الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

إبداع




رسوم: بيكار - كنعان
 
شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبروننا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع للاحتفال بمولد شاعر من طراز خاص هو الشاعر القدير صلاح عبد الصبور ( 3 مايو 1931- 13 أغسطس 1981) الذى يعد أحد أهم الشعراء المصريين المجددين على مر العصور، وهو إلى جوار ذلك شخص متعدد الموهبة والثقافة، مارس كتابة الشعر إلى جوار التأليف المسرحى، وفى التنظير للشعر الحر، تميز مشروعه المسرحى بنبرة سياسية ناقدة، وتميزت أشعاره بالحداثة والبعد عن المدارس الشعرية التقليدية مما حفر اسمه بين صفوف أهم الشعراء فى العالم العربي
.
لحن
 
جارتى مدت من الشرفة حبلاً من نغم
 
نغم قاس رتيب الضرب منزوف القرار
 
نغم كالنار
 
نغم يقلع من قلبى السكينة
 
نغم يورق فى روحى أدغالاً حزينة
 
بيننا يا جارتى بحر عميق
 
بيننا بحر من العجز رهيب وعميق
 
وأنا لست بقرصان، ولم اركب سفينة
 
بيننا يا جارتى سبع صحارى
 
وأنا لم أبرح القرية مذ كنت صبيا
 
ألقيت فى رجلَى الأصفاد مذ كنت صبيا
 
أنت فى القلعة تغفين على فرش الحرير
 
و تذودين عن النفس السآمة
 
بالمرايا الفارس الأشقر فى الليل الأخير
 
(أشرقى يا فتنتى)
 
 (مولاى!!)
 
( أشواقى رمت بى)
 
آه لا تقسم على حبى بوجه القمر
 
ذلك الخداع فى كل مساء
 
يكتسب وجهاً جديد ..
 
جارتى! لست أميراً
 
 لا ، ولست المضحك الممراح فى قصر الأمير
 
سأريك العجب المعجب فى شمس النهار
 
أنا لا املك ما يملأ كفىّ طعاما
 
وبخديك من النعمة تفاح وسكر
 
فاضحكى يا جارتى للتعساء
 
نغّمى صوتك فى كل فضاء
 
و إذا يولد فى العتمة مصباح فريد
 
فاذكرينى ..
 
زيته نور عيونى وعيون الأصدقاء
 
ورفاقى الطيبين
 
ربما لا يملك الواحد منهم حشوَ فم
 
و يمرون على الدنيا خفافاً كالنسم
 
ووديعين كأفراخ حمامه
 
وعلى كاهلهم عبء كبير وفريد
 
عبء أن يولد فى العتمة مصباح جديد
 

 
مقطع من قصيدة: مرثية رجل تافه
 
مرثية رجل تافه
 
مضت حياته... كما مضت
 
ذليلة موطَّأة
 
كأنها تراب مقبرة
 
وكان موته الغريب باهتا مباغتا
 
 منتظَرا، مباغتا
 
الميتة المكررة
 
كان بلا أهل، بلا صِحاب
 
فلم يشارك صاحبا_حين الصبا_لهوَ الصبا
 
ليحفظ الوداد فى الشباب
 
طان وحيدا نازفا كعابر السحاب
 
وشائعا كما الذباب
 
وكنتُ أعرفه
 
أراه كلما رسا بىَ الصباح فى بحيرة العذاب
 

 
 
رؤيا..
فى كل مساء،
 
حين تدق الساعة نصف الليل،
 
وتذوى الأصوات
 
أتداخل فى جلدى أتشرب أنفاسى
 
وأنادم ظلى فوق الحائط
 
أتجول فى تاريخى، أتنزه فى تذكاراتى
 
أتحد بجسمى المتفتت فى أجزاء اليوم الميت
 
تستيقظ أيامى المدفونة فى جسمى المتفتت
 
أتشابك طفلاً وصبياً وحكيماً محزوناً
 
يتآلف ضحكى وبكائى مثل قرار وجواب
 
أجدل حبلا من زهوى وضياعى
 
لأعلقه فى سقفالليل الأزرق
 
أتسلقه حتى أتمدد فى وجه قباب المدن الصخرية
 
أتعانق والدنيا فى منتصف الليل.
 
