السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إعادة اكتشاف «جوجان» للحياة فى الجزيرة الساحرة




صدر حديثا عن دار «رفوف» السورية كتاب «نوا نوا ... يوميات تاهيتي» للفنان التشكيلى الفرنسى العالمى بول جوجان والترجمة لأبية حمزاوي، وهو الكتاب الذى كتبه جوجان ما بين عامى 1891 و1893، بعد أن هرب مما أسماه «أوروبا الفاسدة» إلى فردوسه المنشود «تاهيتي» وهو ما سجله عبر سطور سيرته الذاتية التى تضىء بعضا من أفكاره وأهدافه التى ناضل من أجلها حفاظا ووصولا لسلامه الروحي، وعرضه لثقافة جزر المحيط الأطلنطي.
 
يفتتح جوجان كتابه بمقولة بودلير «قل، ماذا رأيت؟» ليتخلى هنا جوجان عن ريشته ويحكى عن رحلته لتاهيتى ضمن البعثة الفرنسية الفنية الرسمية، وماذا رآه هناك من عاداتهم وتقاليدهم.
 
جوجان لأنه فى الأساس رسام ومصور كانت كتابته رغم أنها سلسة ومنطقية وأحداثها متسلسلة تدل على كاتب جيد يدرك قيمة الكتابة، لكنه أيضا اهتم بالتعبير عن اللون وعن المشهد بشكل بصري، فى جزء من كتابه يصف فيه الملكة «مارو» التى انبهر بجمالها النبيل كالتالي: سحرنى حسنها الماووري، ملامحها التاهيتية الصافية، ذكرى سلفها الزعيم الكبير «تاتي» تمنحها وجميع أفراد عائلتها مظهر عظمة ووقار حقيقيين، كان لوجهها جمال منحوتة متقنة، رقيق وعريض فى آن واحد، ساعداها كعمودى معبد بسيطان ومستقيمان، وشكل جسدها، خط الكتفين الأفقي، الطول الفارع الذى يستدق فى الأعلى، كل هذا يذكّر بالثالوث المقدس.
 

 
وإذا نظرت إلى عينيها تجدهما تطلقان فجأة بريق عاطفة كامنة مبهمة تهب الحياة لكل شيء حولها، ربما هكذا انبثقت الجزيرة فى أحد الأيام، وانطلق شعاع الشمس الأول يمنح الحياة ويحوّل النباتات إلى أزهار نُفخت فيها الروح.....».
 
فى جزء آخر كتبه بالألوان الساخنة القوية التى تشبه باليتته قائلا: فى المرفأ انتشرت أشرعة برتقالية فوق سطح الماء الأزرق تتلألأ فضية تحت الشمس، كان سكان الجزر المجاورة يسرعون ليشهدوا اللحظات الأخيرة من حياة ملكهم الذى سيستولى الفرنسيون على مملكته بعد وفاته.
 
شاركتهم السماء فى حزنهم وغطّت الجبال ببقع قاتمة ساعة الغروب كعادتها كلما أشرف ملك على الموت. مات الملك وسُجّى جثمانه فى القصر، بعد أن ألبسوه زياً عسكرياً».
 
كان جوجان مندهشا من فكرة اختيار فرنسا ليكون ضمن هذه البعثة، لأن هذا النوع من البعثات سيئ السمعة لدى السكان المحليين ويتعاملون معهم على أنهم جواسيس! .. رغم محاولات جوجان العديدة لكسب ثقتهم وتغيير قناعاتهم لتتحول هذه الرحلة إلى عبء نفسى ثقيل عليه... ليس هذا فحسب إنما ما أكثر ما أزعج جوجان أنه وجد أوروبا التى هرب منها.
 
فيقول فى هذا الجزء من كتابه: «كنت أرى أمامى أوروبا التى هربت منها معتقداً بأننى قد خلّفتها ورائى إلى الأبد، ففى ظل التأثيرات الطاغية للطبقة الأوروبية المستعمرة، ساد التقليد الفج الذى يصل حدّ المهزلة، وتشويه العادات والتقليعات ومختلف مظاهر الحضارة الأوروبية، وهل قطعت كل هذه المسافات لأجد أمامى الشيء ذاته الذى دفعنى للهروب؟».
 
فى هذه الفترة أنتج جوجان ست وستين لوحة خلال السنتين الأولتين اللتين أمضاهما هناك، أرسل بعضا منها إلى معرضين فى كوبنهاجن، ثلاثة عشر عملا منها فى المعرض الأول 1892، وخمسة عشر عملا فى المعرض الثانى بجمعية الفن الحر 1893.