الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مثقفون: سيناء سقطت من مخيلة المبدعين




بتجدد الاحتفالات بعيد تحرير سيناء سنويا يتجدد التساؤل عن علاقة الأدب بهذا الحدث، وهل عبر عنه بالشكل اللائق أم لا؟.

السؤال يفرض نفسه، فالأدب ذاكرة الشعوب، كما أن الإجابة دائما ما تكون متوقعة، وهى أن الأدب لم يعبر عن سيناء وما مرت به من أحداث تاريخية، إلا أن القليل المكتوب يندرج تحت مسمى «أدب الحرب».. فى محاولة لمعرفة أسباب ابتعاد الأدب عن سيناء وابتعاد أبنائها من الأدباء عن دائرة اهتمام النقاد، كان لنا هذا الاستطلاع.
الروائى يوسف القعيد فى إجابة قاطعة قال: لا.. رغم وجود الكثيرين ممن كتبوا عنها، خاصة الروائى مسعد أبو فجر الذى أحيانا ما أجد سيناء فى مقالاته أكثر من روايته «طلعة البدن».. مشكلة سيناء أننا كأبناء الوادى بعيدين عن الحياة فى سيناء بكل أشكالها، فعلى مستوى الشعر يمكن الكتابة شعرا عن سيناء إنما المشكلة تظهر بقوة عند كتابة رواية أو قصة قصيرة عن سيناء المكان التى نكتشف أنها بحاجة للمعايشة الكاملة، كما أنها أخذت منا منذ عام 1967 حتى 1984، حيث عاد جزء منها فى 1973 والثانى فى 1984.. المدهش أن سيناء تظهر فى أدب المحتلين والغزاة بشكل أكبر فهناك الكاتب اليونانى الشهير نيكوس كازانتازاكس صديق زوربا اليونانى لديه كتاب بديع عن سيناء فى أدب الرحلات، كذلك كل الرحالة الذين زاروا مصر عبر سيناء كتبوا عنها كثيرا، لكن التعبير عنها بشكل متميز لم يتم بعد فى الدراما أو الغناء أو الأدب، حتى تعبير «أرض الفيروز» أصبحنا نتعامل معه بمنطق فلكلورى، أحب أن ألفت النظر هنا إلى أن واحة سيوة كتب عنها عشر روايات مصرية لما تحمله من أساطير وبشر منذ أن زارها الإسكندر الأكبر فى المقابل سيناء خالية من البشر فما الذى سيكتب عنها او يقال؟، على سبيل المثال كتاب ناعوم جورجى «موسوعة سيناء» أو كتاب جمال حمدان عن سيناء هى كتب نظرية مهمة لكنها ليست أدبية، كما أن سيناء للأسف تظهر فى الدراما المصرية بحكايات الجواسيس وربطها بالإسرائيليين كل هذا أراه مسيئا لسيناء الحقيقية.

أما الروائى فؤاد قنديل الذى كثيرا ما ينادى بمزيد من الاهتمام بسيناء وأهلها عبر مقالاته قال: حرب أكتوبر 73 حرب تصل إلى درجة الإعجاز التى ساهم فى تحقيقها القدرات العالية من الناحية العلمية والعسكرية والوطنية واستطاعت القيادة العسكرية مع الجنود والضباط المصريين أن يعزفوا سيمفونية رفيعة المستوى استرد بها الشعب المصرى أرضه التى استولى عليها الصهاينة عام 1967 فى غفلة من الزمن، وكنت أتصور أن الرواية يمكن أن تخلد هذا العمل بصورة فنية عالية وتأخذ السينما عن الروايات قصصها وبطولات الجنود لتنتجها فى أعمال درامية وسنيمائية لكن الروايات التى ابدعها الكتاب أولاً قليلة ثانيًا ليست كلها تمثل ما تم بالفعل.
لقد حامت وحلقت بعض الروايات حول المعارك والبطولات دون تعمق كاف، ودون رصد دقيق لما جرى، وكان يمكن أن تكون هناك عشرات بل مئات الروايات عن هذه الحرب بقدر ما كان من مواقف مميزة وإنسانية وعبقرية أداها ونفذها الجنود والضباط الذين قدموا أمثلة رائعة للتضحية والفداء والبسالة النادرة، وهذا ما دفعنى لكتابة رواية «موسم العنف الجميل» التى تأخرت قليلا لأننى كنت انتظر الذين شاركوا فى الحرب بالفعل، وكان يجب على الدولة خاصة الرئيس السابق الذى شارك  فى الحرب ثم أصبح رئيسا أن يبدى اهتماماً أكثر لهذه الحرب وتخصيص الجوائز لها، وعمل لقاءات مع الضباط والجنود ليخرج ذلك فى النهاية فى شكل روايات، وكنت قد كتبت إليه رسالتين مرة فى نهاية الثمانينيات وأخرى فى نهاية التسعينيات أدعوه لذلك لكن لم أستقبل أى رد، وقلت له بالتحديد إذا لم تكتب روايات حرب أكتوبر فى عهدك فلن تكتب فى أى وقت، أولا لأنك شاركت فى الحرب وثانيا لأنك تمثل أعلى سلطة فى الدولة.