حين تدق الساعة دقتها الأولى
 
تبدأ رحلتى الليلية
 
أتخير ركنا من أركان الأرض الستة
 
كى أنفذ منه غريباً مجهولاً
 
يتكشف وجهى، وتسيل غضون جبينى
 
تتماوج فيه عينان معذبتان مسامحتان
 
يتحول جسمى دخان ونداوه
 
ترقد أعضائى فى ظل نجوم الليل الوهاجة والمنطفأة
 
تتآكلها الظلمة والأنداء، لتنحل صفاء وهيولى
 
أتمزق ريحا طيبة تحمل حبات الخصب المختبئة
 
تخفيها تحت سراويل العشاق.
 
وفى أذرعة الأغصان
 
أتفتت أحياناً موسيقى سحرية
 
هائمة فى أنحاء الوديان
 
أتحول حين يتم تمامى -زمناً
 
تتنقل فيه نجوم الليل
 
تتجول دقات الساعات
 
كل صباح، يفتح باب الكون الشرقى
 
وتخرج منه الشمس اللهبية
 
وتذوّب أعضائى، ثم تجمدها
 
تلقى نوراً يكشف عريى
 
تتخلع عن عورتى النجمات
 
أتجمع فاراً، أهوى من عليائى،
 
إذ تنقطع حبالى الليلة
 
يلقى بى فى مخزن عاديات
 
كى أتأمل بعيون مرتبكة
 
من تحت الأرفف أقدام المارة فى الطرقات. 
 
الخبر
 
 يُلـقى بـى ضجرى أحيانًا فـى شـطِ البحـرِ،
 
 يستهوينى عندئذ أن أهمسَ للموجِ المتدفق،
 
 بأفـانيـن القصـص المنحـولـة عـن نفسـى.
 
 أو أعلن عن أسمائى فى أبواق الأفق المطبق.
 
 فأسمى نفسى أحيانًا بالقرصان الأزرق.
 
 أو بالتنين المحرق.
 
 أحـيانًا تُـلقى بى الأسفـار إلـى الغـابات،
 
 فى وحشتها تستيقظ فى نفسى التهويمات.
 
 ويُغمغم صوتى بالكلمات المدخولات.
 
 وأقدم نفسى للشجر الملتف.
 
 باسم الإعصار العاصف.
 
 فى هاوية الجبل المسنون أسمى نفسى بالسيل القاصف.
 
 فـى صخـر السفـح الغافـى فـى جـدران الصمـت.
 
 أسمى نفسى
 
 قطب الوقت.
 
 من يدرينى إذ يهبطُ ظلى فى ظلى
 
 حين أعود إلى ظلمة بيتى
 
 بم تفْتر ثنايا الزبد البيضاء؟
 
 وبم تصفِر ساخرةً أشجار الغابات؟
 
 ماذا بثّ الجبل المتوحد للجبل المتوحد عن هازل أحوالى؟
 
 فى مُرتحلي، أو فى حِلِّى.
 
 من غمزات، أو إيماءات؟
 
 ماذا غمغم فى قيعان السفح الغافي
 
 من سخرية الأصوات؟
 
 آه ضقت بحالي، بأكاذيبى ضقت
 
 لو يلتف على عنقى أحد الحبلين
 
 الصدق
 
 أو الصمت
 
 
 
 
 
مقطع من قصيدة: أغنية ولاء
 
صنعت لك
 
 عرشا من الحرير .. مخملى
 
نجرته من صندل
 
ومسندين تتكّى عليهما
 
ولجة من الرخام ، صخرها ألماس
 
جلبت من سوق الرقيق قينتين
 
قطرت من كرم الجنان جفنتين
 
والكأس من بللور
 
أسرجت مصباحا
 
علقته فى كّوة فى جانب الجدار
 
ونوره المفضض المهيب
 
وظله الغريب
 
 فى عالم يلتف فى إزاره الشحيب
 
والليل قد راحا
 
وما قدمت أنت ، زائرى الحبيب