الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

سهير المصادفة: التاريخ علمنا أن من يحاول أن يسجن الإبداع هو الخاسر




«الإبداع بشكلٍ عام سواء كان قصيدة أو رواية هو الأب الروحى لتغيير المسيرة البشرية إلى الأفضل» ... هكذا تلخص الشاعرة والروائية سهير المصادفة رؤيتها لدور الإبداع المجتمعى، من خلال كشف السلبيات والتحريض على رفضها، مؤكدة أن الإبداع دائمًا ما يجد طريقه نحو النور والخلود، وأن مَنْ يحاول أن يغلّقَ عليه النوافذ ويسجنه هو الخاسر لا محالة ... عن كتاباتها وتجربتها المستمرة مع سلسلة «الجوائز» ورأيها فى الوضع السياسى وتأثيره على الثقافة كان لنا معها هذا الحوار:
 
■ بدأت شاعرة ثم تحولت إلى كتابة الرواية.. ما سر هذا التحول؟
 
- ما زلت أرددُ سببًا واحدًا لهذا التحول منذ نشر روايتى الأولى «لهو الأبالسة» اكتشفت أنه كان عليَّ إذًا أن أنصهر تحت نيران شاعر يرى أنه أعظم متمرد فى مواجهة العالم، وروائى يحاول أن يعيد بناء هذا العالم، شاعر لا يمكن محاسبته على شيء فهو طفل العالم المدلل الذى يستطيع ركل الكون فى جملة واحدة أو وضع غيمة أوشمس فى جيب بنطلونه، وروائى يحاسب على وصفه لمشاعر شخوصه وطريقة كلامهم وشكل بيوتهم ودموعهم وضحكاتهم وموتهم، شاعر يستطيع فى كلمتين تحويل الناس إلى طيور مغردة أو مسخ الأسود إلى فئران، وروائى عليه أن يحاصر أحياء سقطت بكاملها من خرائط بعض الدول ومن حفلات شاى المسئولين.. بلاد تنهار مثلما تنهار بناية عملاقة تعرضت لزلزال، مصائر مفجعة ومختلفة لبشر راحوا دون أن يعيشوا لحظة حقيقية فى حياتهم، ودون أن ينتبهوا لإمكانية الشكوى إلا لله، ودونما التفاتة من الحياة نفسها إليهم، ولكنهم وكأنهم تركوا لى جميعاً ثأرهم، فحاولت تثبيت صورهم، فلربما استطاعوا فى حالتهم تلك الجديدة أن يهنأوا بحياة أفضل.
 
■ هناك من يرى أن وظيفة القصيدة أن تحلم، فما وظيفة الرواية؟
 
- أرى أنالإبداع بشكلٍ عام سواء كان قصيدة أو رواية هو الأب الروحى لتغيير المسيرة البشرية إلى الأفضل.. للعمل على ارتقائها درج التطور من البدائية إلى التحضر.. لتثوير واقعها الراكد، وذلك من خلال تحقيق أكبر قدر من متعة طرح الأسئلة الوجودية الكبرى. مع نظرة بانورامية لتاريخ الأدب سنجد أن الثورات الكبرى أتت فى أعقاب ثورات كبرى فى الكتابة وارتفاع سقف حرية التعبير وحصار وجع الشعوب ووضعها تحت مجهر السرد وترديد أحلام المجتمعات المقهورة والانطلاق بها إلى آفاق أرحب.. ستظل وظيفة الأدب بشكل عام هى السعى نحو الخير والعدل والحق والجمال.
 
■ «رحلة الضباع» هو عنوان روايتك الجديدة.. لماذا العودة إلى التراث فى هذه الرواية؟
 
- يقطع سرد اللحظة الآنية فى «رحلة الضباع» مخطوطا قديما هو للروائية المستترة فى الرواية الحديثة، إن لحظة الجمود الراهنة والتى تتجه بكل تفاصيلها كما نرى الآن نحو الماضى حنينًا وارتباطًا يكاد يكون ميتافيزيقيًّا به كان عليها أن تتجه سرديًّا إلى الماضى علّها تفهم سبب جمودها وحنينها للعودة إليه.. لم تكن عودة إلى التراث بقدر ما كانت الحكاية واحدة ولم يتغير فيها الكثير منذ أربعة عشر قرنًا وحتى هذه اللحظة، فالحكاية القديمة تتردد أصداؤها فى الحكاية المعاصرة والعكس صحيح.
 
