الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الرئيس والسيول




لم تفاجئنا تحركات الرئيس السريعة في اتجاه ضحايا السيول‮.. ‬تكاتفاً‮ ‬مع الضحايا‮.. ‬وتعضيداً‮.. ‬ومساندة‮.. ‬ومتابعة منه لمجريات تقديم العون والإغاثة لخلق الله المضارين‮.‬

‮ ‬هذا طبيعي جدًا في ضوء معرفتنا بأسلوبه وطريقته‮.. ‬ومن العادي أن يهتم الرئيس بما يتعرض له المواطنون في ظروف مختلفة‮.. ‬خاصة إذا كانت الأنواء فوق قدرة احتمال الفقراء‮.. ‬لا سيما إذا كانت المصيبة ناتجة عن كارثة طبيعية‮.. ‬وبالتحديد إذا ما كان الضحايا من هذا النوع‮ ‬غير القادر علي أن يصل بصوت ألمه إلي الحكومة وجهات المتابعة ووسائل الإعلام‮.‬ ‮ ‬وعلي الرغم من أنه لم يفاجئنا إلا أن تصرف الرئيس جدير بالتحية‮.. ‬والثناء‮.. ‬في ذات الوقت الذي نطلب فيه من الله أن ييسر علي الضحايا‮ ‬وقع الكارثة التي سببتها السيول في أنحاء مختلفة من مصر‮.. ‬وأن يعيدهم إلي دفء منازلهم من تشرد فرضته عليهم الطبيعة‮.. ‬وبرد وصقيع يلسع أبدانهم‮.. ‬وسيول أفقدتهم بعض ذويهم‮.‬

وقد ساوي الرئيس في اهتمامه بين كل فئات ومناطق مصر المضارة‮.. ‬من شمالها الشرقي في سيناء‮.. ‬إلي جنوبها في قري أسوان البعيدة‮.. ‬الواقعة في وديان ربما لم يزرها عدد من المسئولين والمختصين منذ سنوات‮.. ‬هؤلاء بدو‮.. ‬وأولئك من النوبة وكلهم مصريون‮.. ‬مواطنون من حقهم أن يجدوا الرعاية الواجبة والمساندة الأصيلة‮.. ‬وقد أوفي الرئيس بالحق بعيد ساعات من حدوث الكارثة‮.‬

والهدف هنا لا علاقة له بالسياسة‮.. ‬ولا بأغراض الدعاية‮.. ‬وإنما بتكاتف وطني شامل عنوانه هو سلوك الرئيس‮.. ‬الذي يعني تحركه أنه يضع مسئوليات مختلفة لابد من الالتزام بها علي كاهل كل من يعنيه الأمر في الحكومة وجهات الإنقاذ والمجتمع المدني الذي يعاني من أمراض المركزية ويحاصر نفسه في نطاق العاصمة حيث كاميرات الصحافة والتليفزيون‮.‬

‮ ‬لقد ذهب الرئيس إلي مواقع مضارة في جنوب سيناء قبل أن يسافر إلي أسوان‮.. ‬ولأن تحركه مخلص دون‮ ‬غرض وانطلاقاً‮ ‬من إحساس حقيقي بالواجب‮.. ‬فإنه لم ينتظر وسائل الإعلام لكي تلاحقه‮.. ‬وكاميرات التلفزة لكي تصوره‮.. ‬بل قام بجولته‮.. ‬وتفقد الأحوال‮.. ‬قبل أن يعلم الوزراء باتجاهه إلي أسوان بالطائرة‮.. ‬حيث سافر عدد منهم إليها في مساء الثلاثاء‮.. ‬وحيث قام بجولته صباح أمس‮.. ‬وقرر رفع التعويضات للمنازل المضارة إلي‮ ‬25‮ ‬ألف جنيه بدلا من‮ ‬15‮ ‬ألف جنيه وفق ما تقرر من قبل‮.‬

