الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الخطيب: المشروع القومى بعيد عن «الربيع العربى» الذى أنتج زعامات لا تؤمن بالقومية




«الهم الوطنى يغلف معظم كتاباتي»... هذا ما قاله الروائى والشاعر الفلسطينى أنور الخطيب، وطنه يسكن كتاباته حتى العاطفية منها، غربته تحرضه على الإبداع، يرى أن «الربيع العربي» صار أرضا خصبة لظهور الأقليات والعرقيات والمذاهب والطوائف والأديان، التى تهدد الوطن بمزيد من الانقسامات والحروب الطائفية والمذهبية والدينية، بما يقضى على ما تبقى من القومية العربية الآخذة فى التآكل منذ رحيل عبد الناصر، بما يضر بالقضية الفلسطينية ... عن إبداعاته ورأيه فيما تشهده الساحة السياسية العربية دار هذا الحوار.
 
 
■ ما الهاجس الذى يحرك قلم أنور الخطيب نحو الكتابة؟ لماذا تكتب؟ وماذا تنتظر؟
- ما يحرضنى على الكتابة ويفرش ليلى بالحبر هو غربتى عن وطنى فلسطين، تشكل لى حالة فقدٍ تتسع كلما تقدم بى العمر، أعشق وأعمل  لأموّه هذا الفقد، أكتب شعرا وجدانيا فأجدها أمامي، وكل ما يواجهنى من مصاعب فى الحياة أو تحديات أعيده لفقدانها، فأنا لم أزرها، ولم أرها، ولهذا أكتب، كى أحقق بعض التوازن فى الغربة أو اللجوء إن شئت، كى أنجو منّي، فالغربة أمارة بالسوء! أما ماذا أنتظر، فأنا أنتظر معجزة لا أدرى من سيحققها، ولن تحققها الكتابة، إذ مع التراجعات التى نشهدها على كافة الصعد، يزداد تحقيق المعجزة تعقيدا، معجزة أن أعود إلى وطني، وأتنازل قليلا داخل نفسى فأجبرها على قبول الزيارة حتى لو تحت الاحتلال، وهذا لا يعنى مطلقا أننى أقبل به تحت أى ظرف، وحتى الآن، فشل كل من حاول الحصول على تصريح زيارة، هل تصدق هذا؟ فأصل أحيانا إلى حالة صعبة جدا لا يفهمها سوى من يكابدها: لا أنتظر شيئا، وهنا لا يكون أمامى سوى مخاطبة الفراغ والعبث باللغة، هذا هو هاجسى المرير.
■  أصدرت أكثر من عشر روايات وثلاث مجموعات قصصية وخمسة دواوين.. هل الإبداع قرين الغزارة؟ وهل الإبداع يولد من رحم المعاناة؟
- لم تكن الغزارة يوما ما قيمة إبداعية، هناك من كتب رواية واحدة فى حياته كلها، وهناك من كتب قصيدة واحدة أيضا، وكلاهما ترك بصمة جديرة بالتوقف عندها، فقيمة الإبداع تكمن فى النوعية والتجاوز والانجاز الذى يمكن أن يرى المتلقى نفسه بين سطوره، ولم أتعمّد الغزارة يوما، إنما هى سماء المبدع تمطر فى كل فصول السنة، وعلى هذا يتنوع الزرع والحصاد والمذاق والرائحة، وأوافقك الهاجس، فالغزارة المقصودة لذاتها تضر بالإبداع، لكننى كما قلت فى إجابتى على السؤال الأول، أنا أكتب لأجسر فجوة فى روحي، ولا أدعى بطولة الكلمة، ويحدث أحيانا أن أتواصل مع صديق داخل بلدي، فأشعر بامتلاء روحي، فلا أكتب تلك الليلة، ومن جهة أخرى، ومع زيادة التورط فى الكتابة، تولّد لدى مشروع أدبي، طموح لتحقيق إضافة للإنجاز السردى أو الشعري، من خلال التجديد فى اللغة والبناء والتناول، ولكن، تبقى المعاناة عاملا حاسما فى فتح باب المدى، والدخول إلى آتون العملية الإبداعية، والمعاناة هنا لا تعنى الفقر أو الهجر أو أى أمر آخر، هناك معاناة وجودية وفكرية وفلسفية تقتحم عالم المبدع أو يقحم ذاته فيها دون تعمّد، ولهذا قيل: الإبداع إدمان وورطة. 
■ ما مدى حضور الهم الوطنى فى كتاباتك؟
- الهم الوطنى يغلف معظم كتاباتي، وصنع منى كاتبا أو شاعرا، وقد قلت فى قصيدة: خذوا كل الشعر يا سادتي، وامنحونى فراشة فى وطني، أطاردها. وقد كتب كثيرون عن هذا الهم فى أعمالي، حتى أننى حين كتبت رواية عاطفية، فإنهم أعادوها إلى الهم الوطني، لأن الوطن يظهر بجلاله حتى فى أحاديث القلب.
