السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كل الطرق تمر عبر مصر




 


كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 22 - 05 - 2010


- الرئيس شرح لبيرلسكوني آليات انتقال السلطة بطريقة دستورية هادئة


- وقال: «الله يعلم من يخلفني» ليغلق الباب في وجه سؤال مكرر ومعاد وممل


- بيرلسكوني - أيضاً - أحاط الرئيس بمشاكله الداخلية وأزمة الثقة في الحكومات الأوروبية


مبارك قال لبيرلسكونى :


- لن أسمح بأن يحدث في مصر ما يحدث في دول أخري


- البعض لا يريدون الطوارئ ولا قانون مكافحة الإرهاب
- الإرهاب هو بديل السلام وسوف يعم العالم كله
بيرلسكونى قال لمبارك:
- الانتهاء من الجامعة الإيطالية في عامين بدلاً من سبعة
- مصر هي الدولة الأكثر جاذبية لدي الشعب الإيطالي
- مبارك ترك فراغاً في القمة العربية وكان «الغائب الحاضر»
«المثل القديم» كان يقول كل الطرق تؤدي إلي روما.. والآن نقول «كل الطرق إلي الشرق الأوسط تمر عبر مصر ومبارك».. هذا الكلام ليس من عندي، ولكنه جاء علي لسان رئيس الوزراء الإيطالي بيرلسكوني.. وياليت المحتقنين والمشككين الذين يتحدثون عن ضياع دور مصر ومكانتها،يستمعون إلي شهادة تقدير واحترام من رئيس وزراء واحدة من أكبر أربع دول في أوروبا.
بيرلسكوني كان ضيف شرف في القمة العربية التي عقدت منذ عدة أسابيع في العاصمة الليبية طرابلس، ولمس بنفسه الفراغ الذي نجم عن عدم حضور الرئيس بسبب الجراحة التي أجراها في ألمانيا.. وقال للرئيس: «لقد كنت الغائب الحاضر في القمة، وتمني لك الجميع الصحة والعافية، والحمدلله أنك عدت تتمتع بموفور الصحة والنشاط والروح المرحة المعروفة عنك».
وفي المؤتمر الصحفي الذي أعقب المباحثات بين الوفدين، احتفي بيرلسكوني بالرئيس، وأشاد بحكمته وخبرته وقدرته علي تعظيم دور مصر ومكانتها، وإنها استطاعت أن تنال ثقة واعتراف مؤسسات التمويل الدولية، ولم تتأثر كغيرها بالأزمة الاقتصادية العالمية، بل حققت مع عدد محدود من الدول معجزة اقتصادية.
--
التفاهم الاستراتيجي مع دولة مهمة
إيطاليا - علي هذا النحو - تشكل نموذجاً خلاقاً للتعامل بين مصر وإحدي الدول الكبري في العالم، ووصلت العلاقات إلي مرحلة التفاهم الاستراتيجي، وهي أعلي شأنا وقيمة من التعاون الاستراتيجي، لذلك يحرص مبارك علي مد جسور الاتصال والحوار مع واحدة من أكبر الدول في الاتحاد الأوروبي بجانب ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
تطرق الحوار الذي دار بين الرئيس مبارك ورئيس الوزراء الإيطالي في جلسة المباحثات المغلقة بينهما إلي القضايا الداخلية، ليس لأن إيطاليا تريد أن تدس أنفها في الشئون الداخلية المصرية، ولكن في إطار إحاطة إحدي الدول الصديقة بآخر تطورات الموقف في المنطقة، ومثلما فعل مبارك حين أحاط بيرلسكوني علماً ببعض الأحداث الداخلية.. فعل بيرلسكوني وأحاط الرئيس علماً بتطورات الأوضاع الداخلية في إيطاليا.
بيرلسكوني شرح للرئيس الأوضاع التي تحيط بحكومته، وأبدي سعادة كبيرة لأنها مستمرة في الحكم دون عزلها لمدة ثلاث سنوات، وأنه يتمني أن يكمل عامين آخرين، مشيراً إلي أن متوسط عمر الحكومات في بلاده لا يتجاوز 11 شهراً.. وتحدث أيضا عن انخفاض شعبية الحكومات في الدول الأوروبية، واختفاء الزعامات التاريخية وعدم ظهور زعامات جديدة، وتمني أن تملأ بلاده الفراغ وتلعب دوراً مهماً علي مستوي أوروبا والعالم.
--
آليات انتقال السلطة في مصر
حرص الرئيس مبارك في المقابل علي اطلاع بيرلسكوني علي حقيقة الأوضاع في مصر، وأن البلاد مقبلة علي انتخابات برلمانية ورئاسية، وشرح له آليات انتخاب رئيس الجمهورية بالانتخاب الحر المباشر، والضمانات الدستورية والقانونية لانتقال السلطة بشكل سلمي وهادئ، خصوصا أن بعض وسائل الإعلام تعمد إلي تضخيم قضية مستقبل الحكم في مصر علي غير الحقيقة والواقع.
