بيان زواج نظيف
عبد الله كمال
أعلن الدكتور أحمد نظيف في بيان رسمي عن عقد قرانه في فبراير المقبل.. الحياة تسير.. وفيها الأحزان والأفراح.. وكما أعلن نعي مجلس الوزراء في الصيف الماضي زوجة الدكتور نظيف الأولي بعد مرض عضال.. رحمها الله.. فإنه أعلن عن زواجه من خلال بيان صحفي.
ونحن نختلف مع السيد رئيس الوزراء في أحيان كثيرة.. نختلف في السياسات وليس لأسباب شخصية.. ولكننا يجب أن نشيد بأي أمر يستحق أن يمتدح.. ومن ذلك إعلانه خبر عقد القران وتحديد الموعد التقريبي له.. فهذا إقرار منه بأنه حتي لو كان الحدث المعلن عنه شخصيا.. فإن من واجبه أن يقدم معلومات كافية عنه إلي الرأي العام.. فهو ليس مجرد شخص عادي في البلد.
الموضوع أصلاً لم يكن مطروحًا علي ذهنية الصحافة والرأي العام.. والجميع نسي أن رئيس الوزراء يعيش أعزب.. وربما لم ينتبه الكثيرون إلي أنه من حقه أن يعيش حياة عائلية مستقرة.. ومن ثم فإنه قال للرأي العام إنه باعتباره شخصًا طبيعيا يتزوج وإنه يعلن هذا بعد فترة ملائمة من الحداد المتفهم والمتوقع.
ما يعنيني هنا مهنيا هو أن نحترم كصحافة مبادرة رئيس الوزراء.. في تطبيق القاعدة الديمقراطية.. وقاعدة اطلاع الناس علي ما يخصه.. وأن علينا في المقابل كإعلام يتناول شئون الناس من مختلف الفئات أن نتعامل مع الخبر في معناه ومدلوله..وليس أن يتحول إلي قصة تتخطي حدود مضمونها.
لماذا أقول هذا؟ لأنني ببساطة وجدت أن بعض الصحف تعاملت مع الخبر بطريقة تتضمن الإثارة.. ولا أقول مثيرة.. ما ينحو بها إلي توقع ما يتلو ذلك.. بل إن مصدرًا تليفونيا للأخبار وجد في بيان رئاسة الوزراء ما يبرر أن يرسل به نصًا إلي مشتركيه باعتباره خبرًا عاجلاً.. ونفس الخدمة لم تبث لمشتركيها بالأمس أن بعضًا من المصريين قد قتلوا في حوادث السيول.. في أسوان وسيناء.. وهذه اهتمامات تلفت الانتباه إلي طبيعة توجهات بعض الصحف وموزعي الأخبار.
هنا مبادرة من رئيس الوزراء، سبقتها مبادرات مماثلة من شخصيات عامة أخري، أعلنت علي الناس مجريات حياتها الاجتماعية.. فتعاملت بعض الصحف قبل ذلك مع الأمر علي أنه فرصة لتطبيق نهج (الباباراتسي) وصحافة التابلويد الصفراء.. والسعي إلي أي كلام عن زواج هذا وخطوبة ذاك.. والزج بأسماء العائلات في قصص ذات طابع إثاري أو يبدو فيها اللهاث وراء حواديت.. وحكايات لا وزن لها عمليا في التأثير علي مصالح الناس.
واجبنا أن نقابل مثل هذه المبادرات الراغبة في إرساء قواعد مهمة بنفس الدرجة من الأريحية والحفاوة المناسبة، وأن نتعامل معها بطريقة تؤدي إلي تشجيع الشخصيات العامة علي أن تواصل المضي في نفس النهج.. فيعلنون للرأي العام ما ينبغي إعلانه بخصوص حياتهم الخاصة.. إرساءً لمبادئ المعرفة والشفافية.. ذلك أن سلوك الصحافة هو الذي يقدم التحفيز الواجب في هذا الإطار.. فإما أنه يكون إيجابيا وإما أنه سوف يدفع الشخصيات العامة إلي أن تفر بنفسها من صفحاتنا.
لا نريدها أخبارًا ذات طابع رسمي لا يقرأ.. أو تطرح علامات استفهام أكثر مما تجيب عن استفسارات أو تكشف من معلومات.. كما أننا لا نريدها مانشيتات.. وبعض الصحف انشغلت أمس بخبر أعلنه رئيس الوزراء بنفسه عن عقد قرانه أكثر من كونها انشغلت بقرارات اتخذها مجلس الوزراء الذي يرأسه نظيف ذاته لإخلاء القاهرة من العشوائيات ونقل سكان العشش من العاصمة.. وبالتأكيد فإن الخبر الأكثر جماهيرية والمعبر عن مصالح متنوعة هو الثاني وليس الأول.
الجانب الأخير في هذه المسألة هو إننا كصحفيين وإعلاميين نربي ذوق القراء ونقومه.. ليس صحيحًا أن الناس تريد هذا المنهج أو ذاك.. وإنما نحن الذين نخلق الذوق.. ولو انتهجنا المعايير الصحيحة مع الأخبار.. لفكرت إحدي الصحف عشر مرات قبل أن تجعل خبر زواج رئيس الوزراء في صدر صفحاتها الأولي بالأمس.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني : www.abkamal.net
