الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الجزائرى عز الدين جلاوجى: «الربيع العربى» مؤامرة استعمارية لنهب ثرواتنا




عز الدين جلاوجى من أهم الأصوات الأدبية فى الجزائر، فهو كاتب غزير الإنتاج ومتعدد الاهتمامات، يكتب الرواية والقصة القصيرة والنقد والمسرح وأدب الأطفال ويمارس العمل الأكاديمى بالجامعة، يرصد تشوهات الواقع بدون الوقوع فى فخ التشاؤم، كما يتعاطى مع فضاءات اللغة والتراث والحداثة بشيء من التعادلية، ويستخدم السخرية سلاحا لمحاربة الفساد والعفن فى المجتمع، عن أحوال الثقافة العربية وثورات الربيع العربى وأعماله دار هذا الحوار.
 
▪ فى خضم ما نشاهده من انتفاضات فى الوطن العربي، هل تتنبأون أيضا بانتفاضة ثقافية موازية؟
 
- بل إن الانتفاضة الثقافية تسبق دوما انتفاضات الشعوب، شريحة كبيرة من المثقفين العرب ظلوا على مدى العقود الطويلة الماضية يشهرون أقلامهم، ويصدعون بأفكارهم، وقد قدموا من أجل ذلك أنفسهمونفائسهم، ولا يمكن تصور أى حركة فى الشعوب إلا بفعل محرك قوى هو المثقف، وهذه الثورة الثقافية طالت حتى الإبداع بكل أجناسه، من حيث التبرم على القديم ورفضه، وإذا كانت ثورات الشارع، أو ثورة الإنسان العامى محددة بالمكان والزمان، فإن ثورة المثقف مستمرة أبدا مطلقا، ومعنى ذلك أن القلم سيتفاعل مع كل ما يحدث ويجسده إبداعا، ثم يستمر فى الثورة حتى على ذاته، لأن الإبداع خلق وحرية وثورة وتجدد.
 
▪ لاحظنا من خلال تتبعنا لحواراتكم المختلفة عدم تحمسكم للثورات العربية، ما السبب فى ذلك؟
 
- توجست منها خيفة منذ بدايتها وما زلت، كون الهبة الشعبية لم وجدت دعما كبيرا من دول عربية وغربية، هى عربيا بؤر الفساد والدكتاتورية، وهى غربيا بؤر استعمارية كانت ومازالت تمتص خيراتنا، بل هى التى نصبت علينا الدكتاتوريات التى تدعمنا الآن لإسقاطها، وتدعمنا أكثر لنتناحر، فهى وراء كثيرًا من الحركات المتطرفة، خاصة التطرف إلى الداخل.
 
▪ هل يمكن أن نؤمن اليوم، بعد النجاحات التى حققها الإنسان أن نؤمن بالمثقف الملتزم، وبالأدب الملتزم؟
 
- هناك مشكلة تعيشها الثقافة العربية، جعلها عرضة للتمزق، كونها تلهث خلف فلسفات، واتجاهات فنية وإبداعية، واتجاهات نقدية مختلفة، كلها وافدة من الغرب، ظهرت ضمن شروطها التاريخية وشروطها المناخية والمجتمعية، ولأننا فى العالم العربى عاجزون عن إنتاج الحضارة نهرول دائما للتقليد، فوقعنا فيما وقع فيه الغراب، عجز عن تقليد الحجلة ونسى مشيته، نحن متأخرون عن الغرب بقرون وعلى الجميع أن يساهم فى نهضة مجتمعنا، وبالتالى فإن المثقف عموما والمبدع خاصة ليس بمنأى عن هذا الدور، ولنسم ذلك بما شئنا مثقف ملتزم كما تسميه الماركسة، أو مثقف عضوى على حد قرامشي، أو مثقف حركي، المهم هو التواجد، المثقف المستنير اليوم مطالب بأن يواجه التخلف ويحاربه، وقد صارت له أنياباليوم يحارب بها، وصارت له قنوات يبث بها همجية الظلام، وكيف لأمة أن تساير ركب الحضار.
 
▪ ومازالت تقام فيها قنوات لتفسير الأحلام مثلا، أو الرقية أو العلاج من العين؟.. ألا تعتقد أن ذلك يجنى على الأدب؟
 
- كل الأعمال الخالدة هى أعمال ملتزمة بقضايا الإنسان، دون أن يزرى بها ذلك، من تولتسوى إلى دستويفيسكى إلى همنجواى إلى جوركى إلى شكسبير إلى سارتر وهيجو، لا شيء خارج الإنسان وخارج قضاياه الكبرى، أحب دائما أن أطرح سؤالين اثنين لدى قراءتى لأى نص، أو أى إبداع، ماذا قال؟ وكيف قال؟ وإذا كان الثانى ضروريا وأساسيا فى العملية الإبداعية لأن الإبداع جمال ومتعة، فإن الأول أيضا له مكانته فى الإبداع، والعالم العربى مازال يحتاج إلى وقوف المبدع معه، كما وقف نجيب محفوظ، والغيطاني، والحكيم، وونوس، ووطار، ومنيف، وغيرهم.
 
