الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

وصلتني الرسالة التالية‮.. ‬عن مشكلة تبدو بسيطة‮.. ‬ولكن لها أكثر من معني‮.‬




يقول كاتبها القارئ الأستاذ إبراهيم ناشد‮: "‬في شارع رمسيس الرئيسي،‮ ‬أسفل كوبري المشاة الجديد،‮ ‬قبل كوبري العباسية،‮ ‬عند صيدلية علي وعلي،‮ ‬يوجد مطب صناعي ترك سهوا يقوم بكسر السيارات وإصابتها بأضرار بالغة،‮ ‬نستغيث بمحافظ القاهرة،‮ ‬رأفة بالسائقين والسيارات‮".‬

انتهت الرسالة‮.‬

أما المعني الأول فهو أن القارئ،‮ ‬ومثله كثيرون،‮ ‬يؤمنون بأهمية الصحافة،‮ ‬وأنها قادرة علي أن تجد حلاً‮ ‬لكل المشكلات أو التعبير عن جميع شكاوي الناس‮.. ‬بدءاً‮ ‬من قانون الضرائب العقارية وأنبوبة البوتاجاز‮.. ‬وصولاً‮ ‬إلي مطب صناعي‮ (‬مسهو عنه‮) ‬في شارع رمسيس‮.‬

ولو انتبهت الصحافة إلي عمق ذلك المعني لأدركت حجم المسئولية الملقاة علي عاتقها‮.. ‬وخطورتها‮.. ‬وضرورة الإصرار علي الإخلاص لها‮.. ‬وللإخلاص أوجه متنوعة ليس منها الابتزاز أو الإثارة أو الفبركة أو أي من أمراض مهنتنا المعروفة‮.‬

المعني الثاني‮.. ‬هو أن المواطن صاحب الشكوي‮.. ‬يعتقد بمسئولية المحافظ عن المطب‮.. ‬وأن الشكوي لابد أن توجه إليه‮.. ‬وبغض النظر عن أني أري أن أداء السيد عبدالعظيم وزير‮ (‬المحافظ لمن لم يذكر اسمه‮) ‬ليس علي المستوي اللائق بعاصمة مثل القاهرة‮.. ‬إلا أن المطب بالتأكيد ليس مسئوليته‮.. ‬وهو بالتأكيد أمر يقع في نطاق رئيس الحي‮.. ‬أو ربما المسئول عن المرور في المنطقة‮.‬

عادة ما يحمل المواطن في مصر المسئولية برمتها‮.. ‬من أصغر شيء إلي أكبر شيء‮.. ‬علي المسئول الأول‮..‬وقد كان القارئ صاحب الشكوي متواضعاً‮ ‬فحملها للمحافظ‮.. ‬ولكن هناك من يمكن أن يحملها لرئيس الوزراء‮.. ‬ومن يمكن أن يضعها أيضا فوق كاهل الرئيس‮.. ‬وهناك عبارة مضحكة معروفة تقول‮: ‬الدنيا برد‮.. ‬إذن الحكومة‮ ‬غلطانة‮!.. (‬غلطانة‮) ‬هي الكلمة الأكثر أدباً‮ ‬التي تستخدم حين تقال تلك العبارة‮.‬

وليست المشكلة هنا في المواطن وحده‮.. ‬وإنما في أن المسئول المختص علي المستويات الأضعف لايظهر في الصورة‮.. ‬فلا يشعر به المواطن‮.. ‬وهذا بعض من خبث البيروقراطية المصرية‮.. ‬تتبرأ من المهام‮.. ‬وتلقي بالأعباء إلي من هو أعلي‮.. ‬وتتقمص دور الشاكية إلي جانب المواطن لكي لايقوم ممثلوها بأعمالهم‮.. ‬كسلاً‮ ‬أو فساداً‮.‬

وإذا كانت البيروقراطية‮ (‬مكارة‮).. ‬فإن المركزية‮ (‬جبارة‮).. ‬وهي بدورها تتحمل كثيراً‮ ‬من المسئولية‮.. ‬والتطوير الجاري الآن في نظم الإدارة المحلية‮.. ‬حتي قبل أن يتم تعديل القانون‮.. ‬قد يكون حلاً‮.. ‬وقد يؤدي إلي إعادة توزيع المسئوليات والمهام‮.. ‬وكشف الدور الذي تقوم به السلطات المحلية‮.. ‬لكي تحاسب عليه‮.. ‬سلباً‮ ‬أو إيجاباً‮.. ‬عقاباً‮ ‬أو عتاباً‮ ‬أو امتداحاً‮.‬

أما المعني الثالث‮.. ‬فهو أننا أمام واحدة من المشكلات البسيطة‮.. ‬ولكنها سخيفة‮.. ‬ومتكررة‮.. ‬مشكلة اسمها‮ (‬المطبات الصناعية‮).. ‬التي قد تقام لسبب ما‮.. ‬وحين ينتهي مبررها ينساها المختصون‮.. ‬أو تقام بدون علة‮.. ‬أو ترضية لمقيم في مكان قريب‮.. ‬أو تقام ولا تصان ولا ترمم فتتحول إلي مزيج من المطبات والحفر والطوب المتناثر‮.. ‬أو تقام بدون مراعاة المواصفات‮.. ‬فتؤذي السيارات وتدمر الثروات وتعطل المرور‮.‬

في حياة كل منا مطب من هذا النوع الذي يسبب له مشكلة يومية‮.. ‬وفي الريف يعمد أهالي القري إلي إقامة مثل تلك المطبات الصناعية دون ضابط أو رابط‮.. ‬خصوصاً‮ ‬حين تقع حادثة فظيعة علي طريق يمر بقرية ما‮.. ‬فيظن الناس أن المطب يؤمنهم‮.. ‬ويحمي أولادهم‮.. ‬والمشكلة أنه يحدث تنافس بين العائلات‮.. ‬هذا يضيف‮.. ‬وذاك يضع مطباً‮ ‬بعد جاره‮.. ‬وثالث يبدع في مطبه‮.. ‬فيرتفع به أكثر من‮ ‬غيره لمزيد من الضمانات‮.. ‬في‮ ‬غيبة السلطات المحلية‮.. ‬إذ أصبح لكل مطب بانٍ‮ ‬ومالك وصاحب يرعاه ويجوده ويعليه‮.‬

وأما المعني الرابع فهو أن مثل تلك الأمور الصغيرة‮.. ‬علي تفاهتها‮.. ‬كافية لكي تفسد حياة الناس‮.. ‬حتي لو كانت كل مقومات يومهم تسير طبيعية‮.. ‬هذا يضايقه مطب‮.. ‬وذاك تعكره رشوة‮.. ‬وثالث تؤذيه عيوب الخبز‮.. ‬ورابع تؤسفه أكوام القمامة‮.. ‬وخامس يربكه زحام الأتوبيس‮.. ‬وسادس تزعجه بلطجة سائق الميكروباص‮.. ‬وهلم جراً‮.. ‬ومن مجموع كل هذه الأشياء الصغيرة التي لاتحتاج إلي جهد كبير نكون أمام محصلة مزاجية عامة‮.. ‬غير طيبة‮.‬

البريد الإليكترونى: www.abkamal.net

الموقع الإليكترونى: [email protected]