الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عادل السيوى: «نقاد الأرياف» كتاباتهم مضحكة.. وأساتذة فى إثارة الفتن





 
 
أحد الرواد المعاصرين الذين اختاروا الابتعاد عن الاشتراك فى فعاليات الوسط التشكيلى المصرى منذ فترة، عرفناه منذ بداية السبعينيات، تخلى عن لقب طبيب واتجه إلى الفن ليقدم إلى جانب إنجازاته الإبداعية دورا ثقافيا ونقديا تشكيليا كبيرا، هو الفنان التشكيلى عادل السيوى، صاحب لقب «رسام الوجوه» لإبداعه فى رسم البورتريه بطريقته الخاصة، وصاحب مشروع «نجوم عمرى» الفنى الشهير، عن أسباب ابتعاده عن الوسط، وآرائه فى القضايا المطروحة على الساحة الفنية والثقافية والسياسية الآن، كان لنا معه هذا الحوار.
 
 
 
 ■ منذ أكثر من ثلاث سنوات لم تشارك فى أى فعاليات فنية فما السر وراء ابتعادك؟
- لست مختفيا كما يظن- البعض، أنا موجود وأمارس الفن بشكل يومى فى مرسمى بوسط البلد، وعدم مشاركتى فى الفعاليات ليس موقفا عدائيا تجاه أحد، فأنا مقتنع أننا نعيش حالة زخم وزحمة وقلق وصخب وإضرابات، وهذا المناخ ليس مناسبا لعرضا تجارب فنية جديدة لأن الكل منشغل، لذلك لست مهتما ولم أشعر بحماس للمشاركة وقد وجهت لى دعوات للمشاركة، لكنى أرى عروض الدولة كلها مرتبكة، وأفتقد حماس مجموعة فنانى فترة التسعينيات، رغم أننى كنت ضد بعضهم فإنى أفتقد حالة الحماس والحوار التى كانت تدار بشكل دائم أثناء العروض الفنية، مثل الراحلة فاطمة إسماعيل، وأحمد فؤاد سليم، والفنان أحمد نوار، ومصطفى الرزاز، وفرغلى عبد الحفيظ وآخرون، وكان مكان لقائنا فى مجمع الفنون بالزمالك، ثم انتقلنا إلى قصر الفنون بالأوبرا ومركز الفنون بالجزيرة.
 ■ لك كتابات نقدية فى الفن التشكيلى.. فما رأيك  فى الحركة النقدية؟
- هذا هو المشهد الغريب والمضحك على الساحة، بعض الموجودين اليوم هم مجموعة نقاد يمكن أن نطلق عليهم «نقاد الأرياف»، وأقصد ريفى بالمعنى السلبى وليس الإيجابي، فمعرفتهم باللغة العربية وبالنقد ضعيفة جدا، لا يعرفون الفن ولا فلسفة الفن ولا تحليل العمل الفنى، والغريب أنهم منتشرون هذه الفترة ويكتبون فى النقد الفنى وصدقوا أنفسهم أنهم نقاد، كتاباتهم ربما تشبه الكتابة الصحفية أو التغطية الإعلامية، وليس نقدا فنيا صحيحا على أسس نقدية ودراسة ومنهج نقدي، اختلطت الأوراق، والأغرب أيضا أن هؤلاء الريفيين أصبحوا أساتذة فى إثارة المعارك والفتن بين الفنانين، يعنى مش كفاية كتابتهم المضحكة، للأسف الجو العام كله مرتبك جدا حتى وإن وجدت إيجابيات محدودة.
 ■ إلى أى مدى تأثرت الفنون بكل مجالاتها بثورة يناير؟
- الإبداع الفنى لم يترك الأحداث الكبرى، لكن هناك فنون الاستجابة فيها للأحداث بطيئة وفنون تستجيب أسرع، مثل الأغنية الوطنية وفيلم السينما  والفيلم التسجيلى والفيديو آرت هذه فنون تفاعلية موازية للحدث، ولكن الرسام يستغرق وقتا أطول للوصول إلى معالجة فنية يمكن أن يقال عليها عملا فنيا إبداعيا، ونتاجا فعليا ثوريا، الفن هو الفن مهما كان «concept» لابد أن يحتفظ بالقيم التشكيلية والمعالجة الفنية، دور الفن فى الرد على الأحداث أعتبره شكلا من أشكال الاحتجاج والرفض للواقع، لأن الفن التشكيلى المصرى لا يدير ظهره للأحداث الكبيرة، خصوصا المشهد السياسى الذى يؤثر على الفنون كلها، هذه ثورة بصرية فى طبيعتها ثورة مسجلة لحظة بلحظة كل من يشارك فيها يسجلها، تركت زخما بصريا وفيضا من الأفعال والصور والأحداث أسرع من أداء فنان، ولو قارنا بين الثورات نجد أن ثورة 1919، كانت ثورة خطابة، وثورة 25 يناير ثورة بصرية.
