دعم الرغيف.. أم دعم العقل؟!
عبد الله كمال
توقفت أمام أكثر من ملاحظة في الاحتفال بعيد العلم.. بعضها في التكريمات.. وبعضها في التعليقات.. وبعضها في كلام الرئيس.
أول ما لفت الأنظار هو عدد العلماء كبار السن المرهقين الذين لقوا التكريم.. وكثير منهم كان يستند إلي "عكاز".. حتي أن الرئيس ذهب أكثر من مرة إلي أحدهم لكي يقرب عليه مسافة الوصول إليه.
في المرة الأخيرة التي حضرت فيها عيد العلم قبل نحو عامين كان هناك تكريم لصبي يافع.. وتكريم لعلماء شباب.. وربما تكون وزارة التعليم العالي قد فاتها هذه المرة أن تقدم وجوهاً شابة للرئيس.
أفهم بالطبع أن المكرمين هم الحاصلون علي جوائز الدولة المختلفة.. وأن مؤسسات مختلفة هي التي اختارتهم لنيل تلك الجوائز.. ولكن الرسالة التي وصلتني كشخص عادي ويمكن أن تصل أي مواطن هي أن التكريم والجائزة يأتيان متأخرين، أو أنه لا مجال لتكريم الشباب.. وهي رسالة غير مقصودة لكنها صدرت.
وقد يكون الرد أن هذا التكريم هو محصلة ما قدمه هذا العالم أو ذاك لمجتمعه طوال عمره.. ووفقاً لعدد الأبحاث التي أجراها- هذه مفهومة- لكن علي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن تشجع أيضاً النبوغ.. والإنجاز المبكر.
لفت نظري كذلك أن أحد العلماء الحضور قد بادر إلي مقاطعة بداية الرئيس لخطابه بتعليق بصوت عالِ.. كما لو أننا في عيد العمال وليس عيد العلم.. وقد قال للرئيس: النووي يا ريس.. والضبعة تصلح لإقامة المحطة.. ولم يعلق الرئيس.
ومع إدراكي لإخلاص من تحدث وأنا لا أعرفه.. ومع انتباهي إلي أنه يري أن الموضوع ملح إلي درجة أنه يري وجوب إعلان ذلك للرئيس بهذه الطريقة، وفي تلك المناسبة.. كما لو أنه يخلي ضميره من عبء عليه.. لكن في النهاية تلك الآراء هي وجهات نظر.. وتحتمل تعدد الرؤي.. وقد يكون هناك عالم آخر يري أن الضبعة لا تصلح.. أو أن صلاحيتها لا تمنع وجود أماكن أخري أكثر صلاحية.
أقول هذا وأنا لست صاحب موقف في موضوع الضبعة.. لأنني لم أدرسه أصلاً.. ولم أطالع مصادري فيه.. وبغض النظر عن تقولات بعض الصحف بشأن ضغوط رجال الأعمال لإقامة مشروعات سياحية في الضبعة.. فإن علي أن أقترح علي علمائنا أن يناقشوا بجدية تأثيرات نحر البحر والتغيرات المناخية علي مشروع قومي هائل بهذا الحجم إذا ما أقيم في الضبعة.. الساحل الشمالي كله مهدد وليس الضبعة وحدها.. ناهيك عن أنه لا يستقيم الأمر في أن تبني محطة نووية قرب مناطق سياحية.
لقد كنا في عيد العلم ولم نكن في عيد الفلاحين أو العمال.. مع كامل الاحترام لمكانة الجميع ودورهم في المجتمع.
الملاحظة الثالثة هي أن أغلب من صعدوا إلي منصة التكريم ينتمون إلي جامعتي القاهرة وعين شمس والمركز القومي للبحوث.. واحد فقط من جامعة أسيوط وواحد فقط من جامعة الإسكندرية.. وتلك مسألة تستوجب وقفة.. فهي تشير إلي أن الجامعات الأخري ليست علي طريق التحقق والإنجاز.. أو أنها لا تقدم علماء بنفس القدر من المستوي الذي يؤدي إلي أن تجد ممثلاً علي منصة التكريم من أي نوع.. سواء رئاسياً.. أو بجائزة الدولة التقديرية.. أو بجائزة مبارك.. والأخيرة يشترط فيمن يحصل عليها أن يكون حاز التقديرية.
الملاحظة الرابعة تتعلق بأنه كان بين المكرمين العالم الكبير الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي.. وفي السنوات الأخيرة بدا الدكتور عكاشة كما لو أنه أصبح محللاً سياسياً أكثر من كونه محللاً نفسياً.. وصارت تصريحاته "النفس- سياسية" مانشيتات للصحف وموضوع طلبات الإحاطة في البرلمان.. وفي بعض مواقفه ما يعارض الدولة.. لكن هذا لم يكن حاضراً بأي شكل في لحظة تكريم الدكتور عكاشة.. وكرمته الدولة التي صار ينتقدها.
وانتقل إلي خطاب الرئيس.. وقد طرح مسألة جوهرية علي الرأي العام وعلي العلماء.. بصريح العبارة وضع الكرة في ملعب العلماء.. حين تكلم عن الميزانية المخصصة للبحث العلمي.. وبعد أن طلب من الحكومة زيادة مقرراتها تدريجياً.. وهو ما سجل به رئيس الوزراء ملاحظة في ورقة أمامه.. لكي ينفذ تعليمات الرئيس.. فإن الرئيس تكلم عن الميزانية الموجهة للدعم التي تبلغ إجمالاً الآن 95 مليار جنيه.. والرقم كما قال الرئيس يفوق الإنفاق علي التعليم والرعاية الصحية.
وقد سأل الرئيس: هل يستقيم هذا الوضع.. وهل يمكننا الاستمرار في تحمل أعبائه وتبعاته علي حاضر الوطن ومستقبله؟ ومن ثم فإن السؤال المطروح علي العلماء: هل تزيد مخصصات البحث العلمي علي حساب الدعم؟.. وإذا وافق البعض علي ذلك.. كيف يمكن تعويض المستحقين للدعم؟.. والأهم ما هي الحلول.. حتي لو كان الأمر لا يتعلق بميزانية البحث العلمي؟
ولتلخيص الأمر فإن المطروح هو المفاضلة بين دعم الرغيف ودعم العقول!
والمعضلة التي فرضت نفسها بتحليل هذا القول الرئاسي هي: أن عدداً كبيراً من أساتذة الجامعات هم أنفسهم الذين يعلنون أشد التمسك بمقررات الدعم.. في ذات الوقت الذي يلومون فيه الدولة علي ضعف ميزانية البحث العلمي.. وهي معضلة لا اعتقد أن علي الرئيس وحده أن يضع لها حلاً.
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى: [email protected]