الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«حمار من الشرق» لمحمود السعدنى




 
 
«قالت: ولكن الغريب مع انك حمار فأنت تبدو ساخطا على ما يدور فى بلادكم وغير مستريح لما يجرى هناك.
 
قلت: بالعكس، انا راض ومستريح وموافق ومبسوط واربعة وعشرين قيراط، وانا واحد من الـ 99.99% الذين يوافقون على كل استفتاء، وانا مجرد شاهد على العصر ارسم الصورة دون تدخل، واحكى تفاصيل الحكاية دون موافقة أو معارضة، فهذه المشاعر ابعد ما تكون عن بالى المطمئن وضميرى المستريح.
 
قالت: افهم من ذلك انه لا يوجد فى بلادكم حمير فى المعارضة؟ قلت: بل انهم اليوم لكثيرون، عندنا معارضة بمرتب، ومعارضة على درجة، ومعارضة بمكافأة، وحكوميون معارون للمعارضة، ولدينا مناضلون يركبون المرسيدس ويديرون بوتيكات للملابس، ويشاركون اللصوص والحرامية والمجرمين، وعندنا قادة منظمات مسلحة دفاتر شيكاتهم أطول من الشريط الحدودى بيننا وبين إسرائيل! ونشأت فى أماكن عديدة فى بلادنا أحزاب معارضة تشتغل بأعمال الكهرباء، واحد من الكهرباء يدير مكتبا ثقافياً ويصدر نشرة شهرية اسمها المباحث! ويقيم فى شقة بمليون جنيه فى بروكسيل، ويفتى كثيراً فى أمور النضال والكفاح.
 
قالت: أنت تقصد إذن أن هؤلاء المعارضون تخلوا نهائياً عن رسالتهم وانضموا بصراحة إلى حزب المهلبين والمهربين!
 
قلت: أبدا، المصيبة انهم لا يزالون يعلنون فى كل مناسبة انهم من المد الثورى المتشنكر فى الحنجورى، من أجل تعاظم قوى الشعب المتقعر فى سبيل تلاحم الشواشى العليا للبرجوازية، من أجل جماهير الطبقات المطحونة فى طريق الشحن المتبادل على طريق الثورة المرتقبة، من اجل قيام عالم تسوده الحلبسة والأودسة والتأمين على الحياة! قالت: ولكن نموذج واحد لا يعول عليه لابد أنه شاذ ونشاز ومن الخوارج.
 
قلت: يا ايتها الست الطيبة، لو كان نموذجا واحدا لما شغل وقتنا بالحديث عن سيادته، ولكنهم كثير.. صحيح هناك نماذج أخرى جيدة، ولكنها قليلة، وهى الشذوذ الذى يثبت القاعدة، فالقاعدة هى التهليب، والشذوذ هو العمل من أجل الثورة، وعلى كل حال أنا أعرف نموذجا آخر من عائلة ثرية، وهو نموذج تنطبق صفاته على كثيرين وهو ثرى أمثل يمتلك عمارة وسيارة وله حسابات فى البنوك، وهو حائز على جائزة عبد الناصر من موسكو، وجائزة نكروما من السودان، وجائزة سوكارنو من اسبانيا، وجائزة فرانكو من اليابان، وهو فى الرواية ينافس نجيب محفوظ وفى المسرح ولا توفيق الحكيم، وفى الشعر ولا أحمد شوقى ، وهو فى الثراء ولا عثمان أحمد عثمان، وهو قبل ذلك وبعد ذلك شيوعى قبل ماركس ولنينى قبل لنين وناصرى قبل ظهور عبدالناصر، وتصحيحى من مرحلة أنور السادات!
 
قالت: إذن هو رجل من انصار الحياة ومع الحياة، يمضى حيث تمضى ويذهب حيث تذهب.
 
قلت: هذا صحيح وهو فى السياسة كما فى الحياة يذهب معها اينما تذهب وفى أى اتجاه، وفى أيام عبد الناصر كان ابو الناصرية وفى الانفتاح كان أبو المنفتحين والمنتفعين!
 
قالت: افهم من ذلك انكم تعانون من أزمة الكتاب الملتزمين!
 
قلت: بالعكس كتابنا ملتزمون، وهم ملتزمون بالاتجاه السائد، وهم دعاة للخليفة الموجود، وهم مع كل دولة حتى تسقط وضد كل ساقط حتى يرتفع، وهم فى النهاية ملتزمون بالمرتب والصراف والحساب المودع فى البنوك!
 
قالت: اذن هم ساقطون فى نظر الرأى العام !
 
قلت: أى رأى عام؟ ان مركز الباجور منوفية يعيش فية مائة وخمسون مليون نسمة واعظم جريدة توزع نصف مليون نسخة وهناك مئة مليون على الاقل لا يعرفون أن فى مركز الباجور جرائد.