زجاج الجولان
عبد الله كمال
يطيب للصحافة المصرية أن تنشغل بمباراة اليوم التي سوف تقام بين مصر والجزائر.. بالتوفيق لمنتخب مصر.. ولكنني سوف أهتم بشأننا مع دولة عربية أخري.
إذ تتناثر في الصحافة السورية مجموعة من المقالات المخططة التي تواصل الهجوم علي مصر.. وتتصاعد من حين إلي آخر.. لكي تؤكد حقيقة أن دمشق لاتريد مصالحة وإنما تصر علي المناطحة.. وأنها تخلص في كل دقيقة لتحالفها مع إيران.. وأنها تريد بكل السبل تعطيل السلام.. وأي جهد يقود إليه.. وأنها تسعي إلي التشويه الدائم للقاهرة.. رغم أنها تلقت تحذيراً واضحاً منذ أيام علي لسان الرئيس مبارك حين أشار إلي هؤلاء الذين (بيوتهم من زجاج).
ولا تستحق المقالات المشار إليها الوقوف عندها أو حتي بعضها.. الرسالة واضحة.. والمعني مفهوم.. دمشق تقود حملة موجهة ومنظمة علي طريقة صدام حسين القديمة حين وقع السادات اتفاق السلام.. وتخون القاهرة.. وتقول عنها إنها عميلة إسرائيل.. ولا أعتقد أن موضوع الإجراءات الإنشائية التي تقيمها مصر علي الحدود كان هو مبرر الحملة.. وإنما حتي لو لم يكن هناك هذا المشروع فإن سوريا كانت سوف تخترع أي موضوع لكي تواصل مشتمتها المفتوحة للقاهرة.
حسنا.. إليكم سؤال بسيط من الخونة: كيف هي أحوال الجولان الآن؟
وفق ما أذكر، وحسب ما قرأت، فقد كان عمري عامين إلا قليلاً، فإن الهضبة المعروفة في التاريخ بأنها سورية، قد احتلت يوم 6 يونيو 1967.. ووفق ما أعرف.. حسبما قرأت التاريخ علي الصفحة الأولي من تلك الجريدة.. وفي الأجندة.. وعلي الموبايل.. أي تأكدت ثلاث مرات.. فإن اليوم ليس هو 28 يناير 1967 بل 28 يناير 2010.. وحسبما أعرف.. ووفق كل التأكيدات.. فإن الهضبة المعروف أنها سورية.. لم تزل قيد الاحتلال.. أي قد مضي علي ذلك 42 عاما و236 يوماً.
كان تعداد مصر وقتها نحو 30 مليون نسمة.. والآن بلغ الـ80 مليوناً.. أي ولد خمسون مليون مصري في ثلاثة عصور متوالية وهم يعرفون أن الجولان محتلة من إسرائيل.. وذهب حافظ الأسد وجاء بشار الأسد.. ولم تزل الجولان محتلة.. وحاربت مصر وسوريا في أكتوبر 1973.. وكما تقول سوريا فقد خانت مصر العرب ـ ويالها من خيانة ـ وحررت أرضها في سيناء.. وبقيت الجولان محتلة.. لكن سوريا لم تخن أحداً مثلما نحن نخون!
أنا أريد أن أحيي عبقرية الأسد الراحل والأسد الباقي لأنهما استطاعا طيلة كل هذه الأيام والأشهر والسنوات والعقود.. أن يقنعا الشعب السوري بأنهما يخلصان للعروبة ببقاء أرضهم محتلة حتي الساعة.. ولاينتظر في أي مدي قريب احتمال تحريرها لا بالسلاح ولا بالمقاومة ولا بالسلام ولا حتي بالأماني.. ولا حتي في كوابيس إسرائيل.
كيف تمكنا من أن يلجما طيلة كل هذه السنوات إبقاء هذا الزجاج المشيد حول الجولان المحتل دون أن تقذفه أي طوبة مطالبة بقليل من النخوة.. وقليل من الشهامة التي يتوافر قدر هائل منها لدي النشامي.. وقليل من السعي.. لتحرير الهضبة المحتلة.. حتي نسي الشعب أنها كانت تتبع سوريا؟ شيء عبقري بالفعل.
والأدهي أن تحتل سوريا بلداً عربياً.. وأن تنسحب من هذا البلد العربي.. وأن تمارس ضغوطاً عليه وعلي حكمه عبر وكلاء معروفين لها.. أقصد لبنان طبعا.. وأن تهرب المفجرين إلي العراق.. وأن تقبل غارات إسرائيلية متكررة.. إحداها كانت فوق قصر الرئيس.. وأن تمول تنظيما ضد السلام في غزة.. وأن تشتم مصر وتدبر المكائد لها.. أن تفعل كل هذا.. ولا يسائلها شعبها: لماذا لم تحرروا الجولان حتي الآن؟!
تحية إلي القادرين في سوريا.. سوف يحسب لهم هذا في التاريخ.. وقد تولد أجيال أخري وتموت أجيال غيرها.. بينما الجولان قيد الاحتلال.. وتصر سوريا علي إقناع شعبها بأنها إنما تناضل من أجل العروبة.. سلامات أيتها العروبة.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني : [email protected]