الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سمير فؤاد: مصر اليوم مثل الأرجوحة هناك من يتحكم فى صعودها وهبوطها




«انتابتنى فى الفترة الماضية مشاعر حنين للماضي، وأتحسر على علاقات انتهت بفعل رحيل أصحابها، وواقع يجعلنا لا نريد أن ننظر إلى المستقبل، فعدت إلى الماضى بذكرياته الجميلة» ... بدت حالة من الفرح ممزوجة بالحزن على الفنان التشكيلى سمير فؤاد وهو يتحدث عن معرضه «حنين» المقام بقاعة «بيكاسو للفنون» بالزمالك، والذى أهداه إلى شقيقته التى توفيت منذ نحو الشهر، ويضم ما يقرب من خمسين لوحة تصويرية منفذة بالألوان المائية والزيتية، لعديد من الموضوعات التى تعبر عن ذكريات الماضى، تم إنتاجها خلال الأعوام ما بين 2010 - 2013، حول المعرض وعدد آخر من القضايا الفنية كان لنا معه هذا الحوار:
 
■ أهديت معرضك «حنين» إلى شقيقتك الراحلة.. حدثنا عن هذا الحنين وعن مضمون المعرض؟
- الحنين للماضى ولشقيقتى الراحلة كلاهما نفس المعنى والمضمون، كلاهما شكل صفات فى شخصيتي، وذكريات حفرت ونسجت فى كيانى يصعب محوها، وهذه الذكريات كلما بعدنا عنها تقترب منا بفعل قوة تأثيرها، شقيقتى «سهام» توفيت منذ شهر تقريبا، وهى تكبرنى بحوالى 14 عاما، وكانت بمثابة أمى الثانية، وأثرت وأضافت لعالمى الكثير، كنا مقربين جدا ولها عقلية متفتحة، انتابتنى فى الفترة الماضية مشاعر حنين للماضى بكل ما فيه، ويبدو أن الإنسان عندما يتقدم به العمر تصيبه حالة من النوسالجيا فينظر إلى الوراء أكثر مما ينظر إلى الأمام، ربما يتحسر على علاقات انتهت بفعل رحيل أصحابها، أو فرضها حاضر كئيب حكم علينا بأن ننعزل إلى جزر بفعل ضغوط الحياة، أو يتحسر على وطن كان يحلم بأن يكون فى حاضره أفضل مما أتى به الواقع، أو أن هذا الواقع يجعلنا لا نريد أن ننظر إلى المستقبل رهبة منه أو خوفا عليه، الحنين إلى الماضى هو مخزون نلجأ إليه لشحن إرادة أصابها بعض الوهن لكى تستعيد عافيتها، وأنا بفعل هذه الحالة وجدت نفسى أعود إلى أشياء بذاكرتى تسعدنى وتشعرنى بالفرحة.
 
 

 
 
■ هناك تعددية فى الموضوعات المعروضة فهل هذا يعنى أن وراء كل لوحه قصة وذكرى؟
- لدى حنين لمصر فى فترة الخمسينيات والستينيات، التى كنا جميعا ملتفين حول المشروع القومي، وهذا التوقيت فى مصر بالتحديد أثر فى من الجانب الفنى والتشكيلى والإنسانى، كنت مقيما بمنطقة مصر الجديدة، وكانت اسماً على مسمى «مصر الجديدة» بمعنى «مدنية النور»، كانت تعجبنى العمارات والتراث المعماري، وتعدد الموضوعات هو جزء من ذكرياتى، والمعرض هو استكمال بحث بدأته لصياغة الحركة والزمن، مثل حركة الأرجوحة فى الصعود والهبوط، حركة جسد فى الفراغ لراقصة تنثنى على إيقاع موسيقى، لوحات المعرض كنت قد بدأتها ولم أستكملها من فترة، وعاودت استكمالها، وعندما نظرت إلى الأعمال فى مجملها، وجدت نفسى أمام معرض شبه استيعادى يمسح قرابة العشر سنوات الماضية من تجاربى فى الفن، وتأكد لى ما آمنت به دائما وهو أن المقاومة بالفن هى أهم سلاح يملكه الفنان لاستمراريته.
 