 ■  ماذا كنت تقصد بقولك: إن الغرب أدركوا ثورة 25 يناير أكثر منا؟
- هذا التصريح فهم خطأ نحن قمنا بثورة لها طابع معاصر، وما يحدث الآن أننا نقوم بتحديث بنية قديمة فيها تصالح بين القديم والجديد، إنما الغرب تخلص من القديم بكل ما هو جديد ومعاصر، الغرب ينظر لنا باعتبارنا فى حالة تخلف، مازال هناك منازل لم تصل لها الكهرباء، وتستخدم الحيوانات كوسائل نقل، إذا لسنا فى دولة حديثة، فلم يتوقع الغرب أن هذا الشعب الذى يعيش هذه المعاناة ممكن أن يقوم بثورة ويستخدم التكنولوجيا، فوجئ الغرب أن الأداء السياسى للشعب أثناء الثورة أداء معاصر، الشعب كنس الشوارع وهتف بهتافات مشروعة وراقية، تأثر الغرب بهذه اللحظة واستفاد درسا جديدا، وهذا ما قصدته من قولى أنهم سوف يعيدون النظر فى نظرياتهم عن قيام الثورات فى الدول، وأن الثورة ممكن أن تقوم بشكل وصورة مختلفة عما تصوروه.
 ■  هل مازالت نظرة الغرب للثورة المصرية كما هى؟
- أعتقد ذلك رغم إننا نعيش مجموعة من الأزمات، لكن من خلال قراءتى علمت أن وجهة نظرهم فيما يحدث أنه إخماد الثورة وتقليصها وإصلاح مسار ما كان موجودا، الثورة تعنى التغيير وليس الإصلاح، والشباب مستمرون فى مطالب الثورة وطاقة الشباب مازالت مستمرة، والتاريخ لن يعود للوراء، والتاريخ أخذ اتجاهاً ولا أحد سوف يوقفه، الشعب المصرى يستحق الحرية، وهذه أول مرة تاريخياً الشعب يطلب الحرية الكاملة.
 ■ ماذا عن مشروعك السابق لفصل المجلس الأعلى للثقافة عن سلطة وزير الثقافة؟
- مشروعى ذهب كما ذهب غيره من المشاريع، فلم أقدم مشروعاً لهدم وزارة الثقافة بل لفصل المجلس الأعلى للثقافة بكل لجانه عن سلطة الوزير للتخلص من التبعية، وهذا لا يعنى تشويها للوزارة أو تدميرها، وهذا المشروع طرحته عام 1997، ثم قدمته بعد الثورة لأنى تخيلت أن بعد الثورة المناخ متاح للتغيير، لكن واجهتنى فكر الفترة الانتقالية أنها فترة ركود لا تغيير وكل شىء يظل مكانه، ومنطق وفكر الانتقالية يذكرنى بواحد صاحب دكان اضطر لترك الدكان لظروف فطلب من شخص آخر أن يقف مكانه ولا يعبث بمحتويات الدكان ولا يغير ما على الأرفف.
 ■  كيف ترى أداء وزارة الثقافة الآن؟
- بصراحة الاستراتيجية الفكرية للوزارة ككل غير واضحة، أجد تدهورا شديدا فى أداء سياسة وزارة الثقافة، وكأن الدولة وضعت الحد الأدنى من الكفاءة، أين التغيير؟ أنا كنت من المعارضين لسياسية الوزير فاروق حسنى لأن الثقافة كانت فى عهده فى الحظيرة ومجرد فعاليات ومهرجانات، وحتى اليوم أبحث عن كفاءة الأداء وبرنامج العمل والخطة والتغيير، كأننا للأسف مازالنا فى الفترة الانتقالية، فوزير الثقافة أسمع أنه يستقيل ويعود أكثر من مرة مش فاهم فى إيه؟ روح الثورة فين؟ والحماس فين؟ فين الوجوه الجديدة؟ فين الشباب؟ الحالة أسوأ من فترة تسيير أعمال.
