الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صناع الفن:حال العمال «يغم» فى الواقع والفن




تزايدت حالة التجاهل التى يعانى منها العامل المصرى وانتقلت من الواقع إلى الفن فبالرغم من أن عمال مصر عاشوا عصرهم الذهبى فى فترة الستينيات وانعكس ذلك بوضوح على السينما حيث تم تقديم أعمال تصدر بطولتها العمال من بينها «بائعة الخبز» و«الأسطى حسن» و«باب الحديد» و«الأيدى الناعمة» و«الحرام» وفى التسعينيات فيلم «أبو كرتونة» وغيرها وسبقها «العامل» و«البؤساء» و«ابن الحداد» إلا أن الحال تبدلت تماما وغاب العامل المصرى بنزاهته ودوره المؤثر عن الأعمال الفنية وانحصرت فى الحديث عن رجال الأعمال والبلطجية، الأمر لم يختلف كثيرا فى حال «الغناء» حيث احتفى نجوم الطرب بهم فى أغان مثل دور يا موتور وشمس المصانع وأبو بدلة زرقاء ودقت ساعة العمل الثورى وصورة. صناع الفن أعربوا عن غضبهم الشديد لسقوط العامل من حسابات الدولة ومبدعيها.

 
محمد فاضل: «ربيع الغضب» عن عمال المحلة
يؤكد المخرج محمد فاضل أنه يحرص فى معظم أعماله على تناول الطبقة العاملة ومشاكلها لما تعانيه من تجاهل الدولة وأن آخر مسلسلاته وهو «ربيع الغضب» سيتحدث باستفاضة عن مشاكل عمال المحلة واعتصامات 6 ابريل الشهيرة وهمجية الحكومة فى التعامل مع هذه الاعتصامات لانه يعتبر أن هذه الاضرابات كانت الشرارة الأولى لثورة يناير وأشار فاضل إلى أن قلة الافلام التى تتناول العامل المصرى هو توجه دولة والحل هو عدم تخلى الدولة عن الانتاج لأن الموضوعات الخاصة بالطبقة العمالية لن يقدمها إلا قطاعات الانتاج الحكومى خاصة أن منتج القطاع الخاص همه الأول والأخير هو الربح لذلك تجد معظم الأعمال التى يتم انتاجها إما عن القصور أو تجار المخدرات أو البلطجية.
واضاف فاضل أن الشهور القليلة التى قضاها الإخوان فى الحكم لم يكن العامل المصرى فى أولوية اهتمامهم مثل غيرهم من الأنظمة ومن وجهة نظره أن السبب فى ذلك أن قيادتهم لا يمتلكون مصانع وألا كنا سنجد مشاكل العمال تم حلها وقال فاضل: مصر أصبحت تفتقد  العمال الفنيين بسبب اتجاه العمال إلى اشغال أخرى خاصة أن مصانع القطاع الخاصه لا تعطى للعمال حقوقهم ومصانع القطاع العام تم بيعها.
 

سماح أنور: عمال المصنع «الحقيقيون» أصروا على حضور تصوير «أبو كرتونة»
تعتبر الفنانة سماح أنور فيلم «أبو كرتونة» من أهم الأعمال التى تناولت قضية العامل المصرى فى السينما المصرية وقالت: «هذا الفيلم سلط الضوء على عدد من المشكلات التى عانى منها العمال مع بداية عصر الانفتاح الاقتصادى وحتى الآن لم يجدوا لها حلاً قانونيًا.. حيث تعرفت من خلال الفيلم على ضرورة وجود تأمينات مهنية وصحية للعمال الذين يدفعون الثمن دائمًا بتغيير الأحوال الاقتصادية للبلد، فلو أفلس مصنع وتم بيعه سوف يدفعون ثمن انقطاع رزقهم كما أنهم أول من يتم الاستغناء عنهم مع تطور الزمن والآلات المستحدثة لذلك يجب أن تكون لهم تأمينات حتى لا يصبح مصيرهم فى يد المجهول. وللأسف لا أعتقد أن هذا الفيلم قد لفت نظر المسئولين له وقتها وأكبر دليل أن العمالة المصرية لاتزال تعانى من نفس المشاكل». وأضافت سماح أنها تتذكر كواليس تصوير الفيلم التى كانت تدور داخل أحد المصانع الحقيقية، حيث كان التصوير يتم فيه يوميًا بعد مواعيد العمل الرسمية وكان العمال وقتها يرفضون الرحيل لمشاهدة التصوير.
وقالت: «لقد تقابلنا معهم بشكل ودى وأبدوا سعادتهم وقتها بأنهم هناك عملاً سيعبر عن مشاكلهم التى يعانون منها». وأضافت سماح أنها لا تعلم الأسباب وراء اختفاء شخصية العامل المصرى ومشاكله من السينما والدراما المصرية، ولكن كل ما تعرفه أنه واجب على أهل الفن الاهتمام بقضايا مجتمعهم المختلفة ومحاولة طرح المشاكل لتوصيل أصواتهم للسلطة.
 

