الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

توظيف الفتاوي!




وضعنا بيان «المجلس الأعلي للصحافة» حول المعالجات الصحفية لجريمة نجع حمادي في معضلة.. البيان نفسه يعبر عن موقف مبادر للمجلس.. وتفاعل فوري مع الحدث.. وقيام بالمسئولية المنوط بها.. ويعبر عن يقظة رئيسه صفوت الشريف.

هذا عن البيان إجمالاً.. أما المعضلة التي أعنيها فتخص فقرة فيه تقول بالنص ما يلي: «وطالب المجلس بالكف عن استخدام فتاوي علماء الدين في مساندة قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية هي حق أصيل تمارسه الدولة المدنية».

أنا أتفق مع هذا.. وإن كان المنهج في الصحافة والتليفزيون أيضا هو أن يتم البحث عن شيخ دائماً وقسيس أحياناً، لكي يدلي بدلوه في موضوع عام.. هذا وذاك يحرم.. وغيرهما يحلان.

وقد تصاعدت هذه الموضة في الصحافة المصرية منذ منتصف الثمانينيات.. مع زيادة المد الديني.. ومع تركيز الصحافة الخليجية من خلال مكاتبها في القاهرة علي هذا المنحي.. ومن ثم انتقلت العدوي إلي صحافة مصر.. وأصبح دور بعض الصحفيين هو أن يطلبوا رأي المشايخ والقساوسة في كل أمر.

العيب ليس في الصحافة وحدها.. السياسيون أحياناً يلجأون للمشايخ.. والدولة تفعل في بعض المناسبات.. مثلاً: ما الذي دفع المجلس الأعلي للشئون الإسلامية إلي أن يصدر فتوي بخصوص الإجراءات الهندسية والتحصينات التي تقوم بها الدولة علي حدودنا الشرقية؟ هل رأي أن هذا دوره؟ ربما.. لكن هذا الموقف استتبع بالتالي قدراً هائلاً من الفتاوي المناقضة وظفتها قوي التطرف الديني الخارجية.. فكفرت المجلس الأعلي للشئون الإسلامية في مصر.. وحرمت بناء الجدار.. مع أن هذه الخطوات لا علاقة لها إلا بوظيفة الدولة المدنية.

سوف أعتبر ما جاء في بيان «الأعلي للصحافة» كما لو أنه نقطة في نهاية مرحلة لكي نبدأ من أول السطر.. والبداية الجديدة لن تكون سهلة.. فما طالب به البيان في سطر ببساطة هو أمر معقد للغاية.. ويرتبط بثقافة عامة يجب أن تنمو إعلامياً وتعليمياً وثقافياًَ وصحفياً.. أي أن يتم الانتباه إلي الأدوار المدنية للدولة التي لا يجوز لأي من جهات الدين أن تتدخل فيها أو تعلق عليها بالتحليل والتحريم.

الخطوة الصحيحة في تلك البداية لا تقع علي كاهل الصحافة - مع كامل الاحترام للبيان - ولكن علي عاتق الدولة.. علي عاتق رجالها.. ووزرائها وسياسييها وأجهزتها.. لابد أن يقتنعوا بأنه ليس عليهم أن يستعينوا بالمشايخ حتي يكتسبوا مصداقية فيما يقومون بطرحه علي الناس.. الأصل في الدور الذي يقوم به أي رجل دولة هو أنه لا يخالف الدين.. فإن فعل وخالف فإن حسابه عند الله.. في إطار قاعدة «كل راعٍ مسئول عن رعيته».. أما في الدولة المدنية فطرق الحساب الملموسة لها وسائل عديدة.. رقابة برلمانية محاسبية وضغوط من الرأي العام وقانون له إجراءاته.

لقد انجرفت الدولة نفسها في هذا الاتجاه.. وعليها أن تنتبه إلي أنها هي التي تركت المساحات.. فتحول الأمر إلي فوضي واكتسب رجال الدين مكانة ليست لهم.. معضدين من الصحافة والأحزاب والدولة ومختلف القنوات التليفزيونية.. التي راح كل منها يستضيف شيخًا أو شيخه لكي يدلي برأيه في كل أمر من أول تحصينات الحدود إلي العلاقة بين الخطيب وخطيبته.

هذا الموقف الذي اتخذه المجلس الأعلي للصحافة، ولم يحظ بقدر واجب من الانتباه، رغم الاهتمام الذي حظي به البيان في مجمله، موقف يستحق منا المساندة.. خاصة إذا كنا حريصين علي مقومات الدولة المدنية وثقافتها.. وترسيخ مفهومها في ذهنية الناس.. حين ينتهي اللجوء إلي الشيخ والقسيس في كل صغيرة وكبيرة.. فإن جماعات متطرفة محظورة من كل نوع لن تجد الأرضية التي تتحرك عليها.

سألخص الأمر في معادلة: الدولة والصحافة لجآ إلي طلب الفتاوي - حدثت مداعبات للرأي العام عن طريق الدين - انتبهت جماعات التطرف - كفرت هذه الجماعات المؤسسة الدينية وطعنت في مصداقية علمائها - أصبح هناك جدل حول من هو العالم الذي يمكن طلب رأيه - الصورة التي رسخت في ذهن الناس أن هناك شيخاً حكومياً وشيخاً مستقلاً - دخلت الجماعات المتطرفة وطرحت شيوخها - أصبحت المؤسسة الدينية تناضل لإثبات رأيها وفقدت الدولة سنداً لم تكن في حاجة إليه واكتسب التطرف سنداً أكيداً بين الناس.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني  :  [email protected]