ثقافيا تركيا فى إسرائيل لكن بسبب الأزمة فى العلاقات الإسرائيلية التركية فإن هذا المركز لم يفتح أمام الجمهور.
ينبغى أن نأمل أن يتم تدشين المبنى ويستخدم فى المستقبل جسرا للتبادل الثقافى بين الدولتين.
وأخيرًا وإن كنا بعيدين جدا من ازدهار العلاقات الإسرائيلية التركية فإن الاعتذار الإسرائيلى شكل الخطوة المهمة والضرورية لترميم هذه العلاقات، وحرى بنا أن نحاول تحقيق أقصى فائدة من هذه الخطوة بحيث يكون لها ثمن ليس بخسا بالنسبة لإسرائيل، هذا على الرغم من الترسبات التى ولدتها الأزمة فى العلاقات خلال السنوات الأخيرة بين الطرفين.
وقد شهدت منطقة الشرق الأوسط قبيل وأثناء زيارة الرئيس الأمريكى طفرة هائلة من الأحداث التى قد تبدو للوهلة الأولى غير متصلة ومرتبطة ببعضها البعض وغير مخطط لها، ويثار التساؤل هل هناك صلة وعلاقة بين هذه الأحداث المتتالية والمتعاقبة من حيث حجمها ومن حيث طبيعتها ووتائرها التصعيدية؟ كان لافتا تواكب هذه الأحداث مع الزيارة قبل وصول الرئيس الأمريكى بارك أوباما إلى مطار بن جوريون فى 20 مارس، وأثناء الزيارة لكل من إسرائيل ثم الأردن فما هى هذه الأحداث؟
الحدث الأول: تصعيد غير مسبوق للعمليات الإرهابية فى كل من سوريا والعراق من حيث مستوياتها الكمية والنوعية.
الحدث الثانى: استخدام الأسلحة الكيماوية فى الأزمة السورية من قبل الجماعات المسلحة فى منطقة حلب فى 19 مارس.
الحدث الثالث: المصالحة التركية الكردية والتى تجلت فى وقف إطلاق النار بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستانى بناء على دعوة زعيم الحزب عبدالله أوجلان وانسحاب مقاتلى الحزب إلى شمال العراق.
الحدث الرابع: المصالحة التركية  - الإسرائيلية التى سبقت زيارة أوباما والتى مهد لها عندما تدخل أوباما أثناء وجود رئيس الوزراء الإسرائيلى بينيامين نتنياهو فى البيت الأبيض فى سبتمبر 2012.
الرئيس الأمريكى اتصل بطيب أردوجان أثناء وجود نتنياهو ليبلغه بالحرف الواحد أن شريكنا وشريككم يجلس إلى جانبى  ويريد محادثتكم.
الحدث الخامس: تصاعد الأحداث فى لبنان تنبئ باندلاع صراع داخلى واستقالة رئيس الوزراء نجيب ميقاتى هذا على ضوء اندلاع المعارك فى طرابلس وارتفاع درجة الاستقطاب والاحتقان الطائفى فى لبنان بشكل غير مسبوق ثم تصاعد فى وتيرة استخدام الأراضى اللبنانية بانتقال السلاح والمقاتلين إلى داخل سوريا.
الحدث السادس: ويشكل حدثا خطيرا ينطوى على احتمالات ودلالات بالغة الخطورة، من أهم ما حققته زيارة الرئيس الأمريكى إلى الكيان الإسرائيلى هو أنه أجاز لهذا الكيان أن يلجأ إلى الخيار العسكرى بشكل أحادى مع تقديم اسناد أمريكى لوجيستى يدرأ عن إسرائيل الخطر وتهديد الصواريخ.
الرئيس الأمريكى أبلغ نتنياهو أن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها وعن أمنها وأن تستخدم كل الوسائل، وهذا ما دفع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق الجنرال عاموس يادلين إلى اعتبار وتفسير هذا الموقف الأمريكى على أنه اعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل أن تهاجم إيران عام 2013 أى عندما ينتهى الموعد الأخير للمفاوضات مع إيران فى شهر يونيو المقبل.
انطلاقا من ذلك عززت عدة تحليلات فى الساعات الأخيرة ورؤى لخبراء فى الشئون الأمريكية والإسرائيلية والتركية تؤكد على عدة نقاط ومحاور:
- أن المصالحة التركية - الكردية  جاءت نتيجة تدخلات دولية أمريكية وغربية بالاضافة إلى تدخل من جانب السلطة الكردية فى شمال العراق بزعامة مسعود البرزانى والهدف من وراء هذه المصالحة هو تمكين تركيا من التفرغ وحشد امكانياتها وطاقاتها فى مواجهة عدة جبهات ملتهبة فى الوقت الحاضر أو أنها فى طريقها إلى الالتهاب سوريا والعراق وإيران.