‮ ‬الكثير من المتابعين كانوا يرفلون في بعض الدفء الذي توفره العاصمة وأجواء المدن الكبيرة‮.. ‬ويتدثرون بالأغطية في مواجهة بعض قطرات الأمطار التي روعت نعيمهم‮.. ‬وكاميرات البرامج كانت تنعم بلقطات من مكاتب وثيرة‮.. ‬وأحداث لطيفة في القاهرة‮.. ‬والمذيعون كانوا في حالة‮ ‬غيابهم داخل مناقشات سفسطائية في موضوعات هي بالتأكيد فارغة‮.. ‬ونشطاء‮ ‬6‮ ‬أبريل كانوا مشغولين بتحليل مساندة وزارة الخارجية الأمريكية لهم حين ذهبوا إلي نجع حمادي لافتعال بعض الصخب‮.. ‬وقيادات الأحزاب كانوا في جمودهم المزمن والمرضي‮.. ‬وجماعة الإخوان أدركت أن مواقع السيول ليس فيها عدد من أصحاب الأصوات الانتخابية‮ ‬ولا كاميرات الصحافة فلم ترسل إليهم حقائب الدعاية الإنسانية الكاذبة والملفقة‮.. ‬لكن الرئيس‮ - ‬وهو لا يقارن بكل هؤلاء‮ - ‬كان سباقاً‮ ‬ووحده هناك‮.‬

‮ ‬الآن سوف يمتطي أحد نواب المعارضة قلماً‮ ‬يركب ورقة ويكتب طلب إحاطة ويوجه سؤالاً‮ ‬ناريا من دفء شارع مجلس الشعب إلي الحكومة منددًا بعدم قدرتها علي مواجهة السيول‮.. ‬وسوف يتقدم آخر بطلب إحاطة إثباتاً‮ ‬لكونه كان علي الخط مع الناس من خلال بعض الضجيج‮.. ‬وسوف‮ ‬يحدث بعض من الممارسات المماثلة التي تثبت مرة جديدة اننا أمام حالات ادعاء لا قيمة لها وزيف مكشوف‮.. ‬في مقابل مصداقية واقعية وميدانية يمثلها الرئيس بسلوكه‮ ‬غير المفاجيء‮.‬

‮ ‬أين هؤلاء الذين يزعمون أنهم أصحاب قلوب رحيمة‮.. ‬ويجمعون تبرعات سياسية من أجل‮ ‬غزة‮.. ‬وأولئك الذين يوظفون موضوع فلسطين من أجل أن يتهموا مصر بأنها لا تراعي أبناء الأمة‮.. ‬أين هم من أمتهم الأولي‮.. ‬من‮ ‬الأمة المصرية‮.. ‬من مصر‮.. ‬ومواطنيها‮.. ‬ضحايا السيول؟ وحيث لا يوجد احتلال ولا حصار‮.. ‬إن موقعهم معروف‮.. ‬ومزايدتهم تنفضح‮.. ‬وكذبهم مكشوف‮.. ‬ولا شك أن الرأي العام يدرك‮ ‬في كل لحظة هذا الواقع المؤلم المتجسد في نخبته‮.. ‬وتلك الأصوات المحتالة‮.. ‬التي تماثل قرعاً‮.. ‬يمد إلي الخارج‮.. ‬لأنه يريد أضواءً‮ ‬أو مالاً‮ ‬ولا يخلص لبلده‮.. ‬وإنما يقدس الشهرة علي حساب وطنه ومواطنيه‮.‬

غير أن هذه الحالة لا تنسينا أن نطالب الحكومة بمزيد من الاهتمام المسبق بتلك المواقع التي يفترض فيها أن تقع السيول‮.. ‬وأن تنشغل جهات الأرصاد الجوية بالقدرة علي التنبؤ‮.. ‬فمثل هذه الظواهر لا تكون مفاجئة ومن ثم يمكن الاستعداد لها بترحيل سكان الوديان والذين يعيشون في مخرات السيول‮.. ‬والأهم أن علي الحكومة أن تجد منازل لهؤلاء الضحايا بعيدًا عن تلك المواقع‮.. ‬وإن كنت أعرف أنه لا يمكن السيطرة علي رغبة القبائل في أن تعيش في مواقع مثيلة‮.‬‮

‬ الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net

البـريـد الإليكترونى:   [email protected]