الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«فضائيات حرق الوطن».. كتاب يكشف المستور فى «الإعلام الأسود»




بعد إسقاط نظام «مبارك» يوم 11 فبراير 2011 كان يتعين علينا كمصريين تحررنا من قيود نظام ذقنا معه المرار سنين طويلة أن نبدأ على الفور - وفى اليوم الثانى للتنحى 12 فبراير - عملية إعادة بناء مصر - ولكن ما حدث يؤكد أن هناك قوى شر فى المجتمع لم ترد لمصر خيرا، ولم ترد لها الهدوء ولا الاستقرار - وكأن السيناريو الذى أطلقه «مبارك» وأعطى له إشارة البدء «يا أنا يا الفوضى» تقرر تطبيقه بكل تفاصيله دون حذف أى مشهد، فانتشرت الفوضى وسادت حالة من الاعتداءات التى أدت إلى الانفلات الأمنى والأخلاقى الذى روع معه جموع المصريين. والسبب من وراء ذلك التحريض الإعلامى الذى كان يدفع الناس للخروج إلى الساحات لإحداث الفوضى بلا وعى أو تفكير أو ضمير من أجل حرق الوطن، ما حدث لم يكن الغرض منه أبدا إسقاط نظام فقط، ولكن كان الهدف الأساسى من ورائه.. إسقاط الدولة». بهذه الكلمات قدم الكاتب الصحفى حسام عبدالهادى كتابه الجديد «الإعلام الأسود.. فضائيات حرق الوطن» الصادر حديثا عن دار ريمود للنشر، الذى يناقش فيه أوضاع الإعلام الراهنة عبر عشرة فصول هى «الإعلام الكاذب» و «إعلام الفتنة» و»الإعلام فيه سم قاتل» و»الإعلام والانفلات الأخلاقى» و»إعلام البسطاء» و»الإعلام والصيد فى الماء العكر» و»الإعلام.. آلة الحرب الحديثة» و»الإعلام وفرض الوصايا» و»إعلام حرق الوطن» و»الإعلام وزمن الفن الرخيص»، استهلها بمقدمة «قبل أن تقرأ « الذى بدأه بالسطور التالية: أنا لست علمانيا ولا ليبراليا ولا إخوانيا ولا سلفيا ولا شيعيا ولا شيوعيا ولكنى فقط مصرى الهوى والهوية... مسلم... سنى... وسطى لا أعرف سوى حب الله سبحانه وتعالى... وحب رسوله الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.. وحب الوطن الذى هو عندى أغلى وأهم من أى مصلحة شخصية... وتاريخى المهنى يشهد على ذلك، والدليل.. الحملات التى نشرتها ضد الفساد دفاعا عن الحق وهو مبدئى ومنهجى من أيام النظام القديم..» وفى موقع آخر من «قبل أن تقرأ» أشار عبدالهادى إلى دور الإعلام الخاص فى تحريك الماء الراكد فى المجتمع بإثارة الرأى العام حول مناقشات كثيرة وقضايا متعددة كان فى بعضها محايدا وفى بعضها محرضا، وأكمل عبدالهادي: «التحريض هنا لم يكن تحريضا لطريق الصلاح والقيم والنفع المجتمعي، بل كان تحريضا نحو إشعال الحرائق وزرع الفتن التى هى فى أصلها أشد من القتل! القضايا التى كان يشعلها الإعلام الخاص صحيح أن كثيرا منها لم يكن يعلم المواطن البسيط عنها شيئا مما أشعلت معها المنافسة بين تلك القنوات وصنعت لها قاعدة شعبية جماهيرية، لكن لم يدم الحال طويلا بعد أن انكشفت نواياهم، وأن هذه القنوات صنعت فى ظل النظام البائد بفلوس رجال الأعمال الفاسدين الذين نهبوا ثروات مصر من أجل إظهار الديمقراطية الزائفة فى صورة أشبه بالمعارضة الحقيقية، وما كانت تلك القنوات إلا آلهة عجوة يأكلها النظام –الذى صنعها بيديه– وقتما يريد ويوقفها عن حدها وقتما يشاء، إلى أن رحل النظام وبقى رجاله المالكون لتلك القنوات ليدافعوا عن نظامهم الذى كان ولايزال وسيظل يجرى فى عروقهم مجرى الدم لأن «لحم أكتافهم من خيره».
 
