الإثنين 23 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كان لابد أن تحكم التيارات الإسلامية بعد «الربيع».. لنكتشفها




يعيش شاعر العامية الكبير عبدالرحمن الأبنودى لحظات من الرضا عن رحلته الشعرية الطويلة بعد عودة ابنته حاملة جائزة الإبداع العربى التى تسلمتها نيابة عنه فى احتفالية ملتقى الإبداع العربى بالكويت، رغم ابتعاده عن المشهد منذ ما يقرب من الخمس سنوات فى منزله بالإسماعيلية بعيدا عن قلب «المعمعة» الثقافية بالقاهرة، فتح لنا الأبنودى قلبه خاصة وأنه يحتفل هذه الأيام بعيد ميلاده ليتحدث لنا عن الشعر والثورة والإخوان والأمل فى الغد وكيف يرى الوضع فى الوطن العربى بعد «الربيع العربى»، وسر اختياره للمربعات تحديدا لكتابة شعره حاليا... وعن هذه القضايا دار هذا الحوار:
 
■ كيف كان شعورك بعد تكريمك فى ملتقى الإبداع العربى بالكويت؟
 
- كما تعرفين أننى لست إعلاميا بالمعنى الاحترافى، وإن كان صوتى يصل دائما إلى الإعلام سواء المسموع أو المرئى أو المكتوب، وهذا ما صنع علاقة الناس الحميمة بى إلى جانب أننى أعبر عن قضاياهم سواء فى داخل مصر أو فى العالم العربى وقضايا الأمة العربية، وكانت لى دائما تلك الرحلات العديدة والطويلة التى قطعت فيها الأمة العربية من الشرق للغرب ومن الشمال للجنوب، والبعض فى الدول العربية يقول إننى الشاعر الذى ضل طريقه للقاهرة، لأننى أعبر عن قضايا تمس كل إنسان فى الأمة العربية، وكما يعرف الجميع أنا منذ خمس سنوات لا أستطيع أن أغادر منزلى بالإسماعيلية سواء للقاهرة أو لأى مكان آخر، وتذكرهم لى بعد هذه السنوات من الغياب، لدرجة منحى هذه الجائزة الإبداعية، هو شىء يغمر النفس بنوع من الرضا العميق.
 
■ أقرأ فيما بين سطور ردك عتابا لمصر؟
 
- هذا عتاب المحبين.. إنما نحن أمة تنسى أهلها بمجرد أن تستدير! ولا يجرؤ مثقف مصرى أن يغادر القاهرة أسبوعا كاملا، فلا أريد أن أقول إنهم لا يريدون مغادرة منتصف المدينة تحديدا! ... حتى الثوار الذين نقول لهم طوال الوقت اذهبوا إلى الريف وإلى العشوائيات.. لكنهم أصابوا الثوار بداء التواجد فى سرة المدينة ولابد أن يروا بعضهم يوميا كى لا ينسى أحدهم الآخر .. فقرار الهجرة من القاهرة الذى اتخذته رغم أنه رغم عنى لا يستطيع أى من المثقفين اتخاذه.
 
■ كيف ترى حال الأمة العربية الآن؟
 
- نحن فى أمة عربية مختلفة تماما أصيبت بداء الأنانية وجهات كثيرة أصبح انتماؤها ليس للأمة بقدر ما هو لجهات ضد هذه الأمة، وظهر بدلا من شعارات القومية العربية والوحدة العربية شعارات مثل «اللى تغلب به العب به»، و«أنه عليك أن تبحث عن مصالحك الشخصية بعيدا عن هذه الأمة»، وتراجعت القضية الفلسطينية إلى أبعد ما يكون، والجهات المتطرفة منها ومدعو الجهاد ومدعو الحكم باسم الإسلام تماما كما هو الحال هنا يقيمون علاقات على أساس من الدين ووحدة مصالح ضد الشعب المصرى وضد الشعب الفلسطينى.
 
