الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دعم الرغيف.. أم دعم العقل؟!




توقفت أمام أكثر من ملاحظة في الاحتفال بعيد العلم‮.. ‬بعضها في التكريمات‮.. ‬وبعضها في التعليقات‮.. ‬وبعضها في كلام الرئيس‮.‬

أول ما لفت الأنظار هو عدد العلماء كبار السن المرهقين الذين لقوا التكريم‮.. ‬وكثير منهم كان يستند إلي‮ "‬عكاز‮".. ‬حتي أن الرئيس ذهب أكثر من مرة إلي أحدهم لكي يقرب عليه مسافة الوصول إليه‮.‬

في المرة الأخيرة التي حضرت فيها عيد العلم قبل نحو عامين كان هناك تكريم لصبي يافع‮.. ‬وتكريم لعلماء شباب‮.. ‬وربما تكون وزارة التعليم العالي قد فاتها هذه المرة أن تقدم وجوهاً‮ ‬شابة للرئيس‮.‬

أفهم بالطبع أن المكرمين هم الحاصلون علي جوائز الدولة المختلفة‮.. ‬وأن مؤسسات مختلفة هي التي اختارتهم لنيل تلك الجوائز‮.. ‬ولكن الرسالة التي وصلتني كشخص عادي ويمكن أن تصل أي مواطن هي أن التكريم والجائزة يأتيان متأخرين،‮ ‬أو أنه لا مجال لتكريم الشباب‮.. ‬وهي رسالة‮ ‬غير مقصودة لكنها صدرت‮.‬

وقد يكون الرد أن هذا التكريم هو محصلة ما قدمه هذا العالم أو ذاك لمجتمعه طوال عمره‮.. ‬ووفقاً‮ ‬لعدد الأبحاث التي أجراها‮- ‬هذه مفهومة‮- ‬لكن علي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن تشجع أيضاً‮ ‬النبوغ‮.. ‬والإنجاز المبكر‮.‬

لفت نظري كذلك أن أحد العلماء الحضور قد بادر إلي مقاطعة بداية الرئيس لخطابه بتعليق بصوت عالِ‮.. ‬كما لو أننا في عيد العمال وليس عيد العلم‮.. ‬وقد قال للرئيس‮: ‬النووي يا ريس‮.. ‬والضبعة تصلح لإقامة المحطة‮.. ‬ولم يعلق الرئيس‮.‬

ومع إدراكي لإخلاص من تحدث وأنا لا أعرفه‮.. ‬ومع انتباهي إلي أنه يري أن الموضوع ملح إلي درجة أنه يري وجوب إعلان ذلك للرئيس بهذه الطريقة،‮ ‬وفي تلك المناسبة‮.. ‬كما لو أنه يخلي ضميره من عبء عليه‮.. ‬لكن في النهاية تلك الآراء هي وجهات نظر‮.. ‬وتحتمل تعدد الرؤي‮.. ‬وقد يكون هناك عالم آخر يري أن الضبعة لا تصلح‮.. ‬أو أن صلاحيتها لا تمنع وجود أماكن أخري أكثر صلاحية‮.‬

أقول هذا وأنا لست صاحب موقف في موضوع الضبعة‮.. ‬لأنني لم أدرسه أصلاً‮.. ‬ولم أطالع مصادري فيه‮.. ‬وبغض النظر عن تقولات بعض الصحف بشأن ضغوط رجال الأعمال لإقامة مشروعات سياحية في الضبعة‮.. ‬فإن علي‮ ‬أن أقترح علي علمائنا أن يناقشوا بجدية تأثيرات نحر البحر والتغيرات المناخية علي مشروع قومي هائل بهذا الحجم إذا ما أقيم في الضبعة‮.. ‬الساحل الشمالي كله مهدد وليس الضبعة وحدها‮.. ‬ناهيك عن أنه لا يستقيم الأمر في أن تبني محطة نووية قرب مناطق سياحية‮.‬

لقد كنا في عيد العلم ولم نكن في عيد‮ ‬الفلاحين أو العمال‮.. ‬مع كامل الاحترام لمكانة الجميع ودورهم في المجتمع‮.‬