الرئيس الأمريكى كان المحرض والدافع لانجاز هذه المصالحة بين الأتراك ومنذ عدة أشهر بوساطة أمريكية إلا أن الإعلان عنها تم توقيته مع زيارة الرئيس الأمريكى.
وعلى ضوء ذلك اتصل رئيس الوزراء نتنياهو برئيس الوزراء التركى طيب أردوجان لتهنئته على انجاز هذه المصالحة، أكثر من ذلك أعلن عودة العلاقات التركية - الإسرائيلية إلى سابق عهدها وعلى جميع الأصعدة.
حقق الرئيس الأمريكى من خلال هذه المصالحة المزدوجة هدفا استراتيجيًا ألا وهو اعادة احياء وتفعيل المنظومة الاستراتيجية الاقليمية التى تعتمد على قوتين اقليميتين إسرائيل وتركيا بعد خروج القوة الثالثة إيران فى عهد الشاه عام 1979.
ووفقا لخبراء ومستشارين لرئيس الوزراء الإسرائيلى يعملون فى جامعة حيفا وفى معاهد لأبحاث الأمن القومى، عادت الولايات المتحدة لتعتمد على القوة الإقليمية وأنها يئست من الاعتماد على مصر الشريك الاستراتيجى بسبب حالة الفوضى التى تعم البلاد وافتقاد مصر لمكونات وقابليات تلك الشراكة.
أن المصالحة التركية - الإسرائيلية جاءت فى نطاق توظيف هاتين القوتين الإقليميتين لإدارة وقيادة الصراع فى المنطقة. الصراع فى سوريا من أجل الحسم والصراع فى العراق من أجل تطوير الأزمة داخل العراق إلى مستوى التقسيم الحقيقى للعراق لثلاثة كيانات جغرافية وديمغرافية.
الزعامة الكردية فى شمال العراق تلقت تأكيدات من أطراف هذه المنظومة الجديدة وهى الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل على دعم مشروعهما للانفصال عن العراق واقامة دولة كردية فى نظير ما بذلته القيادة الكردية من جهود لتحقيق المصالحة فى مقابل مقايضة وقف التمرد الكردى فى تركيا وبشكل نهائى ودمج الأكراد ومنحهم حقوق سياسية فى نطاق ما يسمى بالديمقراطية، أى السماح لهم بالاندماج فى المنظومة السياسية التركية والمقابل دعم تركيا إلى جانب إسرائيل التى تولت بناء مرتكزات الكيان الكردى منذ التسعينيات لإعلان الانفصال والاستقلال عن العراق.
الجبهة الثالثة إيران: إعادة تفعيل وإحياء منظومة التعاون العسكرى والاستراتيجى بين تركيا وإسرائيل الموقعة عام 1995 ستصب أيضا فى خطة أمريكية إسرائيلية تركية لاستهداف إيران بتصدير الفوضى فى الداخل مع بداية وانطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية فى إيران، هذا بعد تقويض جميع الدعائم ومرتكزات إيران فى سوريا وفى لبنان.
الرئيس الأمريكى كان واضحا خلال محادثاته مع القيادات السياسية والأمنية الإسرائيلية أن المعركة ضد حزب الله آتية لا محالة بعد انهيار النظام الحاكم فى سوريا، وأنه اتفق مع جميع القوى المناوئة لحزب الله ولنفوذ إيران على ضرورة خوض هذه المعركة، وأن إسرائيل وتركيا ستدعمان هذه المعركة والقوى التى ستخوضها فى الداخل.
النتيجة الواضحة والمؤكدة أن هناك صلة وطيدة بين هذه الأحداث وبين مخطط تصعيدى أمريكى فى الجبهات التى ذكرناها حتى تخضع المنطقة بعد هذا للهيمنة الإسرائيلية التركية بغطاء أمريكى، أما الدول العربية التى توظف فى نطاق هذه الاستراتيجية فهى مجرد توابع تمول وتشارك ولن يكون لها أى دور اقليمى فى المستقبل.
المصادر الأمريكية التى رافقت الرئيس أوباما إلى إسرائيل أكدت أنه لم تعد هناك دولة عربية يمكن الاعتماد عليها لأن تكون شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة لأنها تعانى من مشاكل وأزمات داخلية بما فيها المملكة السعودية، وأن اليمن فى طريقه إلى الانهيار الشامل والتقسيم إلى عدة كيانات دون الدولة.