■ لوحات كثيرة قدمت فيها الأرجوحة، ماذا قصدت تحديدًا من وجود هذا العنصر الشعبى؟
كنت أذهب كثيرًا للموالد مع الأصدقاء وكنت دائم الذهاب إلى نادى «هليوبوليس» من أجل ركوب الأرجوحة، وإنما ركزت فى ذكراتى الأرجوحة الموجودة فى الموالد، أحب هذا الشعور أنى متحرر من الجاذبية الأرضية، وفى رحلة قصيرة بين صعود وهبوط، ودائما تثيرنى حركة الأرجوحة فى حركتها البندولية وشكلها الفنى من رسوم  هندسية، ومن بناء متزن وأعمدة قوية نحتمى بها ولا نخاف، عبرت عنها فى لوحتى بشكلها الحلزونى أو الدائرى فى دورانه، لتأكيد على الحركة، وهذا منظور من عده نقاط وزوايا نظر، وبدء هذه الفكرة فى الرؤية الفنان «سيزان»، والتشابه هنا أن حال مصر اليوم يشبه الأرجوحة فى الصعود والهبوط، وأن هناك من يتحكم فى حال الشعب صعودا وهبوطا، ولسنا أحرارا كما كنا نحلم أو نتخيل، ومع ذلك ما زلنا فى الانتظار.
 
■ موضوعات الطبيعة الصامتة قاربت على الاختفاء من معارض الفنانين المعاصرين فهل عاودك أيضا الحنين لرسمها؟
- رسم الطبيعة الصامتة موضوع باق ومستقر فى الفن ومهم جدا للفنان، الطبيعة الصامتة ليست كما يراها البعض مجرد عناصر فى تكوين، أى فنان تشكيلى يبدأ خطواته الأولى، أو فنان محترف يريد أن يعيد صياغة نفسه لابد أن يرسم طبيعة صامتة، لا يمل الفنان منها أبدا، فعل ذلك  بيكاسو وسيزان وغيرهما، إنها تعطى المجال لاكتساب خبرة فى ترجمة العناصر، فى لوحات الطبيعة الصامتة الفنان يتحكم فى التكوين ويضع العناصر كما يريد وحسب مفهومه الخاص، مثلا أنا فى لوحاتى رسمت مجموعة من فاكهة «الرمان» بعضها رمان مغلق والآخر مفتوح وكأنه يعانى ويتحاور، وهذا يعد شكلا من أشكال الحوار بين الأشكال التى تنتمى إلى نفس العنصر، مثلما يحدث فى حوارات البشر، وأيضا اختلاف الأبعاد والأحجام هى ترجمة للمسافة التى بينهما فى هذا الحوار، وعملية الشد والجذب بينهما، وهذا بالتأكيد يمثل صراعا بين طرفين ربما بينهما صلة قرابة، ورسمت العناصر بين التسطيح والتجسيم برؤية علوية لمنظور فوقى، وألغيت نقطة زوال.
 
■ من ينظر إلى لوحاتك يصعب التركيز عليها لفترة ويشعر بزغللة حدثنا عن استخدامك لهذه المعالجة وسبب اختيارك لها؟
- هذه «الزغللة» التى يحسها الملتقى هى رؤيتى ومفهومى للزمن والحركة، وفلسفتى فى ذلك نابعة من قناعتى بأن الأشياء غير ثابتة مهما كانت، نحن نتغير كل لحظة، وعدم الثبوت يعنى بقاء الحركة، ولهذا أرسم حول الشكل تكرارا للحركة، ليشعر الملتقى أن العنصر يتحرك فى هذه اللحظة، ففى لوحات الراقصات تبدو وكأن الإيقاع الموسيقى موجود ومستمر، وفى الوجوه والبورتريهات نشعر بوجود الحالة الانفعالية مثل لوحة المرأة التى تصرخ، وهذه الترجمة للحركة هو استدعاء للزمن.
 
■ هل شاركت فى المعارض الفنية التى تقام ردًا على الأحداث السياسية؟
نعم شاركت فى بعضها، ولكن لابد أن نفصل بين معارض الرد بالفن والمقاومة والدفاع عما نتعرض له، وبين الحالة الفنية التى يقدمها الفنان من قيم فنية وجمالية وتشكيلية وتعبيرية، وليس مجرد معرض رد، بل هذه المعارض فرصة لتواصل مع الجمهور وجذبه وتثقيفية بصريا، وعلى الفنانين أن يهتموا بالفن بنفس درجة اهتمامهم بالتعبير عن الحدث.
 
