نافعة وإدريس
عبد الله كمال
لم أزل أذكر جيداً قاعدة وضعتها مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق حين زارت مصر قبل سنوات، وقتها سئلت عن سياسة بوش ورأيها فيه، فقالت: إنها تختلف معه.. ولكن لا يمكنها أن تنتقده لأنه في النهاية رئيسها.
والمعني واضح، أولبرايت ديمقراطية وكانت تنتمي إلي عصر وإدارة رئيس آخر، هو كلينتون، ولها مواقف معلنة من جورج بوش داخل الولايات المتحدة، ولكنها لم يكن يمكنها أبدا أن تنتقد خارج بلدها الرئيس بوش أو سياسته الخارجية.. رغم حملة الانتقادات التي تعرض لها في كل أنحاء العالم.. وهي لم تكن ملاكاً ولم تكن بريئة.. ولكن كما يقولون لكل مقام مقال.. ولتفاعل أبناء البلد الواحد أصول.
وأهم الأصول التي لا يخالفها السياسيون المحترفون والمحللون ذوو القيمة أنه لا يتم التهجم علي السياسة الخارجية خارج الدولة.. خصوصا إذا كانت الساحة التي يطلب فيها التهجم تنتمي إلي محور آخر مناقض في مصالحه وعلاقاته للدولة التي تتعرض من أبنائها للتهجم. لم أسمع أبداً عن سياسي أمريكي محترم ذهب إلي موسكو لكي ينتقد واشنطن.
هذه قاعدة ينبغي التذكير بها لمن يفقهون. وإن كنت أشك كثيراً في أن من أعنيهم سوف يتبعونها.. لسبب بسيط وهو أنهم لا يلتزمون بأي أصول أو قواعد أو معايير في معرض انتقادهم للدولة المصرية.. في أي موضوع أو أي ملف أو أي مجال.. داخلي أو خارجي.
وبعض من أعنيهم تابعتهم قبل أيام في برنامج علي قناة الجزيرة.. اسمه "في العمق".. حيث كان الضيفان هما حسن نافعة أستاذ الجامعة المحبط.. وغير المتحقق.. ومحمد السعيد إدريس الخبير المعروف في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.. وأحد مؤسسي حركة كفاية.. الذي لا أعتقد أنه يمكن أن يتقول بنفس الانتقادات لدولة خليجية عمل بها.. أو لإيران المتخصص في شئونها.
العنوان العريض لما كانا يقولانه يتعلق بانتقادهما لتوجهات السياسة الخارجية بأساليب أيديولوجية.. وقد جاء هذا بالطبع علي هوي قطر وقناة الجزيرة التي لم تختر أن يكون من بين ضيوفها أي ممن يؤيدون السياسة الخارجية المصرية.. وتحول الضيفان إلي مجرد عرائس لعب في خطة القناة المستمرة من أجل الهجوم علي السياسة الخارجية المصرية.. بخلاف تحريضات أخري.
القاعدة الثانية في التعامل مع السياسة الخارجية لدولة ما.. هي أن التحليل يجب أن يستند إلي معلومات.. ولا يكون سماعياً.. ولا يكون عشوائيا.. ويأسف المرء حين يري هكذا كوادر من النخبة المصرية وهم يقولون أي شيء في أي اتجاه.. استناداً إلي مواقف مسبقة وترويجاً لأجندة بعينها وبتحليل يخلو من المنهج العلمي ومعايير الاحتراف ولا علاقة له بالمعلومات. مجرد هواة.. شيء محزن.
ولابد هنا من التذكير بأن السياسات الخارجية للدول تقوم علي المصالح وتحقيق المنافع للشعوب.. ولا تقوم علي الأسس الأيديولوجية.. العقائد السياسية ليست هي المقصد من أي تحرك خارجي.. وإنما تحقيق الفائدة للشعب.. والاستقرار للدولة.. وتنمية الاقتصاد.. وحفظ الأمن القومي للبلدان.. وقد مضي زمن كانت تقوم فيه السياسة الخارجية علي الشعارات.. إذ أسفر ذلك عن هزائم مروعة أبرزها في عام 1967 التي أفرزت جيلاً من المحبطين لم نزل نعاني من مشكلاتهم النفسية حتي اليوم.
ولا يعني هذا الكلام بالطبع التنازل عن المبادئ.. ولا عن أخلاقيات السياسة الخارجية.. ولا عن أبعادها الإنسانية.. ولكن هذا ينبغي أن يكون في مزيج يؤدي إلي تحقيق المصالح والاعتبارات القومية.. يعني مثلاً الرئيس مبارك يصر علي عدم قبول وجود القواعد العسكرية الأجنبية في مصر.. وهو ما لا ترفضه قطر بل تقبل به إلي حد تمويل أجور الأمريكيين المتواجدين علي أرضها.. وهذا مبدأ وطني وأيديولوجي وأخلاقي وتاريخي من مبارك.. ولكنه في الأساس يحقق المنفعة للقرار المصري ويحميه من التأثير والتأثر بوجود عسكري علي أرضه.
غير أن نافعة وإدريس وما شابه لا ينشغلون بمثل تلك الأمور، ولا يقولون لقطر حتي إن لديها قواعد أجنبية علي أرضها في حين يخونون بلدهم علي شاشتها.. لسبب له علاقة بأنهم يختلفون سياسيا مع الإدارة المصرية ويظنون أن تلك الطريقة سوف تنتقص من مكانة السياسة الخارجية للبلد.. والله أدري بأسباب أخري لا داعي لأن نخوض فيها.
لست أعتقد أن مثل هذه الكتابات سوف تعيد هذه النوعية إلي جادة الطريق الوطني.. فقد مضي بهم الغي إلي مساحات لا يمكنهم إصلاحها.. ولكن تسجيل الموقف ضرورة.. والتأكيد علي كشفهم واجب.. وتذكير الجميع بما نراه قواعد وأصول هو أمر حتمي، حتي لا يستفحل هذا المرض السقيم.. شفاهم الله منه.. أو أعانهم عليه.. إذ أعتقد أنهم غير متسقين مع ذواتهم وهم غير راضين عنها بالتأكيد.
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى: [email protected]