صدقت توقعات الرئيس، وفي المؤتمر الصحفي الذي أعقب اللقاء المغلق، سأل أحد الصحفيين الرئيس عمن يخلفه في الحكم، وابتسم الرئيس ووصف السؤال بأنه «دمه خفيف» وقال له بعبارة فيها عفوية وتلقائية: «الله وحده هو الذي يعلم من سيخلفني في الحكم» وكأن الرئيس أراد أن يغلق الباب في وجه هذا السؤال المكرر والممل.
--
ماذا عن مخاطر الإرهاب؟
أوروبا كلها مهتمة بمخاطر الإرهاب، وطرح بيرلسكوني السؤال علي الرئيس بشكل مباشر، وتحدث الرئيس عن أن مصر ليست معرضة لمخاطر الإرهاب كما كان في السابق، وقد نجحت في التعامل معه والقضاء عليه دون أن تمس حقوق الإنسان أو تفرض قيوداً علي الحريات العامة، وحققت نجاحاً كبيراً في هذا الصدد.
تحدث الرئيس - أيضاً - عن وجود بعض الخلايا النائمة التي تحتاج إلي اليقظة التامة والحسم والسرعة، وقدم شرحاً مفصلاً عن خلية حزب الله التي تمكنت قوات الأمن المصرية من ضبطها في الوقت المناسب، قبل القيام بعمليات إرهابية تستهدف قناة السويس والمنشآت والمصالح الخاصة ببعض الدول الأجنبية.
تلك هي الأسباب التي اضطرت مصر إلي مد العمل بقانون الطوارئ، وقصرت استخدامه علي الإرهاب والمخدرات، ووضعت ضمانات قانونية مشددة لتطبيق القانون بشفافية ووضوح، وأن يكون ذلك تحت رقابة القضاء.. ولكن المشكلة هي أن البعض في مصر لايريدون تمديد الطوارئ ولا قانون مكافحة الإرهاب.. وشدد الرئيس علي أنه لن يسمح بأن يحدث في مصر ما يحدث في بلدان أخري.
--
مصر لديها فرصة رائعة للاستثمار
كان بيرلسكوني حريصاً علي أن ينقل للرئيس مبارك والوفد المرافق له بعض المؤشرات المهمة وهي: أن مصر هي الأكثر جاذبية لدي الشعب الإيطالي، وذلك من واقع استطلاع للرأي أجرته إحدي المؤسسات الموثوق بها، وتوقع أن يزيد عدد السائحين الإيطاليين في الفترة المقبلة إلي 2 مليون سائح، والمعروف أن السائحين الروس يحتلون المكانة الأولي في السياحة الوافدة إلي مصر، ويبلغ عددهم 2 مليون سائح، بينما السائحون الإيطاليون مليون والسائحون الألمان نفس العدد.
المؤشر الثاني المهم هو: أن مصر لديها فرصة كبيرة في اقتناص الاستثمارات الأجنبية، حيث تتجه معظم الشركات الأوروبية الآن للاستثمار في الشرق الأوسط ومصر في الصدارة، وستصبح أكبر سوق لجذب تلك الاستثمارات.
المؤشر الثالث هو: ثقة مؤسسات التمويل الدولية في الاقتصاد المصري، وأشاد بيرلسكوني بنجاح مصر في الحفاظ علي نسبة نمو تتراوح بين 4% و5% رغم ظروف الأزمة العالمية التي تراجعت بنسب النمو في معظم دول العالم إلي تحت الصفر.. وقدم التهنئة للرئيس مبارك والمجموعة الوزارية علي هذا النجاح الكبير.
ميزة الاستثمارات الإيطالية في مصر أنها تتوافق مع متطلبات الاقتصاد المصري ولا تفرض شروطاً ولا قيوداً علي أي نوع من الأنشطة، وتركز في الأنشطة التصديرية التي تفتح أسواقاً جديدة للصادرات المصرية، وسوف تلعب إيطاليا دوراً مهماً كبوابة لعبور الصادرات المصرية إلي أوروبا عبر الممر الأخضر، بإنشاء خطوط بحرية سريعة بين الموانئ المصرية ونظيرتها الإيطالية لتسهيل نقل الصادرات.
--
السلام هو بديل الإرهاب
حرص الرئيس مبارك علي أن ينقل وجهة نظره بشأن مفاوضات السلام غير المباشرة التي تجري حالياً بين إسرائيل والفلسطينيين، مشدداً علي ضرورة أن يلعب المجتمع الدولي دوراً فعالاً في دفع التسوية السلمية وإعلان قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، حتي تهدأ المنطقة ويعم الأمن والاستقرار دولها وشعوبها.