■  رهنت حياتك للكتابة .. هل يعنى أنك خارج الكتابة كائن ضعيف؟
- الكتابة قوة، تعزّز الذات وتوازنها مع الخارج القاسي، لست ضعيفا خارج الكتابة، لكن الكتابة تمنحنى معنى للحياة، ولا أتخيّل حياتى أبدا خارج اللغة، حتى لو توقفت عن النشر أو عزلت نفسى عن الساحات الثقافية الملتبسة فى كثير من الأماكن، فالكتابة قدر، وأزعم أنها فى الجينات أحيانا، فأنا من اسرة يكتب أفرادها الشعر ويتعاطون الرسم والمسرح والعزف، بحثا عن معادل موضوعى للحياة.
 ■  كيف تحضر المرأة فى نصوصك؟ وهل هى المعادل للأرض والوطن؟
- جرت العادة أن ينظر النقاد إلى النتاج الإبداعى الفلسطينى من الزاوية الوطنية البحتة، وهذه نظرة تصادر إنسانية الكاتب، نعم، المرأة حاضرة بقوة فى كتاباتى السردية والشعرية، لكننى حين أكتب عنها لا أدعى أننى أكتب عن الوطن، ولكننى حين أكتب عن الوطن تطل المرأة بكل تجلياتها ومعانيها، بل تهطل بقوة المطر الغزير، وهذا لا يعنى أننى لا أوظف المرأة رمزا للوطن والغربة وحالة الفقد، بل إننى أحيانا حين أكتب شعرا لامرأتى يطل المنفى بملامحه المربكة، ولكن أجد من حقى كإنسان أن أتغزل بحبيبتى غزلا صافيا، وأن أتحرش بالجمال، وأرفض أن يتم تفسير أعمالى العاطفية من منظور الوطنية، رغم أن كل معانى الحياة وشخوصها تصب فى إنسانية الكتابة.
■ هل يمكن القول إن الأدب الفلسطينى حافظ على مكانته على صعيد الوطن العربي؟
- مر الأدب الفلسطينى بمراحل أوجزها بالتالي: مرحلة ما قبل الثورة، ومرحلة الثورة، ومرحلة ما بعد الثورة، وهذا إقرار منى بأن الثورة الفلسطينية المسلحة انتهت مع توقيع الاتفاقيات المؤلمة مع العدو الصهيوني، وعودة إلى السؤال، فإن الأدب الفلسطينى انتعش موضوعيا فى مرحلة الثورة، نظرا للماكينة الإعلامية التى رافقته لسنوات، وخاصة فى عمان وبيروت، لكنه تطور فنياً فى مرحلة ما بعد الثورة، أى مرحلة الخروج من بيروت وتوقيع الاتفاقيات، ومحمود درويش كتب أجمل قصائدة فى الفترة ما بعد 1982، لكن الأدب الفلسطينى لم يحافظ على مكانته ليس لأنه تراجع، ولكن لأن المرحلة السياسية اختلفت وتغيرت إن لم تكن قد تراجعت، فلم يعد لهذا الأدب ماكينة إعلامية ترفعه وتعرف به، وكما نقول بالعامية: أصبح بلا ظهر، ناهيك عن صعود الشوفينية الأدبية فى الوطن العربي، إضافة إلى أن النقاد سجنوا الأدب الفلسطينى فى المقاومة والوطنيات، ولم يغيروا مواقفهم فيما بعد.
■ كيف تنظر لوضع القضية الفلسطينية فى ظل متغيرات الربيع العربي؟
- القضية الفلسطينية فى غرفة الإنعاش، وهى فى أمس الحاجة إلى ربيع فلسطينى عربى ينقذها من الموت، لقد كبلتها الاتفاقيات الناقصة، والصراعات الداخلية، وعدم وجود رؤية إستراتيجية واضحة للعمل الوطني، والتنازلات عن حقوق اللاجئين، والربيع العربى بشكله الحالي، ونتائجه الراهنة، التى جاءت عكس ما أراده الشباب الثورى الطموح، زاد القضية الفلسطينية إهمالا، وسحب منها البعد العربى الضرورى لأى انتصار محلى على الأرض، أو عالمى فى المحافل الدولية، وإننى أصاب بالدهشة لمفهوم الجهاد الجديد، ومعايير الوطنية الجديدة، (المجاهدون) يأتون من كل حدب وصوب للقتال فى سوريا وليبيا وتونس واليمن وغيرها، وفلسطين الأحق بالجهاد، تعانى من الاحتلال من أكثر من 64 عاما.
■  كيف تتأمل الربيع العربي؟ هل تراه مؤامرة خارجية؟ وهل تتوقع أن يتمخض عن مشروع قومى أم أنه زوبعة فى فنجان؟
- المشروع القومى بعيد كل البعد عن (الربيع العربي)، لأنه أنتج زعامات لا تؤمن بالقومية، إضافة إلى أنه صار أرضا خصبة لظهور الأقليات والعرقيات والمذاهب والطوائف والأديان، وكلهم استيقظوا على موضوع الانتماء الضيق، وهذا يهدد الوطن العربى بمزيد من الانقسامات، ومزيد من الحروب الطائفية والمذهبية والدينية، والفكرة القومية آخذة بالتآكل منذ رحيل جمال عبد الناصر، ولم أجد منذ رحيله قائدا يتحدث عن القومية العربية، مما أدى إلى تراجع القضايا المصيرية الكبرى، والدخول فى الفلسفات القطرية الضيقة. وحتى الآن، فإن كل ما يحدث هو زوبعة فى فنجان، لكن المستقبل مفتوح على مختلف الاحتمالات.