الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الدولة البوليسية




داهمتنا جميعاً‮ ‬انتصارات الكرة،‮ ‬فتأجلت أمور لم‮ ‬يكن لها أن تؤجل‮.. ‬نعود إليها تدريجياً‮.. ‬وعذرنا أن الجميع كان مشغولاً‮ ‬بكرة القدم مثلنا‮.. ‬وهذا اعتذار للموضوعات وقضاياها وللقارئ الذي كان علينا أن نحيطه بها‮.‬

في‮ ‬يوم ‮٥٢ ‬يناير،‮ ‬وضمن احتفالات الشرطة،‮ ‬أدلي وزير الداخلية حبيب العادلي بحواره التقليدي السنوي للإعلامي مفيد فوزي‮.. ‬في برنامج‮ "‬حديث المدينة‮".. ‬وقد تناول الحوار مسائل متعددة‮.. ‬من اختناق المرور إلي تجفيف منابع الإرهاب‮.. ‬مروراً‮ ‬بالفتنة الطائفية ولا شرعية عمل الإخوان‮.. ‬غير اني أتوقف عند معني‮ "‬الدولة البوليسية‮" ‬الذي‮ ‬يلاحق الدولة إعلامياً‮.. ‬ويشن عدد من المعارضين هجوماً‮ ‬سياسياً‮ ‬به‮.. ‬متهمين جهاز الأمن بأنه‮ ‬يتدخل في كل شيء في البلد‮.‬

وقد‮ ‬يكون نفي الوزير القدير لهذا المفهوم‮ "‬الدولة البوليسية‮" ‬متوقعاً‮.. ‬واصفاً‮ ‬دور أجهزة الأمن بأنها تحمي الاستقرار‮.. ‬والشرعية‮.. ‬هذا كلام طبيعي أن تجده علي لسان حبيب العادلي‮.. ‬لكن الحوار تطرق إلي مسألتين أخريين‮.. ‬أدتا الي ترسيخ هذا المعني بطريقة‮ ‬غير مباشرة‮.. ‬وهما اللتان أجد أن علي‮ ‬أن أتوقف عندهما‮.‬

المسألة الأولي حين سأل الأستاذ مفيد عما إذا كانت قرارات الجهات التنفيذية في قبضة الأمن؟ وقال الوزير‮: ‬هذه ليست وظيفة الأمن‮.. ‬ولكن هناك جهات تنفيذية تريد أن تسأنس برأي الأمن‮.. ‬فيقول الأمن رأيه‮.. ‬فإما تأخذ به أو لا تأخذ‮.. ‬أما إذا رأي الأمن أن هناك أمراً‮ ‬يتعلق بالمصلحة العليا للدولة فلابد أن‮ ‬يكون له رأي‮.‬

انتهت إجابة الوزير‮.. ‬وفيه توصيف للموقف بدقة‮.. ‬ولست أعتقد أنه‮ ‬يمكن لجهاز أمني أن‮ ‬يجد عنصرا منتميا لتنظيم القاعدة في الولايات المتحدة قد أصبح مسئولاً‮ ‬عن مهمة ما في الادارة الأمريكية ويمكن أن‮ ‬يسكت‮.. ‬ولا أظن أن حكومة ساركوزي ولديها موقف من مسألة النقاب قد تقبل مثلا أن‮ ‬يعين أحدهم في أي مدينة سيدة منقبة في موقع عام بارز‮.. ‬كما لا أظن أنه‮ ‬يمكن لمصر أن تقبل تعيين شخص ضد سياستها الخارجية ومناصر مثلا لإيران في سفارة مصرية‮.

‬ هذه مسائل بديهية‮.. ‬ليست فقط علي مستوي الدول‮.. ‬ولكن حتي علي مستوي الشركات والمؤسسات الخاصة‮.. ‬كل شركة لديها آلياتها الآن في الحفاظ علي أمنها‮. ‬وحين تطلب مؤسسة ما توظيف شخص ما فإنها تشترط عليه إحضار صحيفة الحالة الجنائية،‮ ‬في هذا الوقت لا‮ ‬يعني ذلك أنها شركة بوليسية‮.. ‬بل تتأكد من عدم دس مجرمين سابقين بين صفوفها‮.. ‬لمصلحة العمل‮.‬

ومن المؤكد أن هناك مواقف تستوجب استطلاع رأي الأمن قبل الجهات التنفيذية‮.. ‬وفي أحيان كثيرة لا‮ ‬يحدث هذا وتكون هناك مشكلات‮.. ‬وفي أحيان كثيرة أخري تجد أن الجهات التنفيذية تلقي بعبء عدم تنفيذها مسئولياتها علي المبررات الأمنية التي قد لا تكون موجودة‮.. ‬ويكون هذا تبريراً‮ ‬لقصور تنفيذي أكثر من كونه درءاً‮ ‬لخطر أمني‮.. ‬وتلك نقطة تحتاج إلي إعادة نظر من الحكومة‮.‬

المسألة الأخري التي أدهشتني في إجابات الوزير في الحوار هي أنه لم‮ ‬يجد‮ ‬غضاضة في أن‮ ‬يتردد اسم هذا أو ذاك في ترشيحات الصحافة لانتخابات الرئاسة سنة ‮١١٠٢.. ‬قال الوزير‮: "‬هذا حراك سياسي‮.. ‬لا‮ ‬يزعجني سماع اسم البرادعي أو عمرو موسي‮.. ‬هما مصريان‮.. ‬والانتخابات لها شروط‮.. ‬والشق الأهم هو كلمة الشعب‮..".. ‬واضاف‮: "‬كلاهما تم تقديره من الدولة‮.. ‬البرادعي نال وسام النيل‮.. ‬وموسي كان وزيراً‮ ‬والدولة هي التي رشحته لمنصبه‮.. ‬والذين‮ ‬يرددون هذا إنما‮ ‬يتصورون أنهم‮ ‬يصنعون إثارة للقيادة السياسية التي هي أكبر من هذا بكثير‮".‬

والاجابة لا تحتاج تعليقا من جانبي‮.. ‬وهي تعبر عن طريقة تفكير الداخلية في الأمر‮.. ‬تلك المنسوب لها أنها مسئولة عن مواصفات الدولة البوليسية‮.. ‬والأهم أنه تلي ذلك في الحوار تجديد لدور الوزارة في الانتخابات البرلمانية‮: "‬دور قانوني ودستوري‮.. ‬إعداد الكشوف وتحديد الدوائر وتأمين الانتخابات‮".. ‬وهذا موقف مهم أن نرصده في بداية عام سياسي‮ ‬يسخن وسيكون ملتهباً‮.‬

المسئولية الأمنية التي تقع علي الداخلية في عام من هذا النوع كبيرة بالتأكيد‮.. ‬والمهام الملقاة علي عاتقها لحفظ الاستقرار الذي‮ ‬يحمي قرار الشعب الانتخابي‮: ‬تصويتاً‮ ‬ودعايةً‮ ‬وتطبيقاً‮ ‬للنتيجة‮.. ‬هي مهام منهكة ولكن الداخلية قادرة عليها‮.. ‬وسوف تمضي بالتأكيد نحوها‮.. ‬بغض النظر عن حملات عديدة سوف تصفها بأنه مسئولة عن‮ "‬الدولة البوليسية‮".‬

الموقع الإليكتروني : ‬www.abkamal.net  
 البريد الإليكتروني‮:‬  [email protected]