الروائى قاسم مسعد عليوة تحدث باستفاضة عن مدى توفيق الادب المصرى فى التعبير عن سيناء قائلا: أولا بالفعل هناك تيارات أدبية تعاملت مع هذه المناسبة سواء كانت شعرية أو أدبية لكن الموقف نفسه أكبر مما بذل من محاولات للتعبير عنه، فهناك بعض الأعمال الشعرية التى وصفت بالملحمية وهى أبعد ما يكون عن قالب الملحمة، كما أنها كانت ضمن الإطار الدعائى أكثر والبروباجندا التى يمكن أن تكون ضمن ما يسمى بأدب المناسبات، بينما بالفعل الأدب هو إنسانى بالضرورة ويتعلق بالموضوعات المحورية، فأغلب ما كتب عن سيناء يمكن تصنيفه فى منظومة أدب الحرب، لكن سيناء ليست حرباً فقط، بل هى بيئة واقتصاد وعلاقات بالبشر ومكونات عديدة لهذه المنطقة متداخلة فى الحياة الاجتماعية المصرية.
أردف عليوة: طبعا نحن نغفل دور أدباء سيناء فى محاولة التعبير عن سيناء وواقعها خاصة بعد تحريرها، وهم كثر منهم الشاعر حسونة فتحى والشاعر حاتم عبدالهادى، ومحمد ناجى وسمير محسن وعبدالقادر عياد والراحل الشيخ محمد عايش وكان يكتب قصائد كلها إحساس بالنبل الوطنى، لكنه أيضا تم تجاهله فى الساحة الأدبية ولم يأخذ حقه من النقاد، وكذلك عبد الحليم سالم بالقنطرة شرق ومحمد الدسوقى بجنوب سيناء وحاتم المرسى.. فكل هؤلاء مبدعون لهم كتاباتهم التى لابد أن توضع تحت مجهر النقاد وإلا فسيضيع كل ذلك، لكن فى رأيى كما ذكرت أن ماكتب عن سيناء سواء من أبنائها أو من خارجها يمكن إدراجه تصنيفيا فيما يعرف بأدب الحرب والتى لم تحظ هى الأخرى باهتمام نقدى حقيقى وجاد، ثانيا: أن أغلب الكتابات النقدية تمردت على كتابات الحرب وتطالب بأعمال كبرى كـ«الحرب والسلام» و«النهر الهادىء» وغيرهما من الأعمال العالمية، وهو ما أراه ظلما نقديا للكتابات، حتى على مستوى المؤتمرات الأدبية القومية والإقليمية نتجه لتسليط الضوء على الأدب الذى تعامل مع سيناء المحررة، لكننا نواجه من النقاد بإهمال وتنكر لها، ربما يهتمون أكثر بالأسماء اللامعة إعلامياً من سيناء، لكن من هم جادون ومعايشون لأتون الحدث بسيناء مهملون.

ولفت عليوة أيضا إلى أن هناك عدداً غير قليل من الأدباء بشمال سيناء على الأخص مقارنة بجنوبها، بينما يظل وسط سيناء محروما من الأدب كما هو الحال مع التنمية، والجدير بالذكر أن الشعر هو الأكثر حضورا بسيناء خاصة الشعر الشعبى والنبطى وهناك رابطة للشعر النبطى لها دورها الواضح والقوى فى الحفاظ عليه، وقال: الشعر الشعبى هو الأصدق دوما عن الشعر الرسمى، وأقصد بالرسمى هنا هو ما توافق عليه المجتمع وتعارف عليه مثل شعر الفصحى، فالشعبى هو الأكثر تحررا فى التعبير.
