وصلتني الرسالة التالية.. عن مشكلة تبدو بسيطة.. ولكن لها أكثر من معني.
عبد الله كمال
يقول كاتبها القارئ الأستاذ إبراهيم ناشد: "في شارع رمسيس الرئيسي، أسفل كوبري المشاة الجديد، قبل كوبري العباسية، عند صيدلية علي وعلي، يوجد مطب صناعي ترك سهوا يقوم بكسر السيارات وإصابتها بأضرار بالغة، نستغيث بمحافظ القاهرة، رأفة بالسائقين والسيارات".
انتهت الرسالة.
أما المعني الأول فهو أن القارئ، ومثله كثيرون، يؤمنون بأهمية الصحافة، وأنها قادرة علي أن تجد حلاً لكل المشكلات أو التعبير عن جميع شكاوي الناس.. بدءاً من قانون الضرائب العقارية وأنبوبة البوتاجاز.. وصولاً إلي مطب صناعي (مسهو عنه) في شارع رمسيس.
ولو انتبهت الصحافة إلي عمق ذلك المعني لأدركت حجم المسئولية الملقاة علي عاتقها.. وخطورتها.. وضرورة الإصرار علي الإخلاص لها.. وللإخلاص أوجه متنوعة ليس منها الابتزاز أو الإثارة أو الفبركة أو أي من أمراض مهنتنا المعروفة.
المعني الثاني.. هو أن المواطن صاحب الشكوي.. يعتقد بمسئولية المحافظ عن المطب.. وأن الشكوي لابد أن توجه إليه.. وبغض النظر عن أني أري أن أداء السيد عبدالعظيم وزير (المحافظ لمن لم يذكر اسمه) ليس علي المستوي اللائق بعاصمة مثل القاهرة.. إلا أن المطب بالتأكيد ليس مسئوليته.. وهو بالتأكيد أمر يقع في نطاق رئيس الحي.. أو ربما المسئول عن المرور في المنطقة.
عادة ما يحمل المواطن في مصر المسئولية برمتها.. من أصغر شيء إلي أكبر شيء.. علي المسئول الأول..وقد كان القارئ صاحب الشكوي متواضعاً فحملها للمحافظ.. ولكن هناك من يمكن أن يحملها لرئيس الوزراء.. ومن يمكن أن يضعها أيضا فوق كاهل الرئيس.. وهناك عبارة مضحكة معروفة تقول: الدنيا برد.. إذن الحكومة غلطانة!.. (غلطانة) هي الكلمة الأكثر أدباً التي تستخدم حين تقال تلك العبارة.
وليست المشكلة هنا في المواطن وحده.. وإنما في أن المسئول المختص علي المستويات الأضعف لايظهر في الصورة.. فلا يشعر به المواطن.. وهذا بعض من خبث البيروقراطية المصرية.. تتبرأ من المهام.. وتلقي بالأعباء إلي من هو أعلي.. وتتقمص دور الشاكية إلي جانب المواطن لكي لايقوم ممثلوها بأعمالهم.. كسلاً أو فساداً.
وإذا كانت البيروقراطية (مكارة).. فإن المركزية (جبارة).. وهي بدورها تتحمل كثيراً من المسئولية.. والتطوير الجاري الآن في نظم الإدارة المحلية.. حتي قبل أن يتم تعديل القانون.. قد يكون حلاً.. وقد يؤدي إلي إعادة توزيع المسئوليات والمهام.. وكشف الدور الذي تقوم به السلطات المحلية.. لكي تحاسب عليه.. سلباً أو إيجاباً.. عقاباً أو عتاباً أو امتداحاً.
أما المعني الثالث.. فهو أننا أمام واحدة من المشكلات البسيطة.. ولكنها سخيفة.. ومتكررة.. مشكلة اسمها (المطبات الصناعية).. التي قد تقام لسبب ما.. وحين ينتهي مبررها ينساها المختصون.. أو تقام بدون علة.. أو ترضية لمقيم في مكان قريب.. أو تقام ولا تصان ولا ترمم فتتحول إلي مزيج من المطبات والحفر والطوب المتناثر.. أو تقام بدون مراعاة المواصفات.. فتؤذي السيارات وتدمر الثروات وتعطل المرور.
في حياة كل منا مطب من هذا النوع الذي يسبب له مشكلة يومية.. وفي الريف يعمد أهالي القري إلي إقامة مثل تلك المطبات الصناعية دون ضابط أو رابط.. خصوصاً حين تقع حادثة فظيعة علي طريق يمر بقرية ما.. فيظن الناس أن المطب يؤمنهم.. ويحمي أولادهم.. والمشكلة أنه يحدث تنافس بين العائلات.. هذا يضيف.. وذاك يضع مطباً بعد جاره.. وثالث يبدع في مطبه.. فيرتفع به أكثر من غيره لمزيد من الضمانات.. في غيبة السلطات المحلية.. إذ أصبح لكل مطب بانٍ ومالك وصاحب يرعاه ويجوده ويعليه.
وأما المعني الرابع فهو أن مثل تلك الأمور الصغيرة.. علي تفاهتها.. كافية لكي تفسد حياة الناس.. حتي لو كانت كل مقومات يومهم تسير طبيعية.. هذا يضايقه مطب.. وذاك تعكره رشوة.. وثالث تؤذيه عيوب الخبز.. ورابع تؤسفه أكوام القمامة.. وخامس يربكه زحام الأتوبيس.. وسادس تزعجه بلطجة سائق الميكروباص.. وهلم جراً.. ومن مجموع كل هذه الأشياء الصغيرة التي لاتحتاج إلي جهد كبير نكون أمام محصلة مزاجية عامة.. غير طيبة.
البريد الإليكترونى: www.abkamal.net
الموقع الإليكترونى: [email protected]