■ وماذا عن دول «الربيع العربى» بدءا من تونس وانتهاء بسوريا؟
 
- التجربة فى تونس كنا نتمنى أن تنجح وأن تؤتى ثمارها وأن يصبح الربيع ربيعا حقيقيا، لكن لا أظن أن تونس التى كنت أزورها التى كنت أراها درة الأمة العربية ومتقدمة جدا أصبحت الآن تعانى من الكآبة ويحكمها هؤلاء «المستشيخون» وأصحاب اللحى .. ليبيا أيضا ... فى وجهة نظرى أظن أننا انتكسنا انتكاسة كبيرة جدا، فكنت أظن بعد القذافى وزين العابدين بن على وعبد الله الصالح أن الأمة ستتنسم نسائم جديدة، وتغير جلدها الغبى، لكن جاءت جلود ثخينة، وحكام يفخرون بهذا الجلد، وأناس لا يعرفون عنا شيئا ويريدون تحقيق حلم أقرب للوهم، وسيضيعون من عمر الأمة سنوات وسنوات فى معالجة كل التخلف الذى يصنعونه ويخلفونه وراءهم، فأتمنى أن تخرج الأمة العربية من كبوتها، طبعا كان لابد لهذه التيارات الإسلامية أن تحكم لنكتشفها ولكى نعرف أن العالم غير قابل للارتداد للخلف ولا للتخلف.
 
■ هل دعوتك لاستمرار الثورة تغيير لتصريحاتك الأخيرة عن دعوتك بعودة الشباب لبيوتهم؟
 
- من قال هذا؟، مستحيل أن أكون قد صرحت بمثل هذه التصريحات وهى ضد مبادئى تماما، كيف لى أن أقول ذلك ومربعاتى اليومية بجريدة التحرير كلها تحريض على الاستمرار وبذل المزيد من الجهد، أنا لن أدع مطلقا لليأس والإحباط لأنهما خيانة.
 
■ كيف ترى رد فعل الجماهير تجاه المشهد السياسى؟
 
- الجوع كافر.. مصر لن تستمر على هذا الحال طويلا، والحالة الاقتصادية تتدهور بسرعة البرق، فلو أن أحدا نظر إلى الريف والمناطق الفقيرة سيدرك حقيقة ما أقول، فحالات السطو والخطف والمخدرات والسلاح والقتل تتصاعد بقوة وهى ضد طبيعة المجتمع المصرى، لكنها انعكاس للظروف الاجتماعية الحالية التى لا يجدون الطريق لمواجهتها، فالجماهير تواجه نفسها الآن، فالجوع لن يسمح باستمرار مثل هذا اللعب بمصير أمة وثورة الجياع مقبلة فى ظل وجود المسافة بين الطليعة والجماهير بالشارع.
 
■ هل ترى أن أزمة مصر فى نخبتها؟
 
- أرى أن النخبة عليها أن تبدأ من الصفر مرة أخرى، والصفر معناه الجماهير فى الشارع وعلى المثقفين الثوريين أن يربوا كوادرهم على أساس ألا تغادر مواقعها وأن تظل تعمل بين الناس، وما غير ذلك سنظل نائمين نحلم بالاستيقاظ على «عبدالناصر» جديد وهو ما لن تسمح به الرأسمالية العالمية ولا أمريكا، حتى الحالمين بأن الفريق السيسى هو المنقذ هم أيضا مخطئون، لأنه إذا لم يصنعوا الثورة بأنفسهم فلن يصنعها لهم أحدا.
 
■ ماذا تتوقع للوضع الثقافى فى ظل حكم الإخوان؟
 
- الإخوان ليسوا أهل ثقافة، هم أهل ثقافة واحدة ولا يؤمنوا بثقافتنا ولا بالتعدد الثقافى، ولا يؤمنوا بالأدب أو الفن على الإطلاق بل يعتبرونه آفة، وكل ما ينبه الناس لحياتها ومستقبلها ويوقظ فيها الحلم والخيال هم ضده، وذلك لأنهم بلا خيال وبحلم كاذب، فهم نسخة كربونية ومحدودون وهو ما لا يتفق مع الإبداع، بدليل صمتهم عن انتهاكات عديدة حدثت للفن والإبداع وأظن أن الأيام المقبلة ستعلو فيها هذه النعرات مرة أخرى.
 
■ لماذا اخترت قالب المربعات لتكتب فيه يوميا بجريدة «التحرير»؟
 
- أولا أنا أدين بالمربعات للجريدة وللأستاذ إبراهيم عيسى تحديدا، الذى اهتم بوجودى معه فى الجريدة بأى صورة من الصور، إلى أن هدانى الله إلى المربع، الذى تحكى به السيرة الهلالية، التى أعمل بها وبالمربعات لأكثر من أربعين عاما، فالمربع قالب يصل للناس بسرعة البرق، ومن هنا جاءت شعبيته، فالمربع بيتين من الشعر بأربعة أشطر، الأول يقابل الشطر الثالث والثانى يقابل الرابع ومن تلاعب القوافى تتولد المعانى والحكمة التى يريد الشاعر الشعبى أن يوصلها... بالفعل بدأت الكتابة وتركت المدة مفتوحة لأجد نفسى أكتب يوميا على مدار ثمانية أشهر التى لاقت صدى واسعاً جدا، فهذه أشطر الأربعة تلخص ما يقال فى القصائد الطويلة التى لا طاقة لأحد بقراءتها يوميا، كما أن الأحوال السياسية المتقلبة والسريعة من الممكن أن تحول القصائد إلى عمل فقد زمنه! ...
 