الملاحظة الثالثة هي أن أغلب من صعدوا إلي منصة التكريم ينتمون إلي جامعتي القاهرة وعين شمس والمركز القومي للبحوث‮.. ‬واحد فقط من جامعة أسيوط وواحد فقط من جامعة الإسكندرية‮.. ‬وتلك مسألة تستوجب وقفة‮.. ‬فهي تشير إلي أن الجامعات الأخري ليست علي طريق التحقق والإنجاز‮.. ‬أو أنها لا تقدم علماء بنفس القدر من المستوي الذي يؤدي إلي أن تجد ممثلاً‮ ‬علي منصة التكريم من أي نوع‮.. ‬سواء رئاسياً‮.. ‬أو بجائزة الدولة التقديرية‮.. ‬أو بجائزة مبارك‮.. ‬والأخيرة يشترط فيمن يحصل عليها أن يكون حاز التقديرية‮.‬

الملاحظة الرابعة تتعلق بأنه كان بين المكرمين العالم الكبير الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي‮.. ‬وفي السنوات الأخيرة بدا الدكتور عكاشة كما لو أنه أصبح محللاً‮ ‬سياسياً‮ ‬أكثر من كونه محللاً‮ ‬نفسياً‮.. ‬وصارت تصريحاته‮ "‬النفس‮- ‬سياسية‮" ‬مانشيتات للصحف وموضوع طلبات الإحاطة في البرلمان‮.. ‬وفي بعض مواقفه ما يعارض الدولة‮.. ‬لكن هذا لم يكن حاضراً‮ ‬بأي شكل في لحظة تكريم الدكتور عكاشة‮.. ‬وكرمته الدولة التي صار ينتقدها‮.‬

وانتقل إلي خطاب الرئيس‮.. ‬وقد طرح مسألة جوهرية علي الرأي العام وعلي العلماء‮.. ‬بصريح العبارة وضع الكرة في ملعب العلماء‮.. ‬حين تكلم عن الميزانية المخصصة للبحث العلمي‮.. ‬وبعد أن طلب من الحكومة زيادة مقرراتها تدريجياً‮.. ‬وهو ما سجل به رئيس الوزراء ملاحظة في ورقة أمامه‮.. ‬لكي ينفذ تعليمات الرئيس‮.. ‬فإن الرئيس تكلم عن الميزانية الموجهة للدعم التي تبلغ‮ ‬إجمالاً‮ ‬الآن‮ ‬95‮ ‬مليار جنيه‮.. ‬والرقم كما قال الرئيس يفوق الإنفاق علي التعليم والرعاية الصحية‮.‬

وقد سأل الرئيس‮: ‬هل يستقيم هذا الوضع‮.. ‬وهل يمكننا الاستمرار في تحمل أعبائه وتبعاته علي حاضر الوطن ومستقبله؟ ومن ثم فإن السؤال المطروح علي العلماء‮: ‬هل تزيد مخصصات البحث العلمي علي حساب الدعم؟‮.. ‬وإذا وافق البعض علي ذلك‮.. ‬كيف يمكن تعويض المستحقين للدعم؟‮.. ‬والأهم ما هي الحلول‮.. ‬حتي لو كان الأمر لا يتعلق بميزانية البحث العلمي؟

ولتلخيص الأمر فإن المطروح هو المفاضلة بين دعم الرغيف ودعم العقول‮!‬

والمعضلة التي فرضت نفسها بتحليل هذا القول الرئاسي هي‮: ‬أن عدداً‮ ‬كبيراً‮ ‬من أساتذة الجامعات هم أنفسهم الذين يعلنون أشد التمسك بمقررات الدعم‮.. ‬في ذات الوقت الذي يلومون فيه الدولة علي ضعف ميزانية البحث العلمي‮.. ‬وهي معضلة لا اعتقد أن علي الرئيس وحده أن يضع لها حلاً‮.‬

الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net

البريد الإليكترونى:    [email protected]