 
 

 
 
■ فى رأيك .. هل هناك عمل فنى جسد ثورة يناير؟
- فى ثورة 1919 كان هناك مشروع قومى والشعب كان ملتفا حول هذا المشروع، إنما اليوم أين نحن؟ ليس لدينا مشروع نهائيا، نحن مفتقدون لجمع الشعب والفنانين حول عمل فنى ميدانى يفرح الشعب، مثلما فعل محمود مختار فى تمثال «رياح الخماسين»، ونحن منذ أيام مبارك لا يجمعنا مشروع، عشنا فى عزلة، ودائما ما كنا نقول إن الفنانين التشكيليين معزولون، ورغم ذلك أعتقد أن الفن التشكيلى اليوم أحسن حالا من مجالات الفنون الأخرى، لم نصل بعد إلى نموذج فنى يجسد فعل الثورة لأن الثورة لم تنته بعد ولم يتضح معالم نجاحها بعد.
 
■ فى رأيك هل الحركة النقدية متواصلة مع الحركة الفنية بشكل متوازن؟
- الحركة الفنية والحركة النقدية كلاهما شركاء فى مسيرة الفن ولا ينفصل أبدا، لدينا مجموعة نقاد مميزون ولكن ينقصنا تقديم دراسات نقدية للفن والفنانين، وما ينقصنا جدا هو أن يكتب النقد للمتلقى وليس للفنان فقط، نريد أن يقرأ المتلقى اللوحة، فقد بدأ هذا المشروع النقدى الفنان الراحل عدلى رزق الله، الذى أكد فى كثير من اللقاءات والندوات أن الناقد يجب عليه أن يعلم المتلقى كيف يقرأ اللوحة، وكيف يقرأ التمثال، ويفك رموز عناصر وشفرات العمل الفنى، ويحاول أن يفهم قصدية الفنان، وأن هذا المتلقى هو طرف فى العمل الفنى، وإذا لم يصل الفن للمتلقى فلمن نقدم أعمالنا الفنية؟! مع أن الفن لغة بصرية ولا تحتاج للترجمة المكتوبة وتركها لرؤية المتلقى هو جزء من وصول الفن بتأثيره دون وسيط يصف ويشرح، ولكن لا مانع فى مزيد من الثقافة الفنية، نريد ندوات ولقاءات وأفلام وثائقية توضح وتفسر الفن، وفى عالمنا اليوم الأفلام الوثائقية توصل الثقافة أسرع من الكتاب ومن اللقاءات.
 
■ هل أنت مع وجود وزارة للثقافة أم دمجها مع مؤسسة أخرى كالإعلام مثلًا؟
- بالتأكيد نحتاج إلى وزارة الثقافة، نحن فى دولة فقيرة، خط الفقر وصل إلى 40% أو ربما أكثر، ولا يصح أن تكون مصر  بدون وزارة الثقافة، لا يمكن الاستغناء عنها، ويجب أن تدعم الوزارة الفن الجاد وطرح الثقافة بكل اتجاهاتها وأن تصل هذه الثقافة إلى محدود الدخل الذى لا يمكنه شراء الكتب والموسوعات، نريد زيادة فى المنتج الثقافى فى كل المجالات وخصوصا فى هذه الفترة من تاريخ مصر التى يوما بعد يوما نكتشف أن العجز فى الثقافة أوقعتنا فى أمور كثيرة وأخطاء، والأفضل أن وزارة الثقافة تقوم بعمل أفلام تثقيفية تفيد، لأن الإعلام المرئى أسهل وأسرع فى الوصول لكل المجتمع، بالإضافة لدعم الفنانين بكل المجالات، وتحديد الاستراتيجية الثقافية واستقلال وزارة الثقافة، أفضل من دمجها مع مؤسسة أخرى، نريد أن تذهب الفعاليات الفنية المهمة والكبرى التابعة لقطاع الفنون التشكيلية إلى الأقاليم، ولو نقل أجزاء من العروض، القاهرة مكتظه جدا بالفعاليات.
 
■ يبدو على ملامحك القلق والحيرة.. وضح لنا سبب هذا القلق؟
- نعم قلق على مصر وغير مطمئن، مازلنا فى فترة انتقالية، وقد عشنا فى سنوات تجريف و نظام قمعى يسجن من يعارضه، والشعب لم يتعود كيف يتعامل مع ثقافة الاختلاف، وما نعيشه لا يعنى حصولنا على الحرية، لا يوجد ما يمكن أن نطلق عليه الحرية الكاملة، الأديان توصى بوجود قيم ومبادئ يتبعها الإنسان، وتحتم عليه قدرًا من الحرية، وما نحن فيه هو فوضى وليس حرية، جميع السياسيين فى المشهد السياسى من جميع الأطراف دون المستوى، ولم يمارسوا السياسة الصحيحة، إذ نحن فى فترة تجارب محسوبة علينا، ولا توجد قيادة تقود مصر، لذلك أخشى عليها من حرب أهلية.