الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

نافعة وإدريس




لم أزل أذكر جيداً‮ ‬قاعدة وضعتها مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق حين زارت مصر قبل سنوات،‮ ‬وقتها سئلت عن سياسة بوش ورأيها فيه،‮ ‬فقالت‮: ‬إنها تختلف معه‮.. ‬ولكن لا يمكنها أن تنتقده لأنه في النهاية رئيسها‮.‬

والمعني واضح،‮ ‬أولبرايت ديمقراطية وكانت تنتمي إلي عصر وإدارة رئيس آخر،‮ ‬هو كلينتون،‮ ‬ولها مواقف معلنة من جورج بوش داخل الولايات المتحدة،‮ ‬ولكنها لم يكن يمكنها أبدا أن تنتقد خارج بلدها الرئيس بوش أو سياسته الخارجية‮.. ‬رغم حملة الانتقادات التي تعرض لها في كل أنحاء العالم‮.. ‬وهي لم تكن ملاكاً‮ ‬ولم تكن بريئة‮.. ‬ولكن كما يقولون لكل مقام مقال‮.. ‬ولتفاعل أبناء البلد الواحد أصول‮.‬

وأهم الأصول التي لا يخالفها السياسيون المحترفون والمحللون ذوو القيمة أنه لا يتم التهجم علي السياسة الخارجية خارج الدولة‮.. ‬خصوصا إذا كانت الساحة التي يطلب فيها التهجم تنتمي إلي محور آخر مناقض في مصالحه وعلاقاته للدولة التي تتعرض من أبنائها للتهجم‮. ‬لم أسمع أبداً‮ ‬عن سياسي أمريكي محترم ذهب إلي موسكو لكي ينتقد واشنطن‮.‬

هذه قاعدة ينبغي التذكير بها لمن يفقهون‮. ‬وإن كنت أشك كثيراً‮ ‬في أن من أعنيهم سوف يتبعونها‮.. ‬لسبب بسيط وهو أنهم لا يلتزمون بأي أصول أو قواعد أو معايير في معرض انتقادهم للدولة المصرية‮.. ‬في أي موضوع أو أي ملف أو أي مجال‮.. ‬داخلي أو خارجي‮.‬

وبعض من أعنيهم تابعتهم قبل أيام في برنامج علي قناة الجزيرة‮.. ‬اسمه‮ "‬في العمق‮".. ‬حيث كان الضيفان هما حسن نافعة أستاذ الجامعة المحبط‮.. ‬وغير المتحقق‮.. ‬ومحمد السعيد إدريس الخبير المعروف في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام‮.. ‬وأحد مؤسسي حركة كفاية‮.. ‬الذي لا أعتقد أنه يمكن أن يتقول بنفس الانتقادات لدولة خليجية عمل بها‮.. ‬أو لإيران المتخصص في شئونها‮.‬

العنوان العريض لما كانا يقولانه يتعلق بانتقادهما لتوجهات السياسة الخارجية بأساليب أيديولوجية‮.. ‬وقد جاء هذا بالطبع علي هوي قطر وقناة الجزيرة التي لم تختر أن يكون من بين ضيوفها أي ممن يؤيدون السياسة الخارجية المصرية‮.. ‬وتحول الضيفان إلي مجرد عرائس لعب في خطة القناة المستمرة من أجل الهجوم علي السياسة الخارجية المصرية‮.. ‬بخلاف تحريضات أخري‮.‬

القاعدة الثانية في التعامل مع السياسة الخارجية لدولة ما‮.. ‬هي أن التحليل يجب أن يستند إلي معلومات‮.. ‬ولا يكون سماعياً‮.. ‬ولا يكون عشوائيا‮.. ‬ويأسف المرء حين يري هكذا كوادر من النخبة المصرية وهم يقولون أي شيء في أي اتجاه‮.. ‬استناداً‮ ‬إلي مواقف مسبقة وترويجاً‮ ‬لأجندة بعينها وبتحليل يخلو من المنهج العلمي ومعايير الاحتراف ولا علاقة له بالمعلومات‮. ‬مجرد هواة‮.. ‬شيء محزن‮.‬

ولابد هنا من التذكير بأن السياسات الخارجية للدول تقوم علي المصالح وتحقيق المنافع للشعوب‮.. ‬ولا تقوم علي الأسس الأيديولوجية‮.. ‬العقائد السياسية ليست هي المقصد من أي تحرك خارجي‮.. ‬وإنما تحقيق الفائدة للشعب‮.. ‬والاستقرار للدولة‮.. ‬وتنمية الاقتصاد‮.. ‬وحفظ الأمن القومي للبلدان‮.. ‬وقد مضي زمن كانت تقوم فيه السياسة الخارجية علي الشعارات‮.. ‬إذ أسفر ذلك عن هزائم مروعة أبرزها في عام‮ ‬1967‮ ‬التي أفرزت جيلاً‮ ‬من المحبطين لم نزل نعاني من مشكلاتهم النفسية حتي اليوم‮.‬

ولا يعني هذا الكلام بالطبع التنازل عن المبادئ‮.. ‬ولا عن أخلاقيات السياسة الخارجية‮.. ‬ولا عن أبعادها الإنسانية‮.. ‬ولكن هذا ينبغي أن يكون في مزيج يؤدي إلي تحقيق المصالح والاعتبارات القومية‮.. ‬يعني مثلاً‮ ‬الرئيس مبارك يصر علي عدم قبول وجود القواعد العسكرية الأجنبية في مصر‮.. ‬وهو ما لا ترفضه قطر بل تقبل به إلي حد تمويل أجور الأمريكيين المتواجدين علي أرضها‮.. ‬وهذا مبدأ وطني وأيديولوجي وأخلاقي وتاريخي من مبارك‮.. ‬ولكنه في الأساس يحقق المنفعة للقرار المصري ويحميه من التأثير والتأثر بوجود عسكري علي أرضه‮.‬

غير أن نافعة وإدريس وما شابه لا ينشغلون بمثل تلك الأمور،‮ ‬ولا يقولون لقطر حتي إن لديها قواعد أجنبية علي أرضها في حين يخونون بلدهم علي شاشتها‮.. ‬لسبب له علاقة بأنهم يختلفون سياسيا مع الإدارة المصرية ويظنون أن تلك الطريقة سوف تنتقص من مكانة السياسة الخارجية للبلد‮.. ‬والله أدري بأسباب أخري لا داعي لأن نخوض فيها‮.‬

لست أعتقد أن مثل هذه الكتابات سوف تعيد هذه النوعية إلي جادة الطريق الوطني‮.. ‬فقد مضي بهم الغي إلي مساحات لا يمكنهم إصلاحها‮.. ‬ولكن تسجيل الموقف ضرورة‮.. ‬والتأكيد علي كشفهم واجب‮.. ‬وتذكير الجميع بما نراه قواعد وأصول هو أمر حتمي،‮ ‬حتي لا يستفحل هذا المرض السقيم‮.. ‬شفاهم الله منه‮.. ‬أو أعانهم عليه‮.. ‬إذ أعتقد أنهم‮ ‬غير متسقين مع ذواتهم وهم‮ ‬غير راضين عنها بالتأكيد‮.‬

الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net

البريد  الإليكترونى:  [email protected]