 
 
 
أهم الأعمال
 
قبل ثورة يوليو
العامل: بطولة حسين صدقى - انتاج 1943.
البؤساء: بطولة عباس فارس - امينة رزق انتاج 1944.
ابن الحداد: بطولة يوسف وهبى مديحة يسرى انتاج 1944.
بعد الثورة:
بائعة الخبز: بطولة زكى رستم امينة رزق انتاج 1953 اخراج حسين الإمام.
الأسطى حسن: فريد شوقى - هدى سلطان انتاج 1952 اخراج صلاح أبو سيف.
«باب الحديد»: بطولة هند رستم وفريد شوقى انتاج 1958 اخراج يوسف شاهين.
الأيدى الناعمة: بطولة أحمد مظهر - صباح انتاج 1963 اخراج محمود ذو الفقار.
فيلم «الحرام»: بطولة فاتن حمامة انتاج 1965 اخراج هنرى بركات.
فيلم «أبو كرتونة»: بطولة محمود عبد العزيز انتاج 1991 اخراج محمد حسيب.

 
 
 


مصطفى محرم: كسل المؤلفين سبب قلة الأعمال الخاصة بالعمال
برر السيناريست مصطفى محرم عدم وجود أفلام ومسلسلات كثيرة عن حياة العامل وأدق تفاصيل حياته المهنية والخاصة بعدم توافر معلومات كافية تساعد المؤلف على مناقشة مشاكل العامل وعلاقته بصاحب العمل والأشياء الخاصة بفنيات العمل المهنى حيث يتطلب هذا أن ينزل المؤلف للورش والمصانع ويحتك بالعامل ويتعرف على حياته عن قرب لكن للاسف المؤلفين «كسالى» لا يريدون أن يبذولوا مجهوداً. ويضيف محرم أن هناك أعمالاً قليلة تناولت العامل عن قرب مثل «الأسطى حسن» لفريد شوقى وهدى سلطان والذى جسد فيه عامل حدادة فى مصنع تصنيع بويات حديدية أيضا أنور وجدى قدم شخصية الميكانيكى فى فيلم «حبيب الروح» وهناك فيلم «الحقيقة العارية» لماجدة والذى تناول كفاح عمال مصر لبناء السد العالى ومع هذا فإن هذه الأعمال لا تعبر بشكل دقيق عن حياة العامل .
 
هانى شنودة: «اشتراكية» عبدالناصر أنصفت العامل و«الفن» لن يحل مشاكله
يرى الموسيقار هانى شنودة أن تجاهل العمال ودورهم فى الفن هو موضوع سياسى من الدرجة الأولى وأن فى رايه حل مشاكل العمال لن يأتى بالغناء لهم أو تقديم أفلام عنهم وأنه يجب على الدولة أن تضع العمال فى قائمة أولوياتها لأنهم يعتبرون قنبلة موقوتة فى المجتمع وإلا ستكون كما يقول المثل الشعبى «نضع العربة أمام الحصان» ولا ننسى أنهم أول ناس ذهبوا لميدان التحرير فى ثورة يناير. وقال شنودة: لو عقدنا مقارنة بين العمال فى عصر عبدالناصر وما تلاه من أنظمة أخرى سنجد لهم دور أساسى فى إدارة المصانع والشركات ويحصلون على نسبة من الأرباح ويحضرون اجتماعات مجالس الإدارات فهذه هى الاشتراكية التى نادى بها عبدالناصر وانعكست فى كل شىء فى المجتمع، والفن تأثر بهذه الاشتراكة فوجدنا أغانى تمدح فى العامل المصرى مثل «صورة»، «بناء السد العالى» التى غناها عبدالحليم حافظ كذلك «دقت ساعة العمل الثورى» لعبدالوهاب وغيرها من أغانى أم كلثوم وشادية ونجاة فقد كان هناك اتجاه عام فى البلد لمدح الاشتراكية وفى بلدنا عندما يغنى مطرب لاتجاه معين نجد الفنانين يسيرون خلفه كنوع من مسايرة الموضة.
 
 

 
فتوح أحمد: الشاشة تجسد الظلم الواقع على العامل فى الحياة
 
الفنان فتوح أحمد أشهر عمال مسلسل «ليالى الحلمية» للمؤلف اسامة أنور عكاشة يرى أن العامل المصرى ليس مظلوماً فقط من ناحية تقديم مشاكله وهمومه فى الدراما والسينما وإنما هو مظلوم فى الحياة كلها حيث تجاهلت الأنظمة المختلفة حقوقه ورغم محاولة تهميشه إلا أن العمال دائما صوتهم هو الأعلى وعندما يناديهم الوطن لا يبخلون بجهدهم عليه والأدلة على ذلك كثيرة فمن بنى السد العالى ومن وقف خلف عبد الناصر فى إعادة بناء مصر بعد ثورة يوليو.
وأشار فتوح إلى أن مسلسل «ليالى الحلمية» من أهم الأعمال التى ناقشت مشاكل العمال خاصة عمال النسيج وكيف كان النظام يعمل لهم ألف حساب خاصة عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذى حصل العامل المصرى على حقوقه أكثر من أى نظام والسر فى ذلك هو وجود مشروع قومى التف حوله كل المصريين وكان هناك زعيم حقيقى تتخذه قدوة لذلك عندما حدثت نكسة 67 لم نشعر بأزمات مثل التى نعيشها الآن وظلت المصانع تعمل والدنيا احوالها تسير بشكل عادى لذلك تجد أن معظم الأعمال الفنية التى قدمت عن العامل سواء أفلاماً أو أغانى خرجت فى عهد عبد الناصر.
وأشار فتوح إلى أن المؤلف أسامة أنور عكاشة تناول العامل المصرى وتفاصيل حياته وهمومه بدقة شديدة من خلال لقائه بنماذج حقيقية وهذا جعل مصداقية شديدة فى العمل وهذا انعكس على جودة العمل وأنه يعتز بالمشاركة فى عمل مثل «ليالى الحلمية» وشخصية شاهين العامل المكافح بداية من العصر الملكى مرورا بعهد عبد الناصر والسادات ومبارك.
 