الروائى حمدى أبوجليل يقول: الحقيقة أن ما تم هو تعبير عن حرب أكتوبر وعن تحرير سيناء، وليس عن سيناء حتى إن الهيئة العامة للكتاب أصدرت سلسلة «أدب الحرب»، لكن كتابات عن سيناء لم تظهر بعد، والأسباب هنا موضوعية الحقيقة.. فالبدو بنوعيهما بدو سيناء وهم عصب سيناء وبدو الغرب لديهم مشكلة فى الكتابة، فالتحاقهم بالحياة المعاصرة حديث جدا، ففى سيناء هناك رواية مسعد أبوفجر «طلعة البدن» وهو من عصب سيناء وهى الرواية الوحيدة التى قرأتها عن سيناء، بالتالى التعليم والثقافة وإفراز الكتاب والمبدعين منها ما زال أمامه بعض الوقت وربما فى المستقبل القريب.
الشاعر شعبان يوسف يقول: الحقيقة بالنسبة للسيناويين قد تكون هناك أشكال من الأدباء قد كتبوا لكن بشكل قليل، فهناك من الروائيين عبدالله السلايمة وهناك الشاعر حسونة فتحى والروائى مسعد أبوفجر الذى تحدث فى روايته «طلعة البدن» عن مشكلة سيناء متعددة الأطراف، بمعنى الاضطهاد الذى كان واقعا على سيناء من قبل المصريين وهم أبناء الوطن الواحد قبل الاحتلال وبعد الاحتلال، هذه الرواية كانت صرخة مدوية للأخطار المتعددة التى تواجه سيناء، ما عدا ذلك أعتقد أنه ليس هناك أدباء كتبوا عن مشكلة سيناء، وأعتقد أن ذلك له علاقة بأنه لابد ان من يكتب عن سيناء هو شخص يعيش بسيناء، يشعر بها ويشعر بآلام أهلها، فدائما ما يعانى أبناء المدن الحدودية من مشاكل كبيرة جدا لها علاقة بالدولتين، يحضرنى هنا مشاكل بدو السلوم الذين يعانون من السلطتين الليبية والمصرية، كذلك الحال فى سيناء التى تعانى من مشاكل السلطتين المصرية والإسرائيلية، بالتالى تنشأ مشاكل عدة، فأنا أظن أن الروايات القليلة التى كتبها أبناء سيناء هى عدد محدود لم يستطع التعبير أو استيعاب المشكلة السيناوية بعد بالشكل المطلوب، فهى لم تنضج بعد كتابة أدبية تعبر بشكل واسع عن سيناء، فالثقافة هناك فى سيناء تقريبا غير معتنى بها، وتطوير العوامل التى تساعد على تطور الأدب والثقافة غير متوفرة، وهذه هى سمة المحافظات المصرية غير المركزية التى تعانى من الإهمال الثقافى فما بالك بسيناء، وبالنظر لكتابات جمال حمدان عن مصر الذى افرد الفصل العاشر كاملا عن سيناء وتحدث فيه عن «عزلة سيناء»، هذه العزلة ولدت عزلة ثقافية أيضا، بالتالى الحركة الثقافية فى سيناء ضعيفة لأن اهتمام الدولة بها من الأساس ضعيف، بالتالى يكمن هنا خطر حقيقى على سيناء كاملة وعلى وعيها، فالتعبير الأدبى فى سيناء مازال فى طور الجنين، بالتالى الكتابة الصحراوية فى مصر كتابة متأخرة وهامشية وضعيفة.. ربما لو اهتمت الدولة بتطوير المناخ الأدبى والثقافى بسيناء سيختلف الوضع تماما على جميع المستويات.
الناقد الأدبى الدكتور سيد البحراوي، قال: الإجابة القاطعة لأ، ربما لأنه لم يعبر عنها مبدعوها، أو أنهم لم يستطيعوا أن يقدموا أعمالهم الأدبية التى تعبر عن سيناء بالشكل اللائق أو الكافى، والأهم من ذلك أيضا أنه ليس هناك اهتمام فى الأساس بسيناء ككل وليس على المستوى الإبداعى فقط، فالإهمال السياسى هو العامل الأكبر فى تهميش سيناء حتى الآن وبعد الثورة التى ظننا أنها ستكون تغييرا حقيقيا لعدة أشياء، وأجب أن أشير هنا إلى أننى مازلت متفائلا وهو عنوان مقالى الأخير «لهذا أنا متفائل» الذى سجلت فيه النقاط التى أتفاءل فيها بأن كل ما نعيشه الآن سيزول قريبا لأننى أراهن على ثورة حقيقية على المفاهيم.