استهل عبدالهادى فصله الأول «الإعلام الكاذب» بمقتطع من المسرحية الشعرية «الحسين ثائرا» للراحل الشاعر عبدالرحمن الشرقاوى يشرح فيه قيمة «الكلمة» فى الأبيات التالية:
 
أتعرف ما معنى الكلمة؟
 
مفتاح الجنة فى كلمة
 
دخول النار على كلمة
 
وقضاء الله هو الكلمة
 
الكلمة لو تعرف حرمة
 
زاد مزخور
 
الكلمة نور
 
وبعض الكلمات قبور
 
وبعض الكلمات قلاع شامخة
 
من الشخصيات التى تناولها عبدالهادى فى هذا الفصل الإعلامية هالة سرحان مشيرا لخروجها من قنوات راديو وتليفزيون العرب بعد خلاف حاد مع الشيخ صالح كامل صاحب هذه القنوات نتيجة محاولاتها للسيطرة على قنواته والصدام مع الفنانة صفاء أبوالسعود زوجة كامل، ثم دخولها لقنوات «دريم» فى 2003، وبرنامج «الحقيقة» وحلقاتها مع الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل التى أوضح عبدالهادى أنها قد خرجت فيها عن اللياقة وراحت تنفخ لحرق الوطن الامر الذى أدى لخروجها من «دريم»، وانتقد عبدالهادى بشدة أداء سرحان الإعلامى «تجاه مصر حين أظهرت نساءها وبناتها عاهرات يرتادين بيوت الدعارة ويبعن أجسادهن فى واقعة دبرتها سرحان وفريق إعداد «هالة شو» بقناة روتانا باستضافة فتيات ليل والاتفاق معهن على تقديم أنفسهم باعتبارهن طالبات ثانوى يجبروهن ضباط الشرطة على ممارسة الرذيلة بأجر، مما استدعى هروب سرحان لدبى خوفا من التقديم للمحاكمة.
 
فى الفصل الثانى «إعلام الفتنة» تناول عبدالهادى حالة التخوين السائدة بالمجتمع حكومة وشعبا، وأرجع السبب إلى إعلام الفتنة الذى يميل لفصيل على حساب الآخر، وأشار إلى واقعة المسحول «حمادة صابر» ونفخ الفضائيات فى هذه الواقعة بتناقل مشهد سحله أما الاتحادية فى الوقت الذى تجاهلوا فيه سحل ومحاولة قتل ضابط الشرطة بميدان التحرير أثناء تأدية عمله بتأمين طالبات مدرسة «الحوياتي» الثانوية للبنات الواقعة بمحيط الميدان، ليؤكد أن الإعلام يكيل بمكيالين. وفى فصل «إعلام البسطاء» الذى اتخذ فيه عبدالهادى من الإعلامية منى الشاذلى نموذجا للإعلامى المنشغل بمكاسبه الشخصية التى سيجنيها من برنامجه، واصفا مهنيتها بأنها مرهونة بدعم اللوبى الإعلامى الذى تربطها به صداقات من أجل تبادل المنفعة والمصلحة، أكمل: الذى يمثل إعلام رجال الأعمال سواء «صحافة أو تليفزيون»، فدعم إعلاميى هذا الإعلام الرأسمالى الخالى من الولاء والانتماء للوطن بقدر انتمائه للجنيه والدولار واليورو باستثناء النادر منه هم الذين يقومون بالتخديم على بعضهم البعض رغم ضعف مستوى أكثر من 90% منهم والدليل أنهم أطلوا علينا فى غفلة من الزمن وفى هوجة الانتشار الإعلامى كأداة لحرق الوطن وتحقيق مصالحهم ومصالح أصحاب أموال إعلامهم المزيف «منى الشاذلي» التى لا يهمها حرق الوطن بتحريضها عليه فى برامجها بقدر ما يهمها فى المقام الأول لفت الانتباه إلى صورتها على الشاشة -بصرف النظر عما تقدمه– ويكفى تباطؤها الشديد فى مخارج الألفاظ وبحثها عن الكلام، خاصة فى مقدمة أى حوار وهو ما يدل على أن هذا الكلام لا يخرج من القلب وإلا خرج منطلقا كالصاروخ دون أن يحتاج منها معاناة فى البحث عنه.
 