 
 
النقاد: الدولة أهملتهم والانفتاح قضى عليهم
 
 
يقول الناقد كمال رمزى أن السينما المصرية تجاهلت المشاكل التى تواجه طبقة العمال بشكل خاص وذلك وفقًا لقانون الرقابة لعام 1948 والذى جاءت به بعض البنود الواضحة التى تقف حائلاً دون تناول حال العمال المصريين حيث نص على منع تصوير المظاهرات والاضطرابات التى تخص عمال المصانع، مع مراعاة الأحاديث التى تدور بين العامل وصاحب العمل مع تحاشى أى خطب وطنية أو ثورية تؤجج المشاعر، وهذا لوجود مشاكل عديدة بين السلطة الحاكمة وعمال الدولة منذ ذلك الوقت وحتى الآن. فالعمال قوة الدولة والكشف عن حقوقهم المنهوبة قد يجعلهم يثورون ويضربون عن العمل مما يعنى شلل كل مرافق الدولة واقتصادها.
وأضاف قائلاً: «من المفترض أن يكون الفن مرآة للمجتمع ومشاكله يستعرض من خلاله أهم ما يصيب الشعب للفن انتباه السلطة، ولكن ذلك ليس فى الحكومات التى تعتمد على النظم الاستبدادية حيث تنبه على المبدعين عدم التطرق لمثل هذه القضايا الشائكة عن طريق وضع قوانين رقابية حازمة.. ولعل بعد ثورة يناير تم التطرق للحديث عن بعض الفئات المهمشة بالمجتمع مع الحذر من كثرة الحديث عن مشاكل العمال خاصة بعد غضبهم من السلطة فور واقعة إعدام العاملين «خميس والبقرى» فى كفر الدوار لاعتراضهما على الثورة وقتها.. وفى وقت البناء الكبير لاقتصاد مصر بعد الثورة تم الاهتمام أكثر بالعمالة المصرية وذلك للدور الهام الذى لعبته فى بناء السد العالى ومجمع الحديد والصلب وغيرها من المصانع القومية. لكن مع الخصخصة فى عهد السادات التى تسببت فى تسريح آلاف العمال بدأت العلاقات بين الفن والعمال تهتز لعدم اهتمام الدولة بهم». وأضاف قائلًا: «السينما التسجيلية هى الأكثر اهتمامًا بالعمال، ونتمنى أن يظهر مبدع بعد ثورة يناير يدافع عن حقوقهم ويكسر القاعدة ويبرز دورهم فى هذه الثورة حيث أن انتفاضة عمال غزل المحلة التى سبقت الثورة بشهور قليلة كانت أحد أهم أسبابها».
يرى الناقد نادر عدلى أن السينما المصرية أهملت طبقة العمال ومشاكلهم مع بداية السبعينيات من القرن الماضى.. وذلك بسبب اهتمامها بطبقات أخرى من المجتمع المصرى مثل رجال الأعمال والطبقات التى سارت مع تيار الانفتاح، وقال: «قد شهدت مرحلة الستينيات والخمسينيات وجود بعض العناصر العمالية والمشاكل ولكن على استحياء مثل فيلم «باب الحديد» الذى قدم مشكلة افتقاد شريحة الشيالين لوجود نقابة عمالية تحمى حقوقهم.. وبعد عرضه لن يلتفت له أى مسئول وتعاملوا مع الموقف على أنه قصة درامية».
وأضاف قائلا: «هناك بعض الأفلام التى تم صنعها لحث العمال على العمل خاصة فى الفترة ما بعد ثورة يوليو وذلك لأن القوى العمالية هى الوحيدة التى كانت تبنى البلد، ولولا العمل لم تكن أقيمت المصانع، ولو أن العمل الفنى الوحيد الذى رصد تطورات العامل فى هذه الفترة وحتى العصر الحديث كان مسلسل ليالى الحلمية. وحيث تغيب دور العامل عن السينما مع بداية عصر الانفتاح حيث أصبحت هناك عناصر أخرى فى المجتمع يتم الحديث عنها. وهى نماذج رجال الأعمال الذين بدأوا من الصفر وحصلوا على ثروة ضخمة من خلال الانفتاح الاقتصادى فى هذا الوقت.