الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عبدالكريم ماردلى: ما يحدث فى سوريا يفوق التخيل




وكأن بلادنا العربية كما تتشارك فى ثقافتها، تتشارك أيضا فى مشاكل هذه الثقافة وإحباطاتها، فكانت الشللية والمحسوبيات فى نشر الإبداع من أكثر الأزمات التى كانت سببا فى ابتعاد الشاعر السورى عبد الكريم يونس ماردلى عن نشر إبداعاته لفترة طوية، لدرجة أنه لم ينشر أول دواوينه إلا بعد أربعين عاما من بداية كتابته الشعر ... عن رحلته مع الشعر وحياته بعيدا عن وطنه ورأيه فيما يحدث فى سوريا دار معه هذا الحوار:
 
 ■ رغم انطلاق موهبتك الشعرية فى نهاية الستينيات إلا أنك أصدرت ديواناً وحيداً بعد مرور أربعين عاماً من تجربتك الشعرية؟
 
- بدأت أكتب الشعر عام 1969 ولم أكن أتطلع إلى نشر قصائدى آنذاك لسبب أساسى وهو أن المحافل التى تعنى بالأدب بشكل عام، وبالشعر بشكل خاص، كانت (ومازالت) مبنية على الشللية والمحسوبيات، وتستقطب من ينتمون إلى اتحاد الطلاب، أو الحزب الأوحد فى البلاد، أو أصحاب (الواسطات)، أو المتملقين على حساب كرامتهم للوصول إلى غاياتهم.. وأنا لم أكن فى يوم من الأيام واحداً من هؤلاء. وعندما جئت إلى الإمارات العربية المتحدة وعملت فى دار الصدى عام 1999، وقرأ الزملاء فى القسم الثقافى قصائدي، استغربوا كيف أنى لم أنشر قصائدى ولم أصدر ديواناً حتى الآن.. ومن ذلك الوقت بدأت بالنشر فى مجلة (الصدى) بدايةً، ثم فى مجلة (دبى الثقافية) فيما بعد.. وبدأت بتجميع قصائدى وتنقيحها تمهيداً لنشر ديوانى الأول الذى تم نشره عن طريق دار الصدى.. وينطبق على المثل القائل: (لا كرامة لنبى فى قومه).
 
■ حدثنا عن المسافة بين القصائد الأولى والديوان؟
 
- بطبيعة الحال مع التقدم فى السن لا بد من أن تتغير معطيات القصيدة وبنيتها وأغراضها.. فتجارب الحياة كفيلة بصقلها وتهذيبها.. القصائد الأولى تجد فيها شيئاًمن البراءة والعفوية والبساطة.. ويبقى لكل مرحلة عمرية طابعها الخاص ونكهتها المميزة.. وديوان (أنثى الخيال) جمعت فيه جميع قصائدي؛ الأولى منها، وتلك التى كتبتها على مدى مراحلى العمرية حتى تاريخ إصدار الديوان قبل نحو سنتين، وهو يضم القصائد الغزلية فقط، أما القصائد القومية والوطنية والسياسية فسأصدرها فى ديوان خاص بها سيرى النور قريباً إن شاء الله، إضافة إلى قصائد كثيرة فى أغراض مختلفة لم تنشر بعد، وهذه أيضاً سأجمعها فى ديوان آخر.
 
■ (أنثى الخيال).. هو عنوان الديوان.. هل تعتقد أن الرومانسية ما زالت ممكنة وحاضرة فى زمن العولمة والثورات والتكنولوجيا؟
 
- العولمة والتكنولوجيا والثورات يا صديقى أصابت معظم جوانب الحياة لكنها بقيت بعيدة عن المشاعر والأحاسيس ولم تصبها بأذى.. وغيّرت غالبية المظاهر والطبائع لكنها لم تستطع تغيير نبضات القلب العاطفية، ولم تستطع أن تمحو الحب والشوق والحنين والحزن والفرح من تكوين البشر.. لقد عرف البشر الرومانسية على مر العصور والأحقاب والقرون وبقيت من دون أن تتأثر بجميع التغيرات والتبدلات التى مرت بها.. لا الكوارث ولا الحروب أثرت فى الرومانسية وطبيعتها، فهى تجرى فى الوجدان مجرى الدم فى العروق..
 