استمع الرئيس أيضاً لوجهة نظر بيرلسكوني الذي يبدو أنه علي دراية واسعة بالخلافات الحادة بين الفلسطينيين، وكذلك انقسام الإسرائيليين إلي جناحين مؤيد ورافض للمفاوضات، وعرضت إيطاليا أن تستضيف المفاوضات المؤقتة في جزيرة صقلية، علي أن تتحمل كل النفقات الخاصة بالوفود.
شدد الرئيس علي ضرورة أن تبدأ المفاوضات غير المباشرة بقضيتي الحدود النهائية وليس المؤقتة والأمن، مؤكداً أن تلك القضايا حصلت علي موافقة جامعة الدول العربية، ولكن ما يعرقل ذلك هو أن إسرائيل تفضل محادثات مؤقتة، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة.
«الإرهاب هو بديل السلام» هكذا انطلقت تحذيرات الرئيس، مؤكدا أنه إذا استمر الوضع علي ما هو عليه فسوف تضيع جهود وسنوات طويلة، ستنتهي بانتشار الإرهاب علي نطاق واسع في كل مكان في العالم، ولذلك فليس من مصلحة المجتمع الدولي قبول المماطلة والتسويف من جانب إسرائيل.
--
مشروعات إيطالية بمواصفات مصرية
أهمها الجامعة المصرية الإيطالية التي تم تخصيص مائة فدان لها في مدينة العبور، وسوف تهتم بالدراسات الفنية والتكنولوجية لتقديم خريجين علي مستوي سوق العمل في أوروبا في مختلف التخصصات النادرة وعلي أعلي قدر من التأهيل.. وكان من المقرر أن ينتهي العمل في الجامعة في غضون سبع سنوات، إلا أن الرئيس مبارك طلب أن ينتهي العمل في عامين مثلما حدث مع الجامعة اليابانية في مصر، ووافق بيرلسكوني علي تخصيص اعتمادات مالية وأن تعمل الشركات طول اليوم للانتهاء من المشروع الكبير.
خصصت إيطاليا كذلك منحة لتدريب العمالة المصرية في مصر لتوفير التخصصات التي تحتاجها إيطاليا والأسواق الأوروبية، وتم توقيع بروتوكول مع وزارة القوي العاملة في هذا الشأن، ومن المتوقع أن توفر إيطاليا 8 آلاف فرصة عمل للمصريين، ويزداد العدد أو يتناقص حسب الظروف الاقتصادية.
المشكلة الأهم وهي الهجرة غير الشرعية في طريقها إلي الحل، بعد تشديد الإجراءات الأمنية في المياه الدولية بالاتفاق بين إيطاليا وليبيا حيث تخرج القوارب من هناك، وتم تشديد العقوبات علي الهجرة غير الشرعية واعتبارها جريمة لها عقوبات مشددة، وتم تفعيل الاتفاق الأمني باتفاق وزارات الداخلية في البلدين.
--
اليونان.. زيارة دعم ومساندة
قام الرئيس مبارك بزيارة خاطفة لليونان لسببين: الأول هو شد أزر هذا البلد الصديق الذي يعاني من أزمات طاحنة، وصلت إلي حد مطالبة بعض الدول الأوروبية ببيع الجزر اليونانية لسداد الديون.. والثاني هو تحقيق التوازن الدقيق في الموقف المصري بين تركيا من ناحية واليونان وقبرص من جانب آخر، فجميعها تربطها علاقات جيدة بمصر، وتلعب دوراً رئيسياً في تحقيق الاستقرار في البحر المتوسط.
بالتعبير البلدي الدارج «منبقاش جنب اليونان ولا نمر عليهم لنتضامن معهم في وقت الأزمة»، وقد سبق للرئيس مبارك أن زار اليونان في عام 2008 وعقد مباحثات مهمة مع القادة اليونانيين، حيث تحتاج إدارة العلاقات مع تركيا واليونان وقبرص إلي توازن دقيق. هناك أيضاً ملفات مشتركة بيننا وبينهم أهمها ترسيم الحدود البحرية، وأكدت مصر أنه ليس لديها مانع في ذلك، إذا ما قامت اليونان بترسيم الحدود الشرقية مع تركيا أولاً.. وكذلك هناك مشروعات أخري للتنقيب عن البترول في المياه الإقليمية ترتبط بالانتهاء من ترسيم الحدود.
مصر ترحب - أيضاً - بالتعاون مع اليونان وتركيا باعتبارهما من أكثر الدول المؤيدة للمواقف المصرية والعربية في الاتحاد الأوروبي، وتلعب دوراً مهماً في تحقيق التوازن مع دول أخري داخل الاتحاد، أكثر تأييداً لإسرائيل من الولايات المتحدة.. ويساعد علي ذلك العلاقات الوطيدة التي تربط بين مبارك وباباندريو، وقبله والده الذي كان صديقاً للرئيس.


كرم جبر