▪ عدت فى روايتك الأخيرة «حوبه ورحلة البحث عن المهدي» المنتظر إلىالتاريخ، لماذا التاريخ بالضبط وفى هذا الوقت بالذات؟
 
- صدرت روايتى «حوبة ورحلة البحث عن المهدى المنتظر» منذ عام، وحظيت باهتمام طيب من الدارسين والنقاد، وتقدم عنها الآن الكثير من الرسائل الجامعية، والكتابة الإبداعية المرتبطة بالتاريخ ضرورية، لأننا مطالبون أن نسأل هذا التاريخ، ومطالبون أن نستفزه ونعيد كتابته، كما نحن مطالبون أيضا بكتابته فنيا وجماليا، ولعل معظم مآسينا اليوم تعود لاستسلامنا الغبى لهذا التاريخ ولهذا الموروث، المشكلة أن دائرة المقدس فى موروثنا كبيرة جدا، وهى تكبر يوما بعد يوم، خاصة بظهور رجال دين لا يحسنون إلا تحنيط العقول فى جليد الماضي، ومن ذلك فإن الرواية التاريخية مثلا لا تكتب إلا مرتبطة بالحاضر، ومن هنا جاء اهتمامى بالرواية التاريخية، ولعل لعتبة النص دلالته العميقة أيضا من خلال اسمين علمين الأول هو حوبه والثانى هو المهدى المنتظر، نحن اليوم أحوجما نكون إلى مساءلة الماضي، وأحوج ما نكون إلى فهمه، إذا لا انطلاقة حقيقية لنا إلا بذلك، وقد فهم الغرب اللعبة جيدا، فأمسك بتلابيبها واستغلها استغلالا كبيرا، بدعم من أزلامه من حكام العرب، ورواية حوبه، هى جزء أول لأجزاء أنا عاكف على كتابتها أيضا.
 
▪ قرأنا لك أخيرا سعيك إلى كتابة نص مسرحى مختلف، أين وصل المشروع؟ وفيم يكمن اختلافه؟
 
- المشروع فى دار النشر تحت الطبع، وقد وقعت عقد ذلك منذ شهر تقريبا، والنص المختلف هو هاجسى الدائم والأبدي، أنتظر صدور سبع مسرحيات، أو كما سميتها أنا مسرديات، كون المسرح أكبر من النص، ولعل شكلها المختلف سيمنحها حضورا أقوى لدى المتلقي، وقد وزعت المشروع على مجموعة من الدارسين والباحثين، وعلى مجموعة من الطلبة المتخصصين فى جامعاتنا، وهم عاكفون على القراءة، لنلتقى بهم قريبا من أجل مناقشة الرؤية الجديدة، وسأترك الإجابة عن الشطر الثانى إلى حين صدور النصوص التى أنتظرها هذه الأيام.
 

 
▪ وهل يمس هذا «المختلف» كامل كتاباتك الإبداعية؟ خاصة أن نقاد أدبك ودارسيه لاحظوا اهتمامك بالتجريب؟
 
- التجريب صديق الإبداع وصنوه وقرينه، ولا معنى لإبداع دون تجريب، لأنه رفض وثورة وتجديد، لا يمكن للمبدع أن يكون مجرد صدى لغيره ولا ظلاله، لقد قرأت عبر مسيرتى الإبداعية للمئات، ولا أذكر أنى تأثرت بكاتب أكثر من غيره، لقد استفدت منهم جميعا قديما وحديثا مشرقا ومغربا، لكنى سعيت إلى تشكيل خصوصيتى الإبداعية التى تقولنى أنا وتعكسنى أنا لا غيري.
 
أول ما مارست هذا التمرد، كان من خلال القصة القصيرة حين أصدرت مثلا «صهيل الحيرة»، بالإضافة إلى تجارب أخرى نشرت فى مجموعة «رحلة البنات إلى النار»، ثم كان فى الرواية أيضا ابتداء من «سرادق الحلم والفجيعة» التى كانت ثورة على الرواية المألوفة من خلال هندسة النص ولغته وشخصياته وحتى المكان والزمان، كماظهر ذلك فى رواياتى الأخرى، خاصة «رأس المحنة 1+1=0»، و»الرماد الذى غسل الماء»، ووجهت اهتمامى بعده أيضا إلى النص المسرحي، لقد نشرت ثلاث عشرة مسرحية للكبار، ثم أعدت كتابتها الآن إضافة إلى نصوص جديدة، وقف رؤية مختلفة، وسأمضى فى هذا الطريق بحثا عن جزر عذراء لم تكتشف.
 
▪ كيف ترى كأستاذ وأديب حضور المرأة فى كتاباته؟
 
- لا معنى لإبداع دون امرأة، بل لا معنى لحياة دونها، الأنثى هى التى تكتب النص، ملهمة ومتقمصة حاضرة داخله، وكل نص يخلو من ذلك فهو نص فاشل، وقد أدرك العرب ذلك بحسهم المرهف، فابتدأت نصوصهم الخالدة بالوقوف على الأطلال، والذى ماهو إلا بحث عن المرأة التى كانت عندهم كالماء فى صحرائهم القاحلة، ولذلك حضرت المرأة بقوة فى كل نصوصى خاصة الروائية منها، المرأة جسدا وروحا ورؤية أيضا، وهى حاضرة أيضا فى روايتى الجديدة التى أعكف هذه الأيام على كتاباتها، بل وستحمل اسم امرأةأيضا.