■ لهو الأبالسة، رحلة الضباع عناوين روايتك تحمل معانى الوحشية والقتامة، والهلاك.. لماذا هذه النظرة السوداوية؟
 
- أظن أن الأدب يجب أن يكون استشرافيًا لواقعه ولكل ما قد يحدث به من ثورات أو انزلاقات كبرى فى تاريخه ويتنبأ بها، أو يكشف أهمية أن تقوم، أظن أنه عليه أن يعلن سخطه من جميع قوى البطش والظلامية لكى يحرض على قيام ثورة ضدها، أو يصور مرحلة ما قبل الثورات بإخلاص وشفافية مشيرًا إلى آفاق أرحب، وقد يكفيه حينئذ أن يردد أنها مجرد حلكة محكمة وعلينا الفكاك من أسرها.. فى الحقيقة إذا لم يكن الكاتب قبل الثورات ثوريًا فهناك عشرات علامات الاستفهام على مشواره الأدبى، وهذا باختصار شديد ما تناولته كلتا الروايتين «رحلة الضباع» و«لهو الأبالسة» ولا أستبعد هنا أيضًا روايتى «ميس إيجيبت».
 
■ تستخدمين تقنيات سردية وأساليب فنية تجعل الكتابة الروائية لديك أشبه بمختبر حقيقي.. هل تتعمدين ذلك أم تفرض عليك الكتابة سياق السرد؟
 
دائمًا الكتابة تفرض طرق سردها، لا أعجل بدفع كتابى للنشر إلا بعد التأكد التام أنه يريد أن يظهر للقراء هكذا شكلاً ومضمونًا، لا توجد وصفة جاهزة أمامى لكتابة رواية وإنما توجد أسئلة وجودية كبرى تؤرقنى وتطاردنى لكى أكتبها وعند هذا الحدِّ أجد نفسى مدفوعة بتقنيات جديدة لم أختبرها أنا نفسى من قبل.
 
 ■ ما الفرق بين متعة القراءة ومتعة الكتابة؟ وما الفرق الكُتَّاب العرب والكُتَّاب الأجانب؟
 
- أرى إنجازات الرواية الغربية وأنقلها للمكتبة العربيةمن خلال سلسلة الجوائز، وأرى أيضًا الفرق بين الكتاب العرب والكتاب الأجانب المدعومين بلا حدود لكى يواصلوا إنجازاتهم السردية، ولكننى لا يزعجنى هذا على الإطلاق، بل أفرح أحيانًا بأننا نقومُ بدورين فى الوقت نفسه.. دور مَنْ يواصل نثر البذور ودور مَنْ يسهر على نمو أشجارها وهذا يتم أيضًا بدون دعمٍ على الإطلاق من أيَّ مؤسسات أوحتى من الجموع التى مِن المفترضِ أن تدعم المؤلف بشراء كتابه.
 
■ كيف تنظرين إلى حرية الإبداع بعد ثورة يناير؟
 
- لا أخشى على حرية الإبداع، فدروس التاريخ تعلمنا أن الإبداع دائمًا ما يجد طريقه نحو النور والخلود، وأن مَنْ يحاول أن يغلّقَ عليه النوافذ ويسجنه هو الخاسر لا محالة إن كلَّ إبداعٍ تمت مصادرته أو كلَّ قلمٍ تمت محاولة قصفه تخطى هذا بسهولة بالغة وصمد وقفز عبْر الزمن ليصل إلى أجيال جاءت بعده بقرون، ولكن ربما تشهد مصر حالة من التراجع الثقافى بالتأكيد إذا سيطرت تيارات الإسلام السياسى على كلِّ مفاصل الدولة وحدها، ليست هى فقط وإنما أىَّ تيار أيديولوجى آخر، لم أر حتى هذه اللحظة من هذه التيارات ما يدعو إلى التفاؤل، إن محاولة إرهاب الإعلام تجعل الأمر كاريكاتوريًّا للغاية، ففى بداية الألفية الثالثة مثل هذه الممارسات المكشوفة لا تثير إلا الشفقة ولن تؤدى بهم إلا إلى غلق الفضاء المفتوح نفسه.