كما أشار عبدالهادى إلى التغطية التى قدمتها الشاذلى لقضية المواطنة المصرية مروة الشربينى التى قتلت فى ألمانيا، بأن الشاذلى اهتمت بتصوير تجولها فى أنحاء ألمانيا بعيدا عن الجو المحكمة بحجة عدم السماح لها بدخول القاعة، مستنكرا هذه الحجة على اعتبار انه من الطبيعى أن تتم هذه الترتيبات لهذه التغطية قبل السفر لألمانيا، مشيرا إلى أنه كان من الممكن استدراك ذلك بتقديم معايشة لأجواء المحاكمة خارج القاعة من خلال مسئولين أو جمهور، وكشف عبدالهادى عن حماسه فى الماضى للشاذلى التى استطاعت كشف عدد من قضايا الفساد فى عهد مبارك التى كانت تتخطى فيها كل الخطوط الحمراء داخل القضية لكن دون المساس برءوس النظام السابق وهو ما اكتشفه فيما بعد وكتب: لم أكن أدرى أن كل ذلك مجرد تمثيلية تريد من ورائها كسب تعاطف الجمهور لصالحها وأنه دور جاءت لتلعبه. فى فصل «الإعلام.. آلة الحرب الحديثة» كتب عبدالهادى الآتى: الإعلام الأسود أصبح أشبه بآلة الحرب بعد أن تم استخدامه ليدمر كل طرف من أطراف الصراع به الآخر بقصد خراب البلد.. فـ»باسم يوسف» الذى يعتبرونه تميمة النقد اللاذع ما هو إلا أداة تستخدمه الآلة الأمريكية وأعوانها من أصحاب رءوس الأموال الفاسدة والقنوات المشبوهة لشحن الناس وتحريضهم لحرق الوطن، فما يفعله هو ومن على شاكلته ما هو مجرد إلا تمثيليات مفضوحة. يرى عبدالهادى أن هذه تمثيليات قام بها باسم لأجل الدعاية لبرنامجه، كما شارك بها أيضا الإعلاميين الذين رفضوا انتقاد باسم لهم وصل إلى حد أن رفع بعضهم دعاوى قضائية عليه فى مقدمتهم الإعلامى عماد أديب، ليكون كل ذلك ما هو إلا جواز مرور للدخول إلى منطقة الإخوان والرئيس والتيارات الإسلامية، مشيرا إلى أن باسم على مدار حلقاته لم يقترب من جبهة الإنقاذ الوطني، ويستكمل عبدالهادى: «باسم يوسف» الذى يتخذ من المذيع والممثل الأمريكى جون ستيوارت قدوة ومثلا له – مع فارق ثقل ظل «يوسف» والاستخفاف الزائد عن الحد بإباحية مطلقة لا يستخدمها «ستيوارت» نفسه رغم أنه مجتمع غربى من الممكن أن يتقبل تلك الإباحية بخلاف مجتمعنا الشرقى الذى يحرص على الفضيلة والأخلاق اللتين تؤرقان « يوسف» وأمثاله ممن يريدون مجتمعا منفلتا إباحيا يتناسب مع أهوائهم وملذاتهم.