وقال الروائى محمد سامى البوهى: للأسف لم يعبر الكتّاب عن حرب أكتوبر ولم يمنحوها الحيز المناسب حتى الكتّاب السيناوية أنفسهم خاصة الأدباء الذين نزحوا إلى القاهرة كتبوا عن همومهم الشخصية ومعاناتهم الاجتماعية ولم يكتبوا عن سيناء، وفيما يخص أدب الحرب فغالبا كان معظمه شعرا وبالأخص شعر غنائى وبعض محاولات روائية لمن شاركوا فى الحرب من الادباء الذين تخطت أعمارهم  الـ60 الآن، فحرب أكتوبر تم التأريخ لها فى الكتب التاريخية والصحافة وبعض المحاولات السينمائية والمتلفزة، لكنها لم تحظ  بمكان بارز فى الأدب وكانت كل تلك المحاولات السابقة هى محاولات وقتية كرد فعل سريع بعد الحرب والآن أصبحت أكتوبر فى مأزق خاصة بعد طغيان حدث كثورة يناير.
وعن عدم خوض الكتّاب الشباب لتجربة الكتابة عن حرب تحرير سيناء، قال: لأن أدب الحرب بالذات أدب يحتاج التجربة ونحن جيل لم يعرف الحرب و كان هناك حدث أقوى هو القدس والبوسنة والهرسك والشيشان وأفغانستان وأخيرا العراق، فنحن دائما ما نحن الى الكتابة عن المآسى أما الانتصارات فلا تأخذ حيزا من التفكير الإبداعى إلا فى اللحظات الوقتية أو كأيقونة فى عمل إبداعى ما، كما أن لارتباط حرب اكتوبر بالنظام واستيلائه عليها أثر كبير فى عدم الخوض بشكل مكثف، خاصة من أدباء الجيل الجديد الذين كفروا أصلا بالوطن وأخذوا يبحثون عن أوطان بديلة.
وفى إجابة مباشرة على السؤال قال الشاعر حسونة: لا، وبشكل آخر فى ظل الظروف الأخيرة التى نعيشها بسيناء لم نجد اهتماما من الأدباء أو من الهيئة العامة للكتاب أو الهيئة العامة لقصور الثقافة بعمل أى فعاليات ثقافية أو احتفالات وهى نقطة هامشية فى حقيقة الأمر أمام الحديث الذى يدور بشعب سيناء الذى لا يهتم به أحد ولا ترى سيناء سوى أنها أرض قد تحررت بشكل غنائى فقط، لكن كسكان وكبشر سيناويين لا يوجد اى اهتمام على الإطلاق!
وحول لماذا لم يستطع مبدعو سيناء التعبير عنها بالشكل الكافى وعن مشاكلها؟.. يقول فتحى: لو أردنا الحديث عن المشهد الأدبى بسيناء فهو مشهد شديد الثراء، فبالنسبة للشعر هناك وفرة وصفوة من الشعراء، كذلك على مستوى القصة أو الرواية هناك إبداعات لكنها ليست كثيرة،، ففى الشعر هناك سالم شبانة وأشرف العنانى وبركات ناجى واحمد سواركة وعبدالقادر عياد.. هؤلاء نماذج وليس الجميع.. على مستوى الرواية عبدالله السلايمة الذى كتب ثلاث روايات عن سيناء ومشكلاتها، فى القصة القصيرة نجد زين العابدين الشريف وهناك أربع مسرحيات أيضا لمحمد عايش الشريف.. فكل المجالات عبر فيها أبناء سيناء عن واقعها وعن ثقافتها مع التغير الهامشى فى الإطار العام لها لتحقيق التواصل مع الثقافات الأخرى لكن مثلا على مستوى شمال سيناء نجد مدينة واحدة هى العريش التى تتسم بأنها حضرية فى المقابل باقى المدن مثل بئر العبد ورفح وغيرهما تتسم بالبداوة، إذا ابتعدنا قليلا واتجهنا نحو مدن الوسط والجنوب سنجد مجتمعا تحت خط الحياة! نتيجة مشاكله مع الحدود الإسرائيلية لذا ينتشر هناك ظواهر تهريب المخدرات والأسلحة والروسيات والأفارقة وكذلك تجارة الأعضاء البشرية، فى ظل غياب الأمن فنحن نتحدث عن مجتمع بعيد كل البعد عن التنمية والاهتمام الحقيقى.
عن سبب انتشار الشعر فى مقابل انحسار الرواية يقول فتحى: بالفعل هناك حضور شعرى أكبر من الرواية بين مبدعى سيناء، فلدينا فى الرواية مسعد أبو فجر وعبد الله السلايمة وسعيد رمضان على الذى كتب ثلاث روايات عن سيناء والذى يمثل منطقة شديدة الحساسية وهى منطقة الحسنة بوسط سيناء، كما أن الاهتمام الإعلامى عليه دور فى ذلك، لكن يبقى الشعر الأكثر احتكاكا وقربا من الجمهور لذا فهو الأكثر انتشارا.