■ تقيم فى الخليج منذ فترة طويلة.. كيف قاومت الانسلاخ عن البشر والبيئة الجغرافية والاجتماعية فى سوريا؟
 
- سؤالك هذا يفتق الجرح ويجعله ينزّ ما فيه من وجع الشوق وآلامه.. أولاً يا صديقي: أنا لم أنسلخ.. قلت فى إحدى قصائدي:
 
تـركْـتُ شـــبـابـيَ فــى (غُـوْطَـتَــيْــكِ)
 
                       وأودَعْــتُ قـلـبــيَ فــى راحـتَـيْــكِ
 
أُســــافـرُ جِـســـمـاً يـجـوبُ بـلاداً
 
                       ولـكــنَّ روحـيَ تـبــقــى لـديـــكِ
 
 إذاً أنا مسافر بجسدى ومازالت روحى هناك فى وطني.. ثانياً: مَن مِن البشر يترك بيته وأهله وأصدقاءه وربوع بلاده إلا إذا أجبرته تكاليف الحياة وضنك العيش على ذلك؟ أن تبقى فى بلدك فهذا يعنى أن تبقى فى تفكير دائم كيف ستؤمن لقمة العيش لأولادك.. كيف ستؤمن لهم مستقبلهم.. كيف وكيف وكيف.. إلخ.. والباقى يعرفه كل المغتربين.. وأنا أحمد الله على كرمه بأن جاء اغترابى فى الإمارات التى تحتضن الغرباء بكل طيب وحسن معاملة وخلق نبيل.
 
■ برأيك.. هل الشعر والفن ينبعان من التصاقنا بالأشياء أم بانفصالنا عنها؟
 
- ينبعان من الحالتين معاً، ولكن فى حالة الانفصال يكون الشعر أقوى، ومثال ذلك: أنت عندما تجلس فى بلدك أمام منظر بديع وخلاب فى الطبيعة، تتفجر قريحتك عن قصيدة جميلة فى وصف ذلك المنظر.. لكن عندما تفارق بلدك وتأخذك الذكريات وأنت بعيد، فإنك عندما يمر ذلك المنظر بمخيلتك ستكتب عنه قصيدة أجمل مما كتبت عندما كان أمام ناظريك.. والأمر ذاته ينطبق على الحبيبة، وعلى الأم، وعلى الحى الذى تقطنه.. إلخ.
 
■ بعد الربيع العربي.. هل نحن بحاجة إلى ثورة شعرية؟
 
- بدايةً أنا لا أوافق على هذا المسمى (الربيع العربي)، فليس فيه من الربيع شيء.. الدماء والدمار والتشرد.. أى ربيع هذا؟! وبالعودة إلى سؤالك؛ فإن الثورة الشعرية موجودة قبل هذا الربيع وقبل أن تفكر الشعوب بتلك الثورات فى بلادها، فالشعراء: أحمد مطر ومظفر النواب وأحمد فؤاد نجم.. وغيرهم كثير، كانوا (ومازالوا) ثواراً حقيقيين بأشعارهم، وبعد اندلاع الشرارة الأولى لـ(الربيع العربي) فى تونس، زادت حدّة الثورة الشعرية، وظهر ثوار شعراء جدد لم يكن أحد يسمع بهم من قبل، فالشاعر المصرى هشام الجخ على سبيل المثال، بعد اندلاع الثورة فى مصر، أصبح معروفاً على مدى العالم العربى كله، وخصوصاً عندما قال:
 
خبّئ قصائدَكَ القديمةَ كلَّها
 
                      واكتبْ لمصرَ اليومَ شعراً مثلَها
 
نعم نحن بحاجة إلى ثورة شعرية، وقد اندلعت على ألسنة بعض الشعراء.
 
■ كيف تتأمل ما يحدث فى سوريا بعين الشاعر؟ وما توقعاتك لانتهاء الأزمة هناك؟
 
- ما يحدث فى سوريا لا تحصره كلمات ولا يحيط به وصف.. ولا أظن بأننا سمعنا أو قرأنا فى التاريخ عن مثيل ما يحدث فيها.. وعين الشاعر ليس لها إلا البكاء على أطلال تلك الربوع والحضارة.. وإلى أين ستئول الأمور؛ فالله وحده أعلم بذلك..