الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

حديث المناظرات




سوف أعود إلي تحليل نتائج الفوز الكاسح للأستاذ الكبير مكرم محمد أحمد بعد وقت قليل‮.. ‬فالفوز والأسبوع الذي سبقه‮.. ‬بعد جولة الإعادة‮.. ‬في التمهيد للانتخابات شهد الشيء الكثير‮.. ‬الذي‮ ‬يحمل دلالات متنوعة‮.. ‬لكنني أريد أن أتطرق اليوم إلي موضوع مهم أعادته تلك المعركة الانتخابية إلي السطح‮.. ‬وكان مطروحا في مرات سابقة‮.. ‬ألا وهو‮ (‬التناظر بين المرشحين‮) ‬في أي انتخابات سواء كانت في الصحفيين أو‮ ‬غيرها‮.‬

ويعتقد كثير من المرشحين في مصر أن لقاء في أي برنامج سوف‮ ‬يؤدي إلي نوع من الخسران المريع لأي مرشح آخر‮.. ‬اعتمادًا علي أن الحوار التليفزيوني قد‮ ‬يكون مجرد‮ (‬هلفطة‮) ‬و(مباكسة‮) ‬وبعض الاستعراض في التنابز بالكلمات‮.. ‬والكثير منهم‮ ‬يظن أن المناظرة ليست سوي حلقة في برنامج الاتجاه المعاكس‮.. ‬لكن الأمر‮ ‬غير ذلك في الواقع‮.‬

والمناظرات التي‮ ‬يستوحي منها الكثيرون اقتراحات الرغبة في إجرائها بين المتنافسين في مصر هي تلك التي تجري في الانتخابات الأمريكية‮.. ‬ثلاث مرات‮.. ‬بعد نضج العملية الانتخابية‮.. ‬واقترابها من الحسم‮.. ‬وهذه المناظرات الأمريكية لها قواعد محددة‮.. ‬ولجنة تنظمها‮.. ‬وتراجع قواعدها قبل كل انتخابات‮.. ‬وهناك من‮ ‬يقول إن بعض المرشحين المتنافسين‮ ‬يوقعون بروتوكولات سرية فيما بينهم تحدد ما سوف‮ ‬يجري في المناظرة بينهم‮.‬

وأهم قاعدة في المناظرات الأمريكية هي أنها لا تجوز إلا بين من حصل علي قدر معين من الأصوات‮.. ‬أي أنه لا‮ ‬يستحق أي مرشح أن‮ ‬يدخلها في المطلق لمجرد أنه وقع استمارة ترشيح‮.. ‬ولذا لا‮ ‬يدخلها عادة المرشح الثالث لأنه‮ ‬غير مؤهل لها‮.. ‬وفي بعض المرات اشترطت اللجنة أن‮ ‬يحصل كل مرشح علي‮ ‬270‮ ‬صوتا من مجموع أصوات الهيئات الانتخابية قبل أن‮ ‬يدخل المناظرة‮.. ‬لا‮ ‬يمكن بالتالي أن‮ ‬يكون هناك مرشح من حزب شديد القوة‮ ‬يقبل مناظرة مرشح حزب ضعيف‮.. ‬وفي هذا السياق تتدخل استطلاعات الرأي‮.. ‬وهي صناعة علمية موثوق فيها في الولايات المتحدة‮.‬

المناظرة في الأساس هي عمل سياسي منظم وله ضوابط‮.. ‬ينقل تليفزيونيًا في حضور الجمهور أو عدم حضوره‮.. ‬والمعني أنها ليست برنامجًا تليفزيونيا‮.. ‬للصراع أمام الجمهور‮.. ‬حيث تطرح مذيعة أو مذيع مجموعة من الأسئلة التي قد تلتف علي هذا وتحابي ذاك‮.. ‬بل تدار بحياد تام‮.. ‬ويكون من حق كل متناظر أن‮ ‬يجيب في وقت محدد‮.. ‬يساوي الوقت الذي أتيح للآخر‮.. ‬ولا‮ ‬يمكن له أن‮ ‬يستخدم أي تعبيرات خارجة أو ألفاظ نابية‮.. ‬ببساطة لأنه لا‮ ‬يمكنه ذلك ليس تأدبًا وإنما لأن الوقت لا‮ ‬يسمح بمثل هذه الألعاب‮.‬

والأهم أن المناظرة لها في كل مرة موضوع بعينه‮.. ‬يتم طرح أسئلة فيه كل منها‮ ‬يتناول أمرًا محددًا‮.. ‬والسؤال‮ ‬يطرح بنفس الصيغة علي المتناظرين‮.. ‬ويكون الوقت ضيقا بينما الموضوعات عريضة جدًا‮.. ‬ومن ثم فإن فريق كل مرشح‮ ‬يعكف أسابيع علي أن‮ ‬يختار للمرشح ما سوف‮ ‬يقوله ويعبر عن برنامجه وأفكاره‮.. ‬بصورة مقتضبة ومؤثرة‮.. ‬ونحو الهدف‮.. ‬وبدون ألاعيب شخصية‮.. ‬أو اتهامات للآخر‮.. ‬فهذا ليس موضوع الحوار‮.‬

وبالتالي فالمسألة مختلفة تماما عما‮ ‬يتصوره الكثيرون في مصر‮.. ‬وهي عمل‮ ‬يقتضي استعدادًا‮.. ‬ويفترض أن لدي كل مرشح برنامجًا واضحًا ومحددًا‮.. ‬وموضوعًا‮ ‬يدافع عنه‮.. ‬وسياسات واقعية‮.. ‬ولا أعتقد أن كثيرًا من المرشحين في كثير من الانتخابات التي جرت في مصر خلال السنوات الماضية كانت لديه هذه القدرات وتلك المواصفات‮.. ‬بدليل أنه حتي حين ظهر كل مرشح معارض بمفرده في الانتخابات الرئاسية علي شاشة التليفزيون لم‮ ‬يؤثر في الجمهور‮.. ‬حتي وهو لا‮ ‬يواجه ضغوطا من المقارنة مع الآخرين‮.. ‬والشاشة ملك له وحده‮.‬

فهل تشهد الانتخابات الرئاسية المقبلة مناظرات من هذا النوع في مصر؟‮.. ‬الأمر‮ ‬يتوقف علي مستجدات الأمور‮.. ‬والأهم من هم المرشحون‮.. ‬وهل سيكون هناك تقارب فيما بين اثنين فيها بحيث‮ ‬يؤدي ذلك إلي وجوبية المناظرة‮.. ‬والتقارب معناه الشعبية والبرنامج الذي‮ ‬يطرحه كل شخص وقدرة حزبيهما؟

البريد الإليكترونى: www.abkamal.net

الموقع الإليكترونى: [email protected]