■ هل يعنى ذلك أن الشعر غير ملائم للحظة الراهنة؟
 
- ليس كذلك، إنما يصعب على الشاعر كتابة قصيدة تفقد معناها وهدفها بعد ساعتين من الانتهاء منها نتيجة تغير الظروف! .. إنما كتابة مربع ثم يفقد معناه ليس بالأمر القاسى على الشاعر كالقصيدة، وحاليا لجأ الكثير من الشعراء لفكرة كتابة شعر قصير، فالمربع أكثر عملية ولايلغى الشعر، ففيه اللعب بالقوافى وبالموسيقى الداخلية وهكذا، إلى جانب الوطنية التى هى فى أصلها شعر، لأنها حالة إنسانية بحتة فهى خلاصة الشعر.
 
■ هل ترى ثمة تشابه بين المناخ الشعرى فى الستينيات والمناخ الشعرى الآن؟
 
- على الإطلاق، ففى الستينيات كان هذا البلد يبنى.. وكان السد العالى يصعد.. وكانت المصانع تُصنّع، وكان الفقراء يأخذون الأرض، وكانت ثمة نسائم للمستقبل نشمها فى كل لحظة، ولذلك كنا نعانى قليلا أو كثيرا من قضية الحرية، وكنا ندفع بالدولة للأمام، لكننا الآن نعادى هذا النظام والمثقفون يعادونه أدبيا بشكل كامل، ونحمد الله أن تجربة الميدان أفرزت مجموعة من الشعراء والفنانين المهمين جدا والذين أنتظرهم فى المستقبل يحملون الراية من بعدنا.
 
■ من أكثر من لفت نظرك منهم؟
 
- مصطفى إبراهيم صاحب «فلان الفلانى» أنا سعيد بتجربته جدا فى ديوانيه أيضا، كذلك مصباح المهدى، كذلك الفرق الغنائية التى ظهرت بقوة مثل «كاريوكى» و«اسكندريلا» و«وسط البلد»، كلهم بؤر ومنابع جديدة على الأذن سواء على مستوى الكلمة أواللحن أوالغناء كلهم شباب جدد ونصوص جديدة أيضا، فأنا مؤمن أن مصر دائما تخلق حراسها.
 
■ على مدار مشوارك كيف استطعت الوصول بشعر العامية للفقراء الذين يعانى أغلبهم الأمية؟
 
- فى طفولتى وفى صباى وفى أوائل الشباب كنت أعيش حياة هؤلاء الأميين والفقراء، فلم أشاهد القرية من خلف لوح زجاجى إنما كنت واحدا من دود أرضها، فلقد جنيت القطن ورعيت الغنم ونزلت الترعة واصطدت سمكتى بنفسى ويمامتى بنفسى، وكنت أمشى فى قيالة قنا بلا حذاء! ... هذه حياة غنية جدا وبرغم هذا الفقر إلا أننى حفظت نصوص شعرية وغنائية لا حصر لها، فأنا الوحيد الذى يعرف سكة الفقراء، وللأسف الشديد لا أحد من الفقراء يعرف من الشعراء أو المثقفين سوى عبدالرحمن الأبنودى! وهو أمر يأسى له الإنسان حقيقة! فأنا أتمنى أن تأخذ اللغة وظيفتها الحقيقية فى الحياة وهى أنها وسيلة للتخاطب والشرح وهو شىء لا يلغى جمالياتها.. فاللغة التحتية لها جمالياتها وهو ما فعلته فى شعرى.
 
■ هل ننتظر ديوانا جديدا لعبد الرحمن الأبنودى؟
 
- المفروض، لأننى أنوى جمع ما كتبته من مربعات التى وصلت الآن إلى 240 مربعا، وأن يكون لبعض المربعات تفاسير تحتية وشروحات فى ديوانى المقبل، لأنه فى بعض المربعات حين تحدثت عن «إصبع» الرئيس فى وقته كان مفهوما، لكن بعد ثلاثين أو أربعين عاما لن يكون مفهوما، وأنا مستمر إلى أن يكون هناك قفلة سياسية للتوقف عن المربعات.