 ■ فى رأيك ماذا يجب أن يكون دور وزارة الثقافة فى هذه الفترة؟
- نعيش فى فترة تاريخية مهمة يجب أن يتم خلالها تفعيل العقل الجمعى للشعب المصرى لابد من تغيير الخطاب الثقافى، ونبدأ بطرح الاسئلة الكبيرة، تقدم دعوات لكل العقول والأفكار باختلاف التوجهات الفكرية والمذاهب لأن الهدف الأكبر هو مصلحة مصر، ونجتمع وتطرح التحديات التى تواجه الثقافة والفنون ونتحول لمجموعات ثقافية، مع أن الأحداث أسرع من انتظار فعاليات، والمثقفون الحقيقيون لم ينتظروا الوزارة، الحراك بين الفنانين والمثقفين فى الشارع أسرع من الهيئات، وأيضا المجتمع المدنى دورة إيجابى.
 ■ اخترت من سنوات مشروعك الفنى بعنوان «نجوم عمرى» حدثنا عن هذا المشروع.. وهل تراه استكمالا لما بدأه محمود مختار بتمثال «أم كلثوم»؟
- بالمناسبة، أين هذا التمثال؟ هو موجود فى الكتب ولا أعرف مكانه، أما بخصوص مشروع «نجو عمرى» فهناك العديد من الفنانين قدموا أعمالا عن فنانين، فقدم السجينى تمثالا لفاتن حمامة، كما رسم حلمى التونى وبهجورى وصلاح عنانى لوحات لنجوم الزمن الجميل، هذا الاتجاه فى رسم النجوم لم يقتصر علىّ فقط، لكنى كنت أتصالح مع ذاكرتى بتجربة «نجوم عمرى»، بالإضافة إلى أننى رسمت نجوما أسعدونا، وهناك من تحدث عن تشابهات بين أعمال «نجوم عمرى» وأعمال «شانت أفيديسيان»، كما قالوا تأثرت بالفنان الأرمينى، ولكن فى المتحف البريطانى أعمالى وأعماله معروضة جنباً إلى جنب، لأن لكل منا معالجة فنية خاصة،  الحنين إلى الماضى والنوستالجيا لا تموت بداخلى،  وسأكمل مشروع «نجوم عمري» بمجموعة أعمال فنية عن «راقصات مصر زمان»، اعتمدت فيه على التبسيط فى الأسلوب الفنى للوصول إلى الجمهور انطلاقا من الذاكرة الجماعية.
 ■ حدثنا عن دور الفنان الراحل حسن سليمان فى مشوارك وسبب اقتراحه أن يكون لك مرسم فى وسط البلد؟
- حسن سليمان يشكل إحدى المحطات المهمة فى حياتي، فهو أستاذى وفخور بذلك، وقال لي: «لو هاتعيش بالقاهرة لا بد أن تختار منطقة وسط البلد،  وسط البلد يعنى قلبها شوف لك  غرفة ولو ثلاثة أمتار فى وسط البلد».. حسن سليمان عاش فى وسط قاهرة أخري،  قاهرة الأربعينيات والخمسينيات، ورآها تنهار،  ولكنه ظل مصراً  على أن وسط القاهرة مازال فيه تماسك،  بمبانيه وحركة الناس فعلاً  وأدركت سحر وسط البلد الذى يتحدث عنه، كنت محظوظاً بهذا المكان الذى أزال عنى الإحساس بالغربة خصوصا فترة الثورة وقربى من التحرير ومعايشتى للأحداث يومياً ولقائى بالشباب.
 ■ هل أنت مع الدعوات المطالبة بعودة الجيش للحكم؟
- أنا مثلى مثل أبناء الشعب المصري، أكن كل التقدير للقوات المسلحة كمؤسسة دفاعية حامية للوطن، وأعتقد أن الجيش يواجه مشكلة كبيرة هى مشكله الولاء، ولاء الجيش المصرى للوطن لا شك فيه، ولا نقبل أى تشكيك، لكن بموجب الدستور الجديد القائد الأعلى للقوات المسلحة هو الرئيس الذى لم يتضح ولاؤه بعد، ومساعدة الجيش المصرى فى خلع مبارك من الحكم أمر مختلف نهائيا عما يطالب به البعض الآن، وأعتبر مثل هذه الدعوات دعوة يائسة، وحل قصير النظر، فيه درجة من اختلال الثقة بالذات، وأفضل أن يكمل الشعب المصرى معركته المدنية، المشوار ليس سهلا، والخصم ليس سهلا، فالثورة الفرنسية استمرت 10 سنوات.